سبيس إكس تنقل طاقمًا جديدًا إلى محطة الفضاء الدولية في رحلة قياسية    الداخلية : ضبط (22147) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    18 شهيدًا في غزة من منتظري المساعدات    أمطار غزيرة وسيول متوقعة جنوب وغرب المملكة    ورشة في معرض المدينة تحذر من الضجيج المعرفي    أمانة الطائف تكثِّف جهودها بالتزامن مع الحالة المطرية التي تشهدها المحافظة وضواحيها    ارتفاع أسعار الذهب    مهرجان كأس العالم للرياضات الإلكترونية يعلن عن إقامة مباريات استعراضية للألعاب    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته ويرفع مستوى جاهزيته        رمزية «القائد» تلهم السعوديين    الأهلي يتعاقد مع أبو الشامات ويمدد عقد فلاتة    الخليج يواصل تحضيراته    جامعة الإمام تمنح الباحثة البحرينية أسماء خالد درجة الدكتوراه بامتياز    مدرب الهلال يمنح نيفيز راحة إضافية لمدة 3 أيام    ليون الفرنسي يمدد تعاقده مع تاجليافيكو حتى 2027    شراكة بين جمعيتي "سقيا جازان" و "بر أبوعريش" لدعم العمل الخيري بجازان    مانشستر سيتي يكشف عن رقم قميص جديد للاعبه أوريلي    كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. فريق Team Liquid يواجه SRG.OG في نهائي بطولة ML:BB MSC    ضبط شخص في جدة لترويجه (54) كجم "حشيش"    فرنسا : المملكة لعبت دوراً مهماً في إنجاح مؤتمر حل الدولتين    "الهلال": القحطاني يلتحق بمعسكر الفريق الخميس المقبل    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي    الدكتور علي آل زهير يحتفل بزواج ابنه الدكتور عبدالله    البحث عن مصطفى سعيد بحث عن المعنى ورواية يقتحمها مؤلفها ليصبح واحدا من شخصياتها    الشيخ الدوسري: المملكة نموذج يُحتذى في التقدّم التقني دون تفريط بالقيم    الحذيفي: تقوى الله طريق النجاة والصراط أعظم ساعة كرب    الذهب يستقر ويتجه لتكبد خسارة أسبوعية    العادات الدخيلة على مجتمعنا    محافظ الدرعية يجتمع مع مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    أمير المدينة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    صناعة الرياضة السعودية: من استضافة البطولات إلى بناء الاقتصاد    تنوع أحيائي فريد وحياة فطرية مزدهرة    الغرق.. أسبابه والحاجة لزيادة الوعي    اكتشاف جديد يمهد لعلاج التوحد    مدارس الرياض.. خمسة عقود من التميز والعطاء    أحمد الصانع.. الكفاءة والاقتدار    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    أمير منطقة المدينة المنورة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    في معرض المدينة الدولي للكتاب مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث والحِرَفِ اليدويّة    السعودية ترحب بإعلان حكومة البرتغال عن بدئها بالإجراءات التي تمهد لاعترافها بالدولة الفلسطينية    السعودية: لا اشتراطات جديدة على معتمري الخارج    محافظ الطائف يوجه بإغلاق منتجع شهد سقوط إحدى الألعاب والتحقيق في ملابسات الحادثة    تكريم "التخصصي" لدوره في تعزيز الصحة المجتمعية بالمدينة المنورة    مؤتمر حل الدولتين: إطار زمني لإقامة دولة فلسطينية خلال 15 شهرا    هجوم روسي على منشآت تدريب أوكرانية    موجز    14 قتيلاً برصاص الاحتلال في غزة.. نزيف مستمر قرب مراكز المساعدات    ضبط 12 مروجاً ومهرباً و380 كجم من المخدرات    أول جهة حكومية تنال شهادات (CREST) العالمية.. سدايا تحقق التميز في الأداء الحكومي ورفع الإنتاجية    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ حزين جداً وهدى زكريا عرضت عليه الزواج . شهادات في قضية نصر حامد أبو زيد : مثقفو مصر يعارضون "انتهاك الضمائر"
نشر في الحياة يوم 26 - 06 - 1995

تواصلت حملة التضامن مع الباحث المصري نصر حامد أبو زيد، فوقف خارج مصر كتاب بارزون، بينهم عبد الرحمن منيف وسعد الله ونوس وسهيل ادريس، لاستنكار الحكم القاضي بالتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس بسبب مؤلفاته التي رأت فيها المحكمة ارتداداً عن الاسلام. وشهدت القاهرة حركة احتجاج واسعة للفت الأنظار إلى "الخطر الماثل الذي يتهدّد مستقبل الأمة". تخصّص "الوسط" ملفّها الثقافي لنقل بعض أجواء النقاش الدائر، مع العلم أن كل الذين نفتح لهم صفحاتنا أجمعوا على ثقتهم المطلقة بالقضاء المصري، بتقاليده ومؤسساته. فهل يجوز اعتبار "قضية أبو زيد" نتيجة منطقية ل "أزمة المثقفين في مصر والعالم العربي"؟
"أنا حزين جداً..."، هذه هي الكلمات الأولى التي تفوّه بها نجيب محفوظ حين سألته "الوسط" عن موقفه بعد صدور قرار محكمة استئناف القاهرة - الدائرة 14، بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال محمد يونس، "وذلك لإصداره كتابات وأبحاث - رأت المحكمة - أنها تثبت اساءته للإسلام وارتداده عنه". وصاحب نوبل الذي جرت محاولة لاغتياله في تشرين الاول اكتوبر 1994 من قبل الجماعات المتطرفة بسبب روايته "أولاد حارتنا"، رفض التعليق على أحكام القضاء، وأيد بشدة اجراءات الطعن في الحكم التي قام بها أبو زيد والنيابة العامة معاً، مؤكدا ثقته بنزاهة القضاء المصري.
أما الوسط الثقافي والسياسي والفكري المصري، من المبدعين والمفكرين إلى رجال قانون وأساتذة الجامعات، فوقع النبأ عليه كالصاعقة، واستقبله بحالة من الذعر والغضب نادراً ما شهدت الساحة القاهرية مثيلاً لها في السنوات الأخيرة. وبعد ذهول الصدمة الأولى التي أعقبت قرار المحكمة يوم 14 حزيران يونيو 1995، بدأت ردود الفعل تظهر، وأخذ المثقفون يستعيدون قواهم وينظمون أنفسهم لمواجهة ما أطلق عليه البعض اسم "الكارثة". فالدكتور نصر حامد أبو زيد نشر بياناً في اليوم الثالث من صدور الحكم، نفى فيه أن يكون ارتد عن الاسلام وأعلن اعتزازه "بالايمان بالله والرسول ونبل الدين الاسلامي ومقاصده الانسانية"، فاضحا مقاصد من دبروا له الاتهام من دون دليل او برهان.
وكان المثقفون المصر بدأوا، منذ الساعات الأولى لانتشار الخبر، يتوافدون على منزل الدكتور أبو زيد وزوجته لمؤازرتهما والوقوف إلى جانبهما. ثم باشروا في حملة توقيعات واسعة على بيان يدين التحريض المنظم ضد حرية الابداع، واعتبروا "انتهاك ضمائر الناس بالتفتيش فيها استهدافا لتجريمهم او رميهم بالكفر، ارهاباً يطال المجتمع بأسره".
وفي اليوم نفسه كان "المجلس الاعلى للثقافة في مصر" مجتمعاً برئاسة الدكتور جابر عصفور لإعلان جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في الفنون والاداب والعلوم الاجتماعية. فصدر عن المجتمعين بيان ثان أعربوا فيه عن قلقهم "من اللجوء إلى القضاء كوسيلة للتدخل في حرية التعبير في ميادين الفكر والابداع والبحث العلمي والجامعي". ورأى المجلس الأعلى للثقافة في هذا الامر "خطراً ماثلاً يهدد مستقبل هذه الأمة في لحظة مصيرية من تاريخها". ورأى المجلس بموافقة الغالبية حيث اعترض أحد الاعضاء على البيان، وامتنع خمسة عن التصويت أن "هذا التعبير عن قلقه هو من صميم عمله كهيئة تمثل الأمة بجميع طوائفها".
أما بالنسبة إلى الطعن في الحكم، فتحركت جهات عدة. محامي الدكتور أبو زيد استأنف الحكم وقدم الطعن أمام محكمة النقض. محامي زوجته الدكتورة ابتهال يونس طعن في الحكم "لان زوجها خدم الاسلام 20 عاماً متصلة، ولأنها مطمئنة الى صحة إسلامه وعقيدته". كما درست النيابة العامة أسباب الحكم، واتخدت قراراً بالطعن فيه بالنقض. وشكّل نقيب المحامين أحمد الخواجة، بدوره، فريقاً من كبار المحامين للطعن في الحكم. أما جامعة القاهرة التي ينتمي اليها أبو زيد وزوجته، فكانت منكبّة لحظة كتابة هذه السطور على درس الحكم لاتخاذ الاجراءات المناسبة قانونياً.
واحتضنت المنابر الاعلامية والصحف، عشرات المقالات لأسماء بارزة، تعبّر عن استنكارها تكفير هذا المفكّر والباحث والجامعي المصري البارز، وتعلن احتجاجها على اعلان ردته والحكم بتفريقه عن زوجته. لكن أبرز ردود الفعل وأكثرها جرأة وطرافة ربّما، هو قيام الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع في كليّة آداب الزقازيق، بتقديم عرض بالزواج من نصر أبو زيد، انطلاقاً من إيمانها بإسلامه.
مفيد شهاب : أحفيته بالترفيه
أما جامعة القاهرة التي ينتمي إليها أبو زيد كأستاذ في قسم اللغة العربية في كلية الآداب، فلم تتلقّ صورة حكم محكمة استئناف القاهرة بالتفريق بينه وبين زوجته الاستاذة في الجامعة نفسها. ويقول رئيس جامعة القاهرة الدكتور مفيد شهاب إنه لم يطلع على حيثيات الحكم، وعندما يصل اليه، ستدرسه الادارة القانونية في الجامعة وتبتّ في الخطوات التي تترتّب عليه. ويرى شهاب وهو استاذ قانون، أنّه "ليس من المناسب التعليق على احكام القضاء الى ان يتم اتخاذ الاجراءات القانونية من قبل النيابة العامة او الشخص المحكوم ضده. وفي ما يتعلق بوضع الدكتور أبو زيد كأستاذ في الجامعة، فمن المعروف انه تقدم للترقي إلى درجة استاذ في نيسان ابريل 1992، وارتأت اللجنة العلمية بالغالبية ان أبحاثه لا ترقى الى درجة استاذ، بينما كان رأي قسم اللغة العربية وكلية الاداب أنه يستحق الدرجة. ووفقا للاعراف والنظم الجامعية، عرض الامر على مجلس جامعة القاهرة الذي قرّر الأخذ برأي اللجنة العلمية، وأصدر قرارا بعدم أحقيته في الترقية وذلك في آذار مارس 1993، وتمت دعوته لتقديم أبحاث أخرى. وبالفعل تقدم الدكتور نصر بسبعة أبحاث جديدة إضافة إلى بحثين كانت اللجنة العلمية وافقت عليهما، فتشكلت لجنة جديدة قرّرت بالاجماع أحقيته بالترقية. ووافق قسم اللغة العربية ومجلس كلية الآداب ثم مجلس الجامعة في 31 آيار مايو 1995، على ترقيته استجابة لكل هذه القرارات المتجانسة".
أحمد الخواجة "هل شققت قلبه؟"
ومبدأ عدم التعليق على الحكم الذي التزمه بعض المفكرين والكتاب، لم يمنع الكثيرين من الادلاء بآرائهم في التداعيات المحتملة لمثل هذا الحكم ومدى تأثيره على الحياة الفكرية في مصر، على عتبة القرن الواحد والعشرين. وفي تصريح إلى "الوسط"، قال نقيب المحامين أحمد الخواجة إنه شكل "لجنة مع كبار المحامين للطعن بالنقد على الحكم، لأننا نختلف مع المحكمة في ما بنت عليه قضاءها".
ولكن ما الذي جعل محامين كبار في مصر يقيمون الطعن؟ يجيب الخواجة: "إنّه إيماننا بأن الدين علاقة بين الانسان وربه، لا يجوز لأحد أن يتدخل فيها إلا إذا أعلن شخص أنه ارتد عن الاسلام وأنه مصرّ على ارتداده. وبالتالي لا يستطيع انسان ان ينازع آخر من يعلن أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". حتى المنافقين، رفض الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قدوة للمسلمين، رميهم بالردة وقال عبارته المشهورة: "هل شققت قلبه؟". والاسلام هو دين البحث والتفقه في كل مناحي الحياة. في العصر العباسي الاول، وهو أزهى عصور الفكر والاسلام بعد عصرالرسول والخلفاء، كان الاختلاف في كثير من المسائل واضحا بين الفقهاء، ولم يحدث أن كفّر واحد منهم الآخر. لكننا نعيش في زمن تردى فيه كل شيء. وعلى المثقفين في هذه الأمة أن يقيلوها من عثرتها، لأن الاسلام لا يعرف وساطة بين الانسان وربه".
سعد الدين وهبة: ليس في مصلحة الإسلام
وأعرب رئيس "اتحاد الفنانين العرب" ونائب رئيس "اتحاد الكتاب" في مصر سعد الدين وهبة، عن أمله في الا يتأخر تصحيح محكمة النقض للموقف، "لأن الحكم بردة الدكتور أبو زيد وهو رجل مسلم سيؤثر على البحث العلمي والنشاط الجامعي والحركة الابداعية عموما في مصر". ويقول وهبة: "من دون التعرض للحكم ومع الانطلاق من مبدأ أساسي هو أن القضاء المصري منزّه عن كل شيء، فالدخول في العلاقة بين الخالق والمخلوق أمر تأباه جميع الشرائع السماوية والوضعية. بل على العكس تماما فإن رمي الانسان بالكفر جريمة دينية وأخلاقية، فضلاً عن أنها جريمة في حكم القانون الوضعي. كما أن جميع القوانين المصرية، منذ بدء التاريخ حتى اليوم، تعطي الحق للمتضرّر في أن يرفع الامر إلى القضاء، اذا كان صاحب مصلحة. وهذا ماذهبت اليه محكمة النقض في عشرات الاحكام، وما ذهبت اليه محكمة الدرجة الأولى في هذه القضية. فالقضاء المصري والقانون المصري لا يعرفان الحسبة ولا نظامها، بل يجب ان تكون هناك مصلحة للمدعي في ادعائه، وهذا لا يتحقق في القضية التي نحن بصددها".
ويرى سعد الدين وهبة ان "الذي حدث ليس لمصلحة الاسلام، ولا لمصلحة مصر، ولا لمصلحة الاستقرار المطلوب لتحقيق التطور والتقدم. وأملنا كبير في محكمة النقض ان تعيد الحق الى نصابه، ليستقر المجتمع المصري على قيم شريفة يعرفها منذ دخل الاسلام الى مصر".
يوسف شاهين: قلبي معك يا أبو زيد
أما يوسف شاهين فأصيب بصدمة عندما بلغه قرار المحكمة في قضية أبو زيد. وقال المخرج المصري المعروف الذي خرج اخيراً من نزاع قضائي حول فيلمه "المهاجر"، فيما خصومه يطعنون حالياً في حكم صادر لمصلحته يقضي بحرية عرض الفيلم وتسويقه في الداخل والخارج: "إنها، على حد علمي، سابقة في تاريخ القضاء المصري الذي يستند على دعاوى الحسبة في اصدار حكم بهذا الشكل". وبعيداً عن التعليق على هذا الحكم اعتبر أن "هذا الحكم سيكون تأثيره في منتهى الخطورة على الحياة الثقافية في مصر وعلى الحركة الابداعية والفكرية والعلمية بشكل عام. كما أنه يمثل تهديدا مستمرا وكارثة لا يعلم أبعادها إلا الله".
ويقول شاهين: "أخشى أن نعود إلى فترة قاتمة في تاريخ أوروبا، هي فترة محاكم التفتيش. الاسلام ليس فيه كهنوت ولا وسيط بين الانسان وربه، وليس فيه تفتيش في القلوب. وهناك فرق بين أن يعلن مسلم ارتداده عن الاسلام او ازدراءه لتعاليمه وأحكامه، وبين أن يبحث ويجتهد في شأن إسلامي فيخطئ فله أجر أو يصيب فله أجران". ويعبّر شاهين عن استغرابه واندهاشه لصدور هذا الحكم، إذ "قبل أشهر عدة صدر حكم تاريخي من محكمة القضاء الاداري لمصلحة أبو زيد، وحكم آخر لمصلحة فيلمي "المهاجر" من محكمة استئناف عابدين، على أساس أن القانون المصري لا يعرف دعاوى الحسبة. إن الاسلام صالح لكل زمان ومكان، ولا بد من اجتهاد صحيح لكل زمان وكل مكان، فالاسلام يحض على الاجتهاد. قلبي معك يا نصر حامد أبو زيد، وقلبي معك يا مصر في هذه المحنة التي لم اتخيل ان اعيش لأراها في بلد النور والعقلانية والحضارة".
عبد الرحمن الابنودي: أبو زيد شهيد حي!
وشنّ الشاعر عبد الرحمن الابنودي هجوماً عنيفاً على الذين يسيؤون إلى الاسلام، وتحركهم دوافع شخصية للنيل من هذا الباحث المصري البارز. وقال: "لم يأتِ أبو زيد بجديد على الاسلام ولم يسئ إلى الدين أو يشكك في الوحي، أو غير ذلك مما ذهب إليه بعض الذين يعلم الله أنهم لا يقصدون الى رفعة الاسلام وحمايته من عبث العابثين، ولكن لهم مآرب أخرى... كان أبو زيد أستاذي على رغم أنه يصغرني سناً في جامعة القاهرة. وتعلمت على يديه ومن أفكاره ما قربني إلى جوهر الدين وطاقاته الفاعلة التي يعطلها اعداؤه المتأسلمون. هذه الطاقات التي ما أحوجنا إليها اليوم لتنهض الامة التي تتآكل يوميا وينهار صرحها الكبير".
وقال الأبنودي: "كشأنهم في جميع الامور حين تتهدد مصالحهم الشخصية ويوضع سلوكهم الديني المريب تحت المجهر، فإنهم يطلقون علينا الصفات: علماني، شيوعي، معتمدين على ما غرسوه من ثقة عمياء في عقول اتباع لا يقرأون. فالدكتور نصر صاحب المؤلفات المهمة وزوجته الدكتورة ابتهال يعيشان منفيين - فقراً! - خارج القاهرة بأكثر من ثلاثين كيلو مترا في شقة متواضعة تحوطها الصحراء، بينما اعداؤهما المتدينون، يعيشون في قصور منيفة تعلوها أسوار لا تستطيع الجماهير اعتلاءها. هناك تعقد الاجتماعات والمؤامرات لسرقة جنيهات الفقراء، ومن هناك تخرج فتاوى الردة. هؤلاء الذين يقفون سدا منيعا ضد اكتشاف الدين، يستطيعون تكفيرنا جميعا، فقط لأننا نراهم بأعين واعية. وما الدكتور نصر إلا أحد الشهداء الاحياء لأسلحتهم التي تبدأ من التكفير وتنتهي بالرصاصة".
واعتبر الابنودي ان حكم محكمة الاستئناف "استفز الامة واستفز القضاء، فهو واقعة فريدة في تاريخ القضاء المصري النزيه ووصمة عار على جبينه. فمن يحب الدين الاسلامي لا يوقعه في مثل هذه الفضيحة، وإنما يسعى إلى استحداث المناهج العلمية التي تنفي عن الدين الاسطورة والوهم وتستخلص الدوافع والعناصر الحية فيه، ليعلو شأن المسلم والاسلام. "وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض"، وطوبى لنصر وأمثاله من المجاهدين رافعي لواء الحق".
مصطفى الفقي: مزيد من السماح والرحابة
وعبّر المفكر المعروف الدكتور مصطفى الفقي مدير المعهد الديبلوماسي في الخارجية المصرية، والمرشح لمنصب سفير مصر في النمسا عن دهشته الشديدة وشعوره بالاكتئاب الحقيقي بعد أن سمع بالحكم. قال الدكتور الفقي: "الاسلام الحقيقي يحمل من الرحابة والسماحة ما يجعله متسعا لكل المؤمنين به. ومع احترامي للقضاء المصري، لا اعتقد أبداً بأن أبو زيد يقترب من الردة عن دينه بأي شكل من الاشكال، بل إنني اعتقد بأنه عالم مجتهد قد نختلف معه او نتفق. وأظن أن احترامه لدينه وشريعة هذا الدين أمر لا يحتاج الى برهان. كما أنني لا أعتقد بأن تكفير الناس أمر بهذه السهولة، إضافة إلى أن الحديث عن التفريق بين زوجين تربطهما روابط المحبة والمودة أمر مزعج ويجافي روح الشريعة. لذلك أدعو الى مزيد من السماح والرحابة، وأشعر بقلق شديد من جرّاء ما حدث، مسجلا للمرة الثانية احترامي العميق للقضاء المصري، واثقاً من ان المراحل المقبلة من اعادة النظر في هذه القضية الحساسة ستكون تأكيداً للصورة التي عرفها العالم تاريخياً عن القضاء المصري".
يوسف القعيد: كأس السم لسقراط
ويلاحظ الاديب يوسف القعيد "أن الحكم بالتفريق بين أبو زيد وزوجته، هو أخطر حكم في تاريخ القضاء المصري منذ نشأته. إنه تصريح بالقتل. فأي إنسان يمكنه الآن قتل الرجل باعتباره مرتداً، ويمكنه ايضا رجمه ورجم زوجته باعتبارهما يعيشان معا بصفة غير شرعية. هذا الحكم يكشف ما وصلت اليه الامور والاحوال في مصر الآن بصورة مخيفة. فكيف تسمح وزارة العدل لقاضٍ أن يذهب الى المحكمة مرتديا جلباباً باكستانياً ومطلقاً لحيته؟ المسألة ليست شكلية فقط، ولكن هناك زي ثابت وموحد للقضاة وهو البدلة والقميص وربطة العنق. وفي وزارة العدل ادارة للتفتيش القضائي، ولا أدري إين كانت عندما جلس هذا القاضي كي ينظر في القضية؟ والمحامي الوحيد الذي قبل الدفاع عن نصر أبو زيد وهو خليل عبد الكريم كان يمكنه رد القاضي بسبب زيه وليس فكره فقط. لأن هذا الزي يجعله طرفا في الخصومة، وليس قاضياً محايداً من حقه أن ينظر هذه الدعوى حتى النهاية".
ويضيف القعيد: "نحن المثقفين المصريين قصيرو النفس، لم نتمكن من المضي في اي معركة في حياتنا حتى النهاية. ما أن حكم قاضي الدرجة الأولى برفض الدعوى حتى حدث استرخاء غير عادي عند الجميع، من مسؤولين وكتّاب ومحامين ومنظمات حقوق الانسان... تصورنا أن الاستئناف مسألة شكلية لن تقدم ولن تؤخر. وأنا في رأيي أننا جميعاً مسؤولون عما حدث لنصر أبو زيد، لم يذهب احد منا الى المحكمة متضامنا معه. ولم يكتب أحد منا طالبا رد هذا القاضي. ولم نحتكم لا الى السلطة، ولا الى الحياة السياسية، ولا الى الجماهير، لنقول إن القضية ليست قضية تفريق زوج عن زوجته، بقدر ما هي محاولة استصدار اول حكم في تاريخ مصر بتكفير مسلم...".
"أنا متأكد أن الحكم لن ينفذ وأنا متأكد أيضاً أن أبو زيد لن يبقى في مصر. لكن السابقة ستبقى كوصمة، وستقف أوروبا لتقول إننا نعيش في زمن الهمج والبربر، وسيكتب التاريخ عنا أننا قدمنا لنصر أبو زيد كأس السم الذي قدم لسقراط قبل قرون. أنا شخصياً أشعر أن الحريق طال لساني، وأن القلم سقط من يدي، وأننا نركز في هذه الايام السوداء على نجاحات فردية لن تقدم ولن تؤخر. لأن المثقفين جميعا هزموا امام هذا الحكم وبهذا الحكم. وبدلا من ان نقول كيف نخرج من هذه الحفرة أو هذا الخندق او هذا المحيط علينا ان نسأل أنفسنا: ما الذي أوصلنا الى هذه الكارثة؟
ابراهيم اصلان: صيغ لعدم الرضوخ
وعن تأثير الحكم على حرية الفكر والابداع في مصر، يقول الأديب ابراهيم اصلان بسخريته المعهودة: "لم أعد منزعجا لأن مثل هذه المناخات الكئيبة كادت تصبح مثل دورات الفصول التي تربينا عليها. لا بد أن نخوض يومياً المعركة من أجل ألا يخرسنا شيء أو أحد. لست منزعجا لأن طبيعتنا الفريدة بدأت تتضح لي وتتبلور ملامحها. عندما سمعت في البداية بالقضية، وعلى رغم أنّي أعرف طبيعة العلاقة الرائعة التي تجمع بين الزوجين، اهتممت بالأمر من زاوية براغماتية، إذ انّها طريقة مبتكرة يمكن للمفكر أن يلجأ اليها كي يتخلص من زوجته! وبدت لي بالفعل طريقة مدهشة، لكن مع الوقت اكتشفت أن المسألة جد، وهنا زالت دهشتي".
ويتابع أصلان: "مصر كما يعرف القاصي والداني بلد كبير، وهو ينعم بوفرة من المواطنين العاديين والمسؤولين الذين يبتكرون بين حين وآخر - وعلى نحو مباغت - ما يعبر عن روح الفكاهة التي يعرف بها هذا الوطن العريق. ومن اجل ذلك وجدت آلاف القوانين والاحكام التي تعبر عن تلك الحالة الفريدة. وما أن يستقر في الاذهان أن لدينا حرية متزايدة في التعبير، سواء عبر الكتاب او الاعلام اوالصحافة أو غيره، حتى نندفع الى تصحيح صورتنا بتقييد هذا الهامش الذي لا يغني من جوع او يخرج من السجن مواطن متّهم، أو يمنع مصادرة فيلم او كتاب أو اغلاق مجلة أو التفريق بين زوج وزوجته وغيرها من القوانين".
"وهذه القوانين يتحدث عنها الناس في ساعات الانبساط باعتبارها نوعا من "الهجايص". وطبعا المسألة لا تقتصر على الكتابة والإبداع فقط، بل هي مسألة الكلام الذي يملكه ويجيده 60 مليون مصري، والذي لا يملك ولن يملك أحد ان يحرمهم منه. لكنّ القوانين لن تمنع الكتاب من التعبير، فهم كفيلون دائما بإيجاد الصيغ التي تعينهم على التعبير عما يريدون. نعرف أن قوانين الضرائب لم تمنع كبار الممولين من أن يتهربوا جميعا من الدفع، والقيود أيام عبد الناصر لم تمنع الهزيمة، وقوانين المرور لم تمنع مواطنا واحدا من عبور الشارع في أي مكان يروق له. وقوانين الاسكان لم تفتح 6 ملايين شقة أغلقها اصحابها في القاهرة بينما الناس تعيش في المقابر والزرائب، وقوانين السادات قضت عليه، وقوانين الاتحاد السوفياتي بكل صلابتها التاريخية لم تمنع الانهيار والزوال".
"كيف تظن أنّه يكفي ان تقيد حرية بضع مئات من الكتاب والصحافيين، لتقيد حرية شعب كامل؟ هذا يحمل نوعا من النظرة غير المسؤولة تجاه الناس. بالنسبة إلى الكتاب الحقيقيين والمبدعين الحقيقيين، التراجع ليس مطروحاً على الاطلاق. فالناس لا تقوم بتفصيل قدراتها العقلية والروحية على مقاس القوانين. إنها المشكلة الدائمة والازلية لكل كتاب العالم الثالث. والانجازات الابداعية الكبيرة لم تنجز في مناخات سهلة. وعلينا أن نجد الصيغ لعدم الرضوخ، ولمواصلة المقاومة. فكلما ضاقت سبل التعبير كلما زادت حدة وشراسة هذا التعبير وكلما تزايد الغضب...".
رفعت السعيد : المناخ الأسود
ويبدي الدكتور رفعت السعيد الأمين العام لحزب "التجمع التقدمي الوحدوي" احترامه للقضاء المصري، باعتباره حصناً للحق والعدل والقانون. لكنه يضيف: "القاضي ليس مطلق الحرية في أن يختار القانون الذي يطبقه. فالقانون المصري وكل قانون في العالم يفرض نصاً قانونياً يكون ملزماً للقاضي قبل أن يكون ملزماً للمتقاضين... والمبدأ الدستوري الأصيل الذي هو فوق القانون هو مبدأ الفصل بين السلطات. فإذا قرر قاضٍ ما أن يتجاوز النص القانوني، وأن يفترض أو يفرض قانوناً آخر، فهو هنا فوق أنه يتجاوز الحق القانوني المخول له بكونه مطبقاً فقط للقانون، يعطي نفسه سلطة التشريع، اي يخلط بين السلطة القضائية وواجباتها وبين السلطة التشريعية وحقوقها. فالقانون المصري الوضعي، ولنتمسك بكلمة "الوضعي" هذه، لا يعرف دعوى الحسبة بمعنى أنه لا يعرف حق غير المتضرر في رفع الدعوى القضائية من دون أن يكون ممتلكاً لمصلحة محددة وذاتية".
"أما من حيث الموضوع فأنا أرى ان الدكتور نصر حامد أبو زيد هو نموذج وضحية. هو أولاً ضحية لهذا المناخ الأسود الذي يحاول البعض ان يفرضه على مصر بأن يرهب مثقفيها ومفكريها وعلماءها وأصحاب القول والفكر والعقل في المجتمع، بأن يضعهم تحت وطأة أي موتور أو أحمق أو متحامق فيستهلكهم في دعاوى غير قانونية يرفعها في عشرات المحاكم طالما أنه يمتلك المكانة والدعم المالي من جهات غير مرئية. وقد حاول البعض ان يفعلها، فرفع محام دعوى قضائية على ثمانية من كبار مثقفي مصر في وقت واحد وفي محكمة بعيدة عن محل اقامتهم.
ولو تخيلنا ان هذا المحامي الذي رفع الدعاوى كررها عشرات المرات في عشر مدن لامكننا ان نتخيل كبار الفلاسفة والمفكرين والكتاب والصحافيين وهم ينتقلون من مدينة إلى أخرى محملين بعبء لا يمكن لأحد أن يحتمله دفاعاً عن الحق والعقل وحرية التفكير. نحن إذاً ازاء مخطط يريد أن يزيد المناخ المصري الأسود سواداً، ويريد أن يضفي على الحالة المتخلفة تخلفاً".
"والدكتور أبو زيد نموذج. فهو حالة يتخذها المتأسلمون ودعاة التخلف والرجعية لإخافة الآخرين. انه رأس الذئب الطائر الذي يخيفون به قوى الفكر والتقدم وحرية الرأي والابداع. ولهذا يتعين علينا أن نتضامن معه ومع القانون الوضعي ومع العقل وحرية التفكير. وعلينا أن نتضامن مع مصر ومع حاضرها ومستقبلها، حتى نهزم هذا المخطط المعادي للعقل ولحرية الرأي والابداع.
نصر حامد أبو زيد : لأنني باحث مسلم ...
لأنني باحث مسلم وهب حياته للدفاع عن الاسلام وكرس طاقته العلمية والذهنية للكشف عن غايته النبيلة، ومعانيه الانسانية السامية في مناخ يسيء للإسلام ويعرضه لهجوم الاعداء بسبب بعض الذين يستغلون معانيه الانسانية النبيلة لتحقيق غايات نفعية دنيوية رخيصة على حساب مصلحة الأمة ومصالح المواطنين مسلمين وغير مسلمين، لذلك أدهشني بقدر ما آثار غضبي سعي هؤلاء سعيا حثيثا لقتلي بدلا من مناقشة أفكاري والجدال معي بأساليب البرهان العقلي الرشيد. لقد سمحوا لأنفسهم باتهامي بالردة والزيغ عن الاسلام وطالبوا بالتفريق بيني وبين زوجتي. ولأن الإسلام الناصع الصفاء لا يسمح لهم بذلك، فقد حاولوا التخفي وراء عباءة القانون متجاهلين ان دعوى تكفير المسلم بلا برهان ترتد عند الله سبحانه وتعالى على المدعي. فالله وحده هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
لقد كانت جريمتي في نظر هؤلاء الذين يرفضون مبادئ الاسلام غطاء لأهدافهم غير النبيلة. أنني رفضت الانصياع لقرار جامعي يصم اجتهاداتي الفكرية والعلمية في خدمة الاسلام بأنها كفر صريح واعتداء على العقيدة والمقدسات. وليت التقرير الذي أعتمد عليه ذلك القرار كان تقريرا علميا أكاديميا يناقش منهج الباحث ويحلل أدواته واجراءاته العلمية، بل كان باختصار فتوى تكفير لا سند لها سوى آراء كاتبه التي هي محض آراء بشرية وليست دينا. لقد تم تجريم الفكر بفكر آخر وسمح البعض لنفسه ان يعتبر رأيه دينا يجب أعتقاده. وكأنه بذلك يتصور نفسه إلها تبارك الله عما يصنعون. يريدون عودة عقارب الساعة الى الوراء وأن يعودوا بنا الى عصر الوثنية والجاهلية الظلماء، العصر الذي صرخ فيه الصديق أبو بكر في وجه مشركي قريش الذين أرادوا قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "ما لكم قبحكم الله أتقتلون رجلا يقول ربي الله".
ولأنني أعتز بإيماني بالله وبرسوله وبإيماني بنبل الاسلام وإنسانية مقاصده، فإنني اعتز كذلك بقيمة اجتهاداتي الفكرية والعلمية.
لذلك لن تنال مني فتاواكم المغرضة ولا محاولاتكم المستميتة لقتلي. سأظل مناضلا عن الاسلام مسلحا بالوعي العلمي والمنهجية الصارمة ولو كان دمي هو الثمن ولا سبيل إلا الحقيقة أو الشهادة أو معانقة النور يضيء عقول المسلمين ويفتح أمامهم سبيل التقدم "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
* البيان الذي وزّع في القاهرة بتاريخ 16/6/1995


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.