أكثر شرائح المجتمع المحببة لي هي فئة المعلمين، ويشاركني في هذا الحب كثيرون، لذا أهوى مناقشة قضاياهم وطرح ما يعترض طريقهم من عوائق تحول دون أن يكونوا فاعلين ومهيئين لمهنتهم العظيمة، كونهم العنصر الأهم من عناصر تأهيل الجيل للمستقبل المنتظر، ولو سُئلت لماذا؟ لأجبت: بأن ذلك كوني نتاجاً حقيقياً لمجهود معلمين سخروا كل إمكاناتهم وقدراتهم حتى أكون رقماً ناجحاً قدر المستطاع، والكل يشعر بذلك ويدرك أنهم شموع تحترق لتضيء الطريق لمن يجلس أمامها كل صباح على طاولة الدراسة! لا يمكن لإنسان صعد سلم نجاح، أو وقف بمنصة تتويج، أو حقق إنجازاً لذاته، إلا ويتذكر معلماً أو أكثر بصموا بصمات استثنائية في الحياة ليستحقوا كل احتفاء وتقدير كلما صادفت الظروف بلقاء عابر. مع كل هذا وذاك أخذتني أبعاد ابتسامة خجولة حين قرأت خبراً على صدر هذه الصحيفة حول أن معلمي الثانوية متعبون، فهم صباحاً يراقبون ومساءً يمارسون التصحيح، بعد أن توقف مدرسو الابتدائية عن دعمهم بفعل قرار صادر من وزارة التربية والتعليم، الذي حصر صلاحية هذا الدعم لمديري التعليم، وذلك في نطاق ضيق حسب الحاجة، ومع أن هذين الأسبوعين بالتأكيد هما حالة استثناء أخشى أن يكون سر هذا التعب البعثرة المؤكدة للجدول اليومي الذي اعتاد المعلمون قضاءه بكل حرية بعد انتهاء الدوام الرسمي، ولهذا شعروا بالتعب مع أول تجربة يقومون فيها بأعمالهم من الألف إلى الياء. إذا كان المعلم يريد أن يغادر في العاشرة صباحاً، أو لنقل مبكراً في هذا التوقيت مع روزنامة العمل الممتلئة، فلا بد من مراجعة ذاتية لهذا الشعور، وإذا كان غير معتاد على أن يكون متعباً فذاك أمر آخر لا مجال لنقاشه. أتجه لزاويتين، الأولى: لماذا لا يزال جزء من معلمي المرحلة الابتدائية، الذين صدر قرار بمنعهم من الدعم، يمارسون المراقبة والإشراف حتى تاريخه في مناطق متعددة بغض النظر عن الحاجة التي جاءت في صلب القرار، ليتفاوت المعلمون بين متعبين منتظرين وآخرين ينعمون بمن يكفيهم عناء الوقوف ساعات الصباح بقوة النظام أيضاً، لتنطلق التساؤلات عن مدى شمولية القرار الصادر، أم انه صادر بالتناوب بين إداراتنا التعليمية؟ الزاوية الثانية، التي كانت محور الابتسامة: انه يجب ألا يتأفف المعلمون من ادوار ليست بالإضافية، بل هي من صلب العملية التربوية، فليس من المقبول أن تفرغ الفصول الدراسية وقاعات الامتحان لمراقبين من مدارس أخرى يرتبطون بطلاب ومراقبة وتصحيح، ولو فرضنا أن الزمن خدمهم بعامل الانتهاء المبكر الذي يجبر جزءاً منهم عند الحاجة، إذا أخذنا بالقرار، وبشكل عشوائي - إذا لم يصل قرار - فمن حقهم أيضاً ألا يكونوا متعبين مرة أخرى وبالمجان، وليس من المنطق أن ينهار المعلم فور تضاعف العمل، فالإحباط والشعور المبكر بالتعب مع أول أيام الاختبارات سينعكس على الحالة المزاجية والنفسية للعطاء إجمالاً في المهام المتتابعة، ويخلق تشاؤماً مستقبلياً كلما حل موسم الاختبارات، والخاسر الوحيد هو الطالب وليس الكرسي! [email protected]