للمرة الاولى في تاريخ الموضة الحديث، يغيب اسم إيف سان لوران عن عروض ازياء هذا العام. اما التشكيلة الخاصة بالازياء الجاهزة التي حملت شعار إيف سان لوران، فهي من توقيع المصمم الأميركي توم فورد. قبل عام ونيّف، ودّع عاشق المرأة العالم الذي سحره مراهقاً ثم شاباً. وكان إيف شاعراً في كلمات الوداع: "ان اجمل رداء للمرأة هو، ذراعا الرجل الذي تحب". هكذا ترك سان لوران دار الازياء التي أسسها عام 1962، معلناً ان هذا العصر ليس عصره، بل عصر الجينز وحذاء الرياضة. وادرك تماماً، ان الابداع والتسويق لا يتفقان، ففضّل انزال الستارة بنفسه على 45 سنة تقريباً من الخلق والابداع. ويعتبر سان لوران الرجل الذي حرّر المرأة من استعمار الفستان هو الذي اخترع لها البنطلون الأنيق الطويل والقصير، وحرر حركتها. وُلد إيف في الاول من شهر آب اغسطس لعام 1936 في مدينة وهرانالجزائرية. كان والده يملك صالات عرض سينمائية، لكن الابن كان يفضل والدته ويتذكر طفولته بقربها، خصوصاً عندما كانت تأتي مساءً لتقبّله قبل خروجها الى احدى السهرات وهي ترتدي فستان السهرة الطويل الابيض والمصنوع من الدانتيل المزيّن بقطع نقد ذهبية. احبّ سان لوران مجلات الموضة منذ صغره، وفي السابعة عشرة من عمره، كتب هذا المراهق الخجول رسالة الى رئيس تحرير النسخة الفرنسية من مجلة "فوغ" الشهيرة، طالباً منه النصائح، لانه يحب الرسم وصنع النماذج الخاصة بديكور المسارح، كما يخيط ويصمم بنفسه الملابس الخاصة لمجموعة التماثيل الصغيرة التي يمتلكها، ثم هو يشعر بميل شديد وانجذاب كلي لعالم الموضة. يومها، كان إيف يتابع دراسته في احدى مدارس الخياطة الراقية، بعد حصوله على شهادة البكالوريا، وحصل على الجائزة الاولى للمسابقة التي أعدتها امانة السر العالمية لصناعة النسيج، حيث صمّم فستاناً اسود اللون للسهرة. نحن في عام 1953 وتذكر مدير تحرير مجلة "فوغ" الشاب المراهق الذي يحب عالم الموضة خصوصاً عندما شاهد تصاميمه الشبيهة بتلك التي تنفّذها دار ديور للازياء، وقام بمهمة التعارف بين إيف وكريستيان ديور الذي طلب على الفور من الشاب الخجول العمل معه كمساعد للتصميم. وفي سنة 1957 أصيب كريستيان ديور بسكتة قلبية وحل مكانه على رأس دار الازياء المعروفة، إيف سان لوران الذي قدّم اول مجموعة من تصميمه بعد عام، وفيها عرض الفساتين التي اسماها "ترابيز" اي المربع غير المتساوي الاضلاع، ومعها عرف الشهرة للمرة الاولى، لكن هذا لم يعفه من خدمة العلم، ولم يتحمل الحياة العسكرية فأصيب بانهيار عصبي كان الاول في سلسلة طويلة ولم ترحمه وسائل الاعلام، فنحن في نهاية عام 1960 وحرب الجزائر في اقسى مراحلها، ولدى خروجه من المستشفى فوجئ بمصمم آخر يحتل مكانه في دار كريستيان ديور بعدما اتهمته الصحافة بالتمارض خوفاً من الذهاب الى الحرب. في بداية سنة 1961 اتفق سان لوران مع بيار بيرجيه صديقه حتى اليوم على العمل معاً، فأسسا دار أزياء إيف سان لوران. وفي كانون الثاني يناير للعام التالي عرضت الدار اول مجموعة ازياء قدّم فيها المصمم الشاب اسلوبه الخاص والمميز، وأتت خطوط تصاميمه بسيطة وأنيقة. يومها شرح المصمم ان "ما يهمني هو تصميم ملابس نسائية تعتمد على بساطة ملابس الرجال، اي بعض الثياب العملية الانيقة معاً والتي لا تبطل موضتها". وعادت الصحافة، لتفرد صفحات لتصاميم سان لوران وبدأت الشهرة، ومعها اخذت التصاميم تتغير وتتلوّن حسب مادة الالهام. في عام 1965 استحوى ايف خطوطه من لوحات الرسام الهولندي موندريان فأتت تصاميمه هندسية القصّات ذات الوان صفراء، حمراء وزرقاء موزعة على قماش ابيض. اما سنة 1966 فتميزت بمجموعة اسماها "بوب آرت" وظهرت عارضات الازياء بالبنطلون والسموكنغ اللذين كانا فيما مضى حكراً على الرجال. وفي عام 1967 تمايلت عارضات الازياء القادمة من افريقيا للمرة الاولى في تاريخ العروض الباريسية، واشهرها ملكة جمال كينيا وافريقيا خديجة. هذه السنة اطلق عليها سان لوران اسم "السنة الافريقية". في النصف الثاني من الستينات، ادرك سان لوران خصوصاً صديقه وشريكه بيرجيه الذي يعرف من اين تؤكل الكتف، ان المجتمع الفرنسي تحوّل الى مجتمع استهلاكي، وبالتالي ستجد الازياء الجاهزة طريقها الى الاستهلاك السريع، فافتتح الشريكان في الضفة الشمالية لنهر السين في باريس اول محل لبيع الازياء الجاهزة، وهكذا اصبح بإمكان المرأة ذات الدخل المتوسط شراء الثياب الانيقة التي تحمل توقيع دار الازياء الشهيرة. الشهرة والمال والحفلات الصاخبة وصحبة المشاهير طغت على حياة سان لوران الذي غرق في الكحول والمخدرات. وفي عام 1971 عرض مجموعته المسماة "تحرر" التي مُنعت في اميركا لكنه لم يهتم. وكثرت اقامته في عيادات معالجة الادمان سنة بعد اخرى، لكنه لم يتوقف عن الابداع والخلق، وكان يجد دائماً نساء غنيات يملكن المال لشراء ملابس من تصميمه. ومثلما يصمم الازياء صمم سان لوران عالماً خاصاً به هو عبارة عن جنّات عدن كما يُطلق عليه، يقولبها على هواه. فهو يملك في باريس مجموعة من اللوحات لاشهر الرسامين كما يملك قصراً في مراكش ومنزلاً غريب الشكل باستداراته التي تشبه الفقاقيع في الجنوب الفرنسي. في بداية الثمانينات، تحول اسم ايف سان لوران الى شعار تجاري مؤلف من الاحرف الثلاثة الاول للاسم الكامل. وهذا يعني انه تحول الى مادة تجارة يرغب في امتلاك اسهم فيها اكثر من رجل اعمال، فهي تنتج ثلاثة انواع من العطور تباع عالمياً. اضافة الى مجموعة كبيرة من مستحضرات التجميل والإكسسوارات التي يصل مدخولها الى ارقام خيالية تماماً كالازياء الجاهزة. شيئاً فشيئاً تحول سان لوران الى مؤسسة تجارية ضخمة لها قيمتها في البورصة. اصبح اسماً تجارياً اكثر منه انساناً مبدعاً. وفي عام 1989 كانت دار الازياء إيف سان لوران الاولى التي تبيع اسهماً للعامة. وبعد اربع سنوات بيعت بأكثر من 730 مليون يورو، وانتهت حرية واستقلالية مؤسسها، لكنه احتفظ بالشعار التجاري حتى عام 1999 الدانتيل: تخاريم ومنمنمات حاكتها أيدي النساء نادراً ما خلت عروض الازياء من ثوب العروس، ونادراً ما خلا فستان العروس من قماش الدانتيل يزيّن على الاقل طرحة العروس ويلقي عليها أناقة مميزة. الدانتيل او الدانتيلا، هذا القماش الرائع الشبيه بلوحة من التخاريم والمنمنمات، غزلتها يد امرأة، لا يزال حتى اليوم يغري مصممي الازياء. وُلد هذا الفن النسائي في القرن الخامس عشر، لكنه عرف طريقه الى عالم الموضة في القرن السادس عشر بفضل اختراع الياقة الواسعة والعريضة ذات الطيّات العدة المؤلفة من الدانتيل، وتدعى "الفريز" وكانت تتطلّب كل ياقة كمية كبيرة من قماش الدانتيل. واشتهرت البندقية الايطالية بحياكة الدانتيل بواسطة الخيط والإبرة، بينما اشتهرت بلجيكاوفرنسا بقماش الدانتيل المغزول. وتفرّدت النساء في صناعة الدانتيل الذي كثر استعماله في ملابس النساء، وحتى الرجال استفادوا منه، اذ غزا أكمام قمصانهم وياقات ستراتهم والجوارب العالية، كما ثُبّت الدانتيل على الخزائن وأغطية السرائر وحتى داخل عربات الخيل. وقبل نهاية حكم لويس الثالث عشر، مُنع ارتداء الدانتيل كلياً او استخدامه بموجب القانون. لكن الملك لويس الرابع عشر وكولبير ذراعه الايمن، أعادا الاعتبار الى صناعة الدانتيل الفرنسي. وفي عام 1665 بدأ تصنيف التخاريم حسب مكان حياكتها، وظهرت تخريمة منطقة ألنسون في فرنسا وتخريمة مدينة بروكسيل في بلجيكا. في عهد الملك الشمس لويس الرابع عشر وصلت صناعة الدانتيل الى اوجهها وعرفت الصناعة الفرنسية منها شهرة كبيرة في العالم كله. وبلغ عدد النساء العاملات فيها 80 الف امرأة وجدت في هذا العمل طريقة جيدة وسهلة للربح والبقاء في الوقت ذاته قرب منزلها. اما كولبير فقد منع استخدام الدانتيل غير الفرنسي واقفل الحدود امام الدانتيل الاجنبي. وفي نهاية عهد لويس الرابع عشر، وبعد الغاء العديد من القوانين المتعلقة بالصناعات المحلية، انهارت صناعة الدانتيل وهرب كثيرون من العاملين فيها الى البلدان المجاورة، كألمانيا وهولندا وانكلترا وسويسرا. وفي عهد لويس الخامس عشر عرفت صناعة الدانتيل الازدهار من جديد، لكنها عادت الى الانحسار كلياً مع الثورة الفرنسية وخلال عهد لويس السادس عشر. بعدها ولمدة 12 سنة لم يعرف العالم تخريمة واحدة جديدة لهذا الفن الرائع. وأعاد نابليون الاول احياء صناعة الدانتيل وأمّن الحماية الصناعية اللازمة لمصانع فرنسا. اما نابليون الثالث فأكمل مسيرة نابليون الاول واضاف عليها ايجاد اسواق استهلاك عالمية في اميركا الجنوبية وكوبا واسبانيا. وتدهورت صناعة الدانتيل في القرن العشرين على رغم من افتتاح مراكز تدريب مهنية خاصة بها. فالثورة الصناعية التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الاولى فتحت المجال امام المرأة للقيام بمهن اوفر ربحاً من حياكة الدانتيل. اليوم تحوّلت صناعة الدانتيل عن الفن الحرفي القديم، لم تعد ايدي النساء تغزل وتحيك تلك التخاريم والمنمنمات الأنيقة، بعد هجوم التكنولوجيا الحديثة. ومع اختراع خيوط النسيج المرنة والمطّاطة، راح هذا الفن يستخدم بأناقة في صناعة الملابس الداخلية.