لقد أنتجت لنا جدليات الفكر وهموم الإصلاح في الوسط السعودي قماشة امتلأت ? مع ازدياد هامش الحرية ? بكتابات مختلفة اللون والشكل والأهداف، لكن أكثر ما لفت انتباهي، وحفزني على كتابة هذه المقالة، ما تفرز هذه الجدليات من سمات تجعل المهموم بفكرة المنطلقات الفكرية أو الوطنية يقف عاجزًا عن الفهم"أمام هذه القماشة التي أصبحت بالكاد تقرأ من كثرة ما كُتب فيها"دون أنْ يكون هنالك عمليات مسح أو دمج أو إعادة صياغة لجملها؟! ولعلَّ النقاش الدائر حاليًا في الأوساط الإعلامية والثقافية حول محاضرة الدكتور عبدالله الغذامي الليبرالية الموشومة خير نموذج يمكن أنْ يؤطر فكرتي ويوضِّحها، وأقصد أنَّ تأكيد الدكتور عبدالله - في أكثر من موضوع - بأنَّ تناوله لموضوع الليبرالية الموشومة كان من منطلق نقدي فكري بحت، يجعل من فكرة"المنطلقات والأهداف"نقطة مهمة جدًا في طرح أيِّ نموذج إصلاحي أو نقده، رغم أنَّ الدكتور - من وجهة نظري - ارتبك كثيرًا في هذا الجانب بالذات، فهو مرة يذكر أنَّ الليبرالية السعودية غير موجودة"نظرًا لانتفاء الشكل الفلسفي والتنظيري لها، ولعدم وجود ممثلين شرعيين لها، وعدم وجود شكل سياسي أو اجتماعي واضح، ولكنه بعد ذلك يضع سمات وينتقد"خطاباً ليبرالياً سعودياً"! على رغم أنَّه يعترف ? أكثر من مرة ? أنْ لا أحد من الليبراليين السعوديين ينسب نفسه لها، وأنَّه لهذا السبب اضطر أن يتجه للخطاب الليبرالي الوحيد الشبكة الليبرالية السعودية على الإنترنت فإذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة إذاً لنقد خطاب متخفٍّ وهش وهامشي! ولا يمكن علميًا أنْ يثبت الدكتور عبدالله أنَّ هذه المسميات المتخفية وراء تسميات افتراضية هي أسماء لأشخاص حقيقيين يتمثلون هذا المنهج! ثم من الإجحاف بما كان أن يقارن? كما فعلها أكثر من مرة ? بين خطاب الإسلاميين وخطاب الحداثيين في زمن الثمانينات والتسعينات، ونضج اختلافهم معه في الصالونات الأدبية ومجتمعات النخب، مع خطاب أنترنتي شبكي افتراضي يقف خلفه مسميات مجهولة"يتهمه بالهشاشة والضعف العلمي! هذه مقارنة مجحفة، وهي مقارنة مع الفارق الكبير. ثم إذا كان الغذامي يهدف ? مثلما ذكر في برنامج البيان التالي ? من هذه المحاضرة إثبات أنَّ خطاب الإصلاح ليس معركة الليبراليين وحدهم ولا ينسب لهم، فأنا - وأحسب نفسي متابعاً جيد للوسط الإعلامي- لم أسمع أنَّ هذه كانت معركة أحد لا ليبراليين ولا غيرهم! لم أسمع أنَّ أحداً شغله موضوعها. من أول من ابتدأ بهذه الموضوعات إطلاقاً؟ ولم اسمع من ينسب هذا الجهد له؟ ولعل الدكتور عبدالله يأتيني بمثال يوضح لي الصورة. ولأن محاضرة الدكتور كانت مجرد المنطلق لهذه المقالة، فأفضل الرجوع لفكرة المقالة الرئيسية، وهي أنِّي الاحظ أن جُلَّ الحوارات الفكرية بين التيارات الإسلامية والآخرين - وهي أفضل تسميه بالنسبة لي ? دائمًا تتحدث عن رفض النموذج الخصم بالكلية! فالإسلاميون يريدون نموذجًا إسلاميًاحسب تفسيرهم الخاص والدليل تقاطعه واختلافه مع نماذج إسلامية في بلدان أخرى! والليبراليون أو التنويريون أو الآخرون يريدون نموذجًا يجرِّم الطرف الخصم ويخرجه من معركة التحديث بطريقة مستفزة! وهنا يحق لي أن أتساءل: لماذا يعني الإصلاح لمفكرينا تبديل القماشة؟ باعتقادي وحسب فهمي لكلمة"إصلاح"لم يكن اصطلاحًا يعني تبديل الشيء"وإنما ترقيعه وتنظيفه ثم تقديمه ليخدم لفترة وينظر له من جديد بوجهة نظر نقدية وتقييم مدى حاجته للإصلاح مرة أخرى؟ والمعيار الذي يقاس به مدى صلاحيته من عدمه هو"السبب"الذي جعلنا نبحث عن نموذج إصلاح أصلاً"ألا وهو الوطن والمواطن."فهل كان هذا الهدف منطلق جدالاتنا الفكرية أو احدها على الأقل؟ واختم مقالتي بسؤال آخر وهو: لماذا أصبحت معركة التيارات في السعودية خارج نطاق المؤسسة السياسية؟ وكأنَّنا في بلد يخلو من نظام سياسي قائم وقوي ومتفق عليه؟ يجب أن يكون النظام السياسي شريك في هذا الحوار عن طريق مؤسساته الشورية الرسمية ويحصل الجدل في نقاط اختلاف واتفاق"ثم يقوم مشروع حواري وطني كبير يكون منتجًا وفعالاً وهذا ما ينقص مركز الحوار الوطني ويكون هذا الجهد مدعوماً من رجل الحوار الأول في العالم عبدالله بن عبدالعزيز. بحيث ينتج عنه خطة عمل هدفها تقريب وجهات النظر المختلفة، ومنطلقها الأسمى والوحيد خدمة الوطن والمواطن. وفي النهاية سيكون هنالك بعد كل حلقة حوار مجموعة من القرارات السياسية التي ترتق فجوات القماشة الفكرية السعودية، والأهم قبل كل هذا أنْ نرجع لقماشتنا المتسخة حاليًا ونحاول جميعًا تنظيفها وشطب الجمل الزائدة والجمل في غير محالها"انطلاقًا من"همّ"أي إصلاحي يريد أن يخدم هذا البلد العظيم. * كاتب سعودي.