الداخلية تصدر قرارات إدارية بحق 12 وافدا و8 مواطنين لنقلهم 60 مخالفا لا يحملون تصاريح لأداء الحج    "سالم الدوسري" هلاليًا حتى عام 2027    «الدعم» تقصف مخيم نازحين وتوقع 14 قتيلاً بدارفور    قيمة الأصول المدارة في السوق المالية السعودية تجاوزت حاجز التريليون ريال    رؤية 2030 ودعم الرياضة في المملكة العربية السعودية    المملكة.. إخراج سورية من عزلتها    حرس الحدود ينقذ 10 مصريين بعد جنوح واسطتهم البحرية    ثقافة وفنون المناطق تطلق «رحلة فن»    حينما تنطق العراقة    انتحاري يقتل 10 أشخاص في مقديشو خلال حملة تجنيد    19 ألف زيارة تفتيشية بمكة والمدينة    10 آلاف متطوع من منسوبي التقني    إيران: شروط واشنطن ستُفشل المحادثات النووية    تواصل سعودي نمساوي    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لوقف العدوان الإسرائيلي    نائب ترمب: الولايات المتحدة قد تنسحب من حرب أوكرانيا    "آفاق" يدمج 88 طفلًا في التعليم العام ويحتفل بمرور خمس سنوات على تأسيسه    سهام القادسية تُصيب 9 ميداليات في كأس الاتحاد    الذهب يرتفع بفعل الإقبال على أصول الملاذ الآمن    "الصحة العالمية": نواجه عجزا بنحو 1.7 مليار دولار خلال العامين المقبلين    أمير تبوك يستقبل إدارة نادي نيوم بمناسبة تتويجه بدوري "يلو" وصعوده إلى دوري روشن    وزارة الرياضة تطرح مشروع "استثمار المنشآت الرياضية" عبر بوابة "فرص"    عقارات الدولة توضح ما يُتداول حول توزيع أراضٍ سكنية في الرياض    مطارات الدمام تنظم ورشة بعنوان "يوم المستثمر" لتعزيز الشراكات الاستراتيجية    اختتام بطولة غرب المملكة في منافسات الملاكمة والركل    لعبة " المسار المفقود " بدعم من "الصندوق الثقافي" و"إثراء"    جمعية البر بالمنطقة الشرقية تشارك في المعرض الدولي للقطاع غير الربحي (إينا)    محافظ أبو عريش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية    حقيقة انتقال رونالدو وبنزيمة وإيبانيز إلى الهلال    صندوق الاستثمارات العامة يجمع أكثر من 1000 من أعضاء مجالس الإدارة وتنفيذيّ شركاته    انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي الأول للميتاجينوم والميكروبيوم    مبادرة طريق مكة تحظى بشرف خدمة أكثر من مليون مستفيدٍ من ضيوف الرحمن منذ إطلاقها    كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    تحالف استراتيجي بين "نايف الراجحي الاستثمارية" و"تي جي سي سي" لتنفيذ مشاريع رائدة في المملكة العربية السعودية    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



1995 عام التحولات الاقتصادية العربية . العرب يطرحون الشراكة واسرائيل الزعامة
نشر في الحياة يوم 25 - 12 - 1995

في ظل تطورات دولية واقليمية متسارعة، برزت في العام 1995 ضرورة ملحة لوحدة العالم العربي من خلال بروز وحدة العالم وتداخله وتشابك مصالحه وتضاؤل قدرة الدول على الانعزال والانغلاق على الذات، وعكس ذلك تدويل النشاط الاقتصادي الذي اكتسب دفعة قوية بتوقيع اتفاقية "الغات" الجديدة، وتوسيع نطاقها لتشمل نحو 90 في المئة من اجمالي التجارة الدولية، فضلاً عن انشاء منظمة التجارة العالمية لتعمل الى جانب البنك الدولي في الاشراف على النشاط الاقتصاد الدولي وتوجيهه. كما برزت اهمية التكتلات الاقتصادية والتحالفات الاقليمية والدولية، مثل الاتحاد الاوروبي الذي يضم نحو 370 مليون نسمة ويبلغ ناتجه المحلي الاجمالي نحو ستة تريليونات دولار، ومنطقة التجارة الحرة لشمال اميركا "النافتا" التي تضم نحو 368 مليون نسمة ويبلغ ناتجها المحلي الاجمالي حوالى سبعة تريليونات دولار.
مع كل هذه التطورات ومواجهة انعكاساتها في المنطقة العربية، برزت خطورة استمرار التشرذم العربي في ظل الخلافات السياسية، وأهمية تكامل الدول العربية وتوحدها في كيان اقتصادي في مقابل التكتلات الاقتصادية الاخرى في العالم، خصوصاً ان المجموعة العربية يبلغ عدد سكانها حالياً 250 مليون نسمة، وناتجها المحلي الاجمالي 530 مليار دولار وحجم استثماراتها اكثر من مئة مليار دولار. ولديها مخزونات احتياطية هائلة من النفط والغاز الطبيعي والحديد والفوسفات وحوالي 200 مليار هكتار من الاراضي القابلة للزراعة لا يستغل سوى ثلثها 67 مليون هكتار، منها 20 في المئة اراض مروية بينها 80 في المئة يعتمد على مياه الامطار. لكن يبدو ان التجزئة العربية والهياكل الانتاجية المتماثلة والمنافسة تلقي بظلها الثقيل على طموحات التكتل الاقتصادي العربي.
تدويل الانتاج ودمج الاسواق
من هنا يمكن القول ان "الزعامة الاقتصادية" كمحور صراع في الشرق الاوسط الجديد، كان اهم حدث شهده العام 1995 وتداولته مؤتمرات وندوات ودراسات ونتجت عنها احداث مهمة برز بعضها كمقترحات وبعضها الآخر كمشاريع استثمارية، وكلها تدور في اطار تنظيمات اقليمية غير بعيدة عما يسمى بالتعاون الدولي الذي يهدف الى تدويل الانتاج ودمج الاسواق، وهو ما يعرف باسم "العولمة".
ومن خلال المشاريع المتداولة التي كان مصدرها اسرائيل والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية وكذلك الجهات الاميركية والاوروبية الغربية، ومن خلال ما طرح في مؤتمري الدار البيضاء عام 1994 وعمان 1995 للشرق الاوسط وشمال افريقيا، ومؤتمر رجال الاعمال الاوروبي المتوسطي 1995 ومؤتمر برشلونة للتعاون الاوروبي - المتوسطي 1995، يتبين ان الهدف هو الغاء ما يمكن تسميته "النظام الاقتصادي العربي الاقليمي"، او باحتمال اقامته، واقامة نظام اقتصادي للشرق الاوسط الجديد يقوم عبر ثلاثة مستويات متداخلة:
الاول: اقامة تجمع اقتصادي ثلاثي يجمع بين الاردن والكيان الفلسطيني واسرائيل.
الثاني: اقامة منطقة للتبادل التجاري الحر تضم كلاً من مصر واسرائيل ومنطقة الحكم الذاتي الفلسطيني والاردن وسورية ولبنان، على ان تنتهي الترتيبات الخاصة بها عام 2010.
الثالث: اقامة منطقة موسعة للتعاون الاقتصادي تشمل بالاضافة الى منطقة التبادل التجاري الحر، بلدان مجلس التعاون الخليجي، التي يتدفق منها المال والتمويل.
وتعتبر المفاوضات المتعددة الاطراف، الآلية الفعالة لاقامة هذا النظام الشرق اوسطي الجديد من خلال سلسلة من الترتيبات الاقتصادية الاقليمية الجديدة. وهي تغطي المجالات الحيوية الآتية: المياه، التنمية والتعاون الاقليمي، البيئة، الحد من التسلح وقضية اللاجئين. ولاسرائيل استراتيجيتها حيال هذه القضايا، تقوم على اساس خلق واقع جديد في مجموعة من التشابكات الاقتصادية بينها وبين الاقتصادات العربية. بحيث يصبح الانسحاب او الانفكاك من هذا الواقع امراً مستحيلاً.
واضافة الى هذه الترتيبات، هناك مشاريع الربط الاقليمي التي تقوم على مبدأ الترتيبات نفسه، لا بل انها تدعم الترتيبات الاقتصادية لأنها تخلق واقعاً مادياً يصعب الخلاص منه، وفي هذا الاطار فان المشروع الشرق اوسطي الجديد، يقدم مشاريع ربط اقليمي محدد يجري تسويقها اقليمياً ودولياً.
ويبدو بعض المشاريع براقاً لكنه يخفي اغراضاً "خبيثة" من شأنها الاساءة الى اقتصادات البلدان العربية ككل او لبعضها تحديداً. فمشروع نقل النفط الخليجي بواسطة انابيب تصب في موانئ حيفا واشدود وغزة لينقل بعدها الى اوروبا الغربية، والذي يبدو انه يوفر في كلفة النقل، انما يهدف الى الاساءة الى الاقتصاد المصري بالغاء اهمية قناة السويس.
ولعل اخطر مشاريع الربط الاقليمي مشاريع اقتسام الموارد المائية وادارتها التي تحتل موقعاً متميزاً في هذا الاطار. فلهذه المشاريع طبيعة استراتيجية وسياسية في آن واحد باعتبارها تطرح مسائل تتعلق بالسيادة والسيطرة على شرايين الحياة في المنطقة.
ونظراً الى الامكانات التي تمتلكها فإنه من الطبيعي ان تتمتع اسرائيل بدور متميز ومتفوق في اطار النظام الشرق اوسطي المقترح، اي بسبب تفوقها الاقتصادي والتكنولوجي العلمي وقوتها العسكرية، وكذلك بسبب موقعها المتوسط في قلب الشرق الاوسط ونظامها الاقتصادي المرن وتقدمها في مجال الخدمات، وأيضاً بسبب علاقتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة وبالشركات المتعددة الجنسية.
الموقف العربي
في الوقت الذي تراقب فيه الامانة العامة لجامعة الدول العربية تطور المفاوضات العربية - الاسرائيلية على مختلف المسارات عموماً وعلى المسارين اللبناني والسوري خصوصاً، وتعثرها بسبب مواقف اسرائيل، تركز في الوقت نفسه في اتصالات تجريها مع حكومات الدول الاعضاء على نقاط رئيسية حددها الامين العام الدكتور عصمت عبدالمجيد، وأهمها:
اولاً: انه يتعين على اسرائيل ان تدرك انه من الضروري معالجة كل القضايا السياسية المتعلقة بالصراع العربي - الاسرائيلي قبل التفكير او الشروع في اقامة علاقات تعاون اقتصادي مع الدول العربية، وان ذلك يتطلب انسحابها من كل الاراضي العربية المحتلة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض في مقابل السلام، وتمكين السلطة الوطنية للشعب الفلسطيني من ممارسة كافة حقوقها الوطنية المشروعة.
ثانياً: ان امتنا العربية ترفض اقامة اي تعاون اقليمي مع اسرائيل طالما ظلت متمسكة بالارض، وتخطئ ان هي ظنت انه يمكنها ان تحصل على الارض والسلام معاً، ان عليها ان تدرك ان التعاون الاقتصادي الاقليمي رهن بتحقيق السلام العادل والشامل، وان هذا التعاون ان تحقق هو تعاون بين شركاء من دون هيمنة طرف على آخر ولا اولوية فيه لمصلحة احد على حساب الآخر.
ثالثاً: البناء الوطني لا ينفصل عن البناء القومي الذي بقدر تأثيره في البناء الاقليمي، فانه لا يستطيع ان ينفصل عن العالمي، ولا نستطيع ان نقيم علاقات اقتصادية دولية متوازنة ما لم تعتمد على قاعدة اقتصادية وطنية وقومية صلبة، قوامها التكامل الاقتصادي العربي الذي يعد السياج الواقي لمواجهة ما يسمى بالسوق الشرق اوسطية التي تحاول اسرائيل من خلالها ان تهيمن على مقدرات الامة العربية.
رابعاً: ان التطورات والمتغيرات الاقليمية والدولية التي تدور من حولنا تفرض اقامة تجمع عربي اقتصادي آفتا يكون اللبنة الاولى نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي وان هذا التكتل الاقتصادي العربي لم يعد مجرد طموح قومي، وانما ضرورة اقتصادية تفرضها طبيعة التطورات الاقتصادية الدولية والاقليمية حتى لا نفقد تواجدنا وقدرتنا التنافسية في السوق العربية والدولية على السواء.
هل يمكن اقامة هذا التجمع الاقتصادي العربي لمواجهة "الشرق اوسطية"؟
تتكون مجموعة الوطن العربي من 21 دولة، واذا كان كبر العدد من شأنه ان يمنح المجموعة ثقلاً سياسياً واقتصادياً نسبياً الا انه في الوقت ذاته يجعل الاتفاق عند اتخاذ القرار امراً صعباً. والاقطار العربية تتوزعها قارتان في مساحة تقدر بنحو 14 مليون كيلومتر مربع، او ما يوازي 10 في المئة من مساحة الكرة الارضية، تضم حوالي 240 مليون نسمة حسب احصاءات 1993. ويلاحظ ان الحدود السياسية في كثير من الدول العربية فرضتها في معظم الاحيان دول استعمارية خلقت معها مشاكل تتمثل في نزاعات حدودية بين عدد من الدول الشقيقة، واضافة الى ذلك فان موقع العالم العربي وتوسطه بين عدد من القارات واحتواءه على مخزون من المواد الاستراتيجية يجعله منطقة مهمة معرضة لهجمة الاحتكارات الدولية التي تجد في كثير من الاحيان في التناقضات منافذ لاستغلال المنطقة. وبعبارة اخرى فان المنطقة يعتورها قدر من عدم الاستقرار السياسي يتبدى في بعض المشاكل الحدودية والحروب الاهلية هنا وهناك، اضافة الى مشاكل اخرى يجب ايجاد حل لها لتصفية الاجواء العربية.
وقد استدرك هذا الواقع مؤتمر المستثمرين العرب الذي انعقد في الاسكندرية في 29 ايار مايو 1995 واشترك فيه اكثر من الف مستثمر عربي اجمعوا على ضرورة مواجهة مخاطر تطورات المرحلة المقبلة في ظل التكتلات الدولية واطماع اسرائيل في السيطرة على اقتصاد منطقة الشرق الاوسط، بالعمل على قيام كيان اقتصادي عربي موحد. لكنهم تخوفوا من عدم تحقيق هذا الهدف مع استمرار الخلافات السياسية العربية وحالة التشرذم القائمة في الوطن العربي، لذلك طالبوا بضرورة إبعاد العلاقات الاقتصادية عن الخلافات السياسية تنفيذاً لمقرارات قمة عمان الاقتصادية العربية التي عقدت عام 1980.
وفي هذا المجال قرر المؤتمر تطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك، بالانتقال به من مستوى التعاون الاقليمي الانتقائي الى مستوى التكامل القومي الشامل المدعوم بالارادة السياسية الجماعية، وذلك بانضمام الدول العربية كافة الى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية الصادرة عن جامعة الدول العربية عام 1957 والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1964 غير ان فوائدها ظلت في نطاق ضيق جداً بسبب مواقف بعض الحكومات العربية، لذلك طرح المؤتمر امكانية النظر في تطويرها والعمل على ازالة كل العراقيل التي تعترضها بهدف التوصل الى اتفاقية عربية اطارية جديدة للتكامل الاقتصادي تكون نواتها منطقة تجارية حرة عربية كبرى.
اما في حال عدم توافر الدعم السياسي من قبل حكومة او جهة عربية معينة لهذا التوجه، ومن اجل التخفيف من حدة الخلافات السياسية على الانجازات الاقتصادية، اتخذ المؤتمر توصية ب "تحييد العمل الاقتصادي العربي المشترك عن الخلافات السياسية العربية". وأكد في هذا المجال "اهمية تجنب الانعكاسات الضارة للنزاعات الطارئة في العلاقات السياسية العربية على العمل الاقتصادي العربي المشترك". وناشد المؤتمر الحكومات والمؤسسات المشتركة "ضرورة عزل العلاقات الاقتصادية العربية عن التأثيرات السلبية للتقلبات القائمة او المحتملة على الساحة السياسية العربية، سواء ما يقع منها على الصعيد الثنائي او المتعدد الاطراف". واقترح النص على هذا المبدأ بوضوح في اي تعديل لميثاق جامعة الدول العربية الى جانب تنشيط ما ورد في شأنه من ميثاق العمل الاقتصادي القومي الصادر عن مؤتمر القمة العربي الحادي عشر المنعقد في عمان في تشرين الثاني نوفمبر 1980.
سوق عربية مشتركة
واللافت في الامر انه في ظل استمرار خطورة التشرذم العربي، التقى الاوروبيون مع المطالبين بإقامة السوق العربية المشتركة، وذلك عندما حض رئيس المفوضية الاوروبية جاك سانتير الدول العربية على انشاء هذه السوق، معتبراً ان السلام في الشرق الاوسط سيوفر اطاراً لعلاقات اوروبية - عربية ممتازة.
وظهر المسؤول الاوروبي في موقف "المزايد" على المسؤولين العرب في الدعوة الى التعاون والتكامل الاقتصادي لانشاء كيان اقليمي عربي، يستطيع التعاون مع التكتلات الدولية، بما فيها مجموعة السوق الاوروبية المشتركة. ورأى سانتير انه "من الصعب ان يتفق الاتحاد الاوروبي مع شركائه من بلدان الشرق الاوسط على انشاء منطقة تجارة حرة اوروبية - متوسطية، اذا كان اصدقاؤنا المتوسطيون والعرب ما زالوا منقسمين اقتصادياً".
وتوقف خبراء المال والاقتصاد العرب عند تأكيد رئيس المفوضية الاوروبية ان "اوروبا ما زالت مستعدة للتعاون مع الدول العربية على مستوى اقليمي". وعلى هذا الاساس اشار الى امكانية الاتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومع مجموعة دول الاتحاد المغاربي، اما الاتفاق مع بقية الدول العربية خصوصاً دول الشرق الاوسط، فيبدو مؤجلاً حالياً، وطالب المسؤول الاوروبي بأن "تتحدد الهوية الأمثل للكيان العربي الذي يمكن التعاون معه عن طريق تفاهم الدول العربية في ما بينها بواسطة الجامعة العربية".
وطرح سانتير في هذا الصدد فكرة التلاحم الاقتصادي العربي وتأسيس سوق عربية مشتركة. ورأى فائدة كبيرة في التعاون الاقتصادي بين دول تنتمي الى مجموعة واحدة، مشيراً الى ان "اكثر من 50 في المئة من التجارة الخارجية لدول الاتحاد الاوروبي تجري مع الدول الاوروبية الاخرى المنتمية الى الاتحاد، وقد تصل النسبة الى 70 في المئة، بينما في العالم العربي لا تتعدى نسبة التجارة الخارجية العربية - العربية 5 - 7 في المئة النسبة الاكبر من التجارة العربية هي مع الدول الاوروبية.
ودعا المسؤول الاوروبي الى الاستفادة من الخبرة التي انبثقت عن عملية تحقيق الوحدة الاوروبية لتوثيق الروابط في الشرق الاوسط.
وتبين دراسة اعدها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ان السوق العربية المشتركة مشروع قديم، وقد اقيمت فعلاً بين دول مجلس الوحدة بمقتضى قرار في 13/7/1994 ثم صدرت قرارات لاحقة ومكملة له وفقاً لبرنامج مرحلي يمتد لفترة 7 سنوات من 1/1/1965 حتى 1/1/1971. ويمثل قرار "السوق" الجانب التجاري من المشروع الشامل للتكامل الاقتصادي العربي في نطاق الاتفاقية. وبلغ عدد الدول المنضمة اربعاً هي مصر وسورية والعراق والاردن، ثم انضمت في ما بعد ثلاث دول هي اليمن وليبيا وموريتانيا.
وكان التزام الدول الاعضاء تطبيق قرار "السوق" نصاً وروحاً التزاماً عالياً في السنوات الاولى لنفاذها. وانعكس ذلك على حجم مبادلاتها التجارية بعد اكتمال الجدول الزمني للتطبيق حيث ارتفعت تجارتها البينية من 97 مليون دولار عام 1970 تمثل نسبة 2.1 في المئة من اجمالي تجارتها الخارجية، الى 788 مليون دولار تمثل 3.5 في المئة من اجمالي تجارتها الخارجية عام 1987، الا ان ابطاء وتعثر هذا الالتزام، اثرا سلباً على اداء "السوق" وحجم التجارة البينية للاعضاء في اطارها، لذلك هبط حجم التجارة البينية للدول السبع الاعضاء عام 1993 الى حوالي 43 مليون دولار تمثل حوالي 2.3 في المئة من اجمالي تجارتها الخارجية، وحوالي 3.8 في المئة من اجمالي التجارة العربية البينية.
ولوحظ ان كل محاولات التطبيق لم يكتب لها النجاح، وقد اصطدمت بالتطورات السياسية التي تحكمت بمواقف حكومات معظم الدول العربية.
وبما ان السوق العربية المشتركة في جوهرها هي بمثابة منطقة تجارة حرة، فان مثل هذه المنطقة قائمة فعلاً، ويرى خبراء المال والاقتصاد العرب بأنها ليست بحاجة سوى الى قرارات سياسية لتنفيذ القرارات المتخذة على مستوى الملوك والرؤساء العرب خصوصاً في قمة عمان الاقتصادية عام 1980 لا سيما منها التي تنص على إبعاد العمل الاقتصادي العربي المشترك عن الخلافات السياسية، مع العلم ان انجاز هذا العمل يتطلب مواقف سياسية لدعم مسيرة التنفيذ بدلاً من عرقلتها.
ووصف الخبراء "منطقة التجارة الحرة" بأنها مشروع يمثل في جوهره المرحلة الاولى في بناء اي مشروع شامل للتكامل الاقتصادي، وبهذا فإنه يقدم استجابة صحيحة لمطلب عربي اجماعي بإقامة تكتل اقتصادي عربي، باعتباره هدفاً حيوياً لا يحتمل مزيداً من التأخير، ليس فقط لتحقيق منافع متبادلة ومصالح مشتركة مؤكدة بين الدول والشعوب العربية، بل ايضاً لمواجهة المتغيرات الاقتصادية الدولية والاقليمية المتلاحقة والتعامل مع تطوراتها التي تنعكس بصورة مباشرة وغير مباشرة على العالم العربي.
ومن الطبيعي ان يستمر الصراع الاقتصادي على الشرق الاوسط الجديد خلال عام 1996 وربما امتد الى سنوات مقبلة بانتظار توقيع معاهدات واتفاقات لا تسمح بقيام زعامة اقتصادية في المنطقة، بل تهدف الى تحقيق سلام عادل واقامة تعاون بين شركاء من دون هيمنة طرف على آخر، ولا أولوية فيه لمصلحة احد على حساب آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.