يواصل القطاع الصناعي في المملكة العربية السعودية مسيرته المتسارعة نحو النمو، ويعكس الأداء القوي الذي شهده شهر أكتوبر الماضي بوضوح عمق التحول الاقتصادي الذي تشهده المملكة واتجاهه الاستراتيجي. ووفقًا لبيانات رسمية صادرة عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية، تم إصدار 95 رخصة صناعية جديدة خلال شهر أكتوبر 2025، باستثمارات مخططة تتجاوز 2.4 مليار ريال سعودي. وفي الوقت ذاته، دخل 81 مصنعًا مرحلة الإنتاج الفعلي باستثمارات تُقدّر بنحو 1.3 مليار ريال سعودي، مما أسهم في توفير ما يقارب ألفي فرصة عمل جديدة، في مؤشر واضح على الزخم المتنامي في القطاعات غير النفطية. ولا يقتصر هذا النمو على كونه أرقامًا تُسجّل، بل يُظهر نجاحًا استراتيجيًا حقيقيًا في إعادة هيكلة القطاع الصناعي في المملكة. فالمملكة لم تكتفِ برفع سقف الطموح، بل انتقلت إلى التنفيذ؛ حيثُ أنشأت مصانع حقيقية، ووفّرت فرص عمل نوعية، وحققت أثرًا اقتصاديًا ملموسًا. ويكمن جوهر هذا التحول في مرتكزات رؤية السعودية 2030، القائمة على التوطين، وتمكين الكفاءات الوطنية، وبناء منظومة إنتاجية جاهزة للتصدير. الفكرة في جوهرها بسيطة وعميقة في آنٍ واحد: دولة تُصنّع ما تستهلكه، وتُصدّر ما تُنتجه، فتمنح مواطنيها استقلالية اقتصادية، وتُعزّز مرونة اقتصادها. ويُعدّ نمو الإنتاج الصناعي وتفعيل المصانع ركيزتين أساسيتين في بناء قاعدة تصنيعية قادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا. وقد لمستُ هذا الزخم عن قرب خلال فعالية "الحوافز المعيارية للقطاع الصناعي" التي نظمتها وزارة الصناعة والثروة المعدنية مؤخرًا في الرياض، حيث أُقيم حفل توقيع رسمي لمنح حوافز لمجموعة مختارة من الشركات المصنّعة. وتشرفت شركة جونسون كنترولز العربية بأن تكون ضمن الجهات المستفيدة، من خلال مشروع يركز على توطين إنتاج تشيلرات متطورة المُبرّدة بالماء. وافتتح معالي الأستاذ بندر الخريف، وزير الصناعة والثروة المعدنية، الفعالية بالإعلان عن تخصيص ملياري ريال سعودي لدعم المصانع الجديدة والمتوسعة في جميع أنحاء المملكة. وفي كلمتي التي أعقبت ذلك، شاركتُ قناعة راسخة نؤمن بها في شركتنا: "الوطن الذي يُصنّع هو الوطن التي يُمسك بزمام مصيره." وتتحول هذه الرؤية اليوم من مفهوم نظري إلى واقع ملموس، وتتجلى نتائجها ليس فقط في أعداد التراخيص الصناعية أو دخول المصانع حيّز التشغيل، بل أيضًا في الأداء التجاري للمملكة. فقد بلغت الصادرات غير النفطية رقمًا قياسيًا قدره 307 مليارات ريال سعودي خلال النصف الأول من عام 2025، وهو الأعلى في تاريخ المملكة. ويؤكد هذا الإنجاز العلاقة الوثيقة بين نمو القطاع الصناعي وتعزيز القدرة التنافسية عالميًا، حيث يسهم كل مصنع جديد وكل منتج محلي في ترسيخ حضور المملكة على الساحة الدولية. ويُعدّ التوطين ركيزة للتوسع والجودة والانتشار العالمي، وليس خطوة نحو الانعزال. فالمنتج الذي يحمل علامة "صُنع في السعودية" لم يعد مجرد مخرج اقتصادي، بل أصبح دلالة على القدرات الوطنية، ورمزًا للجودة والكفاءة. كما أن القدرة على تصدير منتجات سعودية عالية القيمة تمثل عنصرًا محوريًا في طموحات المملكة لتعزيز مكانتها بين القوى الصناعية العالمية. ومع تطلع المملكة إلى الارتقاء بموقعها الصناعي عالميًا، فإن هذا النوع من النمو والاستثمار لا يُعدّ مؤشر نجاح فحسب، بل ضرورة استراتيجية. فالتصنيع يدعم التنوع الاقتصادي، ويعزز سلاسل القيمة، ويمنح الاستقلالية التي تسعى إليها رؤية السعودية 2030. وعندما تتوسع المصانع، وتتزايد التراخيص، وتنبض خطوط الإنتاج بالحيوية، فإننا نشهد وطنًا يتقدم بثقة، ويبني مستقبله بيديه. *الرئيس التنفيذي لشركة جونسون كنترولز العربية