الهلال «المنقوص» يقصى الاتحاد ويحجز مقعداً في نهائي «أغلى الكؤوس»    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة سمو أمير المنطقة    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير شرطة المنطقة ويتسلم التقرير السنوي لعام 2023    الأمان في دار سلمان    المملكة ترشد 8 ملايين م3 من المياه    مشروع سياحي استثنائي ب"جبل خيرة"    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    الهلال يتفوق على الاتحاد ويتأهل لنهائي كأس الملك    الدراسة عن بُعد بالرياض والقصيم بسبب الأمطار    الوسط الثقافي والعلمي يُفجع برحيل د. عبدالله المعطاني    من أحلام «السنافر».. مانجا تعزز دورها في صناعة الألعاب    خبير قانون دولي ل«عكاظ»: أدلة قوية لإدانة نتنياهو أمام «الجنايات الدولية»    مدرب بلجيكا يؤكد غياب تيبو كورتوا عن يورو 2024    أمريكا تطلب وقف إمداد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة    نمر يثير الذعر بمطار هندي    تطوير العمل الإسعافي ب4 مناطق    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية المكسيك يناقشان آخر التطورات في قطاع غزة ومحيطها    موسم الرياض يطرح تذاكر نزال الملاكمة العالمي five-versus-five    مهتمون يشيدون ببرنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في اليونيسكو    41 مليون عملية إلكترونية لخدمة مستفيدي الجوازات    محافظ الريث يستقبل مفوض الإفتاء الشيخ محمد شامي شيبة    عسيري: مناهضو اللقاحات لن يتوقفوا.. و«أسترازينيكا» غير مخيف    «جامعة نايف العربية» تفتتح ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب.. في الرياض    أغلى 6 لاعبين في الكلاسيكو    دوريات «المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    ميتروفيتش ومالكوم يقودان تشكيلة الهلال ضد الاتحاد بنصف نهائي كأس الملك    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياه    مساعد وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية في إسبانيا    نائب أمير مكة يطلع على الاستعدادات المبكرة لحج 1445    وزير الصناعة والثروة المعدنية يرعى أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2024    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    مجلس الوزراء يجدد حرص المملكة على نشر الأمن والسلم في الشرق الأوسط والعالم    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    فهد بن سلطان يطلع على الاستراتيجية الوطنية للشباب    وزير الطاقة: لا للتضحية بأمن الطاقة لصالح المناخ    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في منظمة سيجما الدولية    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    الذهب يتراجع 4.6 % من قمته التاريخية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    وهَم التفرُّد    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة الجزائرية في ثلاثة كتب توزع الاتهامات وترد عليها . الجزائريون يتواجهون في فرنسا عبر دور النشر ووسائل الإعلام
نشر في الحياة يوم 06 - 08 - 2001

عندما يتعذر النقاش المعمق والحر حول الأزمة الجزائرية، في الجزائر نفسها وفي وسائل الاعلام الجزائرية، ينتقل المعنيون الى فرنسا فيصرِّحون ويقولون وينشرون كتباً ونصوصاً مستفيدين من حرية التعبير، ومن انتقال ما يقولون بسرعة الى البلدان التي تستقبل وسائل الاعلام والمنشورات الفرنسية بطرق مختلفة، فضلاً عن وجود مئات الآلاف من الجزائريين المهاجرين والمجنسين الذين يعيشون في فرنسا ويتأثرون بقوة بما ينشر حول بلادهم الأصلية.
يضاف الى ذلك ان الفرنسيين أنفسهم، خصوصاً "الاقدام السود" ما زالوا يشعرون بحنين الى الجزائر الفرنسية التي عاشت داخل الاطار الفرنسي لقرن واكثر من ربع قرن، مما يعني ان المسألة الجزائرية وما ينشر حولها، قد تكون المسألة الأولى التي تعني الفرنسيين وتثير حماستهم وردود فعلهم، بعد القضايا الفرنسية المحلية.
ويلاحظ خلال السنوات القليلة الماضية إقبال متسارع من المشاركين في الأزمة والحرب الجزائرية على نشر كتب تدعي كشف أسرار تلك الحرب والتركيز بصورة خاصة على مزاعم عن دور سري للجيش في اندلاعها واستمرارها وفي التحكم حتى ب"الجماعات المسلحة" وحملها على ارتكاب فظاعات، لاهداف وغايات متصلة بالصراعات داخل اجهزة السلطة أو من أجل تشويه صورة المسلحين وتقديمهم الى الرأي العام بوصفهم وحوشاً لا هدف لهم سوى القتل المجاني.
ولتكاثر المبادرات التي تتعرض لدور الجيش في إشعال الحرب واستمرارها، بحسب المنشور طبعاً، وكي يرد تهمة باتت تحظى بثقة كبيرة لدى الرأي العام الفرنسي والأجنبي المقيم في فرنسا، رأى الجيش الجزائري ان يوضح دوره ودور الآخرين في أحداث الجزائر، فقام الجنرال المتقاعد خالد نزار وهو أبرز لاعب في الحرب الحالية بإعادة نشر كتاب في باريس اصدره أصلا في الجزائر، ولكن بصيغة معدلة تناسب الرأي العام الذي يتوجه اليه.
وبتدخل خالد نزار في النقاش الدائر في فرنسا حول الأزمة الجزائرية، تكون باريس قد تحولت الى منبر أول لتداول شؤون الجزائر من طرف الافرقاء الجزائريين. والراجح أن المسؤولين الفرنسيين يرحبون بذلك، فالنقاش الجزائري - الجزائري حول الحرب الراهنة أتاح لهم تمرير نقاش طال انتظاره حول حرب الاستقلال وما تخللها من فظائع، ولن يخشى الفرنسيون من ردود فعل جزائرية مؤثرة، فالجزائريون غارقون في فظائع يصعب تبريرها، فضلاً عن أنهم غير مهيئين على ما يظهر، لتناسي صراعاتهم وتركيز النقاش على حرب الاستقلال.
يبقى أن انتقال السجال حول الأزمة الجزائرية الى فرنسا، يلبي رغبة معلنة لدى السلطة الفرنسية، التي تؤكد في كل مناسبة، ان الجزائر تقع ضمن منطقة نفوذها وان على الآخرين الذين يرغبون في التعاطي في الشأن الجزائري أن يأخذوا هذه الحقيقة بعين الاعتبار. كما ان انتقال السجال الى فرنسا يتيح لهذا البلد التدخل في الشأن الجزائري وتعزيز نفوذه هناك.
والملاحظ ان خصوم الجيش الجزائري كانوا الأكثر نشاطاً في نشر وجهات نظرهم خلال السنوات الثلاث الماضية، واستطاعوا تفجير "قنبلتين" كبيرتين من خلال كتاب الضابط السابق حبيب سواعدية "الحرب القذرة" دار لاديكوفرت - ربيع 2001 وكتاب "من قتل في بن طلحة؟" وهو شهادة حية أدلى بها نصر الله يوس أحد الناجين من المجزرة والكتاب صادر عن الدار نفسها. ويأتي نشر الكتابين بعد صدور كتاب "اعترافات أمير في الجماعة المسلحة" الذي وقعه الصحافي باتريك فورستييه ونقل فيه شهادات أدلى بها أحد امراء المسلحين وروى فظائع "الجماعة" وبررها بما يصعب تبريره وصدر الكتاب عن دار "غراسيه" العام 1999، وهو الوحيد الذي ينسب الى مسؤول في هذه الجماعة التي لا يعرف الشيء الكثير عن قادتها فهم يتصلون بالرأي العام عبر البيانات وحدها.
وكان من المنتظر أن يشكل كتاب الجنرال خالد نزار "الجزائر: إفشال تراجع مبرمج" دار بيبليسود - 2001 رداً على الشهادات الاتهامية للجيش الجزائري، وهو نظم بمساعدة السفارة الجزائرية مجموعة لقاءات تمهيدية للحديث عن الكتاب ورد فيها على "المزاعم" حول دور الجيش في الحرب والمجازر التي ارتكبت وفنّد حجج حبيب سواعدية وأدلى بحجج مضادة ثم حدد موعداً مع وسائل الاعلام في باريس للحديث عن الكتاب وعن الحرب في بلاده، الا ان شكوى تقدمت بها احدى العائلات الجزائرية ضده بارتكاب جريمة حرب جعلته يغادر فرنسا على جناح السرعة، وينقطع النقاش بين الطرفين. لكن نزار لم يعد الى باريس على رغم صدور قرار من المحكمة العليا يقضي برد الدعوى المرفوعة عليه.
ويستمر الجدل حول حرب الجزائر بواسطة الكتب المنشورة في فرنسا ويغلب فيه خصوم الجيش الجزائري، ذلك ان القضية التي رفعت ضد نزار قطعت الطريق على تداول كتابه على نطاق واسع، وأضعفت، نفسياً على الأقل، الحجج الدفاعية التي يعرضها وبعضها قوي للغاية.
ولعل الكتاب الأبرز الذي صدم الرأي العام الفرنسي هو "من قتل في بن طلحة؟" ومؤلفه كادر في مؤسسة رسمية جزائرية وبربري الأصل ومقرب من "جبهة القوى الاشتراكية" التي يتزعمها حسين آيت أحمد. وهو ليس مناصراً للاسلاميين لكنه لم يكن أيضاً مناصراً للجيش. وبما أنه عاش احداث بن طلحة التي تبعد 15 كيلومتراً عن الجزائر العاصمة منذ بدايات صعود "الجبهة الاسلامية للانقاذ" وحتى المجزرة، فإن شهاداته تكتسب مصداقية شاهد العيان، ومن لا ينتمي الى طرفي النزاع.
وينقل نصر الله يوس عن ابناء الحي الذي كان يسكنه قبل المجزرة قائلين : "... فليقتلونا جميعاً إذا كانوا يريدون. فليطلقوا علينا النار ولكن لا يذبحونا كالبهائم، وبعض النساء مسحن رقابهن بالزيت حتى تقطع الرقاب بسهولة" ص 148، ويؤكد ان اعضاء الميليشيات الوطنية التابعة للدولة، كانوا بعد مجزرة "رايس" القريبة أكثر من 250 قتيلاً يتجولون في حيّنا ويسألوننا عن جماعات مسلحة مرت من هنا ولم نرها، ويتهموننا بالتواطؤ معها ويهددون "... ترون أشياء ولا تخبرون عنها. على كل حال سيأتي دور رؤوسكم" ص 150.
ويقول المؤلف: "في 23 ايلول سبتمبر 1997 زارنا جارنا ميقاتي وودعنا بحسب التقليد الاسلامي وقال انه يسامحنا واعتبر اننا سنموت جميعاً. وهو لن ينجو من المجزرة..." ففي المساء ذاته جاء عسكريون وتمركزوا في ناحية قريبة، بعدما مروا بالقرب منا قال احدهم لرفيقه "تأمل... هؤلاء الكلاب يلعبون النرد. انهم لا يعرفون ماذا ينتظرهم" ص 161. وخلال الليل كانت طائرة مروحية تطوف طوال الوقت فوق الحي، وخلال المجزرة قال أحد قادة المسلحين: "العسكر لن يأتوا لنجدتكم، لدينا الليل بكامله لاغتصاب نسائكم وقتل أطفالكم والشرب من دمهم ولو نجوتم اليوم سنأتي غداً. نحن هنا موجودون كي نرسلكم الى ربكم" ص 170. ويستنتج "بعد سماع هذه العبارة أدركت ان العسكريين وحدهم يشتمون بهذه الطريقة الكافرة" ص 171.
الهوية الحقيقية للقتلة
ويسرد الشاهد تفاصيل مجزرة "بن طلحة" ومشاهد القتل التي رآها بعينه من مخبئه وأصوات الصراخ التي سمعها "... لا تذبحونا اقتلونا بالرصاص ... أشعلوا سيارة ورموا رجلاً فيها وأخذوا يتأملون اشتعاله. اغتصبوا ابنة رجل أمام عينيه. جاؤوا بشاب مختل عقلياً فقطعوا يده الأولى ثم الثانية وجاءوا بطفل وضربوا رأسه بالحائط وقطعوا رؤوس أفراد عائلة بكاملها بالسيوف وكان كل فرد منها يشاهد رأس الفرد الآخر متطايراً أمامه قبل أن يأتي دوره. وضعوا قوارير غاز في مداخل بعض الشقق وفجروها على من فيها. واستمروا يقتلون ويذبحون طوال الليل فيما المراكز العسكرية الموجودة على مداخل البلدة لا تتحرك والطوافة تحوم بلا توقف، فضلاً عن أجهزة اضاءة مركزة كانت مضاءة من جانب العسكريين الذين رفضوا التدخل بعد ان وصل اليهم أحد الناجين واخبرهم بما يدور. وفي ساعات الصباح الأولى غادر المسلحون المكان وكانت الحصيلة بحسب احصاءاتنا 417 قتيلاً في بن طلحة".
لا يشك يوس في هوية القتلة وهو يؤكد استناداً الى مشاهداته واستطلاعاته، على مسؤولية العسكريين عنها وذلك من خلال المؤشرات التالية بحسب روايته: المؤشر الأول يتمثل بتمركز سيارات اسعاف عدة أمام مدرسة بن طلحة قبل ساعات من وقوع المجزرة و"المدرسة تقع على الشارع الكبير"، فيما رابط رجال من الشرطة في الوقت نفسه في بيت يقع بمواجهة حي الجيلالي الذي وقعت فيه اعمال القتل. وظلت سيارات الاسعاف في مكانها طوال الليل وهي التي حملت الناجين في الصباح الى المستشفيات.
والمؤشر الثاني يتمثل بحفر قبور سلفاً، قبل اسبوع من المجزرة، في مقابر "سيدي رزين" و"باراكي" و"بن طلحة"، ودفن الضحايا لاحقاً في هذه القبور. فقد ذكر لي حارس المقبرة ان عسكريين جاؤوا اليه قبل اسبوع وطلبوا منه حفر القبور، ثم جاء اليه، من بعد، رجال الدرك وطلبوا منه حفر المزيد، وقبل يومين من وقوع المجزرة عاد العسكريون الى المقبرة وألقوا نظرة على القبور المحفورة وطلبوا منه ان يبقيها مفتوحة، وقال ان ضحايا المجزرة "دفنوا كيفما اتفق، أم مع ابنها وعدة شبان في قبر واحد وبلغ مجموع القبور 147 قبراً".
المؤشر الثالث: كان القتلة متنكرين بلحى اصطناعية مخضبة، وبعضهم ممن "رأيت لديهم شعراً اصطناعياً" ويعصبون رؤوسهم بطريقة غريبة ولم "أشعر أنهم من الاسلاميين الذين شاهدتهم من قبل ويمكن التعرف اليهم".
المؤشر الرابع: غداة المجزرة جاءنا وزير الصحة يحيى غيدوم وقال أمام عدسات المصورين انه كان علينا ألا ندعم الارهابيين خلال ستة أعوام. واننا نحصد الآن نتائج ما فعلناه. فرد أحد الناجين قائلاً للوزير ان قوى الأمن لم تتحرك لنجدة الضحايا، فأجاب الوزير: "أنتم جذور الأرهاب، أنتم كنتم تغذونه، اذن يجب ان تتحملوا النتائج" ص 199.
المؤشر الخامس: استخدام القتلة رصاصاً من النوع المطاط وهو غير معروف لدى الارهابيين ولا يستخدمونه. وكان المهاجمون يتكلمون بلهجة معروفة في شرق الجزائر وأجسامهم ضخمة، ويبدو انهم مدربون تدريباً عالياً. وقد عثرنا بعد المجزرة على قنابل غاز زنتها 32 كلغ وقنابل صناعية وحرفية فلماذا تركها المهاجمون ولم ينقلوها معهم علماً بأنهم غادروا المكان بهدوء وبلا تسرع على متن شاحنات واختاروا الطريق التي جاؤوا منها قايد قاسم ويرابط فيها حاجز عسكري.
المؤشر السادس: أحد الناجين من المجزرة حاول الهرب أثناء عمليات القتل فوصل الى حاجز للشرطة وآخر للشرطة البلدية في مدخل الحي. وفي المرتين كان يُطلب منه ان يعود من حيث أتى، علماً بأن الناس كانوا يتوافدون من النواحي المجاورة الى مداخل الحي ويقفون أمام مراكز الشرطة لمعرفة ما يدور. وكنا نرى من حّينا 6 مدرعات للشرطة تشعل أنوارها باتجاه الحي وعندما سئل هؤلاء عن سبب احجامهم عن التدخل قالوا ان احتمال زرع قنابل على الطرقات هو السبب. ولم يدخل العسكريون الحي بعد وقوع المجزرة إلا صباحاً وبعد دخول المدنيين من النواحي المجاورة. علماً ان المسلحين انسحبوا في الساعة الخامسة والنصف.
المؤشر السابع: كانت "الميليشيات الوطنية" تتجول ليلاً في الحي وبصورة دورية، لكن في ليلة المجزرة دعاهم الكابتن مرزاق قائد الموقع العسكري الى حفل ساهر في احدى الحانات المجاورة. ومع ذلك حاول اثنان من الحرس البلدي التدخل واجتازا الحاجز العسكري لنجدة السكان لكن أفراد الحاجز هددوهم، وأقيلا من بعد من الوظيفة، وروى لنا بعض الأفراد انهم ضربوا على الحاجز ومنعوا من اجتيازه.
المؤشر الثامن: بعد اسبوع من وقوع المجزرة حصلت على السلاح من الثكنة العسكرية المجاورة وطلب مني ان أوقع على إيصال بتاريخ 23 ايلول سبتمبر، أي يوم وقوع المجزرة وقيل لي "... اذهب بهذا حيث تقودك قدماك، قم باصطياد الحلوف الخنزير واثأر لنفسك" ص18.
المؤشر التاسع: الجنرال سعيد باي قائد المنطقة العسكرية الأولى، وفيها تقع "بن طلحة" أقيل من منصبه بعد المجزرة مباشرة وذلك للحؤول دون تشكيل لجنة تحقيق دولية وتحديد هوية القتلة الذين يمكن ان يكونوا مجرمين عاديين مسيطراً عليهم ويمكن ان يكونوا من الجماعات المسلحة المخترقة من الاجهزة وفي كل الحالات هم من الارهابيين المزيفين. مشاهد الهول والرعب التي ينقلها يوس في شهادته عن مجزرة بن طلحة، ويلقي المسؤولية عنها على السلطات الجزائرية المحلية درك - شرطة - ميليشيات - حرس بلدي... الخ نجد أمثلة مختلفة لها في كتاب الضابط السابق حبيب سواعدية "الحرب القذرة" الذي يتهم بدوره العسكريين بتدبير الكثير من الحوادث والجرائم ويحملهم مسؤولية القسم الأكبر من الاحداث الدموية.
الحرب القذرة
يبدأ سواعدية حديثه عن الحرب القذرة بعبارة ستطبع الكتاب بكامله اذ يقول: "... الجيش هو الجسر الأول للجزائر ... لكنني اكتشفت لاحقاً ان الجزائر لا تملك جيشاً، فالجيش هو الذي يملك الجزائر"! اما عن السلطة فيقول: "... الأمن العسكري هو مركز السلطة في البلاد" وبعد حديث طويل عن تركيب مراكز القوى في الجيش وتغير معادلة ب . ت.س أي باتنة وتبسة وسوق اهراس التي كان يأتي منها كبار القادة، وكلها تقع شرق الجزائر، وحلول ضباط من منطقة القبائل والوسط ووهران محلهم، ينتقل الى الحديث عن بداية الصدامات وممهداتها، انطلاقاً من موقعه كضابط قيد التأهيل في "أكاديمية شرشال" الجزائرية. التي "... كانت تدرب ضباطاً أفارقة قبل الحرب وحالما يتخرجون يعودون الى بلادهم ويقومون بانقلابات عسكرية". ويروي سواعدية ان الجنرال محمد بوشارب المسؤول عن التوعية السياسية في "شرشال" خطب في الضباط العام 1991 وقال: "... يجب ألا تسقط البلاد في أيدي الإسلاميين، انتم دعائم السلطة ويجب أن تسجلوا اسماءكم في صفحات التاريخ ... المجتمع مصاب بالغرغرينا ويجب أن نجري عمليات جراحية لقطع الأعضاء المصابة" ص47.
وينقل المؤلف تفاصيل استقالة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد بعد توقيع عريضة من 200 ضابط تجبره على الاستقالة التي ستليها عملية إلغاء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للانقاذ "... الذين رفضوا التوقيع اقيلوا لاحقاً"، ثم جيء بمحمد بوضياف وأخذ نجم الجنرال محمد العماري يلمع في سماء الجيش، وكان ابنه مراد العماري في دورتنا العسكرية. وكنت اسمع أنه يكن كرهاً شديداً للشاذلي بن جديد وعباسي مدني وبصورة خاصة علي بلحاج. والاسم التالي الذي بدأ يلمع أيضاً هو الجنرال محمد مديان المعروف ب"توفيق" رئيس المخابرات الجزائرية منذ منتصف العام 1980. وهذان الجنرالان مسؤولان عن الانقلاب الذي أطاح بن جديد. وعن القطب العسكري الحاسم في الجيش يقول: "إن الجنرالات وأقاربهم يوجهون أولادهم والمقربين منهم إلى فرقة المظليين لأنها تفتح آفاقاً واسعة في المستقبل" ص64.
ويقول إن اعتقال القيادات الإسلامية حرم القاعدة من أي مفاوض باسمها، مما أدى إلى تفكيك التيار الإسلامي ونشوء تنظيمات متفرقة: "الهجرة والتكفير"أفغان سابقون، "كتائب القدس" و"حركة الدولة الإسلامية" و"الحركة الإسلامية المسلحة". وبدأ يلمع اسم عبدالحق العيايدة، وهو يعمل حداداً للسيارات كان اسمه يثير الهلع. ودخل آلاف المعتقلين السجون وخرجوا منها بعد 3 سنوات، لكن الخارجين عبروا عن غضبهم والتحقوا بالجبال.
حول اغتيال بوضياف يروي أن قاتله المبارك بومعرافي لم يكن مقدراً أن ينضم إلى مجموعة حماية الرئيس في شرق الجزائر، وعُين في آخر لحظة بأمر من ضابط رفيع في جهاز المخابرات. وكان وجوده ضمن الوحدة القريبة من بوضياف غير مبرر، فحصل الاغتيال. وكان بوضياف على صلة وثيقة مع قاصدي مرباح، الشخصية الجزائرية الأكثر اطلاعاً على ما يدور في البلاد فهو استمر على رأس المخابرات 15 عاماً، واغتيل الرجلان بفارق 14 شهراً.
ويعتقد سواعدية أن الجنرال العماري رئيس الأركان الحالي والجنرال "توفيق" رئيس المخابرات، هما المسؤولان عن الحرب ضد الإسلاميين. الأول يدفع بقواته إلى أرض المعركة، والثاني يقود عمليات اختراق الجماعات الإسلامية والتحكم بالرأي العام، ويلاحظ ان العماري جُرد من منصبه كقائد للقوات البرية خلال حكم بوضياف وعُين مستشاراً في وزارة الدفاع، لكنه عاد برتبة جنرال بعد اغتيال الرئيس، وبدأ يواصل صعوده، واستطاع أن يبني جيشاً لمكافحة الارهاب مؤلف من 65 ألف جندي بينهم 3500 جندي من القوات الخاصة. ص71.
خلال هذه الفترة، اقفلت المساجد في الثكنات، وصدر في 30 أيلول سبتمبر قانون يدين المسؤول والمتورط بعمل إرهابي ب16 سنة سجناً ويعتبر "أن كل من له علاقة بمنظمة إرهابية وكل من لا يدين الارهاب، ولا يشي بمنظمة ارهابية" مجرم، وبواسطة هذا القانون اقتيد إلى السجن آلاف من الجزائريين المدنيين ومن بينهم شبان كانت الشرطة تهددهم في حال امتناعهم عن اعطاء معلومات عن المنظمات المسلحة، الأمر الذي دفع كثيرين منهم إلى الالتحاق بالجبال لمكافحة السلطة.
في 1993 طلب من سواعدية أن يقطع تدريبه في فرقة المظليين وان يلتحق بالوحدات العاملة في "بوفاريك" وهناك اعتقل عشرة شبان للتحقيق معهم ووجدهم لاحقاً مقتولين في إحدى ساحات المدينة بعد خضوعهم للتعذيب! وكالعادة تحدثت الصحف المحلية عن عمل إرهابي ص79. وخلال ممارسة مهماته اكتشف من خلال أحد معارفه في المخابرات أن ضابطا كبيراً منح الأجهزة التابعة له تفويضاً شاملاً بأن تفعل ما تراه مناسباً، وأن تعتقل من تشاء، فصار قادتها يتنافسون لإرضاء رئيسهم، وأخذوا يعذبون ويقتلون المئات وبعد سنوات صارت اسماؤهم رمزاً للرعب والخوف، ومن أبرز هؤلاء: "عنتر" و"طرطاق" و"جبار" وغيرهم تلوثت أيديهم بدماء الجزائريين أكثر بكثير من كل الجماعات المسلحة، وهم لا يختلفون عن امراء الجماعة المسلحة شأن عنتر الزوابري" س83.
ويعتقد سواعدية بأن أخطر هذه الأجهزة "مجموعة التدخل الخاصة" التي تلقت تدريباً على يد ضباط من كوريا الشمالية وفق تقنيات خاصة من ضمنها السلاح الأبيض الذي يقتل مباشرة في 90 في المئة من الحالات. وكانت هذه المجموعة تحتفظ بمركز بالقرب من سكن جامعي للطالبات في "بن عكنون"، ويتسلل رجالها ليلاً إلى المبنى ويأتون بطالبات ويمارسون أشكالاً من التهديد لتطويع عميلات من بينهن". ويروي أنه كان يقوم بدورية بالقرب من السكن وأوقف أحدهم "... فقدم لي بطاقة مخابرات من حرس رئيس الجمهورية اعتقلته مع الفتاة التي كانت برفقته وأخذته إلى الثكنة. وأثناء التحقيق قالت لي الفتاة إنها طالبة وان الرجل يريدها أن تعمل معه في المخابرات وهددها بتوقيفها إن رفضت... في اليوم التالي اطلق سراحه وبعد يومين أثناء جلوسي في مقهى بن عكتون جاء الرجل وبرفقته 4 آخرون طلبوا مني ألا اتدخل بعد الآن في ما لا يعنيني"! ص86.
وفي مناسبة أخرى قال سواعدية إنه سمع الجنرال فضيل شريف يقول عن الإسلاميين: "اقتلوهم جميعاً نحن لا نحارب الارهابيين فقط، نحن هنا لنقاتل الإسلاميين كلهم". ويتساءل: "... هل كان علينا أن نقتل 3 ملايين جزائري؟". ويؤكد أنه في "الاخضرية" سمع كلاماً مشابهاً منسوباً لجنرال بارز: "... الإسلاميون يريدون الذهاب إلى الجنة. فلنرسلهم إليها وبسرعة، لا اريد مساجين، اريد موتى". ويذكر أن هذه الكلمات قيلت في اجتماع لقيادة القوات البرية في نيسان ابريل 1993 وان "الرائد داوود نقلها لنا إلى الأخضرية". وحول اختراق المخابرات للجماعة المسلحة يقول: "علمت في آخر كانون الثاني يناير ان عبدالقادر شبوطي رئيس الحركة الإسلامية المسلحة جرح في عملية عسكرية في المدية، وفي 26 شباط فبراير قتل جعفر الأفغاني رئيس الجماعة المسلحة في الجزائر، ولكن فجأة وبعد نشر الخبر ذكرت الصحافة المحلية اسم خليفته الذي صعد من العدم وعرف الجيش فوراً باسمه، فبعد الأفغاني جاء شريف قوسمي ثم جمال زيتوني ثم عنتر الزوابري أو حسان حطاب، ثم بدأ الحديث عن عدد من الجماعات المسلحة وليس جماعة واحدة. لذا كان بين صفوفنا عدد كبير ممن يعتقدون بانه توجد جماعات اسلامية مسلحة حقيقية وجماعات اسلامية تابعة للمخابرات"! ص 110
ويشكك المؤلف في روايات تحدثت عن مقتل جنرالات في الجيش على يد الاسلاميين فيقول ان الذين اغتيلوا كانوا يدعون الى مصالحة مع الاسلاميين ومنهم الجنرال محمد الطواهري الذي قتل في حادث مروحية، والجنرال علي بوتيغان في انفجار غامض، على بعد خطوات من مقر وزارة الدفاع وكان بلا حراسة شخصية بخلاف رفاقه. ويقول ان عمليات الاغتيال وغيرها من المجازر كانت ناتجة عن الصراع بين تيارين في السلطة: استئصالي يمثله العماري، وحواري يمثله الجنرال اليمين زروال رئيس الجمهورية السابق.
وفي الختام يتحدث سواعديه عن سقوط 150 ألف ضحية خلال الحرب في التسعينات ويقول ان الجنرالات يتحملون مسؤولية الضحايا الذين سقطوا وانهم اعلنوا الحرب ضد الجزائريين وليس ضد الارهاب. وان حربهم، هي حربان: الاولى ضد الارهاب والثانية ضد الشعب، ويحصر المسؤولية في عدد من الجنرالات.
ويتهم فرنسا بمساعدة الجنرالات سراً بتدريب عناصر المخابرات وتبييض مئات الملايين من الدولارات عبر بنوك فرنسية وسويسرية، واخيراً يرى ان "مشكلة الجزائر ليست ناتجة عن الاسلام وانما عن انتهاك العدالة وهذا ما يجب ان يوضع له حدّ اذا اردنا للسلام ان يعمّ فعلياً".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.