استعدت الكويت رسمياً وشعبياً لعودة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بعد رحلة الاستشفاء التي استمرت سبعة أشهر قضاها في لندن. وكان بيان رسمي أعلن قبل أكثر من أسبوعين ان ولي العهد سيعود الى البلاد يوم الأحد، في 12 تشرين الأول اكتوبر الجاري، وبمجرد صدور الاعلان تشكلت لجنة للتنسيق بين الفاعليات الرسمية والشعبية التي ترافق عودة ولي العهد، بمشاركة جهات عدة. وكان الشيخ سعد تعرّض في أوائل آذار مارس الماضي لأزمة صحية ادخل على اثرها الى المستشفى الأميري في الكويت، حيث اجريت له عملية جراحية دقيقة في القولون نصح بعدها بالراحة. وغادر الشيخ الكويت في العاشر من الشهر نفسه في رحلة استشفاء واستجمام الى العاصمة البريطانية حيث أمضى حوالى اسبوعين في مستشفى "لندن كلينك" لمتابعة العملية الجراحية التي اجراها في الكويت ثم انتقل الى منزله في احدى ضواحي لندن. وبعودة ولي العهد الى البلاد يدخل الشارع السياسي الكويتي مرحلة من الترقب والانتظار لما ستسفر عنه الاستحقاقات السياسية المترتبة على فترة غياب الشيخ سعد التي حفلت بالعديد من الاحداث السياسية المهمة. حجم التغيير ويتفق المراقبون والمشتغلون بالشأن السياسي الكويتي على ان عودة ولي العهد سيعقبها بعض التغييرات، أهمها ما يتعلق بالحكومة الحالية. لكن هؤلاء منقسمون الى فريقين فيما يتعلق بحجم التغييرات المنتظرة وعمقها. الفريق الأول يرى ان الكويت مقبلة على اعادة صياغة للبنية الحكومية بحيث تعكس تمثيلاً أكبر لقوى الضغط السياسي ومشاركة أوسع للتجمعات السياسية التي ظل بعضها على الهامش عند اعلان الحكومة الحالية، بحيث يقود الفريق الحكومي الجديد البلاد في مرحلة تتطلب مواجهة تحديات مهمة ورئيسية سياسياً واقتصادياً. وينطلق هذا الفريق في تحليله وتوقعاته للمرحلة المقبلة من نقطة أساسية هي ضعف التركيبة الحكومية الحالية وعدم تجانسها. ويشير الى الأزمات التي تعرضت لها الحكومة الحالية منذ تشكيلها. فبعد أقل من سبعة أشهر استقال وزير الصحة في ظل أنباء عن عدم قدرته على حل الخلافات المستفحلة بين أطراف نافذة في وزارته، لكن استقالته لم يبت فيها حتى اليوم بسبب العارض الصحي الذي تعرّض له ولي العهد. وبعدها بأقل من شهر أثار وزير العدل أزمة سياسية بسبب الرسالة التي بعثها الى رئيس مجلس القضاء الأعلى متهماً فيها بعض وكلاء النيابة المكلفين بالتحقيق باختلاسات في شركة ناقلات النفط باستلام مبالغ من الشركة نظير جهودهم. وقد برّأ بيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى وكلاء النيابة من التهمة المزعومة، مما دفع أحد أعضاء مجلس الأمة الى تقديم طلب لاستجواب وزير العدل الذي تعرّض لانتقادات واسعة من قبل الرأي العام. لكن الاستجواب سحب في اللحظات الأخيرة. وآخر الأزمات الحكومية الحالية وأكبرها تمثلت في الاستجواب الذي قدمه ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة ضد نائب رئيس الوزراء وزير المالية متهمينه بعدم تطبيق قوانين صادرة من المجلس والتستر على تجاوزات بحق المال العام للدولة. وعلى رغم ان الاستجواب لم يصل الى مرحلة طرح الثقة، إلا انه كان كافياً، حسب بعض المراقبين، في التأثير في تماسك الفريق الحكومي الحالي، وخلخلة الحكومة من خلال اضعاف احد أبرز اعضائها. اما الفريق الثاني، وإن كان يرى ضرورة اجراء بعض التعديلات الحكومية لمواكبة أوضاع سياسية مستجدة، إلا انه يعتقد بأن التعديلات ستظل عند حدودها الدنيا. وينطلق هؤلاء في تحليلهم من حقيقة كون الحكومات الكويتية المتعاقبة لم تكن مبنية على معايير التمثيل للقوى السياسية في الشارع بقدر ما تكون ترجمة لحسابات سياسية تمليها كل مرحلة بخصوصيتها. ويرون انه حتى لو كانت مسألة التمثيل السياسي تأخذ حيزاً من تلك الحسابات في تشكيل الفريق الحكومي، فالحكومة الحالية تترجم الى حد ما حجم القوى الاسلامية ذات التمثيل الواسع في المجلس، ولهذه القوى تمثيل لا يستهان به، بدليل حالة الانسجام التي تتصف بها علاقة القوى الاسلامية بالحكومة الحالية، والتي عبّر عنها ممثلون لهذه القوى في أكثر من مناسبة. ولا يستبعد هؤلاء ان تتجاوز التعديلات الحكومية المنتظرة الأزمات الأخيرة التي مرت بها الحكومة على اعتبار ان حالة الشد والجذب من طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. ويؤكد هذا الفريق ان الانتقادات التي تعرضت لها الحكومة لم ينجح متبنوها في تحويلها الى استحقاقات سياسية ملزمة. وشيك أم مؤجل؟ وعلى رغم ان كثيرين من المراقبين يعتقدون بأن التعديل الحكومي وشيك وستبدأ تباشيره بمجرد الانتهاء من مراسم الاحتفال بعودة ولي العهد وقبل بدء دور الانعقاد الثاني لمجلس الأمة الذي ينتظر ان يبدأ في الشهر الجاري، إلا ان بعض المراقبين يعتقد بأن التعديل، بغض النظر عن حجمه وعمقه، سيؤجل لاعطاء المزيد من الوقت لاستقراء حالة الشارع السياسي في هذه المرحلة، ولضيق المسافة التي تفصل بين وصول ولي العهد وبدء دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة. تتداول الأوساط السياسية الكويتية عدداً من الأسماء لوزراء مرشحين لمغادرة الوزارة. البعض يحصر التعديل بالوزير المستقيل - وزير الصحة أنور النوري، والبعض الآخر يضيف أسماء وزير العدل محمد ضيف الله شرار ووزير المالية ناصر الروضان. ويتحدث آخرون عن تعديل أوسع يشمل خروج وزير النفط عيسى المزيدي ووزير الاسكان والاشغال العامة عبدالله الهاجري ووزير التجارة جاسم المضف. اما الأسماء المرشحة لدخول الوزارة فلم تدخل بورصة التداول بعد ومهما كانت الاختلافات بين المراقبين للوضع الكويتي والاحتمالات المرتقبة فإنهم يتفقون على شيء واحد هو ان العارض الصحي الذي أصاب الشيخ سعد منذ آذار مارس الماضي جعل الوضع السياسي "مكشوفاً" و"مرتبكاً"، وهو ما يفترض اتخاذ اجراءات على مستويات عدة لمنع تكراره .