تميز دمشق بين قمتي عمان الاقتصادية ومؤتمر برشلونة. ومع ان اسرائيل تشارك في الاجتماعين، أكدت دمشق نيتها مقاطعة الأولى وحضور الثانية، مستندة الى "الهدف الجوهري" لكل منهما وتأثيره على الموقف التفاوضي السوري خصوصاً ان المفاوضات السورية واللبنانية - الاسرائيلية مجمدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وقالت مصادر سورية ل "الوسط" ان دمشق لم تكتفِ بتوجيه انتقادات قوية الى قمة عمان بل انها أعلنت صراحة رغبتها في عدم الحضور بعدما كانت قاطعت قمة الدار البيضاء في العام الماضي "والاجتماعان متشابهان من حيث الجوهر والهدف، أي تجاوز مراحل التسوية السلمية". وأوضحت ان الموقف السوري الرافض "يستند الى مبادئ عملية السلام الذي دخلت وفقها دمشق الى المفاوضات في العام 1991 وإلى التكتيك التفاوضي السوري في السنوات الأربع الماضية". وتتلخص أسباب ذلك، حسب المصادر، في النقاط الآتية: - اقتناع السوريين بأن اجتماعات كهذه تبحث في "ثمرات السلام قبل قيام شجرة السلام في الواقع"، أي ان الدول العربية تبحث في التعاون الاقتصادي مع الدولة العبرية قبل تحقيق سلام شامل على كل المسارات بما فيها السوري واللبناني، وحتى الفلسطيني الذي يعاني التعثر على رغم الاتفاقات الموقعة الى الآن. وترى دمشق أنها تشجع رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحق رابين على "التمسك بمواقفه الرافضة للانسحاب من الأراضي المحتلة بدلاً من الضغط على اسرائيل لتتجاوب مع متطلبات التسوية العادلة الشاملة، وهي بذلك ترد على الطلب الأميركي أو رؤية بعض الدول العربية القائلة بأن "مزيداً من التطبيع يعطي رابين مزيداً من الثقة لمزيد من التنازلات". - وعليه فإن قناعة دمشق هي ان القمة الاقتصادية تعرض المسارين السوري واللبناني الى "أضرار بالغة". وقال مسؤول سوري ان تعاوناً بين اسرائيل وأي دولة عربية "يضعف الموقف السوري في المفاوضات" لإحلال السلام بين الجانبين، ويعطي الجانب الاسرائيلي أوراقاً تفاوضية "تضعف الموقف السوري". - ان اجتماعات العاصمة الأردنية التي يشارك فيها عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين تبحث في "دمج الدولة العبرية في العالم العربي واقامة الجسور التي تمكنها من التغلغل في الوطن العربي تحت يافطة التعاون من أجل السلام والازدهار، وما على العرب الا تقديم التسهيلات اللازمة والضرورية لإنجاح المخططات الاسرائيلية". - بشكل عملي، فإن الأفكار والمشاريع المطروحة مثل السكك الحديد وأنابيب النفط والغاز والمياه، تعتبر الدولة العبرية مركز استقطاب ومحور "تمر فيه المشاريع العربية - العربية والاقليمية"، كما ان هدف اقامة "مصرف التنمية في الشرق الأوسط" الذي تصر اسرائيل عليه، هدفه توفير الأموال اللازمة لبناء تلك المشاريع والجسور التي تساعد اسرائيل على الوصول الى الوطن العربي. - اعتبار ان اجتماعات كهذه تؤدي الى المساهمة في اقامة "الشرق الأوسط الجديد" الذي تحدث عنه شمعون بيريز، الأمر الذي ترفضه دمشق من منطلق رفض وضع المنطقة "تحت القيادة الاسرائيلية". كان الرئيس حافظ الأسد انتقد بشدة دعوات كهذه لأنها تساهم في تجاوز "الهوية العربية". - تتناقض القمة مع قانون المقاطعة العربية لاسرائيل للعام 1952 الذي يحظر التعامل مع اسرائيل ومع الشركات التي تتعامل معها، وطالما ان القانون لم يلغ في اجتماعات جامعة الدول العربية فإنه لا يزال ساري المفعول. كما أنه يعتبر القمة شكلاً من أشكال المفاوضات المتعددة الأطراف التي تقاطعها دمشق مع بيروت بسبب عدم حصول تقدم في المفاوضات الثنائية. وفي المقابل فإن موافقة سورية على حضور مؤتمر برشلونة نهاية الشهر المقبل الى جانب اسرائيل، تستند الى ان دمشق تنظر اليه نظرة مختلفة، فهي لا ترى أنه يتناقض مع قانون المقاطعة. وأكد مسؤول سوري ل "الوسط" نية بلاده المشاركة في مؤتمر حوض المتوسط "على أعلى المستويات، وقد يكون أرفع من مستوى وزير" وان لجنة رفيعة المستوى من وزارات عدة تشكلت بعد موافقة سورية على الحضور لترتيب الأفكار والبحث في مجالات التعاون. وأوضح ان دمشق "لم تعلن موافقتها الا بعدما حصلت على تأكيدات بأن لا علاقة للمؤتمر بالمفاوضات المتعددة الأطراف وأن يبحث التعاون بين الدول الأوروبية ودول المتوسط بشكل منفصل عن عملية السلام بشكل مباشر". وأضاف ان "البلدان الأوروبية كمنظمة قائمة تطرح رفع مستوى العلاقة مع دول المتوسط واقامة شراكة وصناعات مشتركة وتعاون ثقافي وبيئي مشترك، والظروف الخاصة لكل بلد تحدد حجم الشراكة ونقل التقنية الى الدول العربية، وهذا لا يلزم أي دولة باقامة علاقة معينة مع اسرائيل". وشدد على أن "الجانب الأوروبي في برشلونة هو الأساس وليس اسرائيل كما هو الأمر في قمة عمان". وفي المجال ذاته، قالت مصادر مطلعة ل "الوسط" ان المفاوض السوري يسعى الى استمرار وجود مستوى معين من العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي في ظل عدم توازن الدور الأميركي في مفاوضات السلام "وطالما ان الأوروبيين مستبعدون من المفاوضات السلمية، فلا بد من وجود علاقة اقتصادية وسياسية قوية في المجالات الأخرى".