يجمع الخبراء على أن مخزون البترول آخذ بالتناقص، في وقت يتزايد الاستهلاك. وإذا كان البترول يشكل حتى الآن المصدر الأساسي لتشغيل النقل والمصانع، فإنه يدخل في الصناعة البلاستيكية التي أصبحت منتجاتها تغزو المنازل وتترك آثاراً كارثية على البيئة بسبب صعوبة انحلالها في التربة واستحالة تكريرها على نحو كامل حتى الآن. لقد توصل علماء الكيمياء والفيزياء إلى ابتكار نوع جديد من البلاستيك المصنوع من الذرة والقمح والشمندر وحتى البكتريا. صحيح أن هذه الطريقة في صنع البلاستيك كامل الانحلال معروفة منذ قرابة عقد من الزمن، لكن كمية الانتاج بقيت محدودة وتتراوح بين 50 و70 ألف طن سنوياً في مقابل 149 مليون طن من البلاستيك الاصطناعي الذي يدخل البترول في تركيبته، وذلك بسبب الكلفة التي تقدر بأربعة أضعاف المبلغ اللازم لانتاج البلاستيك الاصطناعي. لكن الأميركيين قرروا تنشيط هذا القطاع، حيث استثمر عملاق الصناعة الكيماوية والغذائية "داو آند كارجيل" مبلغ 300 مليون دولار قبل عام لانشاء مصنع قادر على انتاج 140 ألف طن سنوياً من البلاستيك الحيوي. بمعنى آخر تبلغ انتاجية المصنع اليومية 40 ألف دلو من البلاستيك المستخرج من الذرة. وبما أن النشاء الموجود في مادة الذرة قابل للانكسار النفاد، فلا بد من اخضاعه أولاً لعملية تحطيم في البنية الجزئية عبر تعريضه لدرجة حرار عالية بغية عزل السكر الذي يتم تخميره بإضافة البكتريات ليتحول إلى حمض اللبن المكثف والمنقى الذي يتغير فيزيائياً ليصبح أحادي الجزئيات ولا يتبقى سوى تجميعه لتشكيل حمض متعدد الخمائر، وفي النهاية نحصل على صفائح من البلاستيك الحيوي، وهنا لا بد من تليينه وطرقه للحصول على اشكال الأغراض والأوراق المطلوبة. وهناك طريقة أخرى للحصول على هذه المادة تتمثل في استخدام عرنوس الذرة بكامله أي الأوراق والعرموش والحبوب التي يتم هرسها وارسالها مثقبة تقوم بكسر جزئيات النشاء والسللوز ثم يتم تعريض الخليط لدرجة حرارة عالية في أفران خاصة كي تتجمع الجزئيات الأحادية وتحبس الألياف النباتية، وهنا نحصل على مادة بلاستيكية من النبات الطبيعي بنسبة مئة في المئة، في حين نجد أن الكثير من البلاستيك الحيوي يعتمد على خلط نشاء الذرة أو القمح بمادة بلاستيكية مشتقة من البترول، وتحسن هذه المزاوجة قابلية المواد البلاستيكية المستخدمة، لا سيما الأكياس المستخدمة في المخازن الكبيرة، على الانحلال في البيئة وتخفيف التلوث. ويسعى العلماء اليوم لابتكار نوعية من البلاستيك لا يستغرق انحلالها في التربة أربعة قرون من الزمن إذا كانت اصطناعية بحتة، أو أربعين عاماً إذا تمت معالجتها في محارق النفايات العضوية في درجة حرارة تراوح بين 50 و60 درجة مئوية. ومن هنا فإن البلاستيك القابل للانحلال عضوياً يعتبر الحل الأمثل لإدارة مشكلة النفايات البلاستيكية، حيث يمكن تخزينها وحرقها بكلفة بسيطة لتتلاشى من دون أن تؤذي البيئة، إذا علمنا أن بلداً صناعياً يبلغ عدد سكانه في المتوسط 50 مليون نسمة، يستهلك سنوياً 14 بليون كيس بلاستيكي كل عام، أي ما يساوي 85 ألف طن من البلاستيك يتطاير معظمها في الهواء الطلق في نهاية المطاف، ليغزو الغابات والحقول ويلوث التربة. ومن شأن هذه الثورة الصامتة في صناعة البلاستيك الحيوي أن تنعش قطاع زراعة الذرة والحبوب في أوروبا والدول الصناعية الكبرى وتعزز استراتيجية التنمية المستديمة