فتح القبول للطلبة في الجامعات دون الحصر على المنطقة الإدارية    «مسام» يشارك في ندوة جهود نزع الألغام في جنيف    زوار المسجد النبوي يغرسون أشجار الإيتكس وكف مريم    22.7 % نمو قطاع التأمين في المملكة خلال 2023    أمير جازان يرعى فعاليات مهرجان الحريد في النسخة 20    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    إيقاف نشاط تطبيق لنقل الركاب لعدم التزامه بالأنظمة والاشتراطات    إطلاق اختبارات "نافس" في المدارس الابتدائية والمتوسطة    «الجوازات»: 41 مليون عملية إلكترونية لخدمة المستفيدين داخل السعودية وخارجها.. في 2023    مناقشة أثر بدائل العقوبات السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني    جراحة ناجحة تٌعيد الحركة لطفل مُصاب بالشلل الرباعي ببريدة    سعود بن طلال يرعى الاحتفال بانضمام الأحساء للشبكة العالمية لمدن التعلم باليونسكو    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية بحائل تنظم حملة للإصحاح البيئي    أمير تبوك يستقبل أبناء علي بن رفاده البلوي    نائب أمير حائل يزور "مركز انتماء"للرعاية النهارية ويطلع على تقارير أعمال الأمانة    إيقاف 166 متهماً بقضايا فساد في 7 وزارات    حظر تكبيل المتهم عند القبض عليه    أمطار الرياض تروي أراضيها لليوم الثاني    ارتفاع أرباح مصرف الإنماء إلى 1.3 مليار    الذهبان الأصفر والأسود يواصلان التراجع    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    «العالم الإسلامي»: بيان «كبار العلماء» يؤصل شرعاً لمعالجة سلوكيات مؤسفة    النصر والخليج.. صراع على بطاقة نهائي كأس الملك    سعود عبدالحميد: الطرد زاد من دوافعنا.. وهذا سر احتفالي    تغريم ترامب لازدرائه المحكمة والقاضي يهدّد بسجنه إن لم يرتدع    مصر: استدعاء داعية بعد اتهامه الفنانة ميار الببلاوي ب«الزنا»    نائب أمير مكة: مضامين بيان «كبار العلماء» تعظيم لاحترام الأنظمة    انهيار صفقة الاستحواذ على «التلغراف» و«سبيكتاتور»    5 فواكه تمنع انسداد الشرايين    خسرت 400 كلغ .. فأصبحت «عروسة بحر»    النشاط البدني يقلل خطر الاكتئاب بنسبة 23 %    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في سيجما    الأمم المتحدة تشيد بالدعم السعودي لمكافحة الإرهاب    فيصل بن نواف: دعم القيادة وراء كل نجاح    حق التعويض عن التسمّم الغذائي    نتانياهو: سندخل رفح «مع أو بدون» هدنة    طلاب تعليم جازان يستكشفون الأطباق الوطنية السعودية في معرض الطهي المتنقل    مجلس الوزراء: التحول الاقتصادي التاريخي رسخ مكانة المملكة كوجهة عالمية للاستثمار    في موسم واحد.. الهلال يُقصي الاتحاد من 4 بطولات    جيسوس يعلن سر غياب سلمان الفرج    بحث مع عباس وبلينكن تطورات غزة.. ولي العهد يؤكد وقوف المملكة الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني    في ختام الجولة من دوري" يلو".. ديربي ساخن في الشمال.. والباطن يستضيف النجمة    مرسم حر في «أسبوع البيئة»    الأساطير الحديثة.. نظريات المؤامرة    الانتماء والتعايش.. والوطن الذي يجمعنا    محمد عبده الأول.. فمن العاشر؟    في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. حلم باريس سان جيرمان يصطدم بقوة دورتموند    السعودية تنضم للتحالف العالمي للذكاء الاصطناعي    ازدواجية الغرب مرة أخرى    «جوجل» تطلق شبكة تعقب الهواتف    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج    ينجو من فكي دب بفضل احترافه الكاراتيه    تعزيز الأمن المائي والغذائي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    الهلال والأهلي في قمة مبكرة والاتحاد يلتقي الابتسام    إنقاذ حياة معتمر عراقي من جلطة قلبية حادة    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تربطهم صلات بالجهاد المصري والجماعة الجزائرية . "أفغان ليبيا" يتحدون العقيد !
نشر في الحياة يوم 18 - 09 - 1995

هل تعاني ليبيا حقاً من مشكلة أصوليين؟ وما حجمها؟ وهل سيكون من شأنها التعجيل باسقاط نظام العقيد معمر القذافي؟ اسئلة فحسب، ولا اجابات، اذ ان الحكومة الليبية لا تتعاطى عادة في شأن مشكلاتها الداخلية، مكتفية بالتركيز على معالجة الحصار الذي تتعرض له منذ سنوات إثر حادثة لوكربي. غير ان ما نشر اخيراً عن وقوع صدامات في بنغازي بين الاسلاميين والسلطات سلّط الضوء على اوضاع الاسلاميين في الجماهيرية. "الوسط" تحدثت الى عدد من الشخصيات الليبية وغير الليبية بحثاً عن اجابة.
لا يكاد يخلو مجلس من مجالس اهالي بنغازي - ثاني اكبر مدن الجماهيرية - من حديث عن الأوضاع الأمنية في البلاد، وحملة الاعتقالات التي طاولت معظم احيائها وأحياء المدن والقرى المجاورة، إثر الاشتباك المسلح الذي وقع بين اسلاميين مسلحين وعدد من رجال الشرطة قبل ثلاثة اسابيع، وسقط خلاله حوالى 30 شخصاً من الجانبين بين قتيل وجريح.
واذا كان خيال بعض الرواة قد جنح بعيداً في نسج حكايات عن بطولات "ابو عامود" أحد سكان حي بن يونس في بنغازي، في المواجهة مع رجال الأمن الليبيين، فان آخرين لا يفتأون يذكرون حادثة أخرى وقعت في حي "أمِّي مبروكة" حيث كانت تحاصر الشرطة منزلاً يقطنه احد الاسلاميين المسلحين، وعندما أنذرت الشاب المسلح بالاستسلام وإلا فانها ستقتحم المنزل، خرج مستسلماً، وما ان اقترب من رجال الشرطة حتى بادر باطلاق النار عليهم، ورماهم بقنبلة كان يخفيها، الأمر الذي أدى الى مقتله وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوفهم.
ولوحظ ان العقيد القذافي كان قد هدد في كلمة ألقاها في بلدة بني وليد على بعد 15 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس الأحد قبل الماضي بسحق أي شخص يعمل لحساب "أجانب أو أجهزة مخابرات غربية" وأسفر ذلك عن اتخاذ اجراءات أمنية مشددة، شملت اقامة نقاط تفتيش، وحواجز متنقلة، وحملة اعتقالات ودهم تجاوزت بنغازي لتشمل القرى والمدن الشرقية ومنها المرج الجديد وطبرق والبيضاء وشمات ودرنة.
ورجح ناشطون اسلاميون ليبيون تحدثت اليهم "الوسط" ان يكون اعلان العقيد القذافي، في كلمته في بني وليد، عن كشف محاولة لقلب نظام الحكم العام 1993، وتهديده "بسحق الخونة والتخلص من كل خائن وجاسوس وعميل" مقدمة لمحاكمات صورية للتخلص من مئات الشباب الذين اعتقلوا في اعقاب حوادث بنغازي التي بدأت تأخذ طابع المواجهات المسلحة منذ حزيران يونيو الماضي.
وقال ليبيون على اتصال بذويهم في بنغازي ان فتيل الاحداث الأخيرة اشتعل بعد تلاسن بين شبان اسلاميين وبعض افراد الشرطة، اعقبه دهم رجال الأمن أحد منازل المدينة، وتطور النزاع الى تبادل لاطلاق النار، أسفر عن مقتل شابين واعتقال آخرين. وأضافوا ان المعتقلين تعرضوا لتعذيب شديد لحملهم على الادلاء بمعلومات عن أماكن مجموعة من رفاقهم، فسارعت قوات الشرطة الى دهم المقر الذي ارشدوا اليه، وتبادلت النار مع المجموعة، ما اسفر عن وقوع عشرات من الطرفين بين قتيل وجريح في حي الماجوري هو أحد الأحياء الشعبية العريقة في بنغازي.
وتحدث الى "الوسط" الحاج عبدالله أبو سن، الذي يعد أحد أبرز قادة الجماعة الاسلامية الليبية في الخارج، فقال ان قوات الأمن الليبية تعيش استنفاراً دائماً منذ احداث حزيران الماضي.
وأبلغ الحاج ابو سن "الوسط" في مكتبه وسط العاصمة البريطانية ان معلوماته تفيد ان تلك الاحداث نجمت عن مشادة بين شرطي وشاب اسمه خالد البكشيشي، وان الأخير اصيب بجروح بعدما رماه الشرطي بحجر. وبعد التحقيق في خلفيات الحادث، ومعرفة ميوله الاسلامية، احتجز البكشيشي في مستشفى الجلاء، وفرضت عليه حراسة مشددة. "وعندما علم رفاقه بالحادثة ومكان احتجازه، زار احدهم المستشفى للاطمئنان الى المصاب، فقبضت عليه قوات الأمن. وبعد تحقيق تخلله تعذيب جسدي اعترف الشاب الذي يعتقد انه يقطن في حي المساكن الجاهزة قرب مطار بنينة، بارتباطه بمجموعة مسلحة، فتوجهت قوة من الشرطة الى منطقة الفعاطات على بعد 30 كلم جنوب غربي بنغازي وحاصرت المزرعة التي يقيم فيها عدد من الاسلاميين المسلحين. وتشير المعلومات الى ان ذلك حدث في 14 حزيران.
ودارت معركة ضارية استخدمت خلالها قذائف "آر. بي. جي" والمدافع الرشاشة مختلفة العيارات، واستعانت قوات الأمن بطائرة هليكوبتر. واسفر الاشتباك عن مقتل عدد من الشبان، ذكر المعارضون في الخارج ان بينهم علي القطعاني ومنير الشركس وعبدالوهاب ماضي وسعد الفرجاني.
وأعقبت تلك المواجهة حملة اعتقالات شملت أقارب وأصدقاء للشبان الذين قتلوا في المواجهة مع رجال الأمن، كما دهمت الشرطة بعض المساجد، ومنها مسجد نور الرحمن في حي الليثي ومسجد أرخيص وسط بنغازي. واعتقلت جميع الشبان الذين يترددون بانتظام على هذين المسجدين للصلاة فيهما.
وتشير مصادر مطلعة في قيادة الحركة الاسلامية الليبية الى ان شباناً ينتسبون الى "تنظيم الجهاد" هم الذين خاضوا هذه المواجهات العسكرية مع قوات الأمن الليبية، مرتين: قبل ثلاثة أسابيع وقبل ثلاثة اشهر. وتضيف ان عدداً من اولئك كان ضمن مجموعات "الافغان العرب" التي اعيدت الى بلدانها اثر تشديد السلطات الباكستانية الخناق على العرب الذين التحقوا بفصائل المجاهدين الأفغان إبان الثمانينات.
ويعتقد ان عدد الشبان الليبيين الذين توجهوا الى بيشاور حيث عمل بعضهم تحت قيادة الاسلامي الراحل عبدالله عزام وتنظيم الاتحاد الاسلامي الذي يتزعمه عبدرب الرسول سياف لم يتجاوز 300 شاب، عاد بعضهم الى ليبيا عبر الحدود السودانية المفتوحة، في حين فضّل آخرون اللجوء الى عدد من الدول الأوروبية التي منحتهم حق اللجوء السياسي.
وقالت مصادر اخرى على صلة وثيقة بمجموعات "الافغان العرب" ل "الوسط" ان "الافغان الليبيين" كانوا ضمن أول فوج من العرب الذين وصلوا الى بيشاور مطلع 1980، وان معظمهم غادر المنطقة بعد تحرير كابول وظهور خلافات بين المجاهدين الافغان، ويبدو ان المتطوعين الليبيين فضلوا عدم الدخول طرفاً في تلك الخلافات. وكان ذلك من الأسباب الرئيسية التي دفعتهم الى الرحيل من المنطقة والعودة الى بلادهم أو طلب اللجوء السياسي لدى بريطانيا وغيرها من البلدان الاوروبية.
واوضحت ل "الوسط" ان معظم الشبان الليبيين الذين دخلوا في صفوف المجاهدين الافغان لم تكن لهم خلفية سياسية، بل حضروا بما سمته المصادر ل "عقلية جهادية"، وتميزوا على اقرانهم العرب بعدم حبهم للظهور والقيادة، "لكن ذلك لا يعني انهم لم يكونوا منظمين أو غير حريصين على السرية في نشاطهم التنظيمي".
ولا يزال عدد من هؤلاء الليبيين في بيشاور ينتظر موافقة احدى الدول الاوروبية على استضافتهم لاجئين سياسيين بدعوى ان سلطات بلادهم لن تتردد في الزج بهم في غياهب السجون.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها "الوسط" الى ان عدد "الافغان الليبيين" في بيشاور في الوقت الحاضر لا يتجاوز اصابع اليد، في حين يمارس زملاؤهم الذين لجأوا الى عواصم غربية دوراً نشطاً، وان كان بعيداً عن الاضواء، في دعم النشاطات السياسية والعسكرية والثقافية في بلدانهم وغيرها من الدول المجاورة.
ويقول مسؤولون في اجهزة أمن مغاربية يتابعون من كثب نشاط الحركات الاسلامية في شمال افريقيا ان الشباب الليبي الموجود في الخارج، خصوصاً في بريطانيا، يتبنى دعم تنظيمي "الجهاد" المصري و"الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر. وأضافوا ان تنظيم الجهاد الليبي ربما كان أكثر نشاطاً من غيره من التنظيمات في هذا المضمار. كما ان المجموعة الرئيسية التي تشكل نواة هذا التنظيم تعتمد على الشبان الذين عادوا من افغانستان، أو المجندين السابقين في الجيش الليبي الذين خدموا خلال السنوات ال 20 الماضية.
ولا يتردد اعضاء تنظيم "الجهاد" الليبي في وصف نظام الحكم الليبي بأنه "ديكتاتوري مستبد"، ويرون ان اللجوء الى العمل المسلح ضده "من الأمور التي عُقد عليها العزم لاسقاطه بعدما تمادى في محاولة لزعزعة الإيمان بالعقيدة الاسلامية ونهب خيرات الشعب وتجويعه وفرض الحصار الدولي عليه نتيجة لسياسة حمقاء يتبعها".
وقال ناشطون اسلاميون ليبيون التقتهم "الوسط" في لندن ان المواجهات العسكرية التي وقعت في بنغازي لم تحدث نتيجة تخطيط مسبق من قبل "الجهاديين، بل فُرضت عليهم، نتيجة كشف السلطة أمر بعض خلاياهم ومحاولة اعتقال افرادها. الأمر الذي لم يترك للشبان المسلحين فرصة غير الدفاع عن النفس".
لكن مسؤولاً كبيراً تحدثت اليه "الوسط" قلل من أهمية ما حدث في بنغازي، ورأى ان ثمة مبالغة في تصوير ما حصل فعلياًً. وأضاف "أن الحكومة هي التي بادرت الى فتح المعركة وهذا، في ذاته، اشارة الى انها قوية، كما ان الخلايا التي يتكون منها تنظيم الجهاد لا تزال محدودة ولا يتجاوز عدد أفرادها بضع مئات".
وأقر المسؤول الليبي الذي طلب عدم ذكر اسمه بأن الحصول على أسلحة في ليبيا ليس صعباً، "اذ انه الى جانب اتساع حدود ليبيا مع عدد من الدول المجاورة، كالسودان ومصر وتشاد وتونس توجد معسكرات عدة للجيش قد تتعرض مستودعاتها لسرقة بعض قطع الأسلحة الخفيفة من دون اثارة الانتباه، خصوصاً ان أفراداً من خلايا تنظيم "الجهاد" سبق ان خدموا في هذه المعسكرات، أو ربما لا يزال يخدم فيها ويتعاون سراً مع هذا التنظيم المحظور" في ليبيا.
لكن الحاج عبدالله أبو سن ينظر الى ما يجري في بلاده بمنظار آخر، فهو يعتقد "ان الاخوان المسلمين يتميزون عن التنظيمات الاسلامية الأخرى في الساحة الليبية وخارجها بمنهجهم الشمولي للفكر الاسلامي مع عدم المغالاة في أي جانب من الجوانب".
وقال "ان قضية الجهاد - على سبيل المثال - قضية اسلامية، لا يستطيع ان ينكرها أحد، لكن الاخوان تميزوا عن غيرهم بالتزام قواعد شرعية تحدد متى وكيف يكون الجهاد، فيما يرى الاسلاميون الآخرون ان الجهاد قد يجب في أي وقت وبأي وسيلة، بغض النظر عن النتائج". وأشار الى ان ذلك أسفر في بنغازي عن احتجاز آلاف المعتقلين، منهم رجال وأطفال ونساء اضافة الى اضطرار آلاف آخرين الى مغادرة ليبيا خوفاً على حياتهم، علاوة على الأضرار المادية التي لحقت بالمجتمع.
وعندما سئل الحاج أبو سن عما حققته هذه المواجهات من نتائج، وما ترتب عنها من خسائر، أجاب ان النتائج لا تكافئ الأضرار، "خصوصاً ان ليبيا لا توجد فيها محاكم حقيقية، بل محاكم شعبية يديرها قضاة من الشارع، وهي تحاكم الشخص وتعدمه في شارع أو ملعب رياضي من دون استيفاء أي شرط من شروط العدالة الواجب توافرها".
ولاحظ انه "نتيجة لسوء الأوضاع في ليبيا غلب طابع السرية والتكتم على نشاط الحركة الاسلامية - خصوصاً بعدما دفع عدد من رموزها، ومنهم الدكتور عمر خليفة النامي استاذ اللغة العربية في الجامعة الليبية - فرع طرابلس، ثمناً لذلك، اذ اعتقلت السلطة الدكتور النامي مرات عدة قبل ان تخفي أي أثر له في العام 1981". وترجح غالبية الآراء انه ربما توفي من شدة التعذيب، ولم يعثر ذووه على جثته حتى الآن.
وأضاف: "كذلك هناك قضية الشيخ محمد البشيتي الامام والمدرس في مسجد القصر الذي اختفت آثاره بعدما اتهم بمهاجمة النظام مطلع الثمانينات. وقال معارضون ليبيون في واشنطن "ان أولى ضحايا الحكم الليبي من الاسلاميين والتنظيمات الاسلامية كانت الحركة السنوسية التي أمر العقيد القذافي بمصادرة ممتلكاتها ومراكزها الزوايا السنوسية، وأخضع قادة الحركة ومشائخها للاعتقال والاستجواب المستمر، ومنع عدداً منهم من مغادرة البلاد فترات طويلة، كما هدم المركز الرئيسي للحركة السنوسية في الجنوب" الذي يعد أثراً معمارياً اسلامياً بديعاً يضم زاوية ومسجداً وملحقاتهما وضريحاً توجد فيه رفات الامام محمد بن علي السنوسي الكبير، كما نقلت محتويات المكتبة الشهيرة التابعة للمركز وتضم مخطوطات نادرة الى جهة غير معروفة.
ومهما نسي الاسلاميون الليبيون ما حدث لهم فهم لن ينسوا مطلقاً ما حدث لهم في نيسان ابريل 1973 اذ رعى العقيد القذافي يومذاك ندوة فكرية شارك فيها أصحاب الآراء المختلفة بدعوى الاستنارة بفكرهم، ومن الذين لبوا هذه الدعوة عدد من شباب "حزب التحرير الاسلامي" منهم محمد أحفاف، وعلي محمد الكاجيجي، وآخرون، يرجح المعارضون ان هدف القذافي من عقد الندوة معرفة التوجهات المختلفة التي قد تهدد أفكاره وأهدافه، واثر اختتامها، أمر في خطاب ألقاه في مدينة زواره، ووضع فيه ما أسماه قواعد "الثورة الشعبية" و"الثورة الثقافية"، باعتقال "كل صاحب فكر مريض"، وكان يعني بذلك كل فكر مخالف لپ"النظرية العالمية الثالثة" التي أطلقها. وشملت الاعتقالات قادة "الاخوان المسلمين" و"حزب التحرير" والشيوعيين والبعثيين والسلفيين. وتعرض المعتقلون لمختلف أصناف التعذيب. وكان بينهم أعضاء لجنة كانت تدير حركة "الاخوان المسلمين"، منهم الدكتور عمرو خليفة النامي، ومحمد هويسة وفاتح حواس ومختار ناصف وعبدالكريم الجيهاني.
وشكلت اللجنة العام 1967 وعرض المعتقلون على شاشة التلفزيون، وتحت وطأة الاكراه والتعذيب أعلنوا حل حركة "الاخوان المسلمين". أما "حزب التحرير"، فأصر على الاستمرار في العمل التنظيمي، وفي أول تموز يوليو 1974 حاكمت السلطات عدداً من أعضائه، منهم محمد أحفاف، وعبدالله أبو القاسم المسلاتي، وحسن الكردي وصالح النوال وعلي محمد الكاجيجي ومحمد علي يحيى معمر وعلي العكرمي ومحمد الزهوني ومحمد العطبي. وحكم عليهم بالسجن مدداً متفاوتة. لكن العقيد القذافي أمر بعدم اطلاقهم، وأعدمهم لاحقاً واحداً تلو الآخر، وقضى بعضهم نحبه داخل السجن، وأعدم آخرون في حرم جامعة طرابلس.
وكان "حزب التحرير" الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني في القدس المحتلة العام 1952، تكون من حلقات عدة انطلقت من بنغازي وطرابلس لتشمل كلاً من غريان ودرنة ومصراتة. وكان الشيخ عبدالله المسلاتي أبرز من تولى قيادته. ومن أبرز دعاته الشيخ حسن سلطان.
وتعد جماعة "التبليغ والدعوة" من الجماعات الاسلامية المعروفة في ليبيا، ومع انها عرفت بابتعادها عن المواجهة مع النظام الا ان اتباعها لم يسلموا من ملاحقة الأجهزة الأمنية، فَزَج ببعضهم في السجون واغتيل شيخ "الجماعة" المبروك غيث الترهوني على يد اجهزة النظام خارج ليبيا. ويرى خبراء غربيون يتابعون تطورات الوضع في ليبيا ان للحركة الاسلامية دوراً فاعلاً في زعزعة النظام، كان أبرزها كشف الحكومة الليبية العام 1984 انتماء مجموعة من الشباب الاسلامي الى "الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا" بقيادة أحمد حواس في طرابلس، ومحاصرتها ومهاجمة المبنى الذي تحصنت فيه وتدميره بالمدفعية. وقتل أحد مستشاري العقيد القذافي في العام 1989 في مدينة بنغازي، ويدعى أحمد مصباح، بعدما تمادى في التعدي على ممتلكات الناس، وتجاوز القانون. الأمر الذي شجع عشرة من الشباب الاسلامي على نصب مكمن مسلح له اسفر عن اغتياله. وقال الخبراء الغربيون الذين تحدثت اليهم "الوسط" ان لديهم معلومات عن وقوع عدد من الأحداث في بنغازي وغيرها، أسفرت عن عمليات قتل وصدامات مسلحة واعتقالات، ولكن لا يعرف حجمها الحقيقي. غير ان هؤلاء الخبراء قالوا انهم لا يعرفون هل يواجه العقيد القذافي "مشكلة حقيقية" مع الاسلاميين أم انه يحاول رَمي كل معارض سياسي أو خصم قبلي أو عائلي بهذه التهمة حتى يتيسر له التخلص منه من دون عناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.