غرفة أبها تدشن معرض الصناعة في عسير    "الإحصاء": 1.8% معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان في المملكة    الجمعية العليمة السعودية للصحة العامة ساف تشارك في مؤتمر يوم الابحاث    علامة HONOR تعلن عن رعايتها لمسابقة إجادة اللغة الصينية بعنوان "جسر اللغة الصينية" في المملكة العربية السعودية    ملتقى النص المعاصر: احتفالية شعرية وفنية تُضيء سماء نابل    سفير إندونيسيا لدى المملكة: "مبادرة طريق مكة" نموذج من عناية المملكة بضيوف الرحمن    وزير الصحة الماليزي: نراقب عن كثب وضع جائحة كورونا في سنغافورة    مستشفى دله النخيل ينهي معاناة عشريني يعاني من خلع متكرر للكتف وكسر معقد في المفصل الأخرمي الترقوي    الديوان الملكي: تقرر أن يجري خادم الحرمين فحوصات طبية في العيادات الملكية في قصر السلام بجدة    رياح مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من الشرقية والرياض    موسيماني: ما زالت لدينا فرصة للبقاء في "روشن"    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    طبخ ومسرح    مواقف مشرّفة    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    الهلال يحبط النصر..    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    الخبز على طاولة باخ وجياني    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاول اغتيال بختيار وأخفى عن المحققين السر الكبير . أنيس النقاش يعترف كنت شريكاً لكارلوس في عملية فيينا ونجحت في انقاذ الوزيرين من الاعدام 1
نشر في الحياة يوم 20 - 11 - 2000

عرف الشرق الأوسط قبل شبان الانتفاضة الذين يهشمون هيبة جيش الاحتلال الاسرائيلي بالحجارة، شباناً أشد خطورة نقلوا الحرب الى عواصم بعيدة. لقد فعلوا كل شيء. سافروا بجوازات مزورة. مرروا أسلحة عبر المطارات. زرعوا عبوات وأطلقوا قذائف واحتجزوا رهائن. ودفعوا العالم مرات كثيرة الى كتم أنفاسه. وبين شبان السبعينات وشبان الانتفاضة اليوم خيط الثورة الفلسطينية من دون ان ننسى البركان الايراني وشظاياه.
كان ذلك قبل سنة. ألمح صديق الى ان سلسلة "يتذكر" ستبقى ناقصة ما لم تنجح في استدراج رجل ينام على سر كبير وخطير فشلت أجهزة الاستخبارات في فضحه ولم ينتبه المحققون اليه على رغم اقامة الرجل سجيناً بين أيديهم على مدار عقد كامل.
إنه أنيس النقاش.
في 1980 اهتزت فرنسا. وتناقلت وكالات الأنباء اسم هذا الشاب اللبناني الذي انضم باكراً الى الثورة الفلسطينية وها هو يحاول اغتيال شهبور بختيار رئيس الوزراء الإيراني السابق. نجا بختيار لكن فرنسيين قتلا في الحادث احدهما شرطي وأصيب نقاش وحكم عليه بالسجن المؤبد. ومنذ لحظة اعتقاله سيتحول ملف النقاش هاجساً لدى المسؤولين الفرنسيين لأنه تداخل مع مجريات الحرب العراقية - الايرانية وأزمة الرهائن الفرنسيين في لبنان وضاعف من تسميم العلاقات بين باريس وطهران التي كانت تشترط اطلاقه.
لدى صدور هذا العدد سيكتشف القضاة الفرنسيون ان النقاش ارتكب ما هو أهم وأخطر من محاولة اغتيال بختيار، ولم يدر في خُلَدِهم السؤال عن السر او الاقتراب منه او محاولة الوصول اليه.
وها هو أنيس النقاش يعترف ل"الوسط" بأنه كان شريك كارلوس في عملية احتجاز وزراء النفط في "أوبك" في فيينا في 21 كانون الأول ديسمبر 1975 وأنه شارك في التخطيط والتنفيذ. ويكشف النقاش انه أقنع كارلوس بعدم تنفيذ أوامر وديع حداد بإعدام الوزيرين الإيراني والسعودي، والذي كان مقرراً ان يحصل في بغداد او عدن، بعد تحقيق الهدف الأول من العملية وهو الحصول على الفدية، وكانت عشرة ملايين دولار. ويروي ان خلافاً وقع بين حداد وكارلوس بعد العملية بسبب امتناع الثاني عن اعدام الوزيرين وتقديم نفسه علانية خلال تنفيذها خلافاً لأوامر الأول.
ستة شاركوا في عملية فيينا: كارلوس والنقاش ولبناني اسمه الحركي "جوزف" وفلسطيني اسمه الحركي "يوسف" والألماني هانس جواشيم كلاين والألمانية غابرييل توجمان واسمها الحركي "ندى".
قصة مثيرة ومعقدة. انتمى النقاش باكراً الى التنظيم الطالبي لحركة "فتح" وعمل مع عضو اللجنة المركزية فيها خليل الوزير أبو جهاد واختار خدمة الأمن السياسي للثورة من خارج أجهزتها الأمنية. دخل عالم الأسرار وأقام فيه بأسماء مستعارة الى ان سقط في أيدي الشرطة الفرنسية.
يروي النقاش في هذا الحوار الذي ينشر على حلقات انه شارك في استقطاب أوروبيين للقيام بعمليات استطلاع داخل اسرائيل. وأنه في النصف الأول من السبعينات قرر اختراق مجموعة وديع حداد التابعة أصلاً ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" لمعرفة المجموعة والحيلولة دون ان تمس عملياتها أمن الثورة. ويقول انه كلف لاحقاً المشاركة في الاشراف على تدريب الإيرانيين المعارضين لنظام الشاه، وكان أول من طرح فكرة انشاء "الحرس الثوري".
يقول النقاش الذي واكب ولادة "الحرس الثوري" وربطته علاقات بمسؤوليه انه شارك في نقاشات هناك انتهت الى ان بختيار رجل خطير وانه الرمز الذي تحاول الولايات المتحدة استخدامه لانقلاب عسكري يطيح الثورة الإيرانية التي شكل قيامها كسباً كبيراً للثورة الفلسطينية. ويضيف ان "محكمة إيرانية قضت بإعدام بختيار وأن الإمام الخميني أقر الحكم. فتطوعت للتخطيط ثم قدت عملية التنفيذ".
يكشف النقاش في الحوار انه حصل عبر وكالة الصحافة الفرنسية على رقم مقربين من بختيار وانه زار منزله مدعياً انه صحافي عربي، وأجرى، بهذه الصفة، حديثاً كاملاً تمكن خلاله من استطلاع المكان والحراسات ونقل النتائج الى طهران فصدر قرار التنفيذ. لم ينشر الحديث وعاد النقاش لإجراء حديث آخر تتم خلاله عملية الاغتيال، لكن اجراءات الأمن فرضت تغييراً في الخطة التي تحولت عملية اقتحام. وينفي ان تكون المجموعة أخطأت في الشقة مؤكداً ان المرأة التي قتلت أصيبت بالصدفة وأن الباب المصفح هو الذي أنقذ بختيار خلال الاشتباك الدامي. ويروي وعود الاشتراكيين والديغوليين بإطلاقه وكيف أعطي هاتفاً دولياً للمساهمة في اطلاق الرهائن الفرنسيين في لبنان ويشير الى اسماء المسؤولين الإيرانيين الذين كانوا على علم بقصة بختيار. وفي 28 تموز يوليو 1990 أصدر الرئيس فرنسوا ميتران عفواً عن النقاش فعاد مع أفراد المجموعة الى طهران.
ويكشف النقاش ايضاً كيف خططت مجموعة وديع حداد لاغتيال السفير الأميركي في بيروت غودلي والمبعوث الأميركي دين براون والملحق العسكري الفرنسي والدور الذي لعبه "أبو جهاد" و"أبو حسن سلامة" في افشالها بعد اطلاعهم على هذه الخطط قبل تنفيذها.
يقول النقاش انه وافق على التحدث الى "الوسط" لوضع هذه التجربة في سياق التجارب الثورية وتجارب الأمن السياسي أمام شبان الانتفاضة. وهنا نص الحلقة الأولى:
فكرة عملية فيينا كيف ولدت، وأين كنت في تلك المرحلة؟
- عملية فيينا سبقتها مجموعة عمليات خُطط لها، وكان الهدف منها التمويل. مع بوادر الحرب الأهلية في لبنان كانت مجموعة وديع حداد في حاجة الى تمويل. وكانت تعتقد ان اكثر من طرف فلسطيني، ك"الجبهة الشعبية" سيفيد منه. وأول برنامج او هدف لعملية التمويل، بعدما وضعت احتمالات عدة، كان التفكير في خطف مهدي التاجر، الثري الإماراتي الذي كان سفيراً لبلاده في لندن. وفي شتاء 1974 - 1975، بدأ التحرك للإعداد لهذه العملية. وكلفت مجموعة تضم بعض الشباب اللبنانيين وامرأة ورجلاً ألمانيين الاعداد الأولي، كان المطلوب تحضير المجموعة وإعداد الوثائق اللازمة لها كالجوازات. والجوازات التي كان من الممكن الافادة منها كانت بوليفية. اجتمعت المجموعة في باريس للتحضير لمراقبة الأماكن المطلوبة في بريطانيا وتحديدها.
وبسبب خطأ فني حصل في الجوازات، وعدم تمكن كل أفراد المجموعة من الدخول الى لندن، تقرر تأجيل العملية. وفي هذه الفترة تفاقمت الأزمة في لبنان وأخّرت الحرب الأهلية هذه المسألة قليلاً، الى ان أعيد طرح ضرورة التمويل مرة أخرى.
من اتخذ قرار خطف مهدي التاجر؟
- وديع حداد.
ودور كارلوس في هذه العملية؟
- كان موجوداً ضمن المجموعة التي ستنفذها.
هل ذهب الى باريس؟
- كان موجوداً أصلاً في باريس، فقاعدته في باريس وكان يتنقل بين باريس ولندن. بكل بساطة، لم تحدث العملية اطلاقاً. العملية لم تفشل اي انهم لم يقصدوا المكان ولم ينجحوا في الخطف. الأمر لم يكن كذلك، فجلّ ما فيه ان ثمة هدفاً حدد ووضع له عنوان وبوشر الإعداد له لوجستياً مع مجموعة التنفيذ. واستدعى الأمر ان تبدأ عمليات الاستطلاع، وتهيئة المكان اللوجستي: سيارات وفيللا وغيرها قبل الانتقال الى مرحلة التنفيذ.
كنا في المراحل الأولى تقريباً، اي تحديد مكان المجموعة التي ستشارك وتحضير الجوازات ووضع السيناريو الأولي للاقتراب، وهو كان يقضي بأن يكون هناك رجل وامرأة مظهرهما محترم، وأن يكون لديهما فيلا كغطاء، وهي الفيلا التي كان سيحتجز فيها مهدي التاجر.
ما الذي كانت تقتضيه الخطة؟ وكيف كانت ستتم عملية الخطف؟
- لم نكن قد وصلنا بعد الى مرحلة التنفيذ. كان المطلوب اولاً ان يكون ثمة مكان لاحتجاز الرهينة. فمن البديهي ان كل عملية خطف تحتاج الى مكان لوضع الرهينة خلال المفاوضات. لذلك ينبغي اولاً تأمين المكان للرهينة، وفي الوقت نفسه، هناك مجموعة تراقب تحركات الرهينة لتحدد المكان الأفضل لخطفه: من منزله، على الطريق، في عمله. لم تكن الصورة اكتملت بعد.
أنتَ كنت في المجموعة المكلفة التنفيذ؟
- نعم كنت ضمن المجموعة المكلفة التنفيذ.
وكنت في باريس؟
- نعم.
حصل إذاً اجتماع في باريس؟
- نعم حصل اجتماع في باريس وضم ميشال مكربل الذي كان ضمن المجموعة، وعلى علم. لكن اسمه لم يكن مطروحاً للمشاركة في التنفيذ.
من حضر الاجتماع ايضاً؟
- كان هناك كارلوس وميشال مكربل، وشخص ينبغي ذكر اسمه لأنه محوري، هو كمال خير بك، وكان شاعراً وعضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وعضواً في مجموعة "بو ضيا" محمد بو ضيا التي كان تضم فؤاد الشمالي ايضاً. وبعد وفاة فؤاد الشمالي، كان العضو الأبرز في المجموعة كمال. وهو أخذ على عاتقه الاتصال والانتقال من علاقته ب"فتح" الى علاقة خاصة بوديع حداد.
هذه المجموعة اجتمعت في باريس. والهدف كان مهدي التاجر. وضمت المجموعة شخصاً وامرأة ألمانيين وكارلوس وأنا، للتنفيذ. وكان هناك فؤاد عوض مع امرأة اخرى ]للإيقاع بالرهينة[، اي ان يسكنا في الفيلا ويؤمنا الغطاء أو التمويه. ففؤاد شخص متقدم في السن يقيم مع امرأة، وهذا ما يجعلهما يبدوان على مقدار من الاحترام. لم تتم العملية فنشوب الحرب الأهلية في لبنان أخّرها.
وفي هذه المدة الفاصلة ما بين تأخير عملية مهدي التاجر وبداية الحرب الأهلية وانفجارها، تردد في لبنان وضمن أوساط الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية ان دولة عربية خليجية وإيران، وبتشجيع أميركي، ساهمتا في تمويل أطراف في بدايات الحرب الأهلية في لبنان.
من هنا، أصبح الهدف، بدلاً من مهدي التاجر، اعادة الكرة الى ملعب الطرفين اللذين قيل انهما موّلا الحرب. ووضع هدف عملية فيينا كعملية تمويلية لإجبار الطرفين اللذين قيل انهما موّلا الأطراف المعادية، على دفع جزية لتمويل العمل الفلسطيني. من هنا برزت فكرة خطف وزراء النفط وتمويه العملية بأنها نابعة من موقف سياسي يحتاج الى اصدار بيان وتكراره في الاذاعات، ومن دون اعلان الهدف الحقيقي الذي كشف اثناء المفاوضات مع السعودية وإيران ومطالبتهما بدفع مبلغ عشرة ملايين دولار.
من أخذ القرار بعملية فيينا؟ وأين؟
- أبلغني القرار كمال خير بك بعد لقاء عقد بينه وبين وديع حداد في عدن، وكان الهدف اجتماع وزراء النفط في فيينا. كذلك صُرف النظر عن عملية مهدي التاجر. وكان المفترض ان نعود ونتحرك.
في الفترة الفاصلة بين عدم الذهاب الى لندن لأسباب لوجستية وعملية فيينا قتل ميشال مكربل. كان ميشال عاد الى بيروت لإعداد جوازات أخرى واعادة تهيئة الأجواء لعملية مهدي التاجر. وهنا حصل له حادث في مطار بيروت اذ أوقفه الأمن العام اللبناني وأجرى معه تحقيقاً، في حضور مندوب عن السفارة الفرنسية.
لماذا في حضور مندوب عن السفارة الفرنسية؟
- لأنه ذاهب الى فرنسا، وبالتالي استدعوا مندوباً عن السفارة ليعرفوا من هو هذا الشخص الذاهب الى فرنسا وفي حوزته جوازات. وهذا نوع من التنسيق الأمني بين لبنان وفرنسا. والخطأ الذي ارتكب، انه بدلاً من ان يبقى في بيروت ويصرف النظر عن السفر، توجه الى باريس وهو يعلم انه أصبح مكشوفاً. حين أوقف مكربل في مطار بيروت وفي حوزته جوازات سفر قال في التحقيق انه مناضل عربي، تابع للجبهة الشعبية وإلخ. ثم تركوه يسافر.
مجموعة "بو ضيا"
من هو ميشال مكربل؟
- ميشال مكربل لبناني توجهاته قومية ووطنية. وفي باريس التحق بطريقة ما، أجهلها، بمجموعة "بو ضيا" ولاحقاً علمت انه كان آخر شخص أعاره "بو ضيا" سيارته التي انفجرت به وقتلته. كون ميشال آخر من قاد السيارة قبل "بو ضيا" رسم علامات استفهام. عرفت هذا الأمر بعد سنوات من عملية فيينا. حين ذهب ميشال مجدداً الى باريس، كان تحت المراقبة، اتصل بكارلوس ليعلمه انه صار مكشوفاً وأن عليه ان يجمع الأغراض او ان يترك باريس. وبعد أيام من الملاحقة، عاد واعتقل في باريس حيث حقق معه الأمن الفرنسي. واعتبر ميشال انه بعدما أخبر كارلوس، من المفترض ان يكون هذا الأخير ترك البلد. وهكذا دلّ ميشال الأمن الفرنسي الى أحد المخابئ التي كانت المجموعة تستخدمها، وهي الشقة التي حصلت فيها عملية اطلاق النار. صودف ان كارلوس لم يترك البلد وكان حاضراً في الشقة. وهنا علامة استفهام كبيرة، لماذا اضطر ميشال الى كشف مكان الشقة؟ هل خضع لتعذيب حقيقي فأدلى بما يعرفه؟ ام انه استخف بالموضوع ظنّاً منه ان ما من أحد سيكون موجوداً في الشقة، فدلّهم اليها.
المهم ان ما حصل هو ان ميشال دخل برفقة مسؤولي الأمن الفرنسي الى الشقة، وكان كارلوس هناك، وحصل اطلاق نار، وقتل اثنان من رجال الأمن وجرح واحد. وقتل ميشال أيضاً. كارلوس قتله.
هل كان ثمة أشخاص آخرون مع كارلوس؟
- كان وحيداً. ثم فرّ. وعلى أثر ذاك الحادث، لم يعد في استطاعتنا التفكير لا بمهدي التاجر ولا بغيره.
من ضمن قصة مكربل تردد اسم آلان بوفييه ما هي قصته؟
- حين دهمت الشرطة الشقة وفتشتها اثر الحادث، وجدت جوازات بوليفية. وهنا ظهر اسم كارلوس. فكارلوس لم يستخدم هذا الاسم من قبل. في الدول العربية كان يعرف ب"سالم" وفي أوروبا ب"جوني". ولكن في ذاك الجواز كان يوجد اسم كارلوس الى جانب صورته. وبعد نشر الصورة والاسم في الصحافة بات يعرف باسم حركي جديد هو "كارلوس". ومع جواز كارلوس كان ثمة جواز باسم آلان بوفييه، كان لفؤاد عوض الذي كان يفترض به ان يشارك في عملية مهدي التاجر كما ذكرنا ايضاً.
كتب الكثير عن آلان بوفييه، الى حد التضخيم، ولم تعرف شخصيته. وأفادت بعض الكتب التي ألّفت والأجهزة انه ضابط من جهاز "كي.جي.بي." السوفياتي ومسؤول عن التعامل مع كارلوس. كل هذا غير صحيح. وهذا أخّر البحث في أي عملية أخرى.
إذاً، فؤاد عوض استطاع الخروج من هذه القصة.
- خرج فؤاد عوض من القصة في سهولة اذ لم توجه اليه أصابع اتهام، وبحسب المعلومات، فقد بادر إلى الاتصال بالأمن العام ليستبق اي عملية بحث. وكان طلب في ما مضى من الجبهة الشعبية جوازاً يسهل تنقلاته في أوروبا لأن اسمه كان مرتبطاً بعملية انقلاب سابقة في لبنان. أعطوه هذا الجواز الذي وقع خطأ في أيدي رجال الأمن. لم يتعرض له أحد في لبنان.
ضبابية قبل تحديد الهدف
فؤاد عوض كان يعمل مع وديع حداد؟
- كان فؤاد عوض صديقاً لكمال خير بك وضمن مجموعة فؤاد الشمالي. وأعتقد انه لم يشارك في عمليات "أيلول الأسود". ولكن في ما بعد عندما انضم كمال الى مجموعة وديع حداد، واحتاج الى أشخاص جدد، اتصل بفؤاد وشرع في إقناعه بالعمل الى جانبه. اتسمت المرحلة التي ذكرناها بالضبابية، أي بلا أهداف او عمليات أخرى، الى ان تقررت عملية فيينا. وخلال التحضير لها، برز هدف آخر هو ان يتم إعدام أحمد زكي اليماني وزير النفط السعودي ونظيره الايراني وجمشيد أموزيغار، من ضمن مجريات العملية.
ولماذا الإعدام ما دام الهدف هو التمويل؟
- الهدف تمويلي والإعدام كان للتصعيد، بحسب ما قيل آنذاك، تصعيد العلاقة مع الدولتين لأنهما اتهمتا بتمويل أطراف لبنانية، وعليهما ان تدفعا الثمن عن طريق اعدام وزيريهما. الا ان خلفية المسألة أعمق من ذلك. وأنا في رأيي، ان من روّج لفكرة عملية الاغتيال لم يكن بريئاً بتاتاً فأبعادها خطيرة جداً. وتحديداً كانت منظمة "أوبك" مستهدفة آنذاك من الغرب بسبب النزاع مع وضع العالم الثالث ورفع الأسعار. اذاً، كانت المنظمة مستهدفة. وأي عملية اغتيال من هذا النوع لوزيرين تابعين لبلدين عضوين في المنظمة، ومن ثم توجيه الاتهام الى دول أخرى أعضاء أيضاً في المنظمة، في شأن علاقتها بالاغتيال يمكن ان يدمر المنظمة ويثير حروباً. فوديع حداد كانت له قواعد في عدن والعراق، وكان من الممكن توجيه التهم الى تينك الدولتين. اذاً كان الهدف الآخر غير بريء بتاتاً.
قرار عملية فيينا اتخذ في عدن، وأبلغك اياه كمال خير بك. أين استقرت المجموعات التي ذهبت الى فيينا؟
- عندما بُلّغت القرار، بُلّغت أنني سأكون مسؤولاً عن المجموعة. ولم يكن وارداً ان يشارك كارلوس في العملية.
وما كان اسمك هنا؟
- خالد. ولكن أثناء التحضير، بُحث الأمر في عدن وارتؤي ان مشاركة كارلوس في العملية قد تجعلها أكثر أماناً بسبب خبرته، شرط ان أكون أنا المسؤول السياسي عن العملية وعن المفاوضات.
هل ذهبت الى عدن من أجل هذا الموضوع؟
- لم أذهب الى عدن. بدأنا بالتحضير في بيروت ابان أجواء الحرب في لبنان. أي أن مركز الانطلاق كان بيروت.
وأين كنتم في بيروت؟
- في منطقة قريطم يضحك قائلاً قرب بيت الحريري في شقة استأجرها كمال خير بك، وكنا نعقد الاجتماعات فيها. وجاء كارلوس الى بيروت واستقبلته في المطار. وعقدنا اكثر من اجتماع لتحضير العملية.
عملية الاستطلاع
وحضر كارلوس الى تلك الشقة؟
- نعم. تم التحضير هناك وبلّغت بوجود شخصين ألمانيين في عدن وشخص فلسطيني اسمه الحركي "يوسف" سيشاركون في العملية اضافة الى شخص لبناني اسمه الحركي "جوزيف". وكنت أعرفه لأنه كان ضمن مجموعتنا في لبنان. وكنت تعرفت إلى كارلوس سابقاً في باريس. لكن الشاب والفتاة الألمانيين لم أكن أعرفهما.
كُلفت أولاً عمليات الاستطلاع الأولى. وذهبت مرة أولى الى فيينا بجواز لبناني عادي. جنيف أولاً ثم بالقطار الى فيينا حيث مكثت هناك نحو 10 أيام لأتقصى الأجواء والأماكن. مركز أوبك والشوارع والشقق. أي عملية استطلاع كاملة. وكان يرافقني شاب آخر عديم التجربة، وكان هذا مشواره الأول الى أوروبا في عملية استطلاع وبغرض تدريبه. ولم يكن له أي دور لاحقاً.
هل دخلت الى مركز أوبك خلال عملية الاستطلاع؟
- نعم.
وبأي حجة؟
- في مبنى أوبك كانت توجد السفارة الكندية وشركة نفط. صعدت الى طابق أوبك بحجة انني ظننته طابق السفارة. ودخلت المركز ولم تتسن لي رؤيته بكامله. لكنني ألقيت نظرة على المدخل والسلم والمصعد. والى ما هنالك من تفاصيل وأمور. ثم اعتذرت عن "الخطأ" في الطابق وخرجت. رجعت الى بيروت، وكان كارلوس موجوداً وتداولنا المعلومات. ثم قررنا الانطلاق للتنفيذ. هنا خرجت بجواز لبناني عن طريق زوريخ. وفيها بدّلت الجواز الى جواز قبرصي كي أدخل الى فيينا. واكتملت المجموعة في فيينا.
من أين أتى كارلوس؟
- لا أعرف تماماً. لكني أعرف انه كان في لبنان. والاحتمال ان يأتي اما عن طريق سويسرا وإما إيطاليا. ولم يكن مطلوباً مني ان أعرف أي وجهة سيسلك العناصر الى فيينا.
أين كان الموعد؟ وكيف التقيتما في فيينا؟
- الموعد كان على الشكل الآتي: في الأيام المفردة أذهب الى الأوبرا من السادسة الى السابعة ليلاً، وأنتظر هناك وهو يأتي. ولم أعرف من أي طريق أتى والجواز الذي استخدمه. كذلك، هو لم يكن يعرف طريقة دخولي.
تفاصيل العملية
هل ذلك من الشروط الأمنية؟
- نعم. فالتنسيق مع كمال كان ان أعرف طريقي وكارلوس يرتب طريقه من دون علمي.
كمال كان يدير العملية من بيروت؟
- نعم من بيروت.
ووديع؟
- من عدن. تم اللقاء في فيينا. وكان أول الواصلين كارلوس وأنا. بعدها، وصل الشاب والفتاة الألمانيان. وآخر الواصلين يوسف الفلسطيني وجوزيف اللبناني.
وكانت علاقتي بالاثنين الأخيرين مباشرة لأؤمن لهما سكناً في الفندق. وطريقة الالتقاء كانت نفسها اي عند الأوبرا. وكارلوس اهتم بالآخرين. كارلوس كان يقيم في شقة وأنا في فندق. حين اكتملت المجموعة، كثفنا عمليات الاستطلاع، انطلاقاً من أماكن اقامتنا، ولكي يكون كل أفراد المجموعة على علم بالتفاصيل.
واستناداً الى زيارتي مقر أوبك، وكان كارلوس ذهب الى هناك بالطريقة نفسها، اي بحجة انه أخطأ بين المقر والسفارة، وبناء على دراستي هندسة الديكور استطعت ان أضع مخططاً للمبنى وأن أقدّر أين تقع قاعة الاجتماعات. ثم حددنا يوم العملية. وقبل التنفيذ ب48 ساعة، وصل ألمانيان شاب وفتاة من خارج المجموعة ومعهما الأسلحة. واقتصرت مهمتهما على جلب الأسلحة فقط. وكانا ينتميان الى "الألوية الحمر" الألمانية. سلّمانا الأسلحة فقط. ثم قررنا عقد اجتماع في آخر ليلة قبل العملية. وبتنا في الشقة نفسها، شقة كارلوس، حيث تلقى كل فرد منا التعليمات اللازمة. وفي الصباح الباكر، غادر الألمانيان اللذان أتيا بالأسلحة. أما نحن فبقينا الى ان حان وقت العملية.
ركبنا قطاراً ترامواي، عبر خط يوصلنا الى محطة تبعد نحو 15 متراً عن مقر أوبك. ووضعنا الأسلحة في حقائب رياضية، ولم يكن الجميع في حاجة الى حقائب. فأنا كنت أحمل مسدسين، ومن كان يحمل رشاشاً احتاج الى حقيبة وتحديداً كارلوس وجوزيف.
اقتحمنا وانبطحوا أرضاً
خرجنا من المحطة وكان البرد قارساً وشاهدنا عنصرين من الشرطة هناك وكنا نرتدي المعاطف. كان كل شيء مموهاً في شكل جيد، ولم يلاحظ الشرطيان شيئاً. حتى اننا، وبكل بساطة، سألناهما عن مكان المؤتمر. فظنّا، من الحقائب التي معنا، اننا صحافيون. فدلاّنا الى المكان. طبعاً كنا نعرف الطابق الذي يقع فيه مقر أوبك، الا اننا بادرنا الشرطيين بالسؤال أولاً قطعاً للطريق على أي اشتباه او التباس. وأكملنا أسئلتنا عن موعد المؤتمر ومكان القاعة. أي مجرد أسئلة روتينية اعتيادية. دلّنا الشرطيان الى الطابق الأول. صعدنا الى المقر وبدأ الاقتحام. وبحسب الخطة، انقسمنا مجموعتين: الأولى تسيطر على المدخل الأساسي مع السنترال والسكرتيرة، والأخرى تكمل الاقتحام. وهذه الأخيرة انقسمت قسمين كل واحد يتولى تفتيش جهة من الممر. توليت أنا تفتيش الجهة اليمنى وسلاحي في يدي. وفتحت أربع غرف أو خمساً فيها موظفون. وكانت قاعة الاجتماعات آخر غرفة. عندها ناديت باقي العناصر، ولم نكن قد ارتدينا الأقنعة بعد. الا اني كنت أعتمر قبعة من الفرو وقبة الكنزة عالية فلم يلحظ أحد ملامحي، خصوصاً انني كنت أتحرك في سرعة. ولما دخلنا القاعة وضعنا الأقنعة كي لا يتأملوا طويلاً في وجوهنا.
الجميع كانوا في الاجتماع. وفور دخولي أطلقت رصاصتين نحو السقف. فانبطحوا أرضاً. وكانت المجموعة الثالثة ساقت الموظفين الى القاعة. وكانت هناك مجموعة حراس شخصيين في قاعة الانتظار. وقُتل منهم اثنان عراقي وليبي. بقية الوزراء لم يكن لديهم حراس. وقد حاول الحارسان المذكوران استهداف الفتاة المشاركة معنا ظنّا منهما انها الأضعف لكنها عاجلتهما بالرصاص وأردتهما.
تم تجميع كل الموظفين في القاعة. وحصل اشتباك بسيط مع الشرطيين اللذين كانا على مدخل المبنى، عندما صعدا لمعرفة ما الذي يحصل. ثم أتت مجموعة من قوات خاصة وحصل اشتباك، جُرح خلاله رفيقنا الألماني. الا اننا بقينا مسيطرين على الوضع. بحسب الخطة، كان من المفترض، ان نقسّم الوزراء والموظفين مجموعات. مجموعة الأعداء مؤلفة من إيران والسعودية، ومجموعة الحياديين تضم الكويت والنيجر وأندونيسيا ومن ليس له علاقة... ومجموعة الدول شبه الحليفة للقضية الفلسطينية تضم العراق والجزائر وليبيا، اي دول "جبهة الصمود".
وبعد التقسيم على هذا الشكل انكشفت نياتنا. فكانت البشاشة بارزة على وجه الوزير العراقي مثلاً، ولم يظهر على الباقين من مجموعته أي قلق.
أما المجموعة الأولى، أي السعودية وإيران، فقد اعتراها قلق رهيب. وقد حاول الوزير أحمد زكي اليماني الكلام على أنه مؤيد للقضية الفلسطينية، وليس لديه أي شعور بالعداوة. لكننا لم نجبه بشيء. ثم أعلنا عن أنفسنا، على اننا مجموعة عربية ثورية لدعم القضية الفلسطينية، وأننا أخذناهم رهائن ونحن نتفاوض مع الحكومة النمسوية. طلبنا أولاً ان يحضر السفير الليبي في فيينا. لكنه كان مسافراً ثم أتى القائم بالأعمال العراقي. وأبلغناه ان لدينا بياناً يجب ان يذاع في نشرات الأخبار النمسوية دعماً للقضية الفلسطينية.
ما كان اسم المجموعة؟
- "ذراع الثورة العربية".
وهل بدأت المفاوضات؟
- عملياً لم تجر مفاوضات حقيقية مع النمسويين. فكل المطلوب منهم ظاهرياً إذاعة البيان. وقد استجابوا الطلب وسمعنا البيان من راديو صغير كان في حوزتنا. النقطة الثانية هي عملية الاخلاء. وكان من المفترض ان يوفّر النمسويون لنا طائرة تقلنا. اما عن الخطة، فكانت هناك خطة علنية وخطة ضمنية. الأولى قضت بأن نتفاوض معهم لإعلان البيان وللخروج مع الرهائن سالمين من فيينا. أما الخطة الضمنية فقضت بأن يكتب الرهائن رسائل الى سفاراتهم وحكوماتهم كما يحلو لهم. والهدف من ذلك ان نضع اليد على رسالتين تحديداً من أموزيغار واليماني. ثم أملينا عليهما ما يجب ان تتضمنه رسالتاهما، اي يجب على كل من الحكومتين تحويل مبلغ قيمته 5 ملايين دولار... ما مجموعه 10 ملايين دولار. وهذا ما حصل. ومن الطريقة التي عومل بها اليماني وأموزيغار، أدرك الاثنان انهما الهدف وانهما سيعدمان اذا لم تنفذ المطالب.
"فوتم علي حفلة الختام"
أما النمسا فقبلت ان تضع طائرة في تصرفنا شرط اطلاق الموظفين النمسويين. ونحن وافقنا على ذلك.
صباح اليوم التالي، حصلت طرفة من السفير العراقي. وكان وجد نفسه مرتاحاً، كأنه يشاهد فيلماً سينمائياً لا يعنيه، قال اننا فوتنا عليه حفلة الختام في فندق "هيلتون"، على شرف الوزراء. فاستجبنا طلبه جدياً وطلبنا من الحكومة النمسوية ان تحضر المآكل التي كانت ستقدم في حفلة الهيلتون، الى الرهائن. وبالفعل جاؤوا بالصحون. وأصبحنا على استعداد للانتقال الى الطائرة.
أطلقنا الرهائن النمسويين مع عدد آخر لا أذكره من رهائن من جنسيات أخرى، لأن الحافلة التي كانت ستقلنا الى الطائرة لم تتسع لهم كلهم. وانطلقنا الى الحافلة، وكان كارلوس أول من تفقدها. هنا لا بد من العودة الى أمر حصل خلال التحضير وهو مهم جداً، اي حين كنت وكارلوس وحدنا في فيينا، اذ بعدما ذهب واستطلع بنفسه مقر الأوبك، جلسنا في مقهى خلف المبنى. وطلب مني كارلوس ان أدلي برأيي في العملية. فبادرته بأن لدي استفهاماً عن عملية الإعدام ]اعدام الوزيرين الإيراني والسعودي[. لأنني رجل مسيّس وأدرك أبعاد تنفيذ قرار خطير من هذا النوع، بحسب الخطة، كان علينا ان نتوجه بالطائرة بعد الحصول على الأموال، الى العراق او عدن لإعدام الوزيرين. وأنا لا أستطيع ان أتصور ما الذي سيحصل بعد الاعدام، أكان في بغداد أم في عدن. ففي بغداد سيكون نسف لكل اتفاقات إيران مع العراق ووقف الحرب الكردية والتدخلات بين البلدين، بحسب اتفاق الجزائر. أما إذا تم الاعدام في عدن، البلد الصغير المتهم اساساً، فإنه سيتعرض بالتأكيد لضغوط من الدول المعنية وربما لأكثر من ضغوط. وأنا لا أعتقد اننا نكون بذلك أسدينا خدمة حسنة لرفاقنا في عدن.
كانت لوديع قاعدة في عدن. وعملية من هذا النوع اي الاعدام ستحرج هذا البلد بالتأكيد وتوجه اليه الاتهامات وتليها المقاطعات. فوجئت بأن كارلوس تجاوب معي في سرعة، ولم يتأخر ليؤيد وجهة نظري في ان هذا الهدف اي الاعدام ليس طبيعياً وسليماً.
اذاً كانت الخطة تقضي بأخذ الوزيرين الى بغداد، لإعدامهما هناك.
- إما بغداد وإما عدن. وكارلوس لم يعلن موافقته على ان هذه المسألة يجب الا تحدث. لكن طريقة تجاوبه معي كانت واضحة، اذ قال: "من الواضح انك تفهم في السياسة كثيراً". وأيدني في خطورة هذا الموضوع.
وفي المقابل، كانت لديه تعليمات بألا يظهر بتاتاً في العملية. اي ان ما من أحد يجب ان يدري ان كارلوس هو من المجموعة. والمسؤول عن المفاوضات وإدارتها هو أنا. فطرح هو في المقابل، ان يكشف عن نفسه ضمن المجموعة. فإذا علموا بالأمر ازداد خوفهم وأدركوا مدى جدية العملية وخطورتها. وافقته الرأي، فاسم كارلوس له وقعه. وكان ان أيد واحدنا الآخر من دون اعلان ذلك. وكانت المعضلة تكمن في اني لا أستطيع الطلب منه مخالفة الأوامر وعدم اغتيال الوزيرين، ولا هو يستطيع ان يلقي علي مسؤولية الكشف عن نفسه في المفاوضات.
ولمّا نُفّذت العملية وابتدأت المفاوضات، شرعت أنا في طلب السفير الليبي ومن ثم العراقي. وعندما جاء القائم بالأعمال العراقي، قدّم له نفسه على انه كارلوس. وأنا لم أعارض، أي أني تركت له المجال. وفي رأيي كانت هذه الخطوة ايجابية، اي ان وجوده العلني ضمن المجموعة أرعب الأجهزة وأضفى مزيداً من الجدية على العملية. وتمثلت الجدية في أن شخصاً مطلوباً من الأجهزة العالمية ويجرؤ على كشف نفسه أمام العالم، فهذا يعني انه مصمم على الذهاب الى الآخر. وفي اليوم التالي صباحاً، توجهنا الى الطائرة ومررنا بمرحلة مفاوضات لكي نأخذ الألماني الجريح. وتم اخلاء الجريح المصاب بمعدته. ثم بلّغنا ان حاله خطيرة. فقررنا كمجموعة الا نتركه وراءنا في أي شكل من الأشكال. والأفضل ان يموت في الطائرة على ان يبقى بين أيدي السلطات وتحقق معه. أصررنا على ان يأتي معنا. فتمت الموافقة. وعندما وصلنا الى الطائرة صعد كارلوس اليها، وتأكد من وجود المصاب فيها ومعه طبيب كردي تطوّع للذهاب معنا.
صفقة مع الجزائر
ثم ذهبنا من النمسا الى الجزائر التي وصلنا اليها صباحاً. وبدأت المفاوضات مع الحكومة الجزائرية في المطار. أولاً، بدا الجو متوتراً. ولكن فجأة، أتى رجال أمن وسمح لهم كارلوس بالصعود الى الطائرة ليتفقدوا الرهائن، خصوصاً ان الوزير الجزائري كان في الطائرة ثم نزل، وصعد لاحقاً مع كارلوس. هنا فهمت ان صفقة ما أبرمت مع الجزائر، بدليل الارتخاء في الأجواء. ومن الجزائر توجهنا الى ليبيا.
كم وزيراً كان بين الرهائن؟
- 11 وزيراً، نزلنا في مطار ليبيا وكان الوزير الجزائري لا يزال معنا في الطائرة على رغم اننا طلبنا منه البقاء في الجزائر. لكنه أصرّ على مرافقتنا. ولما وصلنا الى ليبيا، سمح له كارلوس بأن ينزل ويتفاوض مع الليبيين. وهنا تأكدت من وجود صفقة أكبر وإلا ما معنى هذه المناورات.
آنذاك، أنا لم أسأل، لكني أحسست أن شيئاً ما يحصل وأعطيت كارلوس بعض المجال. ثم قال لي كارلوس أني سأكون المسؤول مع الليبيين، وكأن دوره انتهى. انتظرنا طويلاً في مطار ليبيا قبل ان يأتي الرائد عبدالسلام جلود الذي تولى عملية المفاوضة. ثم نزلت مع رَجُلي أمن الى أرض المطار وقابلت الرائد جلود وكان مطلبنا تغيير الطائرة.
طائرتنا كانت من طراز "دي.سي. 10" لا تصلح لقطع مسافات طويلة، من الجزائر الى عدن مثلاً. وكان لا مفر من المحطات على الطريق. وقد نضطر الى النزول في مصر التي كانت خطيرة جداً آنذاك، ولم نكن نريد النزول فيها.
وفي المفاوضات طلبت منهم طائرة "بوينغ 707" لم يكن لديهم طائرة ولم يكونوا مستعدين لاستئجار واحدة لنا. عندها وصلنا الى طريق مسدود. وأنا لم أصرّ كثيراً، فلم أكن متحمساً للوصول لا الى بغداد ولا الى عدن. غادرنا ليبيا وطلبنا النزول في تونس فأقفلوا المطار، ولم يكن طلبنا النزول فيها جدياً، وتوجهنا مجدداً الى الجزائر.
ماذا حصل في الجزائر؟
- مفاوضات لم تدم طويلاً، انتهت باتفاق على ان نفرج عن الرهائن ونسلّم أنفسنا. كنت مسروراً بالنتائج ومتفاهماً مع كارلوس. رفيقتنا الألمانية لم تفهم ما يحصل وكانت في حال عصبية، لأن الوزيرين لم يعدما فشعرت بما يشعر به عسكري لم ينفذ الأوامر. سلّمنا أنفسنا في حضور مسؤولين، بينهم وزير الخارجية عبدالعزيز بوتفليقة الرئيس الحالي ومسؤولون أمنيون. وفهمت لاحقاً ان عملية تحويل الأموال تمت خلال الرحلة من الجزائر الى ليبيا ثم العودة الى الجزائر.
نقلنا الجزائريون الى فيلا على تلة كي نستريح. وبعد أيام حلّ عيد الميلاد فتولى طباخ إعداد وجبة قريدس جيدة.
خطأ أم صواب
هذه معاملة جيدة للإرهابيين؟
- يضحك
وبعد ذلك؟
- طلبت من الجزائريين ان أكون أول المغادرين كي أتصل بالمعنيين. هنا ارتكبت عملاً لا أعرف هل كان خطأ أم صواباً. التقيت بناء على طلبي مسؤول الأمن في العاصمة الجزائرية وكشفت له أنني أعمل أصلاً مع القيادي الفلسطيني خليل الوزير "أبو جهاد". وليتأكد من المعلومات استدعى الشخص الجزائري المسؤول عن مكتب فلسطين وطرح علي هذا الشخص مجموعة أسئلة وبعدما تأكد، سألني ماذا أريد، فطلبت التوجه الى بيروت عن طريق سورية بسبب وجود "أبو جهاد" هناك. طلبت منهم كتم المعلومات عن علاقتي ب"أبو جهاد". أعدوا لي جوازاً جزائرياً وذهبت الى دمشق.
في العاصمة السورية التقيت "أبو جهاد" وأخبرته. هنا يجب ان أوضح مسألة. خلال الإعداد لعملية فيينا راودني شعور انها قد لا تنفذ وأنها يمكن ان تصطدم بصعوبات لوجستية كما حدث لخطة خطف مهدي التاجر. وفي تجاربنا، الكثير من الأمثلة من هذا النوع، لهذا لم أخبر "أبو جهاد" شخصياً بالعملية واكتفيت بإبلاغ قائد الميليشيا في لبنان جواد أبو الشعر، وهو صديق يمتاز بحسه السياسي وهدوئه. أبلغت جواد لأن علاقتي بمجموعة وديع حداد كان يفترض ان تبقى سراً وألا يعرف بها الا "أبو جهاد" وأبو الشعر على رغم كون العمل أمنياً. أنا لم أكن أثق بأجهزة الأمن الفلسطينية وأبقيت تحركي بعيداً عن تشكيلاتها الكلاسيكية. قال لي جواد: إذهب الى أوروبا... وسنرى لاحقاً. بعد عملية الاستطلاع الأولى حاولت الاتصال ب"أبو جهاد". قصدته الى دمشق فقالوا لي انه غادر الى بيروت. جئت الى بيروت فاكتشفت انه غادر الى دمشق. "أبو جهاد" كان من النوع الزئبقي يصعب العثور عليه في حين يعثر عليك حين يريدك. وقلت في نفسي أبلغه لاحقاً. في الليلة التي سبقت ليلة عملية التنفيذ، هبت على فيينا عاصفة ثلجية منعتني من التوجه الى الشقة المقرر ان نجتمع فيها وبالتالي تأخرت العملية التي كانت مقررة مع افتتاح مؤتمر أوبك. حاولت الاتصال ب"أبو جهاد" لأخبره، لكن الوضع كان حساساً. ورحت أسأل نفسي ماذا سيفعل وهل يبلغون الأمن النمسوي لإفشال العملية وشعرت اني ألعب بمصيري وفي النهاية سرت في العملية وهدفي منع تنفيذ عملية الإعدام وبأي ثمن.
وكيف تسربت فكرة اعدام الوزيرين الى هذه المجموعة؟
- لا أعرف من أوحى بها، لكن أوامر وديع حداد التي نقلها كمال خير بك كانت تقضي بإعدام الوزيرين في بغداد او عدن.
قيل ان دولة عربية كانت تقف وراء فكرة خطف الوزراء ووجهت اتهامات الى العراق وليبيا؟
- ليس لدي أي دليل. لا أعرف هل هناك ايحاءات. أنا اعتبرت الاعدام خطيراً وليس من مصلحة الثورة الفلسطينية، وكنت أستند الى سوابق عمليات "أيلول الأسود". مثلاً حين فجرت "أيلول الأسود" مخازن النفط في تريستا في إيطاليا. من كان المستفيد؟ وحدها شركات التأمين، وأولها "لويدز" البريطانية، كانت المستفيدة من ارتفاع رسوم التأمين على بواخر النفط من الخليج.
لنعد الى لقائك "أبو جهاد"؟
- فوجئ "أبو جهاد" بمشاركتي في العملية، بمجرد وجود كارلوس اعتبر ان وديع حداد وراءها. رويت له ما حدث. وكالعادة سجل بعض المعلومات، وقال: الحمد لله على السلامة يا أخ. لاحقاً قدم "أبو جهاد" تقريراً الى القيادة الفلسطينية عن الموضوع.
ماذا فعل كارلوس؟
- بقي كارلوس في الجزائر ثم انتقل الى عدن. هناك حصل خلاف بين وديع حداد وكارلوس لأن الثاني لم ينفذ الأمر بإعدام الوزيرين ولأنه كشف هويته في العملية في حين كانت أوامر وديع تقضي بعدم كشفها. حدثت أزمة لكنها لم تسفر عن انشقاق بمعنى الانشقاق. الا ان كارلوس تغير حجمه ولم يعد وديع يرغب في اشراكه.
اللقاء الأول مع كارلوس
متى رأيت كارلوس للمرة الأولى؟
- التقيته في باريس خلال الاعداد لخطف مهدي التاجر. كنت التقيت ميشال مكربل قبل ذلك في بيروت. قال لي مكربل: ستذهب الى باريس وسيكون جوني هناك. وجوني هو الاسم الذي استخدمه كارلوس في تلك المرحلة. واكتشفت ان جوني خبير في تزوير الجوازات. من الناحية التراتبية كان مكربل أعلى من كارلوس في تلك الفترة وكان يعامله بنوع من القسوة والازدراء.
كان كارلوس شاباً متحمساً ومتفائلاً وقريباً من القلب. كان مقتنعاًً بالثورة العالمية وتربيته في المنزل يسارية وشيوعية. وهو جاء الى الثورة الفلسطينية انطلاقاً من قناعاته.
والتفجيرات التي حدثت في فرنسا وكان كارلوس وراءها؟
- كان "الجيش الأحمر" احتجز رهائن في لاهاي وللضغط على الحكومة الفرنسية حصلت التفجيرات. أي كان الغرض مساعدة العملية الجارية في لاهاي.
ومتى التقيته للمرة الأخيرة؟
- في الجزائر في ختام عملية فيينا. والسبب ان المسؤولين الجزائريين الذين كشفت لهم انني أعمل مع "أبو جهاد" لم يكتموا السر وأبلغوا كمال خير بك به.
ألم يفكر وديع حداد في اغتيالك لأنك اخترقت المجموعة؟
- لم يتوصلوا الى تقويم واضح لمدى خطورة وجودي معهم. لم يكن لديهم اي دليل انني طعنتهم او كنت سبباً في فشلهم. وحين أبلغوا انني أعمل مع "أبو جهاد" قالوا: نحن نعرف ذلك.
من كلفك اختراق هذه المجموعة؟
- لا أحد. هكذا كنت على مدى حياتي، أتحرك باستقلالية في خدمة الثورة والمبادئ التي أؤمن بها. بدأت القصة على الشكل التالي: كان لدي صديق من أيام المدرسة جاءني ذات يوم وقال لي أنت تعمل مع المقاومة لكن هناك مجموعة تعمل أكثر وبفاعلية أكبر. الواقع ان الشاب هو اللبناني الآخر الذي شارك في عملية فيينا وكان اسمه الحركي "جوزيف". سألته من هم؟ فقال "أيلول الأسود". هل تريد ان تتعرف اليهم؟ أكدت رغبتي وتظاهرت انني لا أعرف من هم "أيلول الأسود". عرّفني الى كمال خير بك وخلال الحديث فهمت ان كمال كان يعمل في اطار "أيلول الأسود" وأنه ومجموعة معه اتصلوا بوديع حداد فقررت الدخول في هذا الخط. دخلت لأعرف أكثر ولأخدم الأمن السياسي للثورة الفلسطينية.
هل كنت تعرف فؤاد عوض؟
- كنا نلتقي دائماً في اجتماعات مجموعة كمال خير بك وهي مجموعة "أبو ضيا" والاسم نفسه استخدمه كارلوس ومكربل.
لم تلتق وديع حداد؟
- لا. ربما كان علي ان أسعى الى ذلك. لم أزر عدن. كان يعرف عني من كمال خير بك وكان له مندوب في لبنان لقبه "أبو فادي" الذي حضر معنا اجتماعين ورفع تقريراً الى وديع.
بماذا شعرت عندما اعتقل كارلوس؟
- شعور بالاستياء من الدولة السودانية التي أعتقد انها وقعت ضحية الاعلام الدولي الذي صوّر كارلوس مغامراً او مرتزقاً، وهو ليس كذلك. كارلوس مناضل حقيقي أما أسلوب عيشه فهو أسلوب شباب أميركا اللاتينية ويجب الا نحاكمه بمنظور الفكر الشرقي.
هل كان كارلوس شجاعاً؟
- شجاع جداً، ويلقي بنفسه في النار. المرتزق لا يفعل ذلك. شجاعته وليدة اقتناعه. يوم كان يعمل مع وديع حداد لم تكن له مكاسب مالية، لاحقاً، حكى عن مكاسب مالية.
الأسبوع المقبل: محاولة اغتيال بختيار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.