في عدد "الوسط" الذي حمل تاريخ 5 - 11 من تموز يوليو كتبت في الفقرة الاولى "ويكفي ان الاحد الرابع من هذا الشهر مرّ بسلام بعد حفلة رعب توقعاً لنهاية العالم حسب قراءة لتوقعات نوستراداموس". صفحات العدد تطبع تدريجياً قبل ايام من تاريخ الصدور، وكنت قدمت زاويتي لجهاز التحرير قبل اسبوع من الطبع، كالعادة، ما يعني انني تحدّيت نوستراداموس وغامرت بتوقع عدم نهاية العالم، وهي اهون مغامرة ممكنة لأنه لو انتهى العالم في ذلك اليوم لما بقيت او بقي القارئ يحاسبني على الخطأ. ذلك اليوم، اي الرابع من الشهر، وافق عيد الاستقلال الاميركي، وكان نوستراداموس توقع نهاية العالم في الشهر السابع من سنة 1999، وفي يوم "الاحتفال العظيم للنسر" فقرر الخبراء ان المقصود عيد الاستقلال الاميركي، لأن شعار النسر هو شعار البلاد. ولم يفنَ النسر، بل ربح الاميركيون بطولتي الرجال والنساء في ويمبلدون ذلك اليوم. خبراء غيرهم يقولون ان نهاية العالم هي في الخامس من ايار مايو السنة الفين، لأن هذا اليوم يوافق دخول عطارد والزهرة والمشتري والمريخ مع الارض في خط واحد للمرة الاولى منذ ستة آلاف سنة. ما أعرف شخصياً عن الخامس من ايار، انه سيكون اليوم التالي للموعد الجديد لاعلان الدولة الفلسطينية، لذلك فنهاية العالم فيه ممكنة جداً. غير انني أبقى مع نوستراداموس فهو توقع كيفية موت الملك هنري الثاني في فرنسا، واعدام الملك تشارلز الاول في انكلترا، وقيام الامبراطورية البريطانية، وضرب هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتين، واغتيال جون كنيدي. بل انه توقع حرب الخليج الثانية، فكتابه مؤلف من عشرة فصول، باسم "قرون" تضم 1141 نبوءة، كل منها على شكل اربعة ابيات غامضة موزونة، وفي القرن الخامس، النبوءة 33، يتحدث عن "غاضب اسود" يجعل دكتاتوراً عظيماً يركع. وقال المفسرون ان هذا يعني هزيمة صدام حسين على يدي نورمان شوارتزكوف، لأن شوارتز بالالمانية معناها اسود. شخصياً، لا أصدق شيئاً من هذا البتة، وآمل ان يكون القارئ مثلي. ومع ذلك فالموضوع جدي جداً رغم سخفه، لأن كثيرين من البسطاء ينخدعون بسهولة، ولعل من القراء من لا يزال يذكر مارشال ابلوايت واتباعه التسعة والثلاثين، فقد أقنعهم بالانتحار سنة 1997، على اساس ان نهاية العالم حلّت. وتبين بعد ذلك ان الرجال من اتباعه خصوا انفسهم اقتناعاً منهم بأنهم لم يعودوا بحاجة الى الامور الدنيوية. وهكذا فرجل من نوع ابلوايت، او ديفيد كورش ومجزرة واكو سنة 1993 يملك سلطة الحياة والموت على ناس آخرين، والواحد منا لا يستطيع اقناع ابنه الصغير بشرب الحليب قبل ان ينام. اليوم مصمّم الازياء الباريسي المشهور باكو رابان اصبح مؤلفاً ذائع الصيت فكتابه "1999: نار من الجنّة" احتل مركزاً متقدماً بين قائمة الكتب الاكثر مبيعاً، وهو يصدق نبوءات نوستراداموس، ويزيد عليها من عنده، فقد نصح الناس جميعاً بالبقاء على بعد 60 كيلومتراً من باريس بين منتصف هذا الشهر و11 من آب اغسطس القادم. شخصياً مرة اخرى، افضّل ان اشتري كولونيا بعد الحلاقة من باكو رابان، لأنني لا أصدّق نبوءاته. غير ان الذين يصدقون كثيرون، وربما كانوا اكثر مما يتصور القارئ، ويكفي ان اسجّل له هنا ان بريطانيا وحدها عرفت اكثر من 1500 جماعة خلال ربع القرن الماضي، كل منها له طريقته للوصول الى نهاية العالم. وبريطانيا لا تقاس شيئاً باليابان في مجال النبوءات الكارثية، فاليابانيون، ربما بسبب تاريخ بلادهم مع القنابل الذرية، والزلازل، اكثر شعوب الارض تصديقاً لمثل هذه الكوارث، وعندنا مثل جماعة أوم شينري كيو، فزعيمها شوكو اساهارا لا يزال يجد اتباعاً قدماء وجدداً، رغم كارثة الغازات السامة التي بثها أنصاره في المترو في طوكيو، ولا ينافس اليابان سوى اسرائيل هذه الايام، مع اقتراب الالفية الثالثة، وتوقع قدوم خمسة ملايين سائح، منهم كثيرون يتوقعون ان ينتهي العالم، ويريدون ان يكونوا في المدينة المقدسة القدس عندما ينتهي. شخصياً للمرة الاخيرة، أفكّر ان أبدأ جماعة على حسابي أقنع اعضاءها بأن نهاية العالم قريبة، وان وسيلة خلاصهم الوحيدة هي في اعطائي فلوسهم كفارة عن ذنوبهم وذنوبي. ولا أريد ان اقنع الف انسان باتباعي، وانما عدداً كافياً لجمع ثمن "مرسيدس" جديدة. واذا جمعت ثمن "رولز رويس" كان أفضل