العمل الذي هز اخيراً هوليوود هو فيلم "الغريزة البدائية" من اخراج بول فرهوفن، الالماني الاصل الذي انفق سنوات في عاصمة السينما، وهو يحقق افلام العنف والخيال العلمي مثل "روبوكوب" و "توتال ريكال"، قبل ان ينتقل في فيلمه الاخير الى سينما الجريمة والدرامة النفسية. هذا الفيلم اقام الدنيا ولم يقعدها بسبب موضوعه، لكنه من ناحية اخرى، وفر لممثلته شارون ستون فرصة القيام بدور صعب وملفت بعد سنوات لعبت خلالها ادواراً تافهة، واكتفت السينما خلالها بإبراز جمالها الساحر واناقتها معتبرة اياها مجرد دمية من الدمى. فيلم "الغريزة البدائية" افتتحت به مسابقة مهرجان "كان" الحالي ومن المتوقع ان تزداد الحملة ضده، لكن بطلته ستنطلق منه لولوج عالم السينما من باب افضل من دون ان تشعر بالكثير من المرارة. لأشهر قليلة فقط، كان من المستحيل لأي شخص ان يتوقع لتلك الشقراء الحسناء ذات السحنة الالمانية ان تصبح، بصورة ما، نجمة هوليوود الاكثر شهرة للعام 1992، بل انها هي نفسها لم تكن لتجرؤ على ان تحلم بهذا، اذ بعد عشر سنين من العمل السينمائي، وبعد محاولات عديدة قامت بها لتفرض نفسها كممثلة جيدة وليس فقط كامرأة حسناء، كانت شارون ستون وصلت الى ما يشبه القناعة بأن حصتها من السينما سوف لن تكون كبيرة بأي حال من الاحوال، وبأن الدور الكبير والخطير المنتظر لن يأتي ابداً. قبل ذلك، كانت شارون حصلت على دور لا بأس به، حين لعبت في فيلم "توتال ريكال" التذكر الشامل دور زوجة ارنولد شوارتغزينيغر، الذي ينتهي به الامر الى اطلاق رصاصة الرحمة على جبينها. ولكن حتى في ذلك الفيلم مرت مرور الكرام في ظل طغيان شخصية النجم ذي العضلات على الاحداث. صحيح ان جمالها الصاخب قد حرك المشاعر، وموتها العنيف قد ترك حسرة في القلوب، عند المشهد الاخير من الفيلم، لكن ستون ظلت عاجزة عن ان تفرض لنفسها حضوراً في الصف الاول، الى جانب جوليا روبرتس وميشال بفيفر، وجينا دايفز وجيسيكا لانغ وسواهن. جربت أفلام العنف فعجزت، اجرت المقابلات الصحافية فلم تنجحها كثيراً، الى ان جاءتها اخيراً ضربة حظ مفاجئة حملها اليها "الغريزة البدائية" حيث رفعها الى القمة الهوليوودية خلال اشهر قليلة وجعلها حديث الناس. طريق الاشواك اليوم تبدي شارون ستون شيئاً من الامتعاض وتقول: "كنت اود ان اصل الى القمة عن غير طريق هذا الفيلم. ولكن ماذا بإمكاني ان افعل وحظي قليل؟". هل صحيح انها قليلة الحظ، تلك التي كانت من ابطأ حسناوات هوليوود في تسلق سلم الشهرة؟ الى حد ما... نعم. وبخاصة عندما تأتي الشهرة للنجمة الهوليوودية بعد الثلاثين من عمرها، تكون ظالمة بعض الشيء، وشارون هي اليوم في الثالثة والثلاثين. ومع هذا كانت لا تزال في شرخ صباها في الحادية والعشرين من عمرها حين اكتشفها وودي آلن، واعطاها دوراً صغيراً في فيلمه - الذاتي جداً - "ستاردست ميموري" ذكريات غبار النجوم واستطاعت لفت الانظار اليها خاصة وانها هي نفسها احست ان تلك هي فرصتها الكبرى للانتقال من عالم "الموديل" عارضة الازياء الى عالم الفن الدرامي، هي التي كانت في الاساس تخلت عن دراسة الحقوق لتدرس فن التمثيل، قبل ان يتنبه احدهم الى ان مزاياها الجمالية، اهم من مزاياها التعبيرية فاقترح عليها ان تشتغل عارضة فقبلت. الحال ان الدور الصغير الذي لعبته في فيلم وودي آلن فتح لها ابواب الفن السابع ولكن من باب ضيق حيث اسندت لها ادوار رئيسية في افلام عديدة، لكن ذلك النوع من الافلام لم يكن ليعطي الحضور الانثوي فيه سوى بعد تزييني. وهكذا اذا كان لأحد ان يتذكر حضور شارون ستون في افلام مثل "اكشن جاك" او "اكاديمية الشرطة" او "كنوز الملك سليمان" او "آلن كاترمان ومدينة الذهب"، انما يتذكرها كدمية، لا كممثلة. اليوم حين تتذكر هي هذا كله تبتسم بحسرة وتقول: "لقد كان مظهراً لا بد منه... ولكن ما يؤسفني حقاً هو ان فترة المظهر قد طالت اكثر مما ينبغي!". تشعر شارون، في هذه الايام، بدين كبير ازاء المخرج بول فرهوفن، الذي كان اعطاها دوراً جيداً في "توتال ريكال" قبل ان يسند اليها الدور الرئيسي في فيلمه الجديد "الغريزة البدائية"، ومن المعروف ان فرهوفن، رغم اعجابه الشديد بالجانب الانثوي في شخصية الممثلة الشابة، كان يود لو تقوم بالدور كاتلين تورنر او جينا دايفز، وهو ما كان يتمناه مايكل دوغلاس بطل الفيلم بدوره ولكن يبدو ان اياً من هاتين النجمتين لم تقبل بأن تغامر بسمعتها للقيام بدور كاتبة مجرمة، يقع التحري مايكل دوغلاس في هواها وهو الدورالذي لعبته شارون ستون. فالحال ان كل الذين قرأوا السيناريو الذي كتبه "اشترهاز" قالوا ان مثل هذا الفيلم من شأنه ان يجر الكثير من المشاكل على صانعيه... بل ومن المعروف ان منتج الفيلم الاساسي "أرفن ونكلر" تخلى عنه والتصوير لا يزال جارياً بعد ان رفض فرهوفن التخفيف من حدة المشاهد فيه، قائلاً: "ان السينما الاميركية لم يسبق لها ابداً ان انتجت فيلماً بمثل هذه النوعية". لكن فرهوفن اصر على ان ينفذ الفيلم كما يشاء مذعناً فقط بالنسبة الى لقطة من 47 ثانية قصها وهو آسف! ونذكر هنا ان الفيلم تعرض، منذ نزوله الى الاسواق خلال شهر آذار مارس المنصرم، الى حملة من الاحتجاجات جاءت من كافة الاطراف: من المنتجين، ومن الرقابة، ومن الجمعيات الدينية وجمعيات حماية الاخلاق. لكن هذا كله لم يثبط من عزيمة المخرج، بخاصة ان الفيلم سجل ارباحاً هائلة منذ اسبوع عرضه الاول جعلته في المركز الثاني بين كافة الافلام المعروضة. شارون ستون ظلت وسط هذه الحملة كلها، هادئة مبتسمة وكأن الامر لا يعنيها، وحول هذا تقول اليوم: "لماذا كنتم تريدون مني ان اتخذ موقفاً؟ لقد كان هذا الفيلم فرصتي الاولى، وربما الاخيرة، لكي اثبت انني فنانة، ولست مجرد انثى - دمية. صحيح ان الثمن باهظ، لكن النتيجة ستكون في صالحي في نهاية الامر". تفكير عميق على اي حال، تصف شارون ستون فيلم "الغريزة البدائية" بأنه مجرد "قصة حب اسود مهزوز ومريض... اجل، لكنها قصة حب في نهاية الامر"، فكيف وصلت الهوليوودية الفاتنة الى هذا الاستنتاج؟ عبر سؤال القته على عدد من المحللين النفسيين الذين قالوا لها ان شخصين يقتلان بعضهما البعض، انما يتقاسمان اعمق آيات الحب تجاه بعضهما". وكاترين تراميل اسم شارون ستون في الفيلم، امرأة تقتل من اجل الحب، امرأة ظمآنة للعظمة تستخدم كل الاسلحة التي لديها للوصول الى غاياتها. والحقيقة، تقول شارون، "احسست بالفعل بكل هذا خلال التصوير، احسست كم انني كنت اقوى من مايكل دوغلاس في الفيلم"!! يؤيد مايكل دوغلاس هذا القول ويضيف: "في الاصل لم يكن الدور لشارون ستون، لكنها حين لعبته، بدت فنانة اصيلة محترفة، ذات حس ملفت. لقد نجحت فيه نجاحاً كبيراً في رأيي". وهو رأي يشاطره فيه المخرج بول فرهوفن الذي يقول ان هذا الفيلم كشف عن ان شارون ستون ممثلة جيدة، مطواعة ومرنة وتفكر بدورها تفكيراً عميقاً. على اي حال، رغم كل العواصف والاهواء، ورغم حملات العداء التي تطالعها حيثما حلت وارتحلت، وربما ستطالعها قريباً في "كان" حين تتوجه لحضور عرض هذا الفيلم ضمن المسابقة الرسمية، تقول شارون ستون ان ما تأمل فيه الآن هو ان ينسى الجانب السيء من هذا الفيلم، ويظل في البال جانبه الفني. لماذا؟ لأنها تريد ان تنطلق منه لتواصل مسيرتها، بعدما حقق لها هذا الفيلم قفزة كبيرة. قفزة لم تحققها لها في الماضي نظرة الناس اليها بوصفها الاكثر اناقة بين فاتنات الجيل الهوليوودي الجديد كل الملابس التي ترتديها هي من تصميم الايطالي الشهير فرساتشي ولا شكلها الذي يعطي انطباعاً سريعاً بأنها واحدة من ملكات الجمال في العالم، ولا ماضيها كواحدة من اشهر الموديلات اللواتي عملن مع ايلين فورد. ولا بالطبع الافلام "الساذجة" التي كانت مثلتها حتى الآن، ولا المسلسل التلفزيوني الشهير "هيتمان" الذي قتلت فيه الى جانب روبرت ميتشوم... ... والفيلم الآخر اليوم تقول شارون ستون: "لينظر الناس الى هذا العمل كما يشاؤون، اما انا فإنني ارى منه جانبه الفني واعتقد انه يصلني بما كان ينبغي ان يحصل لي، انا طالبة الفن الدرامي الذي كان رخصتي للدخول الى عالم السينما على يد وودي آلن...". وتضحك شارون ستون حين تتذكر كيف انها بعد الدور الصغير الذي لعبته في فيلم وودي آلن، اعتقدت ان الناس سوف يشيرون اليها في الطرقات ويقولون: "ها هي نجمتنا الجديدة" ثم خاب املها حين لم يعرفها احد على الاطلاق. اليوم... بات الجميع يعرفونها، وصار بوسعها ان تجدد بناء منزلها فوق احدى التلال الهوليوودية، فيما هي في انتظار ان تمثل في فيلم جديد. لم تشأ ان تقول شيئاً بصدده... فقط حين تسأل شارون ماذا بعد "الغريزة البدائية" تقول بدهشة "لماذا تنسون فيلمي الآخر؟" وتقصد به فيلم "عام البندقية" الذي انجزه المخرج المخضرم جون فبرانكنهايمر وتمثل فيه الى جانب اندرو ماكارثي، دور عميلة في المخابرات الاميركية تقاتل، في روما، جماعات "الالوية الحمراء" عند نهاية سنوات السبعين. حول هذا الفيلم، الذي من الواضح ان الضجة من حول "الغريزة البدائية" ستغطي عليه، تقول شارون: "اذا كان ارنولد شوارزينيغر قتلني برصاصته في "توتال ريكال" فإنني في "عام البندقية" انتقم عبر اطلاق مئات الرصاصات على متمردي الالوية الحمراء...". وحين تسأل شارون عما اذا كانت تفضل دورها في فيلم فرهوفن على دورها في فيلم فرانكنهايمر تقول: "بالتأكيد... فإذا كان فيلم فرانكنهايمر يطور الى درجة معقولة الادوار التي سبق لي ان لعبتها في افلامي السابقة، فإن فيلم فرهوفن ينقلني مرة واحدة الى صف الممثلات الكبيرات" تعني بهذا الى صف ميريل ستريب، وجين فوندا... اللتين تعتبرهما مثلها الاعلى، ولا سيما الاخيرة التي اشد ما يعجبها فيها هو قدرتها الدائمة على الولادة من رمادها... وشارون ستون تعتقد انها هي الاخرى امرأة ولدت من جديد وسط رماد ماضيها.