على عكس ما هو شائع، فإن العلاقات بين الرئيس جورج بوش الإبن ووالده الرئيس السابق ليست علاقات مثالية بين أب وابنه. فمقولة ان الإبن يحاول ان "ينتقم" لأبيه من صدام حسين ليست صحيحة تماماً، والأدلة على ذلك كثيرة وحسية. فمنذ فترة لاحظ الصحافيون تحولاً لافتاً في موقف بوش الأب، من خلال مقالات كتبها مقربون منه في الصحف الاميركية. فمستشار الأمن القومي السابق برنت سكوكروفت كان البادئ بالتحذير من الحرب اذ كتب مقالاً بعنوان "لا تهاجم صدام"، معتبراً ان حرباً غير مدروسة ستضر ولا شك بالحملة الدولية على الارهاب، وان العالم العربي "سيصبح اكثر رفضاً" لسياسة الولاياتالمتحدة، اضافة الى ان "الجنود الاميركيين سيغرقون في الرمال العراقية". وفي النهاية، يضيف سكوكروفت: من يدري... ان صدام لن يستخدم الأسلحة البيولوجية! وجاء دور وزير الخارجية السابق جيمس بيكر الذي لا يزال مقرباً من بوش الأب، اذ نصح بوش الإبن باستخدام طريق الأممالمتحدة للوصول الى بغداد، مثلما فعل والده قبله عندما استصدر قراراً من مجلس الأمن لتحرير الكويت. وقال بيكر: "يجب اعطاء فرصة لمفتشي الأممالمتحدة"، ثم العمل على تشكيل تحالف دولي. أما الصوت الثالث فكان للديبلوماسي لاري ايغلبرغر الذي اعتبر ان قصف بغداد لا يبرره سوى امتلاك العراق أسلحة نووية. ويضاف الى هذه الجوقة وزير الخارجية الحالي كولن باول الذي ربما نسي كثيرون انه كان رئيس أركان الجيوش الاميركية في عهد بوش الأب وخلال حرب تحرير الكويت، ومع ذلك فهو الأقل حماساً في الإدارة الاميركية لشن حرب ثانية. ولقد بات واضحاً ان بوش الإبن "استمع" الى نصائح العقلاء من أصدقاء والده، ووافق على اللجوء الى الاممالمتحدة... من دون ان يتراجع عن قناعته الاساسية بضرورة توجيه ضربة الى العراق تؤدي الى تغيير النظام فيه. إلا ان أكثر ما يلفت هو صمت بوش الأب، وهو صمت محير، في وقت لا تزال صورته منذ اكثر من عشر سنوات تفترش أرض مدخل فندق الرشيد في بغداد كي يطأها الداخلون والخارجون!