كشف التلفزيون الالماني عن تقرير سري أعدته مدينة برلين المرشحة لاستضافة الالعاب الاولمبية سنة 2000 عن اعضاء اللجنة الاولمبية الپ94 الذين يقترعون لاختيار المدن التي ستنظم هذه الالعاب، وجاء في التقرير ان سبعة فقط من بين اولئك الاعضاء لا ترقى اليهم الشبهات. واذاعة هذا التقرير قبل اسبوع من انطلاق الالعاب الاولمبية في برشلونة ألقت ظلالاً من الشك على المنظمة الاكثر نفوذاً والاكثر اثارة للجدل في الرياضة العالمية على اساس انها امبراطورية بكل معنى الكلمة فهي تتصرف بمليارات الدولارات وتدفع بالمدن التي يقع الاختيار عليها الى مصاف العواصم العالمية وتخرج بعض الدول من الظل وتفرض سلطتها على ملاعب الكرة الارضية دون منازع او شريك. وهذه المنظمة تتجاذبها مراكز القوى وتشهد صراعات على السلطة كما تشهد مناورات ديبلوماسية خفية وهي تضم 94 عضواً بينهم رؤساء اتحادات دولية، ووزراء سابقون وقواد للجيش وسفراء ودوق عظيم وشيخ وبعض الامراء والاميرات كالامير ألبير من موناكو والاميرة آن ابنة ملكة بريطانيا. من يختار المدن التي تستضيف الدورات الاولمبية؟ هم. من يقرر اعادة بلد الى ساحة الرياضة الدولية او شطب اسمه من اللائحة؟ هم. من يملك قرار الموت والحياة بالنسبة الى النشاطات الرياضية؟ هم ايضاً. ولذلك اطلق عليهم اسم "اسياد الحلقات الخمس". الملف الالماني الذي يضم معلومات تفصيلية عن الاعضاء الپ94 يتوقف مطولاً عند بطاقة الكاتالوني خوان انطونيو سامارانش رئيس اللجنة الاولمبية الدولية منذ سنة 1980. ومما لا شك فيه ان هذا الرجل الذي يبلغ الثانية والسبعين من العمر هو الاكثر نفوذاً في الرياضة العالمية لانه عرف كيف يعيد الى "الحلقات الخمس" بريقها الكوني، فهو يتناول طعام الغداء مع يلتسين وفي اليوم التالي يطير الى الكاب في جنوب افريقيا لمقابلة نلسون مانديلا ثم يطير في اليوم الثالث الى الولاياتالمتحدة لتمنحه احدى الجامعات شهادة الدكتوراه الفخرية… برشلونة هي عرين خوان انطونيو سامارانش والالعاب الاولمبية التي تقام فيها هي بمثابة تتويج لحياته المهنية وقد تكون ايضاً بمثابة تعويذة اخيرة يحاول بواسطتها هذا الرجل القصير المبتسم والمتسلط، وهذا الديبلوماسي النبيه الذي يجر وراءه ماضياً ثقيلاً يصعب الدفاع عنه في اسبانيا 1992، ان يطرد الارواح الشريرة التي تطارده، فسارامانش لم يكن من انصار حركة فرانكو فقط، ولا مجرد مناضل فيها، بل كان من اصحاب الرتب العالية في هذه الحركة، اذ كان مستشاراً للمجلس البلدي المؤيد لفرنكو في برشلونة، ثم مستشارا اقليميا للرياضة في كاتالونيا ثم مديراً عاما للرياضة في اسبانيا، وقد انتخب نائباً عن برشلونة على لوائح حركة فرنكو الرسمية، وظل وفياً للجنرال حتى وفاته… الديبلوماسية والتخطيط البارع الرئيس سامارانش يرتعد حالياً لدى رؤيته صورة تظهره بالزي الرسمي لحركة فرنكو، وهو يريد ان ينسى ولكن كيف يمكنه ان يمحو ذلك الماضي الذي يلقي بثقله عليه؟ نجح سامارانش في نسيان الماضي بانتقاله بكل بساطة من حركة فرنكو الى الحركة الرياضية وقد تدرج في اللجنة الاولمبية من عضو في اواسط الستينات الى نائب للرئيس سنة 1974 الى رئيس سنة 1980. وقد ساعده تعيينه سفيرا لاسبانيا لدى الاتحاد السوفياتي سابقاً سنة 1977 في احتلال هذا المنصب الخطير. وكانت موسكو يومها تستعد لاستضافة الالعاب الاولمبية بعد ثلاث سنوات وكان اللورد الايرلندي كيلانين رئيس اللجنة الاولمبية الدولية آنذاك اعلن عن رغبته في التقاعد. ومن مقر السفارة الاسبانية في موسكو بدأ سامارانش يرسم الخطط لكي يصل الى منصبه الحالي. وكان للمساعي التي بذلها من اجل تخفيف حدة القرار الذي اتخذته مجموعة من الدول الغربية بمقاطعة دورة موسكو الاولمبية بسبب الغزو السوفياتي لافغانستان دور في كسب اصوات ممثلي الكتلة الشرقية في اللجنة الاولمبية واصوات دول العالم الثالث التي تدور في فلكها اي حوالي 20 صوتاً. وفي السادس عشر من يوليو تموز 1980 انتخب الديبلوماسي اللامع خوان انطونيو سامارانش رئيساً للجنة الاولمبية. في عهد سامارانش تحولت اللجنة الاولمبية امبراطورية دشنت مقرها الجديد في لوزان وهو برج من الزجاج والضوء يقع على ضفاف بحيرة ليمان وكلّف ما يقارب 40 مليون فرنك فرنسي. والواقع ان الرئيس الجديد ادرك رغم شرعة الالعاب الاولمبية التي تنص على الهواية ان المال هو عصب هذه الالعاب، وكانت دورة لوس انجليس كما يقول مايكل باين مدير التسويق في اللجنة الاولمبية "منعطفاً في تاريخ الالعاب الاولمبية اذ حققت للمرة الاولى ارباحاً بلغت 225 مليون دولار، ومنذ ذلك الحين اخذنا على عاتقنا مسؤولية تمويل الالعاب" وهكذا بدأت الالعاب الاولمبية تبتعد عن مبادئ البارون بيار دي كوبرتان. يقول احد الاداريين الفرنسيين في اللجنة "ليس المهم ان نعرف كيف تم جمع المال بل المهم ان نعرف كيف يتم انفاقه" ولئن كان معظم هذا المال يرصد للمدن التي تستضيف الدورات الاولمبية وللجان الاولمبية الوطنية، فان مبلغ 80 مليون فرنك يبقى في صناديق اللجنة الاولمبية الدولية كل سنة… وثمة انتقادات قاسية لحياة البذخ التي يعيشها اعضاء اللجنة وعائلاتهم سيارات فخمة توفرها شركة مرسيدس - بطاقات سفر درجة اولى - اقامة في فنادق خمس نجوم - الاسرة الاولمبية حجزت في برشلونة 2300 غرفة. الرشاوى والهدايا الصغيرة ويدافع فرانسوا كارار مدير اللجنة الاولمبية العام واليد اليمنى لسامارانش عن هذا الوضع فيقول: "ان اعضاء اللجنة وزراء سابقون ورجال اعمال اثرياء، لذا يجب ان نتعامل معهم باحترام" ولكن البذخ في الانفاق يؤدي احيانا الى خطوات متعثرة تفقد اللجنة الاولمبية صدقيتها، وقد اضطر روبيرت هيلميك عضو اللجنة الاميركي وصديق سامارانش الى الاستقالة في 18 ايلول سبتمبر الماضي لانه استغل منصبه الاولمبي لمصالح خاصة فقبل مبلغ 37500 دولار من تيد تيرنر صاحب شبكة "سي.أن.أن" لتسهيل فوزه بحقوق بث دورة اتلانتا الاولمبية التي ستقام سنة 1996 ولانه قبض 75 ألف دولار من اتحادي الغولف والبولينغ لتسريع قبولهما الرسمي في الالعاب الاولمبية. والملف الالماني فتح باب النقاش على مصراعيه حول الفساد والرشوة في اللجنة الاولمبية الدولية وجعلنا نتساءل: اين تنتهي الاغراءات وأين يبدأ الفساد في الصراع الدائر بين المدن المرشحة لاستضافة الدورات الاولمبية؟ السؤال شائك ومحرج، ومع ان لجنة ترشيح مدينة برلين بادرت الى الاعتذار عن الملف واستقال نيقولاس فوشس احد المسؤولين، الا ان اللجنة الاولمبية لم تنظر بارتياح الى الملف خاصة ان برلين انفقت حوالي 300 مليون فرنك 30 مليون جنيه استرليني لاطلاق حملة الترشيح وقد قام العام الماضي ايبرهارد ديبفن عمدة برلين بزيارة لوزان لتقديم قطعة من جدار برلين هدية الى الرئيس سامارانش. اما المدن الاخرى المرشحة ومنها مانشستر وميلان وسيدني فقد احاطت تحركاتها بالتكتم لكنها هددت في حال فشلها بافشاء اسرار عن الرشاوى بين اعضاء اللجنة الاولمبية… وعن الرحلات السياحية التي يقومون بها مع زوجاتهم وعن "الهدايا الصغيرة" التي يتلقون، والمقصود بهذه التورية اللطيفة "الساعات والميداليات، واحيانا الجوائز المالية التي تقدمها المدن المرشحة لاعضاء اللجنة الاولمبية الپ94". يقول احد الاعضاء: "خلال اجتماعاتنا الاخيرة، كنت كلّما صعدت الى غرفتي في الفندق، اجد على السرير هدية جديدة" وهذا ما دفع اللجنة الاولمبية الى اصدار توجيهات في الثامن من ايار مايو في اشبيلية تقضي بالحد من النفقات. وعلى سبيل المثال لم يعد في وسع عضو اللجنة ان يبقى اكثر من ثلاثة ايام في المدن المرشحة وليس من حقه ان يصطحب اكثر من شخص واحد. ولم يعد مسموحاً من الآن فصاعداً اقامة حفلات الكوكتيل وحفلات الاستقبال والقيام بنزهات على اليخوت كما انه لم يعد مسموحاً ان يتلقى الشخص هدية تتجاوز قيمتها مئتي دولار. "وباختصار على حد قول احدهم. نعم لساعة سواتش ولا لساعة رولكس" ويشير احد الاداريين وهو يبتسم الى بعض الهدايا في مكتبه "الهدايا لا تقرر اختيار هذه المدينة او تلك، انما الملفات الفضلى هي التي تقرر ذلك". ويؤكد مايكل باين: "ان اختيار اتلانتا لاستضافة الالعاب الاولمبية لم يتم لكونها مقراً لشبكة "سي.أن.أن" وشركة كوكا كولا وهما ترعيان الالعاب الرياضية منذ ستين سنة، بل لما تمثله هذه المدينة: الجنوب، والغاء الرق، خاصة ان اندرو يونغ مساعد مارتن لوثر كينغ دعم ترشيحها فاندفعت الدول الافريقية الى تأييدها وهذا ما حسم الامر لصالحها. ولم يقع الاختيار على برشلونة بدلاً من باريس لان الرئيس سامارانش منها بل لان ملفها افضل، علماً ان اسبانيا لم يسبق لها ان نظمت الالعاب الاولمبية. وقد اردنا ان نقوم ببادرة تجاه الرئيس دون ان يطلب ذلك منا". الاممالمتحدة للرياضة والرئيس سامارانش ديبلوماسي من الطراز الرفيع فهو اعاد جنوب افريقيا الى الاسرة الاولمبية بعدما علقت عضويتها فيها طوال 32 سنة وذلك بعد مفاوضات مضنية مع نلسون مانديلا، وهو اول من جمع كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية حول طاولة المفاوضات جاعلاً من اللجنة الاولمبية "الاممالمتحدة للرياضة". وما نجاحه اخيراً في السماح لرياضيي يوغوسلافيا بالمشاركة بصفة افرادية في دورة برشلونة رغم الحظر الذي فرضته الاممالمتحدة على يوغوسلافيا سوى شهادة لهذا الديبلوماسي الذي لا يستسلم امام المهمات التي تبدو مستحيلة للوهلة الاولى. ولكن هذا الرجل الذي يستقبل في القارات الخمس كما لو كان امبراطوراً، يخشى الا يلقى الاستقبال الذي يليق به في برشلونةمسقط رأسه وذلك بسبب ماضيه وبسبب إرث الجنرال فرنكو الثقيل. الأقوياء في اللجنة الاولمبية الدولية بريمو نيبيولو 68 عاما من مواليد تورينو في ايطاليا. محام قدير ومثير للجدل ورئيس الاتحاد الدولي لالعاب القوى التي تعتبر نقطة الدائرة في الالعاب الاولمبية وهذا ما يمنحه سلطة يحسب لها الف حساب. منذ سنوات دخل في صراع مكشوف وفي مواجهة حادة مع اللجنة الاولمبية الدولية منظماً بطولات عالمية خاصة لالعاب القوى او مشترطاً ان ينال ملايين الدولارات لقاء اعلان التوقيت لنهائيات العاب القوى في دورة سيول بحيث يتوافق مع ساعات البث لشبكات التلفزة الاميركية. في سنة 1987 كان على وشك الاختفاء عن مسرح الرياضة الدولية لان جيوفاني ايفانجيليستي احد ابطال الوثب الطويل نال ميدالية برونزية في بطولة العالم لالعاب القوى التي جرت في روما في ما يعتبر فضيحة يصعب هضمها، فخلال توزيع الجوائز في مسابقة رمي الكرة الحديد فئة النساء استغل الحكام الايطاليون الثلاثة فرصة انشغال الجمهور بالحدث واعتبروا جيوفاني فائزاً بالمرتبة الثالثة بعدما وثب، علماً انه لم يثب ولم يتحرك من موضعه. ولم يكتشف هذا الغش الا بعد اسابيع عدة فأثار فضيحة مدوية وما زاد الطين بلة هو ان بريمو نيبيولو دافع عن الحكام الثلاثة قبل ان يضطر تحت وطأة الضغوط الدولية الى التراجع عن موقفه والاقرار بالفضيحة. وعلى الرغم من ذلك دخل نيبيولو اللجنة الاولمبية ولكن من الباب الضيّق وذلك بعد ان منح خوان انطونيو سامارانش حق ادخال عضوين الى اللجنة الاولمبية الدولية من دون انتخاب. وعلى حد تعبير احد اعضاء اللجنة "الامر ليس ديموقراطياً، ولكن خير لك ان يكون الى جانبك "بهلوان" من هذا العيار، من ان يكون ضدك". * * * ماريو فاسكيز رانا 60 سنة هذا الملياردير المكسيكي ملك البترول وصاحب ما يزيد على 70 جريدة يومية هو احد الرجال الاقوياء في اللجنة الاولمبية الدولية، وكونه صديقاً حميماً لسامارانش انتخب رئيساً للأكنو وهي منظمة تضم 182 لجنة اولمبية وطنية بعدما اخذ على عاتقه نقل عدد كبير من الممثلين الاولمبيين الى ميلان يوم الاقتراع. وبعدما ادى رانا خدمات شتى لسامارانش ولا سيما في مجال التسويق، اراد في المقابل ان يصبح عضوا في اللجنة الاولمبية وقد تم له ذلك بشق النفس اذ درجت العادة على ان يتم انتخاب الاعضاء بالاجماع اما بالنسبة الى ماريو فاسكيز رانا فقد فاز بثلاثة عشر صوتاً مقابل عشرة اصوات وامتناع ستين عضواً عن التصويت. الا ان ارادة الرئيس سامارانش حسمت الامر لصالح صديقه الملياردير. * * * جو هافلانج 76 عاماً انه سيد كرة القدم بلا منازع، فهو رئيس الفيفا وعضو اللجنة الاولمبية الدولية منذ اكثر من ثلاثين سنة. وقد استطاع هذا البرازيلي ان يفوز بأصوات ممثلي العالم الثالث بعدما كسب ثقتهم. وهو حليف قوي لسامارانش الذي اقنع بايحاء منه منظمي كأس العالم الاسبان برفع عدد الفرق المشاركة من 16 الى 24. وكان هذا القرار بمثابة هدية غير متوقعة للفرق الافريقية والآسيوية التي ستدين لسامارانش وهافلانج بالجميل مدى الحياة. وقد رد هافلانج الخدمة لسامارانش عندما دعم سراً ترشيح برشلونة لاستضافة الالعاب الاولمبية 1992. ولأن هافلانج من المقربين الى شركة أديداس - كان الى جانب برنار تابي في كأس العالم في ايطاليا عندما اعلن هذا الاخير شراء اديداس - فقد اخذ على عاتقه ألا تشغل كرة القدم حيزاً كبيراً في الالعاب الاولمبية.. وليس التدبير الذي يقضي بمنع اللاعبين الذين تزيد اعمارهم على 23 عاماً من المشاركة اولمبياً سوى ترجمة لرغبة هافلانج في هذا المجال.