لن يحمل يوسف بكري 23 سنة طفله البكر ويداعبه، كما يفعل كل الآباء، ولو مرة واحدة. فالجنين الذي تحمله زوجته أمل خليل في احشائها اليوم، سيفتح عينيه بعد نحو أربعة اشهر على دنيا باهتة، خالية من حنان الأب ورعايته. وسيلعب ذلك الصغير مع أقرانه، سنوات عدة، قبل ان يعي الحقيقة المرّة، وهي ان والده الشاب قُتل ظلماً، ذات يوم أغبر، مع عشرة آخرين في دنيا الغربة والاغتراب. تختصر مأساة ذلك الطفل الذي لم يبصر النور بعد، والذي سيحمل على الأرجح اسم ابيه يوسف، جروح عشرات العائلات في بلدات عيناتا وبنت جبيل وسير الغربية وطير دبّا في جنوبلبنان، وفي الضاحية الجنوبيةلبيروت، والتي ينتمي اليها الضحايا ال11 الذين قضوا في مجزرة بشعة استهدفت الجالية اللبنانية في الكونغوزائير سابقاً من دون ان تتضح ملابسات الجريمة وأسبابها. فكيف بدأت القصة التراجيدية؟ بعد ساعات قليلة على اغتيال الرئيس الكونغولي لوران ديزيريه كابيلا في 16 كانون الثاني يناير الماضي، تبلغت بيروت أن أحد عشر لبنانياً اعتقلوا في منازلهم في كينشاسا، ثم أعدموا لاحقاً، في ظروف وصفها وزير العدل الكونغولي مويزي كونغولو بأنها "مسألة غضب"، من دون ان يوضح شيئاً عن التفاصيل. أما وزير الخارجية ليونارشي أوكيتوندو فقد أبلغ السفير اللبناني في الكونغو شحادة المعلم ان حكومته تجهل هوية القتلة !، لكن تحقيقاً يجري من أجل كشف الملابسات. ثم تسربت معلومات مفادها ان قائد منطقة كينشاسا العسكرية الجنرال ناوج ياف هو الذي أصدر تعليماته بالقبض على اللبنانيين، بحجة ان اسم يوسف بكري معلومات اخرى ذكرت اسم علي اللقيس وُجد في مفكرة العناوين الخاصة بالحارس الشخصي للرئيس كابيلا الذي قيل انه نفذ عملية الاغتيال. وورد في المعلومات ان المساعد السابق للرئيس كابيلا العقيد كابينت، المشتبه في تورطه في عملية الاغتيال، أمر بتصفية اللبنانيين الموقوفين من أجل إخفاء ملابسات اغتيال الرئيس الكونغولي السابق، وان أمر التصفية صدر بعد 24 ساعة من اعتقالهم. لكن شاهداً من الجالية اللبنانية هناك روى ان مواطنين كونغوليين "أكدوا لنا انه لم تتم تصفية الشباب مباشرة، وانهم بقوا أحياء لمدة ثلاثة اسابيع على الأقل، أما الحديث الرسمي الذي أعلن مقتلهم خلال 24 ساعة فلا يمكن تفسيره الا بأنه محاولة من الدولة الكونغولية للتملص من مسؤولياتها". ومنذ اللحظات الأولى للحادثة بادرت نساء المعتقلين الى الانتقال مع أطفالهن الى السفارة الايرانية في كينشاسا بعدما حاولن طرق أبواب السفارة اللبنانية فوجدنها مقفلة، وحاولن الاتصال بالسفير المعلم، لكن هاتفه النقال كان مقفلاً، حسب ما روت بعض النسوة. وتتهم القيادات السياسية والروحية الشيعية في لبنان السفير المعلم بعدم إيلاء قضية المعتقلين ال11 ما تستحق من اهتمام ومتابعة لدى السلطات الكونغولية منذ اللحظات الأولى لوقوع حادثة الاعتقال. وانه لم يضع الحكومة اللبنانية في صورة الحجم الحقيقي للمأساة التي تعرض لها اللبنانيون في كينشاسا. كما يحمّل هؤلاء مسؤولية التقصير الى الدولة اللبنانية التي تأخرت في التحرك الجاد: "إذ كان بالإمكان تلافي وقوع ما حصل لو ان الديبلوماسية اللبنانية تحركت بالسرعة المطلوبة". ويستغرب أهالي ضحايا كينشاسا "البرودة" التي تعاطت بها الديبلوماسية اللبنانية مع القضية. ففي حين وقعت حادثة الاعتقال في 16 كانون الثاني يناير الماضي، لم يتم تكليف مدير المغتربين هيثم جمعة بالتوجه الى الكونغو "لمعرفة مصير المعتقلين اللبنانيين" هناك الا في 5 آذار مارس الجاري، أي بعدما "ضرب من ضرب، وهرب من هرب" كما يقول المثل اللبناني الشائع. وتصب سحر نبوه شقيقة المغدور محمد 37 عاماً غضبها على المسؤولين في الدولة قائلة: "من المخجل ان نقول اننا لبنانيون أو نحمل الجنسية اللبنانية لأننا أصلاً لا نملك دولة مسؤولة عن شعبها ومواطنيها". وتروي احدى قريبات محمد خنافر 55 عاماً الذي قضى مع ولديه التوأم حسن وحسين 20 عاماً في الجريمة نفسها، مشهداً مضحكاً - مبكياً وقع خلال الأحداث التي شهدتها الكونغو في آب اغسطس 1998، حين عادت احدى المروحيات البريطانية الى كينشاسا مزودة بجهاز طبي بيطري كامل لإنقاذ كلب كان قد نسيه أصحابه وسط "المخاطر"، فيما لم تجد الجالية اللبنانية دون سائر الجاليات من يسأل عنها في حينها "وكأننا بلا هوية وبلا وطن". ثم تردف بمرارة: "لماذا يلومون الناس عندما يلهثون وراء الحصول على جنسيات أخرى ويرحلون نهائياً عن وطنهم"؟! تقصير مزمن يندر ان تجد بيتاً جنوبياً لم ينل نصيبه من الغربة والاغتراب. فالاحتلال الاسرائيلي للجنوب الذي دام 22 عاماً دفع قسماً كبيراً من الشباب الى الانتشار في أصقاع المعمورة بحثاً عن مورد "اغترابي" يكون ركيزة لحياة من تبقى من العائلة في الوطن الأم. وعلى رغم ان المأساة الأخيرة في الكونغو لم تكن الأولى التي يتعرض لها اللبنانيون في القارة السمراء، إلا ان التقصير الرسمي في التعاطي مع القضايا المشابهة يكاد يكون "مستنسخاً"، أي ان "النخوة" كانت تدب في رجال الدولة بعدما يكون قد "سبق السيف العذل". في حين كان هؤلاء أنفسهم، من وزراء ونواب ورؤساء أحزاب ورجال دين، يتسابقون الى بلاد الاغتراب لجمع التبرعات من الجاليات اللبنانية في سبيل مشاريع وهمية أو أغراض سياسية. ومع توالي الاضطرابات الأمنية في الدول الافريقية، كان اللبنانيون في الواجهة دائماً. اذ خسر عدد غير قليل منهم أملاكهم بالكامل، ومنهم من فقد حياته. وقبل الكونغو شهدت سييراليون مآسي مشابهة، وقبلها زائيرالكونغو الديموقراطية حالياً، وقبلها ليبيريا. وكان المشهد يكرر ذاته، مئات العائلات المغتربة النازحة والمنكوبة من جهة، ومئات الوعود والشعارات والمزايدات من جهة ثانية. ففقد الوطن، بالتالي، ثقة مغتربيه من دون ان يفقد "عطاءاتهم". ويعزو المراقبون ذلك الى غياب سياسة اغترابية بالمعنى الواضح والفعلي للكلمة، فعندما استحدثت مديرية المغتربين في وزارة الخارجية في مطلع الخمسينات، كانت تقتصر مهمتها على تسهيل أوراق القيود المتعلقة بالولادات والوفيات والزواج والوكالات. وكذلك بتعزيز الفولكلور اللبناني في المغتربات. وعندما قررت الحكومات اللبنانية المتعاقبة ممارسة سياسة الانفتاح على أوسع نطاق، واستحداث سفارات في الدول التي يوجد فيها انتشار لبناني، دخلت الحسابات السياسية والطائفية الضيقة على مستوى البعثات الديبلوماسية الاغترابية، فأفسدتها على غرار الحياة السياسية اللبنانية. يسبق عمر الاغتراب اللبناني في أفريقيا ظهور بعض دولها. فقبل اكثر من مئة عام أبحر اللبنانيون الى شواطئ لا يعرفون اسماءها، هرباً من مخلفات فتنة 1860، وسعياً وراء لقمة العيش. بعضهم ظن انه وصل الى السواحل الاميركية أو البرتغالية أو الاسترالية، في حين كانوا في السنغال أو ساحل العاج أو ليبيريا، من دون ان يشكل ذلك لهم أية أزمة. اذ سرعان ما انخرطوا في المجتمعات الجديدة يحملون "الكشة" على ظهورهم، وهي صندوق أو حاوية فيه بضائع للبيع، ويستفاد منه كسرير في آخر الليل. أما أول لبناني حمل "الكشة" ووطئ أرض أفريقيا، فهو الياس الخوري يونس من بلدة مزيارة الشمالية، وكان ذلك على السواحل النيجيرية في العام 1882. ثم توالى المهاجرون اللبنانيون في الوصول الى السواحل الافريقية المختلفة في واحدة من أبرز حركات الهجرة اللبنانية بعد القارة الاميركية التي كانت شهدت وصول طلائع المغتربين اللبنانيين في العام 1850. ثم بدأ اللبنانيون يجوبون، بتجارتهم "المحمولة"، بلدان القارة السوداء بمدنها وقراها النائية، وهم يتحدثون لغة السكان أنفسهم ويتمرسون عاداتهم، فكانوا سرعان ما يتأقلمون مع الواقع الجديد ويستجلبون مع الوقت عائلاتهم للاستقرار. ولم يكن هؤلاء يتوقعون، حينها، ان تلك البلاد ستصبح وطنهم الثاني، وبالنسبة الى بعضهم الوطن الأول، حيث ولدوا وترعرعوا وأصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي لتلك المجتمعات. وشيئاً فشيئاً، تطورت "الكشة" الى متجر فمصنع فشركة ضخمة، وتوسعت تجارتهم الى المواد الغذائية والأقمشة والآلات الكهربائية مروراً بتجارة الأسماك والاخشاب والبن... وصولاً الى الذهب والألماس... وكان نجاحهم المضطرد، ومن ثم ظهورهم كقوة اقتصادية حقيقية قادرة على منافسة التجار المحليين، سبباً رئيسياً لاستهدافهم واضطهادهم في بعض الأحيان. وأول الاضطهادات، من نهب وسلب، تعرضت لها الجالية اللبنانية في افريقيا كان في سييراليون العام 1919. ولم يكتف المغتربون اللبنانيون بمعاندة الظروف الطارئة والاضطرابات الداخلية التي كانت تشتعل من وقت الى آخر في أكثر من بلد افريقي، بل ساهموا ايضاً في بناء وإعمار هذه الدول، من المدارس الى الاندية الرياضية الى المستوصفات المراكز الطبية المجانية، اضافة الى تعبيد العديد من الطرقات التي تصل بين بعض المدن والقرى. كما قدمت الجالية اللبنانية في ليبيريا حوالى 15 ألف نسمة، على سبيل المثال، منحاً دراسية لأبناء البلاد بقيمة ثلاثة ملايين دولار قبل اندلاع الحرب الاهلية، وهي منح تؤهل الحائزين عليها للدراسة في أية جامعة متقدمة في الولاياتالمتحدة أو احدى الدول الأوروبية. وخلال "ثورة الرز" مرادف ثورة الخبز في بلدان أخرى التي شهدتها ليبيريا في العام 1979، استطاع المغتربون اللبنانيون ان يؤمنوا للبلاد حاجاتها التموينية الأساسية اللازمة، بعيداً عن منطق الاستغلال والإفادة المالية. خريطة الانتشار منذ وصول اللبنانيين الى ليبيريا في العام 1895، وزعوا نشاطهم على مختلف القطاعات، في التجارة والصناعة والعمل الاجتماعي والتربية والبنى التحتية، فمنحهم أهالي البلاد ثقة كبيرة توجت بوصول أحد أفراد الجالية اللبنانية موني قبطان من طرابلس الى منصب وزير الخارجية في العام 1997. وفي ساحل العاج، تعتبر الجالية اللبنانية المتواجدة هناك منذ العام 1920 الأكبر في القارة السمراء. اذ يربو عدد أفرادها على 120 ألفاً، وهم يشكلون ركيزة اقتصادية مهمة في البلاد، حيث يبلغ عدد مؤسساتهم الصناعية 300 مؤسسة توفر فرص العمل لآلاف العاجيين. وقد حظي اللبنانيون بامتيازات خاصة من قبل الدولة هناك، فمنحتهم دون غيرهم من الجاليات حق العضوية في غرف التجارة والصناعة والزراعة. وفي نيجيريا، تعيش الجالية اللبنانية حوالي 30 ألفاً منذ حوالي 120 عاماً. وقد انخرطت في المجتمع المحلي، فأخذت الكثير من عاداته وتقاليده حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التركيبة المحلية للبلاد. وبرز منها صناعيون كبار لعبوا دوراً اساسياً في تحريك الاقتصاد المحلي بحيث أصبحوا عاملاً مساهماً في التقدم الشامل الذي حققته نيجيريا الى اليوم. يبلغ عدد المغتربين اللبنانيين في السنغال حوالي 25 ألفاً، وقد استوطنوا هذا البلد مع طلائع الواصلين الى القارة السمراء. وهم يعملون حالياً في صناعة الصابون والبلاستيك والحلويات. كما نجحوا في احتلال مراكز مهمة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في تلك البلاد، مثل النائب في البرلمان علي صالح، والجنرال في الجيش فائز برجي. وعلى رغم ذلك، فإن السنغال هي "البلد الافريقي الوحيد الذي أغلق باب الهجرة اليه أمام اللبنانيين تعزيزاً لفرص العمل أمام أبناء البلاد"، بحسب ما تقوله الباحثة الدكتورة سهى طراف. الى سييراليون، هاجر اللبنانيون في العام 1890 حتى ناهز عددهم 25 ألفاً قبل نحو خمس سنوات. فاستقطبت مناجم الماس أعداداً كبيرة منهم. وقد شكل التورط اللبناني المباشر في السياسة السييراليونية ظاهرة استثنائية قياساً ببقية دول غرب افريقيا، مما وضعهم في صفوف المواجهة الامامية، كانت أولاها في العام 1919 وآخرها في العام 1997. الأمر الذي أدى الى طرد أعداد كبيرة منهم وتهجيرهم من البلاد. ويعتبر تاجر الالماس جميل سعيد اللبناني الأشهر في سييراليون، كونه "يشكل امبراطورية مصغرة بحد ذاته"، بحسب تعبير أحد الخبراء في شؤون الاغتراب اللبناني. واستطاع اللبنانيون الذين قدموا الى غانا في مطلع القرن الماضي، ان ينسجوا علاقات متينة مع الشعب الغاني. ويعتبر عددهم متواضعاً بالقياس مع عددهم في الدول الافريقية المجاورة. ومع ذلك، فإن هذا العدد الذي بلغ الستة آلاف، انخفض في السبعينات الى النصف تقريباً، بعدما أصدرت حكومة القوميين المتطرفين قوانين جديدة تحصر المصالح الاقتصادية في أيدي الغانيين فقط. أما الكونغو الديموقراطية زائير سابقاً، فقد وفد اليها اللبنانيون في السبعينات. وسرعان ما احتلوا مواقع اساسية في تجارة الألماس، والصناعة والمقاولات والاستيراد والتصدير... وحتى الزراعة. وقد امتازوا بحضور اقتصادي لا يضاهيه حتى الحضور الأوروبي في القطاع الخاص. ولما أُدرج هذا البلد في لائحة الدول التي يعتبر الاستثمار فيها مخاطرة بكل معنى الكلمة، وفق تصنيفات معاهد الأبحاث الاقتصادية الدولية المختصة، بدأ عدد كبير من المستثمرين الاجانب بتصفية أعمالهم للرحيل عن البلاد، فاشترى اللبنانيون العديد من مؤسساتهم وغامروا في البقاء على رغم اعمال السلب والنهب والابتزاز المالي التي تعرضوا لها. وبعدما كان عددهم قد وصل الى حوالي الستة آلاف في مطلع التسعينات، انخفض الى نحو أربعة آلاف مع ارتفاح حدة الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي في البلاد. وتعتبر المجزرة الأخيرة التي ارتكبت بحقهم وذهب ضحيتها 11 شخصاً أقسى ما تعرض له اللبنانيون، ليس في الكونغو فحسب، بل على صعيد القارة السمراء كلها. الخطر الاسرائيلي غير ان الانقلابات العسكرية والتحولات السياسية التي شهدتها افريقيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أرخت بظلالها على اللبنانيين ومصالحهم الاقتصادية والتجارية في مختلف بلدان افريقيا الغربية. فلاحقتهم لعنة القتل والتدمير والتهجير من دولة الى أخرى في مسلسل دموي بلغ أوجه في التسعينات. اذ جرت عمليات ترحيل جماعية لآلاف اللبنانيين من معظم تلك البلدان، حيث قدرت خسائر اللبنانيين في افريقيا بأكثر من خمسين مليار دولار. وقد ساهمت المواقع الاقتصادية والسياسية التي وصل اليها المغتربون اللبنانيون في جعلهم "كبش محرقة" عند أي اضطراب أمني داخلي تتعرض له البلاد. فاللبناني، في نظر الافريقي، هو صاحب الثروات الضخمة. وعلى رغم ان الأفارقة ليسوا جميعاً فقراء، الا ان "السلوك الاستعراضي الذي يعتمده اللبناني لإظهار ثروته يعرضه لنقمة المجتمعات الفقيرة واضطهادها ... لذا، فإنه يتحول مادة سهلة تحرقها نيران الأزمات الداخلية"، على ما تقوله الباحثة الفرنسية في شؤون الجاليات اللبنانية في غرب افريقيا كاترين ميزاد. وتوافقها في الرأي رئيسة الجمعية الخيرية اللبنانية الاغترابية في سييراليون بيان بسمة التي تعترف ان "اللبناني المغترب كاللبناني المقيم في الوطن، من خصاله وطبيعته حبه للبذخ والمظاهر الكاذبة". ومع تدفق الخبراء والتجار والمستثمرين اليهود الى افريقيا الغربية في مطلع السبعينات، استغلوا "نقطة الضعف" تلك عند اللبناني الذي كان بدوره حجر عثرة أمام أطماعهم الاقتصادية والسياسية. فعملوا على ترويج صورة "اللبناني البشع"، ومن دون ان تغيب تهمة "الارهاب" الشهيرة عن حملتهم. اذ من المعروف ان غالبية المغتربين اللبنانيين في افريقيا الغربية، خصوصاً، هم من الطائفة الشيعية. في موازاة ذلك، كان التغلغل الاسرائيلي داخل الاسواق الافريقية، يزداد بسرعة قياسية، من خلال امتيازات يرأسها رجال أعمال يهود لهم ارتباطات اقتصادية مباشرة بشركات داخل اسرائيل. وعلى رغم ذلك، فإن الوجود الاقتصادي الاسرائيلي ما زال غير واضح في افريقيا اليوم، اذ يعمل الاسرائيليون من خلف حجاب، وهم يتقنون التورية، حتى باتت جميع مصالحهم تتمتع بغطاء افريقي محلي. وغالباً ما يكون في الواجهة رجل افريقي مدعوم برأس مال يهودي يعمل في الخفاء. وكانت اسرائيل أدركت أهمية القارة السمراء كونها خزان العالم بالمواد الخام، من ذهب والماس وحديد ونحاس، وبترول ويوارنيوم، وبوكسيت وأخشاب، وقطن، وبن وكاكاو وأناناس... وغيرها الكثير من الثروات. اضافة الى سعيها الى تصريف منتجاتها الصناعية والزراعية في الاسواق الافريقية الواسعة. وبحسب مصدر سياسي لبناني، فإن لاسرائيل هدفاً آخر سياسياً لا يقل أهمية عن الأهداف الاقتصادية السابقة، يتمثل في كسب أصوات الكتلة الافريقية في الاممالمتحدة حوالي 50 صوتاً ليكونوا الى جانبها عند أية أزمة اعتداء جديد على دولة عربية. اذ من المعروف ان صوت ليبيريا هو الذي رجح قرار تقسيم فلسطين في العام 1947. أمام كل تلك الاهداف، جاهدت اسرائيل لتذليل مختلف العقبات التي تحول بينها وبين الإمساك بشبكة الاقتصاد في افريقيا الغربية. وبما انه "من يمسك بالاقتصاد يسهل عليه تحريك السياسة"، فقد استطاعت اسرائيل ان تخترق عدداً من غرف صناعة القرار السياسي في افريقيا بدعم مباشر من الولاياتالمتحدة التي دخلت في صراع خفي مع أوروبا على افريقيا، بعد انتهاء "الحرب الباردة"