القيادة تعزي رئيس روسيا في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    رئيس الوزراء الإسباني يرحّب بإعلان فرنسا أنها ستعترف بدولة فلسطين    وزير أمريكي: التجارة مع الصين في "وضع جيد"    32 لاعبًا يتأهلون إلى دور ال 16 في بطولة العالم للبلياردو بجدة    جمعية الإعاقة السمعية في منطقة جازان تزور مسنًا تجاوز التسعين من عمره    أكثر من 40 ميدالية في ختام بطولة المملكة البارالمبية لرفع الأثقال للرجال والسيدات    الوفد السعودي الاستثماري يختتم زيارته إلى سوريا    السعودية ترحب بإعلان الرئيس الفرنسي عزم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين الشقيقة    طحين الدم    «بيئة جازان» تنظم ورشة عمل عن طرق الاستفادة من الخدمات الإلكترونية الزراعية    هل مديرك معجزة؟    الأخضر الأولمبي يختتم مشاركته في دورة أوزبكستان الودية بمواجهة اليابان    قطار الرياض ينقل أكثر من 23.6 مليون راكب بالربع الثاني ل 2025    حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنَيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    وفد ثقافي وفني يزور هيئة التراث في جازان لتعزيز التعاون في مجالات الهوية والتراث    القمامة الإعلامية وتسميم وعي الجمهور    «هُما» القصيبي من جديد..    خطبة الجمعة تحذر من إساءة استغلال الذكاء الاصطناعي    القبض على يمني و4 سودانيين في عسير لترويجهم «الإمفيتامين»    الهلال الأحمر يفعل «المسار العاجل» وينقذ حياة مواطن بجدة    وزير الرياضة "الفيصل" : لحظة تاريخية لرياضة المملكة بتخصيص ثلاثة أندية    المملكة تشارك في مؤتمر الأطراف باتفاقية الأراضي الرطبة "رامسار"    أمير جازان من الدائر: البن ثروة وطنية والدعم مستمر    إيزاك يبلغ نيوكاسل برغبته في استكشاف خيارات أخرى    6300 ساعة تختتم أعمال الموهوبين في أبحاث الأولويات الوطنية بجامعة الإمام عبد الرحمن    هيئة الأدب تستعد لإطلاق النسخة الرابعة من معرض المدينة المنورة للكتاب2025    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي وزيري الخارجية والداخلية الأفغانيين في كابل    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل تنفيذ الدورة العلمية الصيفية الثالثة    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب لتقليل الألم    رسميًا.. فيرمينو ينضم إلى السد القطري    تحطم طائرة الركاب الروسية المفقودة    القادسية يختتم المرحلة الأولى من معسكره التحضيري في هولندا استعدادًا لموسم 2025/2026    الإحصاء: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 6.0% في مايو 2025م    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    منظمة الصحة العالمية تنفي انتهاك السيادة الأمريكية    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    الوفد السعودي بدأ زيارته لدمشق.. اتفاقيات اقتصادية لدعم التنمية في سوريا    توجه رئاسي لحصر القوة بيد الدولة.. غضب على «حزب الله» في الداخل اللبناني    تعاون سعودي – سريلانكي في مجالات الإعلام    الشهري ينال الماجستير بامتياز    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    بالتنسيق مع 5 وزارات تمهيداً لوضع الإجراءات.. "البلديات" تشترط عدم كشف مساكن العمالة للجيران    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    أكدت تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.. "الموارد البشرية": تطوير برنامج الرعاية الاجتماعية المنزلية    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    "الداخلية" تعلن فتح تحقيق في انتهاكات السويداء.. لا إعدامات جماعية في سوريا    موجز    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    دوران يسجل في فوز فنربخشة برباعية على الاتحاد وديًا    «سلمان للإغاثة» يوزّع (840) حقيبة إيوائية في منطقتين بإقليم جامو وكشمير في باكستان    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    «سوار الأمان».. حلول ذكية في المسجد الحرام    "الشعفي" يُرزق بمولودته الأولى "سما"    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناقدان وروائيان يناقشون مشكلة تأصيل القصة في الواقع المحلي . القصة السعودية بدأت من "خواطر من أجنحة "
نشر في الحياة يوم 04 - 05 - 1992

ناقدان وروائيان تحدثوا ل "الوسط" عن واقع القصة في المملكة العربية السعودية ومدى استجابتها لتطور المجتمع وتقدم الاشكال الفنية.
وفي المواجهة التالية بين النقد والابداع تتكشف ايجابيات ومشكلات في القصة السعودية التي تكاد تغيب عن ساحة مبدعيها التي بدأت في عشرينات هذا القرن.
حين اصدر عبدالله الجفري عام 1962 مجموعته القصصية الاولى "حياة جائعة" اعتبرت البداية الحقيقية للقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، وسبقت "حياة جائعة" تجارب عدة في القصة منذ النصف الثاني من العشرينات حين اصدر محمد حسن عواد كتابه "خواطر مجنحة" عام 1926، ونشر عبدالوهاب آشي في العام نفسه محاولة قصصية بأسلوب المقامات اتبع فيها خطى المويلحي في "حديث عيسى بن هشام"، ووصفت محاولة محمد حسن عواد بأنها مقالات قصصية وليست قصصاً فيما وصفت محاولة آشي بالمحاكاة.
وفي العام 1930 كتب عبدالقدوس الانصاري "التوأمان" وهي قصة طويلة وصفها شاكر النابلسي في كتابه "قراءة في تضاريس القصة السعودية" بالسذاجة. وتعاقبت المحاولات فكتب احمد السباعي عن مشاهداته في القاهرة، وكتب محمد حسن كتبي "عقل عصفور"، ونشر حمزة شحاتة في العام 1936 "الخنفشيعات" ثم "حمار حمزة شحاتة" لتبدأ المرحلة الثانية من تطور القصة السعودية بحسب تصنيف كتاب النابلسي المشار اليه والتي كان روادها حمزة شحاتة ومحمد سعيد العامودي ومحمد امين يحيى واحمد رضا حوحو ومحمد عالم الافغاني، ثم المرحلة الثالثة بدءاً من عام 1960 ورموزها، الى جانب الجفري، ابراهيم الناصر وسليمان سندي وأنور الجبرتي وعبدالله السالمي وسباعي عثمان ومحمد علوان وآخرون.
مراحل التمهيد والتأسيس تلك افادت من التراث العربي كما في محاولة آشي التي تبع فيها اسلوب المويلحي، او من تراث القصة في مصر كما في "حمار حمزة شحاتة" الذي حاكى حمار توفيق الحكيم، ورسائل السباعي التي جاءت على غرار رسائل الطهطاوي من باريس، ليحدث بعدها تحول مهم على يدي عبدالعزيز مشري الذي يعد رائداً للقصة الواقعية في السعودية بعد ان تجاوز نزعات التجريد والشكلانية في مجموعته الاولى "موت على الماء" ليطل علينا بعد ذلك ب "الوسمية" 1985 و "اسفار السروى" 1986 و "بوح السنابل" 1978 و "الزهور تبحث عن آنية" 1987 و "الغيوم ومنابت الشجر" 1989. وتلاه عدد من الادباء الشبان منهم عبده خال وعبدالله باخشوين يؤصلون الآن لقصة جديدة وفق رؤى مغايرة شكلاً ومضموناً.
النقاد يتهمون
الآن تتهم القصة السعودية بأنها لم تواكب التغيرات التي شهدها المجتمع السعودي وخصوصاً منذ الطفرة البترولية في اعقاب حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 واستمدت طرائق تحديثها من مدارس غربية.
وهنا مواجهة بين ناقدين وكاتبي قصة ساهموا في اثراء الواقع الأدبي في السعودية، على منصة النقد شاكر النابلسي وسعيد السريحي، وفي الجانب الآخر عبدالله الجفري وعبدالعزيز مشري.
يتهم شاكر النابلسي كتّاب القصة السعوديين بأنهم تنصلوا من واقعهم ويفند اسباب اتهامه:
في العام 1975 شهد المجتمع العربي في السعودية تحولاً كبيراً يعود الى عدة امور، منها:
- الطفرة المالية التي حصلت في تلك الفترة نتيجة زيادة اسعار البترول.
- تدفق العمالة بمختلف مستوياتها من كل الجهات ما أدى الى عملية اتصال اجتماعي وثقافي بين الوافدين والمقيمين.
- تغير مظاهر المجتمع بحيث اصبحت استهلاكية بحتة، تستهلك ولا تنتج... ولا تبدع ايضاً.
- تنامي الطبقة الوسطى الاجتماعي والثقافي وتعزز الدور الذي تلعبه في المجتمع نتيجة اتساع قاعدة الوظائف والتعليم.
هذه الصورة الجديدة هل انعكست في القصة السعودية باعتبار ان الادب سواء كان شعراً او قصة او رواية شاهد على عصره؟
هذا لم يحدث. فالقصة اكتفت وفي تجارب محدودة بوصف ما حدث لكنها لم تقدم نتائج كما لم تقدم شواهد، بعكس مصر مثلاً التي يمكن ان تقرأ تاريخها من خلال ما كتبه نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف ادريس وغيرهم.
لا اتكلم عن واحد او اثنين انما عن تيار، وبدلاً من التنقيب في الواقع بدأوا في استيراد مشاكل وقضايا من الخارج، وهذا سببه ان الرؤية الفنية والادبية كانت مفتقدة او ضيقة، وكنا نقرأ عن اشياء ساذجة بمعالجات اكثر سذاجة فكأنك تشاهد مسلسلاً تلفزيونياً عادياً. حتى عبدالعزيز المشري يقف دائماً عند حدود التوصيف ولا يقدم شهادته على العصر.
وليس لهم حجة في انهم لم يجدوا تراثاً من القصة يستندون اليه، فالتراث ليس اقليمياً بطبيعته، اعني ان تراث الادب العربي كله تحت ايديهم، وبالتالي امكانية الاستفادة من الجاحظ ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف ادريس ليست بعيدة المنال.
وما يثار عن اتساع دائرة "التابو" عند كتّاب القصة السعوديين وتأثيرها على انتاجها فهو غير صحيح، لأن المبدع يتستر والناقد يكشف. فوظيفة المبدع ان يؤصل من خلال ادوات خاصة به مثل الخيال والاسطورة والرمز لكن النقد يفكك الرمز والاسطورة ويفنّد الخيال. المبدع في امكانه ان يعمل في جو الحرية وفي الانغلاق اما الناقد فلا يمكنه ان يعمل الا في جو الحرية. ولذا ليس عجيباً ان تجد ادباً عظيماً في اميركا اللاتينية ولدى اكثر الشعوب الافريقية تخلفاً. لأن للنقد شروطه الموضوعية اما الابداع فشرطه ذاتي في الدرجة الاولى.
سعيد السريحي ناقد وشاعر ايضاً، ولذا التزمت اجاباته الى حد بعيد جانب المبدعين، يقول:
لا يُطلب من فن ما ان يكون انعكاساً لأوضاع معينة، فيتقدم اذا ما تقدم المجتمع اقتصادياً ويتخلف اذا تخلف المجتمع وانتشر الجهل بين الناس. ان للفن استقلاليته التي تنبع من استقلالية الفنان نفسه، ولذلك اؤثر ان انظر الى فن القصة عندنا من خلال بنيته وما طرأ عليها من تطور داخلي حاول من خلاله كتّابها ان يرسوا لأنفسهم تقاليد وان يكتشفوا جماليات العمل الذي ينضهون به.
واذا كانت القصة القصيرة عندنا بدأت استنساخاً للمنجز الاوروبي ومنبتة عن جذور فن السرد في التراث العربي، فان جهد الكاتبين بعد ذلك اتجه نحو اكتشاف هوية خاصة لهذا الفن. ومن هنا يكون بإمكاننا التمييز بين اتجاهات عدة في كتابة القصة القصيرة السعودية لعل من اهمها:
اولاً، تحول القصة القصيرة الى عمل لغوي بحت يفتقر الى البناء السردي، حتى اصبح يشبه الخاطرة تتجلى فيها قدرة اللغة على الاستعارة وتفجير التراكيب، ويمكننا ان نلمح لذلك مثالاً في تجربة عبدالعزيز مشري الاولى "موت على الماء".
ثانياً، نشأ عن الاتجاه السابق ردة فعل عنيفة افرزت القصة القصيرة التي تحاول جاهدة رصد انعكاسات الواقع على نحو حرفي في محاولة لاكسابها هوية تنبع من الموضوع الذي تتناوله وانتماء من خلال الانتماء لمشاكل البيئة التي تنتج فيها، وهذا ما يمكن ان نجده في قصص المشري الاخيرة مثل "الزهور تبحث عن آنية".
ثالثاً، محاولات استلهام تقنية السرد العربي والاستفادة من منجزاته في خلق عالم متجاوز ومواز للعالم الواقعي يتسم بأدبيات الخطاب الشفوي وما يمكن ان يتمظهر فيه من دهشة وغرائبية وحرية انتقال في الزمان والمكان. ونذكر في هذا الباب القاص عبده خال والقاصة رجاء علي.
اضافة الى هذه الاتجاهات الثلاثة نعثر ايضاً على القصة النفسية التي تحاول ان تنغرس في اعماق النفس البشرية لاستحضار انكساراتها، وهمومها كما نجد عند عبدالله باخشوين.
وفي ما يتعلق بعدم وجود تراث للقصة في السعودية، فإنه اذا كان ثمة تمايز بين الشعر والقصة فان اهم تمايز بينهما هو ان الشعر جاء منطلقاً او ثائراً على ارث عريق يستفيد منه بقدر ما يعترض عليه. اما القصة فقد جاءت منبتة عن تراثها ولذلك حاولت جهدها ان تخلق لنفسها ادبيات من حيث تقنية الفن القصصي باستخدام التداعي والمونولوج والاسترجاع وتوالي اللقطات او من خلال الموضوع الذي تبحثه: النفس البشرية او المجتمع.
ولكنها في كلا الامرين ظلت منبتة عن ارث السرد العربي حتى ظهر القصاصون الجدد فاستلهموا بنية السرد كما تتجلى في "الف ليلة وليلة" او السير الشعبية او حتى كتب التاريخ والتراجم، فعادت القصة للانتساب الى ارثها بما يتميز به من روح تتجاوز تقنيات السرد لتصبح رؤية عامة للعالم والانسان.
نتفق على صحة الاتهام
واجهنا عبدالله الجفري وعبدالعزيز المشري بالاتهام الموجه الى كتاب القصة السعوديين بأنهم لم يواكبوا في كتاباتهم التغيرات التي حدثت في بلادهم خصوصاً منذ اواسط السبعينات فاتفقا على صحته واختلفا حول اسبابه.
يقول الجفري:
نعم... الاتهام صحيح، ولكنه ليس ذنب القصة وان كان كتّابها يتحملون هذه المسؤولية على رغم التسبيب!
القصة ليست عملاً اعلامياً، وان كانت في جوانب من مهمتها: التسجيل للمرحلة، او للمتغيرات، او لملامح الجيل.
ومواكبة المتغيرات... تتطلب - في رأيي - عملاً روائياً ابداعياً... لأن القصة القصيرة في هذا المجال تُصور شريحة فقط، او تحدد "بالزوم" على ملامح انسانية نبتت مع المتغيرات.
اما الرواية... فهي التي تواكب وتسجل، وتصور وتضيء الابعاد.
والمملكة تفتقر الى كتّاب رواية... فاذا اردت ان اثبت هذا الافتقار اشرت الى عدد الروايات التي صدرت في المملكة في السنوات العشر الاخيرة وتلفّتُ بحثاً عن اسماء تبدع في كتابة الرواية وتجيد كتابتها:
لدينا "عبدالرحمن منيف"... وهو يعيش خارج وطنه الاصلي، ويصور في رواياته ما حفر في ذاكرته، وتسامع عنه، ووصف له، واضافاته التوعوية والثقافية.
اما اسبابها... فترجع الى: غياب القنوات التي تفتح مجالات التشجيع والتحريض لكتابة الرواية... لأن المواهب متوفرة في رحم هذا الوطن لكنها مواهب تحتاج الى فتح مجالات، وقنوات... مثل الجوائز، والمسابقات، والتركيز في فعاليات المهرجانات على التنقيب عن مبدعين واقعيين لا يكتبون التهويم ولا يستغرقون في الرمز، ولا يقلدون مدارس ابداعية غريبة عن مجتمعاتهم... لأن مواكبة التغيرات تتطلب وجود الكاتب الذي يستمد صوره، وافكاره، وشرائح قصصه من واقعية الحياة من حوله.
وسألنا عبدالله الجفري عن مدى التقدم الذي حققته القصة السعودية، وفي اي اتجاه، فأجاب:
اذا قارنا مستوى القصة السعودية اليوم بما كانت عليه قبل اكثر من عشر سنوات... فاننا نستطيع القول: انها انطلقت الى مسافات اطول!
واذا كانت هنالك محاولات "للتغريب" بالقصة، ومحاكاة وتقليد الآداب الاجنبية، والقصة الحديثة في الغرب، والمترجمات... فاننا لم ننجح حتى الآن في هذا التقليد، ولا ادري هل اردف هذه العبارة: لم ننجح في هذا التقليد بكلمة: للأسف، ام بكلمة:الحمد لله؟
لدينا كتاب قصة ما زالوا يوظفون الرمز في ابداعهم القصصي.. فلا يتقنون الطرح.
ولدينا - ايضاً - من يستخدم التهويم: لغة، واسلوباً في القصة... فيستغرق في التيه!
وان اردت الجانب النقدي... فلا بد ان ينصب على مناخ القصة، ومعالجاتها.
وهذا الجانب قد اثر على القصة العربية عموماً... فهناك تأثر واضح بمدارس القصة الجديدة في الغرب، ومحاكاتها.. وذلك ما بعد الخمسينات بقليل.
اما الشرائح الجديدة من القصة المعاصرة، وبالذات ما يكتبه الادباء الشبان، فأحسب انها تراوح ما بين التقليد، والتأثر بالمترجمات، والاندهاش بملامح القصة في الغرب... بينما نحن نفتش عن الملامح العربية اللصيقة بمجتمعنا العربي، وهمومه، ومتغيراته فلا نجدها الا في امثلة محدودة!
لكن هذا لا يعني افتقار المملكة لكتاب القصة القصيرة... بل ان القصة - كفن متميز - تكاد تكون في العالم العربي اليوم هي: الفن المتطور، في حين تقلص مستوى الشعر، اذا ما قورن بالفترة الذهبية والمتقدمة مع ظهور: نازك، والسياب، وعبدالصبور، وحجازي.
بدأت محاولات القصة في المملكة مع ظهور من نسميهم الرعيل الاول، من خلال ما كتبه الاديب الراحل عبدالقدوس الانصاري في قصته "التوأمان"، وما كتبه محمد علي مغربي في قصته الطويلة "البعث"، وما كتبه الراحل احمد السباعي في نتاجه الذي غلب عليه البناء القصصي.
ثم تبع ذلك الجيل شبان حاولا التطوير، وعلى رأسهم: ابراهيم الناصر، وحامد دمنهوري، وعصام خوقير، وحمزة بوقري، ومحمد علوان، ولطيفة السالم، ورقية الشبيب، وعمر طاهر زيلع، وعلي حسون، ومحمد صادق دياب ومحمد عبدالله مليباري وسباعي عثمان.
وكانت لي معهم محاولات عبر مجموعات قصصية اصدرتها، هي على التوالي: "حياة جائعة"، "الجدار الآخر"، "الظمأ"، وقصتان طويلتان هما: "جزء من حلم" و "زمن يليق بنا".
وظهر جيل ثالث.. هو الذي يحاول اليوم محاكاة التحديث، وتقليد الغرب!
مشكلة البداية
سألنا الجفري عن معاناته كأحد رواد القصة السعودية، من عدم وجود تراث للقصة في المملكة، يمكن الارتكان اليه، فأجاب:
جيلي كله كان يعاني من ذلك الغياب... لكننا اذا اتفقنا - في البدء - على ان حركة الادب، والشعر على وجه الخصوص، انطلقت من الجزيرة العربية، وعمّرت عقل الانسان العربي، وشذبت وجدانه... فانه ذلك "البدء" الذي زها به العصر الجاهلي قبل الاسلام، ثم العصور الاسلامية المتلاحقة، حقباً، ودولاً، ودويلات ايضاً!
فالجزيرة العربية كانت هي الام لكل منطلقات عقل الانسان العربي وروحه، وليس ادل على ذلك من هذا التراث العظيم من منطلق القرآن الكريم، وفيه تراث للقصة العربية عموماً، بلسان عربي مبين.
ولعل التفاتتي هذه تتبلور كشاهد تاريخي راسخ... حتى اذا دخلنا عصراً آخر، وهو ما تعارفنا ان نطلق عليه مسمى العصر الحديث، وهو المسمى المرتبط - بكل اسف - باقتحام الاستعمار المتعدد لأرضنا العربية، وما حدث من تمزق لوحدة الارض، ومعاناة وكفاح... فقد شملنا التأخر قاطبة في العالم العربي... وحدثت محاولات نسف التراث، في زوابع الانحطاط الفكري!
ونتيجة لذلك... تعددت مراحل الادب، ومدارسه، وتأثره بالاستعمار والترجمة.
لكن... بقي وجه مضيء للأدب في جوانب قليلة من الوطن العربي.
وعن اهم مشكلات كاتب القصة في السعودية قال الجفري: هي المشكلات نفسها التي يشكو منها كاتب القصة في اي قطر عربي، فلا بد من جرعة الرؤية للكاتب لأنها الضمان الذي ينهل من معاناة جيله ومن هموم مجتمعه، فالرؤية تتموه في ضباب يغرّبها.
وقال الجفري رأياً جريئاً في الجهود النقدية المتابعة للمنجز الابداعي في السعودية.
نحن نعتز الآن بوجود نقاد متخصصين ودارسين لمدارس النقد في العالم: القديم مها والحدث، لكنهم انشغلوا باستعراض عضلات ثقافتهم، او دلق اوعيتهم الفكرية مما حفظوه، واقتبسوه، ونقلوه من مدارس الغرب!!
وبكل أسف جعلوا هذه قضيتهم: ان يسرقوا اهتمام القارئ الى هذه الاجواء والمدارس النقدية - دون استيعاب من القارئ - لأن ما قدم اليهم جاء في قوالب من النظريات النقدية الجامدة كأنها الطلاسم.
بينما تصدر المطابع عشرات من الابداعات الجديدة في السعودية، من قصة، وشعر، ورواية، وابداع... لم نجد واحداً من هؤلاء النقاد، اهتم باصدار واحد وكتب دراسة نقدية عنه... كأن الناقد يترفع، ويستعلي على هذه الاصدارات... لأنها - كما قال احدهم "ليست في مستوى ثقافتي النقدية"!!
وهكذا صار "المبدع" في غربة... يفتش عن ناقد واع ومحايد، و... متواضع، يؤمن ان مهمته بالنقد تتركز على تقديم ابداعات جديدة، وصقل مواهب تعلن اعمالها عنها!!
الوصف كسمة للقصة
ويقول عبدالعزيز مشري:
في الاتهام جانب كبير من الصحة، ذلك ان ولادة القصة الحديثة المحلية كانت ولا تزال في مهدها اوائل السبعينات مشحونة بالصراخ والتمرد على التقليد، وفي الوقت ذاته: محاولة ارساء لغة مغايرة بديلة وجديدة. وهذه الولادات الجديدة كانت تعد على اصابع اليد الواحدة، ومن المسلم به في نظري ان يكون لهذا الامر مبرره في ذلك الوقت، لقد كانت جبهات الصراع متعددة، فهناك مواجهة التقليد الذي يعتمد اللغة المتوارثة المألوفة - على صعيد الشكل - ويعتمد "المثل" الانموذج المستقى من مخزون السلوكيات السابقة التي لم تعد تتلاءم مع ما فرضه ايقاع العصر - على صعيد المعالجة والمضمون - وجبهة تأسيس البديل الذي لم يكن ليلقى تقبلاً لدى المتلقي، ثم جبهة الصراع مع الذات المثقفة في نمنمات تكوينها الابداعي وتغربها ثقافياً واجتماعياً.
في تلك المرحلة كنت واحداً من الجنود الذين حاربوا في هذه الجبهات، ولم يكن الامر مختلفاً بالنسبة لي، حيث لم ابدأ في ترسيخ سحنتي القصصية الخاصة الا بعد سنوات سبع من اصدار المجموعة الاولى "موت على الماء".
واما اتهامي بأني وقفت فقط عند حدود التوصيف، فإن كان معنياً به الوصف الهندسي للاشياء، وهذا ما اظنه، فأنا لم التفت الى هذا الشأن، والعمل قبل كتابته يبدأ بنواة وينبني عليها - اعني الفكرة - ثم يتكون النسيج وتتقاطب خيوطه. والوصف هو احد المقومات التي تشكل العمل، وربما كان ذلك وارداً في كتاباتي، ذلك ان طبيعة مكان المادة الكتابية - القروية - التي اعتمدها مسكونة في حواسي كإبن بيئة وكملتقط وراصد.
ولم تكن مواكبة التغيرات او التحولات الاجتماعية واضحة في كتاباتي الا بعد صدور المجموعة القصصية الثانية: "اسفار السروى"، والرواية الاولى "الوسمية" اي بعد الخروج من مرحلة التأسيس التي مثلتها المجموعة الاولى 1974 - 1976.
العودة الى عالم القرية
ويضيف عبدالعزيز مشري الذي اختار ان يكتب عن الواقع:
الجيل الذي سبقنا لم يعتن بالواقع الشعبي وموروثه، فقد كان لكل وجهته ومسلكه، وعندما شغلتني مسألة الواقع الشعبي - بعد انقطاعة تأملية طويلة - وكانت تتوهج في داخلي بحنين شديد نحو عالمي - عالم القرية - الذي انبنيت من كل فتافيته وقيمه ونزاهة انسانه، وتعمرت بنطية انتاجه، لم اكن اعتمد على اعمال محلية سابقة في هذا الشأن، ليس لأنه لم يسبقني احد بل لأن عالمي الكتابي كان موجوداً وحياً في داخلي وفي الواقع، والحميمية في الكتابة عنه كانت تحميني حتى منابت شعري.
عانيت من بعض الاقلام الثقافية الابداعية عدم تقبلها لهذا المنحى الابداعي الواقعي، واعتبارها الكتابة عن الموروث الشعبي نوعاً من الرجوع الى الخلف، وانها لازمة اقليمية واشياء من هذا القبيل، من دون اظهار تبريرات لهذه الاتهامات... ما شغلني طويلاً ولا يزال بينما كانت الاعمال تلقى لدى القارئ ترحيباً عارماً وتقبلاً، جعلني أحس بالمسؤولية وبالتقصير احياناً.
وعن مدى مواكبة النقد للقصة السعودية قال المشري:
الازمة النقدية تكاد تكون عربية شاملة، الا انها نسبياً تناولت اعمالي تناولاً مدركاً ومفيداً لي وللقارئ، واقول نسبياً قياساً بما تقع عليه الايدي حسب المصادفات، فنتاجنا المطبوع محلياً لا يصل خارج الحدود الا في مناسبات محدودة جداً، ونادرة كالمعارض الجماعية.
انني اعاني بشدة من هذا الشأن، فالناقد المحلي يهمه ان يكتب ليثبت شخصه الاكاديمي وليس للقراء او للمبدع، ولن اكون اميناً اذا عمّمت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.