كما النيل في مصر، هناك الليطاني في لبنان لتوفير مياه الشرب والري وانتاج الكهرباء لأكثر من نصف السكان في البلاد. ومع ذلك فإن النهر الذي ينطلق من شمال شرقي لبنان، وينحدر باتجاه الجنوب، على امتداد 160 كلم، مهدد بأن يخسر فائدته الاقتصادية الاولى، بسبب عجز الحكومة عن حمايته من التلوث، وهو ما يمكن ان يؤدي الى حرمان افضل المناطق الزراعية في البلاد من مصدرها الاساسي للري. وبالفعل رفعت ادارة مصلحة الليطاني، وهي مؤسسة حكومية أنشئت في العام 1954 لادارة مشاريع الري والشرب وتوليد الكهرباء، انطلاقاً من النهر، مذكرة سرية الى رئاسة الحكومة، تدعو فيها الى وقف استخدام مياه النهر للري والشرب بسبب ارتفاع مستويات التلوث فيها. واستندت المذكرة الى 18 عينة من المياه في مناطق مختلفة على امتداد النهر، بدءاً من المنبع وصولاً الى المصب، مشيرة الى أن مصادر التلوث هي الآتية: - الصرف الصحي: إن جميع المدن والقرى التي تملك شبكات للصرف الصحي على امتداد النهر ترمي نفاياتها في مجرى النهر بصورة مباشرة من دون تكرير او معالجة. - النفايات الصناعية: كما هي الحال مع نفايات الصرف الصحي، كذلك تقوم المصانع الكبرى والمناطق الصناعية الفرعية برمي نفاياتها المختلفة في مجرى النهر من دون أية معالجة. وتشير الدراسة الى 3 مصادر رئيسية للصرف الصناعي: المدينة الصناعية في مدينة زحلة التي تضم ما يزيد عن 220 مصنعاً متفاوتة الحجم، وفي صناعات مختلفة. وقد أظهرت التحاليل المخبرية التي أجريت علاقة مباشرة بين النفايات التي يرميها أحد مصانع السكر وظاهرة موت وتعفن الاسماك في مجرى نهر الغزيل، وهو أحد الروافد الثانوية لنهر الليطاني. الى ذلك وفي اطار التلوث الصناعي، هناك النفايات التي تخلفها مصانع الورق. اضافة الى ان بعض المصانع يرمي مواد شديدة التأثير، مثل الاسيد والزرنيخ بسبب وجود مصانع للدباغة والبطاريات والاسفنج وغيرها. توصيات وزارية واقترحت الدراسة توصيات عهد بها الى لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الحكومة ميشال المر وعضوية 5 وزراء لتنفيذ الاجراءات المطلوبة، وأبرزها الزام المدن والمناطق السكنية والصناعية بتركيب محطات لمعالجة مياه الصرف لديها قبل رميها في مجرى النهر، ثم استكمال الاجراءات التي تمنع تلويث مياه النهر مستقبلاً. وكانت الحكومة اللبنانية أقرت خطة شاملة لاستثمار مياه الليطاني، منذ أواسط الخمسينات، عندما قام المهندس المعروف ابراهيم عبدالعال بوضع دراسة لاستغلال مياه النهر لتوليد الكهرباء عبر 3 مصانع كهرومائية بطاقة 190 ميغاواط. وحظيت الدراسة لاحقاً بموافقة "بعثة ايرفد" التي جاءت الى لبنان بهدف وضع خطة انمائية شاملة. ونفذ لبنان سد القرعون، كما أنشأ المصانع الثلاثة، ونفذ مجموعة الانفاق التي توفر المياه لبعض المناطق الزراعية. ثاني مصدر مائي وكان من المقدر ان يصار الى الافادة من مياه الليطاني التي يذهب اكثر من نصفها الى البحر لاغراض الشرب لمدينة بيروت الكبرى، كثاني مصدر من حيث الاهمية بالنسبة الى العاصمة، بعد مياه جعيتا، الاّ أن اندلاع الحوادث منتصف السبعينات جمّد اعمال التنفيذ بانتظار ظروف افضل، وهي ظروف لم تتوافر حتى الآن على ما يبدو. ويفسر المسؤولون اللبنانيون الصمت الذي يحيطون به مشاريع الليطاني بحاجة لبنان الى عدم اعطاء اسرائيل ذريعة للمطالبة بمشاريع تعاون معها لاستثمار مياه النهر لمصلحة البلدين، إلاّ أن هذه الحجة لم تمنع ادارة "مصلحة الليطاني" التي أنشئت خصيصاً لمتابعة مشاريع تطوير النهر، من أن تقرع ناقوس الخطر، اذ ان ارتفاع معدلات التلوث سيعني القضاء ليس فقط على أهم مصدر مائي في لبنان، بل الاصح انه سيقضي على أهم منطقتين زراعيتين: البقاع والجنوب.