هذا يبرّد حساءه وذاك يتحسّس عضلاته وآخر يفخر بنقوش سجادته وآخر يفسّر الأحلام والرؤى لمن يريد وآخر يشكو من حكة في ظهره وآخر "يزرر" سرواله وهو خارج من منزله وآخر يستفسر عن النظام العالمي الجديد. وهذا يدوس على قدمك وهذا يعطس في وجهك وآخر يجلس على ركبتك في الباص وتلك "تحفّض" ابنها في مكان عام، وتهزه وتغني له حتى يسكت وينام. وهذا ينمّ على جاره وذاك يسرق أخاه وآخر يشي بأبيه وآخر يكمل حديثه بعد توقف وآخر يكمل تقريره دون توقف. هذا يخرج مصعوقاً من فيلم بوليسي وذاك يخرج مذهولاً من مخبر تحليل وآخر يضحك من مسرحية وآخر يبكي من مسلسل وآخر يتفاءل بذرق العصافير على رأسه وآخر يتشاءم من تقليم الأظافر في الليل. وهذا يغشّ في الإسمنت وذاك يغشّ في الامتحانات وهذا معه إمساك وآخر معه إسهال وهذا يسد الرصيف بسيارته وذاك يبول في الشارع العام!! أهذا شعب بحاجة إلى شفافية، وانتخابات نزيهة، وغرفة اقتراع سرية أو علنية؟ إن عيدي أمين وأولاده وأحفاده، كثيرون عليه وعلى أولاده وأحفاده. وأحفرُ، وأحفرُ، وأحفرُ: حول أعمدة الإنارة والاتصالات حول وسائط النقل وشارات المرور حول القصور والأكواخ وأعشاش الطيور حول دور الحضانة، ودور العجزة، ودور النشر حول الجمعيّات السكنية، والمجمعات اللغوية وحول البنى التحتية والفوقية وما بينهما والكل يعتقد بأنني أبحث عن مخطوطة نادرة أو كنوز ضائعة، أو عن آثار هذه الأمة الخالدة وأضحك في سري وأبصق على راحتي، وعلى خطوط العمر والحظ وعلى صوري الشعرية والشخصية، والشعاعية وهويتي المهنية، والاعتبارية والأوسمة وبراءات التقدير وعلى الممتلكات العامة والخاصة وعقود الايجار وسندات التمليك والعناوين الهامة، والهواتف الضرورية وخططي الآنية، والمرحلية، والمستقبلية وأحفر، وأحفر، حتى يتطاير الشرر من فأسي وعيني ودفاتري لأصل بأقصى سرعة ممكنة إلى الحضيض... وآخذ مكاناً لائقاً فيه وأسجله في السجل العقاري باسمي، وأسماء أولادي وأحفادي قبل أن يسبقنا الآخرون إليه فقد يصبح منطقة سكنية أو سياحية أو محمية طبيعية. ولن أكون بحاجة إلى طعام أو شراب سأشرب مباشرة من المياه الجوفية وآكل من الجذور التي تربطني بأي شيء... ولن أكون بحاجة إلى تدفئة لأنني سأكون قريباً من البراكين!!