33 ألف منشأة تحت المراقبة استعدادًا للحج    أمير الرياض يرعى تخرج المعاهد والكليات التقنية    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    وصول أول فوج من حجاج السودان    رياح مثيرة للأتربة والغبار في 5 مناطق وفرصة لهطول الأمطار على الجنوب ومكة    اكتمال عناصر الأخضر قبل مواجهة باكستان    الخريجي يشارك في مراسم تنصيب رئيس السلفادور    أمير تبوك يعتمد الفائزين بجائزة المزرعة النموذجية    السعودية و8 دول: تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2025    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    «نزاهة»: إيقاف 112 متهماً بالفساد من 7 جهات في شهر    المؤسسات تغطي كافة أسهم أرامكو المطروحة للاكتتاب    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    نتنياهو.. أكبر عُقدة تمنع سلام الشرق الأوسط    عبور سهل وميسور للحجاج من منفذي حالة عمار وجديدة عرعر    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات تحت مسمى "رالي السعودية 2025"    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    رونالدو يغري ناتشو وكاسيميرو بالانضمام للنصر    القيادة تهنئ الشيخ صباح الخالد بتعيينه ولياً للعهد في الكويت    الحجاج يشيدون بخدمات « حالة عمار»    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    حجاج الأردن وفلسطين : سعدنا بالخدمات المميزة    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    ماذا نعرف عن الصين؟!    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    انضمام المملكة إلى المبادرة العالمية.. تحفيز ابتكارات النظم الغذائية الذكية مناخيا    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    إطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق مدينة الرياض    الصدارة والتميز    9.4 تريليونات ريال ثروة معدنية.. السعودية تقود تأمين مستقبل المعادن    توبة حَجاج العجمي !    "فعيل" يفتي الحجاج ب30 لغة في ميقات المدينة    الأزرق يليق بك يا بونو    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    نمشي معاك    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    مسبار صيني يهبط على القمر    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    «إخفاء صدام حسين» يظهر في بجدة    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار النجاح الاقتصادي التونسي : التعليم وتنظيم النسل وتحرير المرأة
نشر في الحياة يوم 27 - 03 - 2000

ما سر النتائج الاقتصادية التي توصف بأنها متميزة والتي يجري الحديث عنها في تونس والتي يقال انها غيرت وجه البلاد خلال عقد من الزمن؟
هل صحيح ذلك؟ وهل تم اكتشاف ثروات كامنة في باطن الأرض أو على سطحها؟ أم هناك سبب آخر وراء ما يوصف بأنه نجاح اقتصادي لبلد صغير يعتبر فقيراً الى الثروات الطبيعية؟
في الواقع فإن تونس ليست وحدها في المنطقة العربية التي تسجل نتائج اقتصادية اجتماعية جيدة، فهناك مصر وهناك الأردن وهناك المغرب وربما غيرها من الدول غير النفطية التي حققت في السنوات الأخيرة نسب نمو عالية، لكن خصوصية تونس هي نجاحها في المسائل الآتية:
1- ان نسب النمو كانت الأعلى بين تلك الدول والأكثر تواصلاً واستمراراً.
2- ان الحرص كان كبيراً على عدالة توزيع ثمرات التنمية بحيث لا يبقى أحد على الهامش.
3- انها سبقت الى تنظيم للنسل ما مكنها من تسجيل أكبر قدر من الدخل المتوسط للفرد عن طريق اقتسام الكعكة بين عدد من الأفراد يتزايد بصورة معتدلة تتجاوزها نسب النمو.
4- ان النمو لم يشمل فقط المجال الاقتصادي بل بدا هو القاسم الأعظم بين مجالات الاقتصاد ولكن أيضاً التنزيع للثروة والتوسع التعليمي وتحسين خدمات الصحة في كل أنحاء البلاد.
وهناك ثلاثة عوامل باتت بمثابة القواعد الاقتصادية الثابتة عند فحص أسباب التقدم الاقتصادي في أي بلد، وفقاً لما أصبح يقوله المتابعون لمعدلات التنمية في العالم والخبراء الاقتصاديون.
أولها هو مدى انتشار التعليم والتوسع فيه وذلك على المدى الطويل، حيث بينت التجربة ان البلدان التي راهنت على التعليم كعامل من عوامل التنمية السريعة قد كسبت رهانها.
وكانت تونس قد راهنت مبكراً على التعليم ووضعت منذ سنة 1959 مخططاً شاملاً لنشره على أوسع نطاق.
والثاني يتمثل في الاعتماد مبكراً على سياسة تنظيم للنسل تستهدف السيطرة على التطور الديموغرافي في البلاد والحد من انفلاته. هذه السياسة هي التي أفرزت لاحقاً في تونس وبعد 35 سنة من التطبيق نزول نسبة التزايد الصافي للسكان الى 1.2 في المئة سنوياً وهي نسبة وان لم تبلغ النسب الموجودة في البلدان المتقدمة فانها اقتربت منها بشكل كبير.
أما الثالث فيتمثل في تحرير المرأة عبر اصدار قانون للأحوال الشخصية ليس له مثيل حتى الآن في البلدان العربية باستثناء لبنان. وهو ان كان صدر في سنة 1956 فقد تم تطويره بصورة جذرية في سنة 1993 ما سمح للمرأة باكتساب حقوقها والخروج للتعلم وبالتالي للعمل، ما وفر قاعدة عريضة كانت متعطلة ساهمت أكثر فأكثر في تنمية الثروة الوطنية.
القواعد المعتمدة وتأثيراتها
غير أن تلك القواعد التي كانت عبارة عن أدوات لازمة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية نسبياً عالية لم تكن لتكفي وحدها سياسات تم اتباعها منذ سنة 1987 أي بعد التغيير على رأس الحكم في البلاد وقامت على تشخيص صحيح للامكانات وضبط التدخلات اللازمة لادارتها.
ويمكن اليوم الاستنتاج ان الهدف كان واضحاً لدى القيادة السياسية في البلاد آنذاك في شأن الأدوات التي يمكن استعمالها لتحقيق الأهداف التي رسمت والتي كانت كما جاء في التعبير الرسمي "استخدام الانسان من أجل تنمية وإسعاد الانسان".
ولعل ما يمكن اليوم استقراؤه من خلال القرارات التي اتخذت آنذاك تحت الاشراف المباشر للرئيس زين العابدين بن علي هو أن تلك القرارات اتسمت بأربع مبادرات:
الأولى، الاستفادة من إحلال حكم جديد لتمرير قرارات اعتبرت شجاعة ولم يكن أمام الناس إلا قبولها لأنها "جاءت لاصلاح إخلالات تركها الحكم السابق ويتحمل مسؤولياتها". ففي خلال الفترة الأولى من التغيير تم اعتماد اصلاحات شملت عدداً كبيراً من الميادين ووفرت ما يمكن أن يسمى بالقواعد النوعية التي سهلت سير الحركة الاقتصادية.
ومن جهة باشرت السلطة عملية الاصلاح الهيكلي بجرأة ما وضع قواعد صلبة للاصلاحات الموالية. وربما كانت تلك الاصلاحات ذات مذاق مر، لكنها كانت ضرورية لوضع قاعدة للمسيرة اللاحقة وتحديث المسار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وترشيد التصرف الاقتصادي. فقد تم اصلاح المجال الضريبي بمختلف مستوياته واعتمدت المؤسسة كخلية رئيسية للتنمية وتم تحقيق انفتاح على رغم الرأي المخالف للقوى المحافظة والتي كانت تدعي التقدمية.
الثانية، التوجه نحو سياسة تسعى الى خلق طبقة وسطى واسعة أو واسعة جداً بايجاد الحوافز لذلك وتصغير حجم الطبقة المعدمة التي كانت تعيش تحت عتبة الفقر واللجوء في ذلك ليس الى موازنة الدولة بل الى المواطنين في اطار فلسفة لا تتجه فقط الى جيوبهم بل الى قلوبهم بإحياء الشعور التضامني.
ولعل ذلك المظهر، أي توسيع قاعدة الطبقة الوسطى المستفيدة من النمو، هو العنصر الأقدر على ضمان التفاف شعبي حول الدولة بحيث تكون السلطة مستفيدة بصورة متصاعدة من قراراتها ذات البعد الذي بدا أنه يخدم عامة الناس ويلتقي مع طموحاتهم. ذلك أن السائد هو أن الطبقات الوسطى عادة ما تكون نصيراً مخلصاً للحكم القائم وداعمة له.
الثالثة، السعي لأن تكون ثمار التنمية المحققة موزعة على العدد الأكبر من الناس فلا تبقى جهة أو فئة محرومة منها، وهو ما تمثل في ارتفاع معدل الدخل الفردي وفي سلامة التوزيع التي شملت ليس فقط الداخلين ضمن الدورة الاقتصادية سواء في اجهزة الدولة وشركاتها أو في القطاع الخاص وليس فقط الصناعيين والتجار والحرفيين وأصحاب المهن الحرة بل حتى أولئك الخارجين عن تلك الفئات ممن لم يكونوا يتمتعون بمورد رزق ولا عمل والذين طالتهم نتائج التنمية بصورة أو بأخرى عن طريق صندوق للتضامن معروف تحت أرقام حسابه البريدي حيث يتبرع له الناس 2626.
الرابعة، اتباع سياسات مقررة مسبقاً لإحلال المؤسسة في مكان بارز من اهتمام السلطة باعتبارها الخلية الأساسية للانتاج التي تفرز الانتاج والثروة من جهة وتوفر الفرص الجديدة للعمل وتمكن البلاد من فرص الاستثمار.
وعلى رغم ان الأرقام والمنجزات الكمية لا تعكس دائماً التطور والنمو الاجتماعي فإن هناك عدداً من المؤشرات المهمة التي تترجم حقيقة الوضع.
الخصخصة والدور الجديد للدولة
ومنذ البداية ضبطت سياسات تستهدف التنمية بمختلف نواحيها، والى جانب تطوير القطاعات الاقتصادية وتنويعها والتوقف عن اعتماد واحد أو اثنين منها بصفة جذرية فإن السلطة اعتبرت أن خصخصة القطاعات الانتاجية يمكن أن تزيد في نجاعة الاقتصاد واعطاء دور ديناميكي للمؤسسة. وفي هذا الاطار تمت خصخصة أعداد متزايدة من مؤسسات الدولة وتوفير الفرص لاستيعاب الاستثمارات الخارجية الخاصة في القطاعات الانتاجية، كل ذلك في اطار توجه جديد يقضي أن توجه الدولة كل عنايتها لما يسمى بالمهام النبيلة المتمثلة في ضبط التصورات الكبرى وترك الفاعلين الاقتصاديين يتولون السير ضمن علاماتها الدالة.
وقد مكنت خصخصة وحدتين لانتاج الاسمنت في سنة 1998 اشترتهما شركات اسبانية وبرتغالية مثلا من توفير 420 مليون دينار حوالي 400 مليون دولار كما تمت خصخصة ثلاث وحدات أخرى في عام 1999 غير أن أثرها لن يظهر الا في العام الحالي وذلك بمبالغ تفوق 500 مليون دينار تونسي.
واتجه التخصيص نحو بيع مؤسسات مملوكة للدولة في مقابل عدد من التعهدات، منها خصوصاً اعتماد تكنولوجيا جديدة في الانتاج ورفع معدلات ذلك الانتاج مع اكتساح أسواق خارجية اضافة الى دعم سياسات التشغيل فيها.
وفي الجملة تم بين 1987 وأول 1999 تخصيص 130 مؤسسة من القطاع العام بما يتجاوز مليار دينار أو حوالي 950 مليون دولار بقيمة تلك الفترات وليست كلها للرأسمال الأجنبي بل لعدد من المقاولين التونسيين.
وبهذه السياسات أمكن اليوم لتونس أن تفخر بأنها حققت نسب نمو من أعلى ما هو موجود في البلدان النامية وتمكنت من تحقيق توزيع أعدل بين المواطنين وتنمية ليس فقط عالية نسبياً ولكن متواصلة سنة بعد أخرى وقد بلغ معدلها بما في ذلك سنوات القحط والجفاف بين 4.5 و5 في المئة سنوياً من دون دفع ثمن اجتماعي باهظ.
أما متوسط الدخل الفردي فبلغ خلال العام الماضي 2500 دينار 2200 دولار.
غير أن الرقم ليس مهماً في حد ذاته بل ان الأهم هو معرفة المنطلق وهو 960 ديناراً تونسياً للفرد في سنة 1986 أي السنة التي سبقت التغيير في الحكم مما يعني ارتفاعاً بمقدار 160 في المئة أقل من 13 سنة.
إلا أن الأهم أيضاً هو أن الدخل الفردي التونسي سيبلغ وفقاً للتقديرات الأكثر اعتدالاً حوالي 3500 دينار في أفق 2004 أي بزيادة حوالي 40 في المئة في ظرف 5 سنوات وحوالي 264 في المئة في ظرف 17 أو 18 سنة.
ويعتمد الاقتصاديون عادة على متوسط الدخل الفردي لقياس مدى تقدم ورفاهة بلد معين، غير أن هناك عناصر أخرى ليست أقل أهمية تبرز الوضع الاقتصادي وحتى الاجتماعي في ذلك البلد.
وقد وجدت السياسات الاقتصادية الجريئة مناخاً ملائماً اتسم باستقرار سياسي وأمني واجتماعي متواصل. وأدت سياسات الوفاق دورها في ضمان تلك التقاليد الجديدة وزاد اتساع الطبقة الوسطى التي شهدت مصالحها تتكاثر نتيجة تلك السياسات.
ومن جهة أخرى كفت حركة الاضرابات المتكررة التي كانت تعرفها البلاد قبلا وقام وفاق اجتماعي يعتمد على المفاوضة الدورية بين أصحاب الأعمال والعمال بحيث انتظم حجم الزيادات السنوية في الأجور منذ أكثر من تسع سنوات فيما ارتفع الأجر الأدنى الذي تضمنه السلطة لكل العاملين بأكثر من الضعف في تلك الفترة وفي سماء شهد فيها مؤشر الأسعار ارتفاعات طفيفة استقرت في حدود 3 في المئة سنوياً بعدما كان من رقمين خلال الثمانينات أي بأكثر من 10 في المئة سنوياً.
غير أن الوجه الايجابي هذا لم يكن ليخلو من بعض مساحات الظل التي تستحق اصلاحاً أو على الأصح المزيد من الاصلاح. وفي هذا الصدد لا تزال نقطة الضعف الأولى تتمثل في عدم وصول الاستثمار، خصوصاً الخاص منه الى المستويات المطلوبة أي تلك التي توفر قدرة على الوصول لتحقيق نسب نمو أعلى، هذه النسب التي يعتقد الاقتصاديون أنها لا ينبغي أن تنزل تحت مستوى 7 في المئة وكمتوسط ومعدل.
وقد بلغت نسبة الاستثمار الى الناتج في السنوات الخمس الأخيرة وبصورة متصاعدة ما بين 24 و26 في المئة سنوياً فيما انه لا بد من بذل مجهود أكبر خصوصاً في القطاع الخاص للوصول الى ما بين 27 و28 في المئة.
وقد توافرت الحوافز الكثيرة عبر قانون موحد للاستثمار الا أن الاستجابة خصوصاً من القطاع الخاص كانت أقل من المؤمل.
وإذ تطور حجم الاستثمار ونسبته الى الناتج من 24.8 في المئة الى 26 في المئة خلال السنوات الأخيرة فإن الخبراء يعتقدون بأنه لا بد أن يرتفع بأقرب وقت الى نسبة لا تقل عن 27 في المئة وذلك لتحقيق عدد من الغايات الأساسية اللازمة لتنمية أكبر وأشمل، منها اثنتان:
1- تحقيق وفرة انتاجية ضرورية للاستجابة لطلب داخلي متنام والقدرة الأكبر على النفاد لسوق خارجية هي ذاتها تشهد طفرة وتزايداً في الطلب.
2- توفير زيادة في النشاط تتطلب تشغيل يد عاملة أكبر عدداً بصورة لا تمكن فقط من الاستجابة لكل الطلب الاضافي على العمل لكن تقليص المخزون من اليد العاملة العاطلة حالياً.
ومن نقاط الضعف عدم قدرة الاقتصاد حالياً على استيعاب كل الطلب الاضافي الوافد على سوق التشغيل سنوياً. ويقدر الخبراء عدد الوافدين الجدد على سوق التشغيل بحوالي 70 الى 72 ألفاً في السنة فيما ان المنتظر أن يوفر الاقتصاد سنة 2000 ما لا يزيد عن 67 ألف فرصة عمل جديدة أي قرابة 94 في المئة من الحاجيات الفعلية.
وقد أدى تراكم في عدم التمكن من توفير فرص العمل اللازمة الى بطالة يقدرها الخبراء بما بين 15 و16 في المئة من طاقة العمل المتاحة وان كانت الموضوعية تقتضي القول ان الطلبات الاضافية للعمل لم تكن تتجاوز سنوياً 50 ألفاً في الثمانينات.
ولعل الحل الوحيد اليوم هو السعي بكل الطرق لزيادة الاستثمار بما يوفر تنمية أكبر وقدرة أعلى على توفير فرص العمل مع ضرورة مواصلة توسيع أعمال التأهيل حيث دلت التجربة ان العاطلين هم عادة من الذين لا يتقنون اختصاصاً أو ممن نالوا تعليماً عاماً يحتاجون معه الى تكوين لاحق للوصول بهم الى مستويات الانتاج الفعلي عند انتدابهم
مقومات الثروة التونسية
ما تفتأ السلطات التونسية تؤكد ان الثروة الرئيسية في البلاد هي الثروة البشرية وان اكبر استثمار هو الذي ينبغي أن ينصرف للتعليم والتكوين والصحة ورفع منزلة الفرد. غير أن ذلك لا يمنع من الحديث عن الثروة المادية التي وان كانت قليلة فإن الحرص شديد على حسن ادارتها.
وبعدما كان البترول يشكل نقطة ارتكاز مهمة بين العناصر المكونة لتلك الثروة في السبعينات والثمانينات فإن دوره تقلص.
وعلى العكس باتت السياحة أحد أهم مواقع النشاط الاقتصادي من ضمن التطور الذي أصاب مجال الخدمات بصورة عامة والتي باتت تشكل المرتبة الأولى في الحركة الاقتصادية والتي تشغل - أي الخدمات - العدد الأوفر من العاملين وتوفر القدر الأكبر من فرص العمل الجديدة.
ففي خلال سنة ومن بين 67 ألف فرصة عمل متوقع إحداثها ستوفر الخدمات وحدها 45 ألف فرصة.
ومن المتوقع أن يكون قطاع السياحة قد وفر دخلاً بالعملة الأجنبية للبلاد في حدود مليار و990 ألف دينار. ويمثل قطاع الخدمات حوالي 35 أو 36 في المئة من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة مرشحة للارتفاع في السنوات المقبلة حيث انها تتجاوز في كل الأحوال نسبة 50 في معظم البلدان المتقدمة وتصل حتى الى ثلثي الناتج.
أما قطاع الصناعات المعملية بمختلف أصنافها فإنها تمثل من جهتها حوالي 18 الى 19 في المئة من الناتج، منها النسيج الذي أصبح في مرتبة أدنى مما كان قبل سنوات بعدما كان يحتل مرتبة أولى منذ انحدار أهمية البترول.
وقد انخفض دور الفلاحة في تشكيل الناتج على رغم تزايد ونمو الانتاج الزراعي بشكل سريع نسبياً والتوصل الى تحقيق الاكتفاء الغذائي في غالب المنتوجات ومنها الألبان واللحوم والزيوت وغيرها وانتظاراً لانجاز ذلك في مجال الحبوب التي تشكل عبئاً شديداً على ميزان المدفوعات وعلى توازن الميزان التجاري وان كان انتاج الحبوب قد تطور إلا أنه بقي دون القدرة على تغطية الحاجيات الأساسية.
وفي هذا المجال تعتبر تونس أول بلد مصدر لزيت الزيتون في العالم وان كانت لا تحتل إلا المرتبة الثالثة دولياً من حيث الانتاج بعد ايطاليا واسبانيا كما تعتبر بلداً مهماً مصدراً للحمضيات وللأسماك.
3 شهادات عن الاصلاح والنمو
محمد بوشيحة
اقتصادي، الزعيم الجديد
لحزب الوحدة الشعبية المعارض، نائب في البرلمان.
تقوم مقاربة حزب الوحدة الشعبية يسار الوسط للوضع الاقتصادي في تونس على اعتبار معطيين أساسيين:
الأولى، معطى المؤشرات، والثاني معطى التوجهات.
فالمؤشرات تؤكد في مجملها ان هناك تطوراً في ما يخص مستوى الحياة الاقتصادية في البلاد والأرقام تبرز التطور الحاصل في الدخل الفردي وفي الجوانب ذات الصلة بمستوى المعيشة، اضافة الى التطور الذي شهدته البنية التحتية ... ومن علامات تحسن الحياة الاقتصادية أيضاً ارتفاع نسبة اليد العاملة المختصة في المؤسسات الاقتصادية وارتفاع نسبة التأطير داخلها حيث بدأ العمل في السنوات الأخيرة على انتداب الكفاءات العلمية التي استطاعت أن تخلق ديناميكية من شأنها أن تمكن أغلب المؤسسات من تحمل أعباء المنافسة. ونعتقد بأن المؤشر الأساسي الذي يتطلب اهتماماً خاصاً هو المتعلق بالتشغيل، وهذا ما يدفعنا الى الحديث عن التوجهات الاقتصادية، فنحن لا نخفي في هذا المجال أن لنا تصوراً اشتراكياً مختلفاً عن توجهات السلطة، إذ نؤمن بأن للقطاع العام دوراً محورياً في المجتمع كما اننا ندعو الى التركيز على الفلاحة باعتبارها الممر المركزي للتنمية ونعتقد بأن تحقيق الأمن الغذائي خيار استراتيجي وهذا ما يتطلب إعادة ترتيب البيت العربي على أساس المصلحة المشتركة ووحدة التحديات الاقتصادية التي تواجهنا كعرب على اختلاف مواقعنا ومواقفنا ....
الهادي المشري
أستاذ الاقتصاد في جامعة تونس ومدير مجلة "الاقتصاد المغاربي"
يصف المراقبون الأجانب تونس بأنها تنين شمال افريقيا وسويسرا افريقيا وهم يوجهون تحيتهم لهذا البلد الذي يرون فيه علامات النجاح، فقد عرفت البلاد خلال العقد الأخير نمواً قوياً ومستديماً يختلف عن انجازات النمو في المنطقة التي كانت في صعود وهبوط، وقد عرفت تونس تنمية اعتمدت مظهراً وفاقياً رفع الى أعلى مستوى كل السكان وظلت مظلة النمو بعطائها التوزيعي مجموع الجهات وكل التونسيين.
ومنذ وصوله الى الحكم دفع الرئيس بن علي البلاد على طريق برنامج الاصلاح الهيكلي وترشيد الانفاق في الموازنة ووضع قطار الخصخصة على سكة سالكة بعيداً عن روح الصدام أو اعتماد تقشف مفرط فكان لا بد من مجهود تفسيري وفي الوقت نفسه استعادة وحدة البلاد حول أهداف التنمية ... والرهان على مزايا الانفتاح.
ويمكن القول اليوم ان نجاح تونس هو ثمرة نظرة الحداثة للرئيس بن علي لاعتماد الوفاق الواسع والانسجام بين الأهداف المرسومة واختيار الامكانيات اللازم استعمالها للغرض. وهكذا يمكن اليوم قياس تطور الاقتصاد التونسي وقدرته على إفراز النمو في عالم تهزه رياح العولمة .... غير أن قوة النموذج التونسي وأسباب نجاحه تكمن في أنه يجمع بين الحقوق والواجبات المحمولة على الأفراد، فالاثنان لا بد أن يكونا متلازمين: الجهد مع الانصاف، وكل ذلك في اطار تحررية ليبيرالية ذات وجه انساني يتم تنظيمها تحت شعار القيم الجمهورية الرافضة لعدم المساواة أو التمزق الاجتماعي.
منور خميلة
نائب من التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم
لماذا نجحت تونس اقتصادياً؟
لم تكن الانتعاشة التي حققتها البلاد خلال العشرية الماضية محض صدفة وانما جاءت كنتيجة للاصلاحات العميقة التي طالت التشريعات المالية والجبائية والإدارية وغيرها باتجاه دعم النجاعة والجدوى وتطوير أساليب التسيير الاقتصادي والرفع من القدرة التنافسية للمؤسسة وتعزيز الاستثمار.
واعتمدت تونس طريقة تنمية تراعي تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي وتهدف الى التنويع المطرد للقاعدة الاقتصادية عبر تطوير قطاعات الصناعة والسياحة والخدمات والفلاحة والحفاظ على التوازنات الكبرى وهو ما أثمر تخفيفاً ملحوظاً في عبء المديونية الخارجية وتقليص عجز الموازنة الى حدود 3 في المئة من الناتج الداخلي الخام. ومن الأسباب الأخرى لهذا النجاح الاتجاه في السياق نفسه الى دعم مساهمة القطاع الخاص وتحسين الانتاجية والتحكم في حجم التضخم المالي وتطوير التشريعات، ما كان له الأثر الايجابي على مستوى تيسير انفتاح الاقتصاد التونسي على العالم بشكل مبكر وهو ما تؤكده اتفاقية الشراكة التي وقعتها الحكومة التونسية مع الاتحاد الأوروبي منذ العام 1990 لتكون تونس أول بلد من جنوب البحر الأبيض المتوسط يبادر بهذا الأمر ... ما ساهم بصورة فعالة في تطوير نسق استقطاب الاستثمار الخارجي المباشر وتمكين المنتوج التونسي من قدرة تنافسية أكبر ... وبالتوازي مع ذلك تم ايلاء ملف الخصخصة كل عناية بغاية الرفع من جدوى المؤسسة وتحسين قدراتها الانتاجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.