وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر    برعاية ولي العهد.. 600 خبير في ملتقى الرياض لمكافحة الفساد    مساعدات إيوائية لمتضرري سيول حضرموت    تفاصيل صادمة ل«طفل شبرا».. شُقَّ صدره وانتُزعت عيناه وقلبه لبيعها    «كلاسيكو» تأكيد الانتصار أم رد الاعتبار ؟    اللذيذ: سددنا ديون الأندية ودعمناها بالنجوم    برئاسة آل الشيخ.. إحالة تقارير ومقترحات ل«الشورى»    السعودية.. الجُرأة السياسية    5 مشروبات تكبح الرغبة في تناول السكَّر    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الاول للورد والنباتات العطرية    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    انطلاق بطولة كأس النخبة لكرة الطائرة غدا    «عكاظ» ترصد.. 205 ملايين ريال أرباح البنوك يومياً في 2024    المجرشي يودع حياة العزوبية    القضية المركزية    القبض على مروج إمفيتامين مخدر    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    صندوق البيئة يطلق برنامج الحوافز والمنح    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    تقويم لائحة الوظائف والنظر في المسارات والفصول الثلاثة.. ماذا تم..؟    ثلاثة آلاف ساعة تطوعية بجمعية الصم بالشرقية    الذكاء الصناعي ركيزة في الرؤية    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    شاركني مشاكلك وسنبحث معاً عن الحلول    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    باسم يحتفل بعقد قرانه    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    60 طالباً وطالبة يوثقون موسم «الجاكرندا» في «شارع الفن» بأبها    أبها تستضيف أول ملتقى تدريبي للطلاب المشاركين في برنامج الفورمولا 1 في المدارس    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ورحل البدر اللهم وسع مدخله وأكرم نزله    عزل المجلس المؤقت    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    يوفنتوس يتعادل مع روما في الدوري الإيطالي    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    تقدير دعم المملكة ل "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"    مهرجان الحريد    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" قابلت قادة "منظمة المطاردين" ونقلت لمسؤولي السلطة اتهاماتهم . "كتائب القسام"... أنهكتها الاختراقات وتطاردها الخلافات والتصفيات والأجهزة السرية البديلة
نشر في الحياة يوم 21 - 09 - 1998

لم تكن كتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية حماس - في حاجة الى أن تنجح الاستخبارات الاسرائيلية النشطة في اغتيال اثنين من أبرز قادتها في الضفة الغربية، وهما الشقيقان عادل وعماد عوض الله، بعدما نجحت سابقاً في اغتيال أبرز قادة "كتائب القسّام" يحي عيّاش المهندس، لكي تُطرح أسئلة حاسمة ومصيرية في شأن مدى الاختراق الاسرائيلي للحركة الفلسطينية المتشددة التي فشلت السلطة الوطنية في اختراقها.
ولعل السؤال الأشد إثارة وإلحاحاً بعد سقوط "المهندس" وخليفته محي الدين الشريف والاخوين عوض الله: هل تملك حركة "حماس" القدرة حقاً على تنفيذ تهديداتها بالثأر لمهندسي جناحها العسكري بعد الوهن الذي أصاب جسدها والاختراقات التي أنهكتها والاعتقالات التي جعلت كثيرين من عناصرها يفضلون إلقاء السلاح والعودة للإندماج في الحياة المدنية العادية؟
في أعقاب تصفية الشقيقين عوض الله، رفع مؤبنو "حماس" صور محمود ابو الهنود، باعتباره خليفة الاخوين عوض الله في مجال صنع المتفجرات وتدبير العمليات الانتحارية. غير أن مراقبي الشأن الفلسطيني رأوا أن ذلك لا يعني أن الرد بات وشيكاً، خصوصاً أن ابن بلدة عصيرة الشمالية في الضفة الغربية أضحى الهدف الأول لملاحقة أجهزة الأمن الاسرائيلية في الضفة الغربية، إذ إن سلطات الاحتلال تتهمه بالمشاركة في عمليات التفجير التي وقعت في شارع بن يهودا في القدس الغربية التي نفذها أربعة من أبناء بلدته الواقعة في قضاء نابلس.
ويمكن أن يستشف المراقب صورة دقيقة عما يجري في أروقة "حماس" وجناحها العسكري إذا ما تهيأت له معلومات عن وقائع زيارة قام بها عبد الفتاح السطري، وهو من أبرز قادة "كتائب عز الدين القسام" منذ تأسيسها حتى وقت غير بعيد، للزعيم الروحي للحركة في منزله في غزة قبل جولته الأخيرة التي شملت عدداً من الدول العربية والاسلامية. رافق السطري الى منزل زعيم "حماس" رفيقه في "كتائب القسّام" كمال خليفة ومجموعة من المطاردين من اعضاء التنظيم العسكري التابع ل "حماس" المسؤولين عن تنفيذ العمليات الانتحارية ومهاجمة الاسرائيليين. وقد أبلغوا الشيخ احمد ياسين بأنهم لم يعودوا يحظون برعاية قيادات الحركة بل حوربوا وضويقوا وصار بعضهم هدفاً للاغتيال والمطاردة والمضايقة المادية في الوقت الذي كانت اسرائيل تسعى الى اعتقالهم، فيما ظلت السلطة الفلسطينية تحاول احتواءهم بشكل او بآخر.
ودهش الشيخ ياسين مما سمعه، ووعد زائريه بإجراء تحقيق في هذا الشأن. وتكشف هذه الواقعة ان "كتائب القسّام" التي هزّت عملياتها الانتحارية عمق اسرائيل وأطاحت بحكومة شمعون بيريز، وكادت تجهض مسيرة السلام، تعاني من صراعات وصلت الى حدّ اغتيال افرادها بأيدي رفاقهم بسبب الخلافات على النفوذ والتوجهات، وحتى الارتباطات.
ولادة الكتائب
واذا كانت "كتائب القسّام" قد رأت النور جناحاً عسكرياً مطلع 1992، بعدما جهد عدد من قيادات الحركة المبعدين في التخطيط لذلك بالتنسيق مع فعاليات في الداخل، الا ان اختطاف احد حرّاس الحدود الاسرائيليين وقتله لاحقاً كان اول اعلان رسمي لتبني الجناح عمليات من هذا النوع. وكانت نشاطات "حماس" قبل ذلك تديرها في السابق ثلة من اعضاء الحركة سمّوا أنفسهم "مجاهدو فلسطين".
وتقول شخصية فلسطينية محيطة بنشاطات الجناح العسكري ل "حماس" ان عماد الدين العلمي ومصطفى القانوع ومصطفى اللداوي كانوا وراء اطلاق فكرة تأسيس "كتائب القسّام"، والاشراف على نشاطها العسكري الذي باركه المكتب السياسي، وترك للقيادات الميدانية في بداية التسعينات ترجمته بعمليات جريئة كإطلاق النار على الجنود الاسرائيليين وهي مهمة كانت تقوم بها مجموعات المطاردين من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.
وتصدّر العمل العسكري في "كتائب القسّام" - تخطيطاً وتنفيذاً - كثيرون في مقدّمهم محمد الضيف ومحمد السنوار وعبدالفتاح السطري وكال خليفة وعادل حمدان وجاد الله محمد جاد الله وكمال كحيل اغتيل لاحقاً ومحمد نصّار وعبدربه ابو خوصة فرّ الاخيران الى السودان بعد اتهامهما بخطف جندي اسرائيلي وقتله. وكان الى جانب هؤلاء عناصر بارزة اغتيلت في اوقات متباعدة في مقدمها يحيى عيّاش، ومحيي الدين الشريف وعماد عقل وطارق دخان والاخوة عماد وعادل عوض الله. وكان من الناشطين في صفوف "كتائب القسّام" شخص يدعى "النمروطي".
وكان لقيادة "كتائب القسّام" قائدان في قطاع غزة احدهما يشرف على المنطقة الجنوبية رفح وخان يونس حيث اغلب المطاردين من سكان تلك المنطقة، ويشرف الآخر على المنطقة الشمالية والوسطى من دير البلح والبريج وحتى حاجز ايريتز.
وكان لكل منهما مجموعة من الخلايا ملقبة باسماء شهداء، مهمة كل منها تختلف عن مهمة الاخرى، كأن تتخصص هذه الخلية في اختطاف الجنود، وتتخصص الاخرى في اطلاق النار على اهداف ثابتة ، وتُكلف الثالثة مهاجمة اهداف متحركة، وغير ذلك.
لكن تنامي سيطرة قيادة "حماس" في الخارج ابان احتجاز مؤسسيها في السجون الاسرائيلية ادى الى حصول خلافات اضطرت المكتب السياسي الذي يوجد معظم اعضائه في الخارج الى ايفاد احد الفاعلين في الحركة، وهو ابراهيم علوان من سكان رفح، للعودة الى القطاع للاشراف على تنظيم "كتائب القسّام". وبلغت الخلافات ذروتها اثر اصدار قرارات داخلية باعدام عدد من النشطاء في صفوفها. وتزعّم "الكتائب" خلال الفترة 1992 - 1993 سعد الدين الريس.
ولم يمنع فشل الاجنحة المتنافسة داخل قيادة "كتائب القسّام" في التخلص من الريّس اغتيال مساعده سعيد ابو السبَّح في 1994، في حين وجهت اتهامات الى السطري والضيف بأنهما باعا نفسيهما الى السلطة الفلسطينية ووضعا على الاثر على لائحة التصفيات الجسدية.
وفي العام نفسه بدأ ابراهيم علوان العمل على تشكيل جهاز عسكري بديل ل "كتائب القسّام" أطلق عليه "الجهاز السري"، وعيّن الدكتور حسين عاشور مساعداً له. وتولى الاخير قيادة "الجهاز السري" في 1995 وواكب توليه القيادة تجفيف الموارد المالية التي كانت تُخصص لعناصر "كتائب القسّام".
فتوى غير موقعة
طلب قادة "حماس" في الخارج من الدكتور عاشور في 1995 توجيه عمليات "الجهاز السري" ضد السلطة الفلسطينية، وقتل رموزها من العاملين في الاجهزة الامنية والمؤسسة السياسية. غير ان عاشور اعتذر عن عدم تنفيذ هذه المهمة، وحاول علوان تكليف الضيف بتلك المهمة. وابلغ الضيف اصدقاء له تحدثوا الى "الوسط" بأن علوان حاول اقناعه، لكن الضيف طلب معرفة هوية الجهة التي أصدرت فتوى في هذا الشأن. فقوبل طلبه بالرفض، على رغم ان علوان ومساعديه عرضوا عليه "فتوى غير موقّعة"، وعلّلوا ذلك بظروف العمل السري. فردّ الضيف: "لست على استعداد لقتل أي فلسطيني". وكانت النتيجة حرمانه من الدعم المالي، وكُلّف عماد ديب من سكان مخيم جباليا بقيادة "الجهاز السري" ووفّرت له الامكانات المطلوبة.
وقال مسؤول بارز في جهاز الامن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزة ان عناصر الجهاز المذكور اعتقلوا جميعاً، اضافة الى انه لم ينفّذ اي عملية ضد اسرائيل في الفترة من 1994 حتى آذار مارس 1996.
ازاء ذلك انبرى علوان بنفسه لتنفيذ الفتوى، وبدأ - من خلال عناصره - حملة اغتيالات وملاحقة لعناصر السلطة، اسفرت عن اغتيال وائل المغاري، مرافق العميد ابو مرزوق في رفح، واغتالوا شرطياً من سكان غزة يدعى اكرم احمد واخذوا سلاحه، وكان يعمل حاجباً للقاضي قصي العبادي، كما قتلوا ضابطاً برتبة ملازم اول يدعى عامر صلاح، وجرحوا عدداً كبيراً من الاشخاص، وقتلوا سعيد ابو السمح نائب مسؤول "كتائب القسّام" في مخيم الشاطئ في 1995، وحاولوا خطف سعد الدين الريّس من محيط منزله في حي صبرا، كما نجا العقيد موسى عرفات باعجوبة من الموت بعدما تعطّل جهاز تفجير القنبلة من بعد في ساعة التنفيذ. وطاردوا سامي ابو سمهدانه وتوفيق ابو خوصة وهما من كوادر حركة "فتح" واغتالوا لاحقاً اسعد الصفطاوي على رغم تعاطفه معهم وذلك لاشعال فتنة وشقاق داخل "فتح"، اذ ان الصفطاوي كان بنظر اجنحة داخل الحركة من مؤيدي "حماس". وتحالف معها غير مرة، احداها اثناء الانتخابات في 1989 واستهدفت ان تسيطر "حماس" على الهلال الاحمر الذي يديره المفاوض الفلسطيني البارز الدكتور حيدر عبدالشافي.
سيطرة الخارج
وقال قيادي في "فتح" ل "الوسط" ان الرئيس ياسر عرفات اعتقد لفترة من الزمن بأن العقيد محمد دحلان او ابو علي شاهين وهو من قادة "فتح" البارزين في قطاع غزة ربما نفّذا عملية الاغتيال لاستيائهما من مواقف الصفطاوي المؤيدة ل "حماس". غير ان الاعتقالات التي حصلت لعناصر "الجهاز السري" كشفت ان كمال كحيل الذي اغتيل لاحقاً، هو الذي نفّذ الاغتيال مع شخص آخر يدعى سعد الدين العربي وهو مطارد، وثلاثة آخرين اعتقلتهم السلطة الفلسطينية.
وافاد مسؤول جهاز امني فلسطيني ان "الجهاز السري" لحركة "حماس" تمت السيطرة عليه بشكل كامل من قبل قيادة الخارج، وبات ينفّذ اوامرها التي كانت تحض دائماً على احداث خلل وفوضى في الضفة الغربية وقطاع غزة لكي تبدو السلطة عاجزة عن تحقيق الامن لشعبها وللايحاء بأن المنطقة على حافة حرب اهلية. واشار الى ان قيادات بارزة في "كتائب القسّام"، واكثر من 90 في المئة من عناصرها، تفهمت هذا الواقع، وبدأت اتصالات مع الاجهزة الامنية الفلسطينية التي استوعبتهم باستثناء محمد الضيف وسعد العربي.
وقال المسؤول الذي فضّل عدم ذكر اسمه ان الضيف يخشى من مضاعفات تسليم نفسه باعتبار انه كان مسؤولاً مباشراً عن العمليات الانتحارية الاربع التي أطاحت بمستقبل شمعون بيريز، اما سعد العربي فكان يخشى افتضاح دوره في اغتيال الصفطاوي.
واكد قيادي في "حماس" جانباً كبيراً من اقوال المسؤول الامني الفلسطيني، وذكر ان عبدالفتاح السطري يحمل حالياً رتبة مقدم في جهاز الامن الوقائي الفلسطيني، فيما التحق آخرون بالجهاز، منهم كمال خليفة ومحمد السنوار وعاطف حمدان. وتقول معلومات موثوقة ان عدد عناصر "كتائب القسّام" لم يتجاوز في اوج قوتها اكثر من 30 شخصاً. لكنها لم تكن تعتمد على الكمّ بقدر ما كانت تعتمد على النوعية، وعلى المجموعات الصغيرة التي لم يكن في صلب سياستها المواجهة، بل رصد الاهداف ومراقبتها ومهاجمتها بشكل مفاجئ. وكانت لقيادة القسّآم فلسفة، اذ كثيراً ما كان أعضاؤها يلجأون الى ارسال العنصر المطارد الى الخارج بعد عامين، لأسباب ابزرها خوفهم من ان تقتله اسرائيل او السلطة الفلسطينية وإجباره على الاعتراف، وكانت عمليات الترحيل تتم عبر الحدود مع مصر، حيث يختار معظم العناصر التوجه الى السودان محطة اولى.
ويقول خبير عسكري فلسطيني ان عمليات القسام كانت تركز غالباً على نوعين من الاهداف: الاول هدف محدد، كرصد سيارة جيب عسكرية واطلاق النار عليها. وهذه العمليات كانت سائدة حتى توقيع اتفاق اوسلو. والثاني بدأ بعد اوسلو اذ عمدت "كتائب القسام" و"حماس" الى تحقيق اهداف سياسية مثل اسقاط اتفاق اوسلو وافشال مهمة السلطة الوطنية، وكانت وسيلتها لتحقيق ذلك تنفيذ العمليات الانتحارية، في اعطاء انتحاري حزاماً ناسفاً يلفه حول خصره ويركب حافلة او باصاً او يذهب الى منطقة مزدحمة.
لماذا جاء نتانياهو؟
ويشير مسؤول في جهاز الامن الوقائي الى ان لدى السلطة الفلسطينية وثائق واضحة من قيادات في "حماس"، احداها بخط روحي مشتهى ارسلها من السجن داخل اسرائيل، تدعو الى تكثيف العمليات العسكرية لإسقاط اوسلو واحراج السلطة الفلسطينية. وقال المسؤول "ان هذه السياسة هي التي جاءت ببنيامين نتانياهو الى الحكم واثبتت قدرة حماس على التخريب".
ولا يستبعد اكثر من مسؤول امني فلسطيني عودة "حماس" الى عملياتها المحدودة في المرحلة المقبلة، وان كان ذلك لا يلغي حصول عملية ذات مستوى انتحارية او تفجير سيارة ملغومة على اعتبار ان ذلك دين تعهدت حركة حماس الوفاء به رداً على اغتيال محي الدين الشريف قبل اشهر، خصوصاً ان السلطة الفلسطينية ذكرت ان اغتيال الشريف تم نتيجة صراعات داخلية تشهدها الحركة.
ويعترف المقربون من "حماس" بأن اعتقالات السلطة واجراءاتها في قطاع غزة والضفة الغربية شلّت الجناحين العسكري والسياسي الى حد كبير، واستمر ذلك الى حين الافراج عن الشيخ احمد ياسين من سجون الاحتلال، اذ اخذت الحركة ترتب اوضاعها، خصوصاً بعدما اثيرت علامات الاستفهام حول حجم الاختراقات التي تعرضت لها والتي اودت في 1995 بحياة ستة من عناصرها المطاردين كانوا يسعون الى عبور الحدود المصرية - الاسرائيلية.
وتقول تقارير امنية ان المطاردين الستة اتفقوا على الخروج على دفعتين، الاولى تغادر وترسل كلمة السر - التي كانت "القدس" - الى المجموعة الثانية مع الدليل، لكن الايام اللاحقة كشفت ان السلطات الاسرائيلية كانت على علم بالعملية واعتقلت الاشخاص وقتلتهم بعد استجوابهم. وتشير المصادر الامنية الفلسطينية الى ان قيادة "حماس" في الخارج كانت الوحيدة المطلعة على كلمة السر وموعد العملية لانها كانت مسؤولة عن ترتيب سفر تلك العناصر، الامر الذي اثار اكثر من علامة استفهام حول حجم الاختراق الاسرائيلي للحركة.
وزاد هذه التساؤلات ان ابرز قادة الجناح العسكري ل "حماس" قضوا غيلة، وفي مقدمهم المهندس يحيى عياش الذي اغتيل في قطاع غزة عبر عميل اسرائيلي يدعى كمال حماد، كما قضى بالاسلوب الغامض نفسه كمال كحيل ومحي الدين الشريف، ولم تنجح "حماس" في اطلاع الشارع الفلسطيني على ما حصل من ثغرات، اذ لا يعرف سواها التفاصيل الخاصة بتلك العناصر وتحركاتها، خصوصاً ان هناك عناصر مخصصة لمساعدة هذا النوع من القادة المطاردين في تحركاتهم وتأمين اكلهم وشرابهم واخفائهم اذا لزم الامر.
وذكر مسؤول امني فلسطيني في الضفة الغربية ان عدداً كبيراً من المطاردين، خصوصاً في الخليل وبيت لحم، قتلوا في ظروف مشبوهة وغامضة، من دون تحديد سبل حدوث ذلك ومصدر الخلل، وهل هو اختراق ناجم عن سوء في ادارة العمل التنظيمي او الامني؟ وتساءل عن الحوادث الكثيرة التي حصلت وقيدت ضد مجهول، وآخرها اغتيال محي الدين الشريف. واضاف ان العمليات الاخيرة التي نفذت في النصف الثاني من العام الماضي كانت مثيرة للاهتمام، اذ ان منفذيها كانوا بلا خبرة، ولم تنجح عملياتهم في احداث خسائر كبيرة في صفوف الاسرائيليين.
واشار الى ان منفذيها "مطلوبون صغار"، وقال ان العملية التي نفذت مطلع ايلول سبتمبر 1997 ذهب ضحيتها ثلاثة اشخاص من "حماس" وفتاة اسرائيلية، الامر الذي يعني ان الخسائر في صفوف "حماس" كانت اكبر منها في الجانب الاسرائيلي. وتساءلت اوساط امنية فلسطينية: هل هذه سياسة جديدة تهدف الى التخلص من المطاردين الصغار مثل خليل الشريف منفذ عملية بيت ايل بالقرب من رام الله، كما نفذ عملية اطلاق نار على مواطن اسرائيلي يدعى ديفيد بويم، مع مطاردين من عصيرة الشمالية هما يوسف شولي وبشار صوالحة.
وقال ان بعض كبار المطاردين "يتصرفون مثل العظماء". وذكر احد مسؤولي الامن المكلفين متابعة ملف الكتائب و"الجهاز السري" في "حماس" حوادث قال انها تثير الاستغراب، من ذلك انه في 21 آذار 1996 طلبت قيادة "كتائب القسام" من موسى غنيمات من بلدة صوريف وضع عبوة ناسفة في مطعم ابروبا في مدينة تل ابيب، ووجهوه بأن يفجرها من بعد. واطمأن موسى، غير انه عند وصوله الى المطعم انفجرت العبوة فيه، وكان يحمل عند وقوع الحادث وثائقه الثبوتية لاعتقاده بأنه كان سيضع العبوة فحسب ثم يغادر المكان.
وبعد الانفجار تعرف الاسرائيليون على هويته بسهولة وحددوا بقية افراد المجموعة التي تنشط في منطقتي بيت لحم والخليل.
وكان الكل يعتقد ان هذه الخلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وليس لحركة حماس، لأنها كانت تستخدم اسلوب مهاجمة السيارات الاسرائيلية على الطرق الالتفافية ونجح افرادها في قتل عدد من الاسرائيليين.
واضاف المسؤول الامني الفلسطيني ان هذه المجموعة كانت تعمل بشكل مستقل من دون تعليمات من "حماس"، لكن عندما تم ربطها مع "كتائب القسام" في الضفة عبر عادل عوض الله، كانت اول مهمة يطلب منها تنفيذها القيام بعملية انتحارية. ولكن افراد المجموعة رفضوا قائلين "بدل ان يموت احدنا، بامكاننا ان نقتل الكثير من الاسرائيليين ونبقى احياء". واخيراً تم التوصل الى حل وسط يقضي بوضع عبوة ناسفة تفجر من بعد. وكانت النتيجة ان انفجرت العبوة في حاملها واعتقل افراد المجموعة لاحقاً. وتقول تقارير امنية فلسطينية ان هذه المجموعة الفلسطينية نجحت قبل اعتقال افرادها في قتل 12 اسرائيلياً وجرح ما يزيد على 58، وكان ضمن القتلى الجندي الاسرائيلي شارون أدري الذي خطف في 9 ايلول 1996. وكانت هذه المجموعة ارتبطت في السابق بأحد المطلوبين ويدعى محمد عزيز رشدي الذي استشهد في بلدة الشيوخ في الخليل في 1993 بعدما عاش مطارداً في جبال صوريف.
ورداً على الاتهامات التي وجهت الى الامن الوقائي الفلسطيني في شأن تسليم افراد "خلية صوريف"، قال احد كبار كوادر الامن الوقائي الفلسطيني: "لقد كانت ضربة موجعة تلقاها الجهاز السري، وكانت تستهدف الجهاز اكثر مما تستهدف حركة حماس".
واوقف جهاز الامن الوقائي الاتصال مع الاسرائيليين واثيرت المسألة على اعلى المستويات في اتصالات بين الرئيسين بيل كلينتون وعرفات. وكشف قادة جهاز الامن الوقائي انهم دأبوا في كل اجتماع امني يعقدونه مع الاسرائيليين، على المطالبة باطلاق معتقلي "خلية صوريف".
وتثير حوادث اخرى تساؤلات مماثلة، منها الانفجار الذي وقع في احدى الشقق السكنية في بيت لحم في تموز يوليو 1996 وذهب ضحيته احد ناشطي "كتائب القسام" واسمه عيسى شوكي. وكان اليد اليمنى لعادل عوض الله، ولا تزال ظروف مقتله غير معروفة حتى الآن. هل كان يعد لعبوة انفجرت فيه؟ خصوصاً ان العمارة التي وقع فيها الانفجار مأهولة، ولولا العناية الالهية لوقعت كارثة، اذ ان الاسرة التي تقطن فوق الشقة التي دمرها الانفجار صادف ان كانت خارج المنزل وقت الانفجار. وبعد اسبوع دهمت شقة عادل عوض الله في بيت ساحور، وضبطت اجهزة الامن الوقائي الفلسطيني كميات كبيرة من المتفجرات والعبوات الجاهزة. واكتشفت لاحقاً مستودعاً لتصنيع المتفجرات في نابلس.
تصرفات غير مسؤولة
ويتساءل المراقبون لنشاط "حماس" عن ملابسات اغتيال محي الدين الشريف الذي كان يختفي في منزل عبدالله البكري في بلدة البيرة، وكيف كان يستخدم المكان في صنع العبوات الناسفة. واعترف اعضاء "كتائب القسام" المعتقلين لدى السلطة الوطنية بانهم كانوا يلتقون احد قادة "الكتائب" لتدريبهم على صنع المتفجرات بتقنية عالية. وقدرت الكمية الموجودة في الشقة يومها بحوالي 70 كيلوغراماً جاهزة للانفجار وان لم تكن في قوالب عبوات ناسفة. وقد تم استقبال هؤلاء الاشخاص من قبل اناس يعملون في خدمات "الكتائب" وتم تحميل المواد المتفجرة في السيارة التي اقلتهم. وارتدى الشبان نظارات سوداء من الداخل ومدهونة حتى لا يميزوا المناطق التي يعبرونها ولا المنزل الذي يقصدونه، وقد تجولوا طوال نصف ساعة في منطقة المنارة المزدحمة بالسكان من دون الخشية من حدوث عطل يؤدي الى وقوع كارثة للسكان المدنيين الفلسطينيين. وكشف قيادي في الامن الوقائي في الضفة الغربية وقائع بعد مقتل محي الدين الشريف، هي بمثابة اعترافات لعناصر تم اعتقالها، وقال انها كناية عن تصرفات غير مسؤولة.
ويتساءل المسؤولون الامنيون الفلسطينيون عن سر اختيار بعض المطاردين للمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية مثل أ وب دون غيرهما ويقصدون المنطقة ج. واضافوا ان التحقيقات التي اجريت بعد تصفية محي الدين الشريف أدت الى اعتقال عدد من اعضاء "كتائب القسام". واعترف احمد الشيخ قاسم بأن الكمية الكبيرة من المتفجرات والعبوات الناسفة التي كان يخفيها في منزله في البيرة لم يلازمها اي اجراء لحمايتها من التعرض لحادث يحول دون انفجارها وسط المنازل.
ولم يخف قادة "حماس" واعضاء "كتائب القسام" الذين التقتهم "الوسط" سواء في سجون غزة وأريحا أم خارجها وجود خلافات داخل الجناح العسكري لحركة "حماس" انعكست سلباً على ادائه، زادها نجاح الاجهزة الامنية الفلسطينية في اقناع اغلب الناشطين في الجناح العسكري بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، او عدم احراجها على الأقل في الفترات الحرجة من مفاوضاتها مع الدولة العبرية
أبرز قادة حماس و"القسام"
الذين اغتيلوا منذ 1994
ابراهيم ياغي: اغتيل في أريحا في 22 كانون الاول ديسمبر 1994.
كمال كحيل: اغتيل في غزة في 2 نيسان ابريل 1995 في حادث تفجير عبوة ناسفة في منزل كان يختبئ فيه.
يحيى عياش المهندس: اغتيل في كانون الثاني يناير 1995 في تفجير هاتف نقال نجحت الاستخبارات الاسرائيلية في توصيله اليه.
محي الدين الشريف: وصف بأنه خليفة "المهندس" لبراعته في صنع العبوات الناسفة. اغتيل في ظروف غامضة في رام الله في 29 آذار مارس 1998.
عادل وعماد عوض الله: من ابرز قادة "كتائب القسّام". اغتالتهما وحدة اسرائيلية خاصة في 10 أيلول سبتمبر الجاري في إحدى قرى منطقة الخليل في الضفة الغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.