في كل مكان في هذا العالم شيء يشبهه في مكان آخر. غير أن الخصوصية التي تمتاز بها مكةالمكرمة، جعلتها مختلفة، حتى على مستوى المهن التي تمارس وتمثل دخلاً مجزياً لأصحابها، مهنة الطوافة لا تشبهها مهنة في أي مكان في العالم. و"الطوافة"تعني في مفهومها العام، خدمة الحجيج وتسهيل أدائهم للفريضة، وجاءت من التطويف أي المساعدة في الطواف حول الكعبة. بدأت الطوافة بجهود ذاتية، تمثلت في توجيه الحجاج وترجمة مناسك الحج لهم، ولم تنته باستضافتهم وتسكينهم ونقلهم والعناية بهم حتى آخر يوم لهم في مكةالمكرمة. هذه المهنة"الذهبية"، أدخلت عدداً من أبنائها في دائرة الثراء، فكانوا يجنون منها مال الدنيا وأجر الآخرة، رافعين شعار"خدمة الحاج شرف لنا". يؤكد المطوفون، وهم في معظم الحالات من أبناء مكة القدماء، أن تاريخ المكيين بالطوافة بدأ منذ زمن بعيد. وبحسب صلاح صدقة"أحد كبار المطوفين في مكةالمكرمة"، فتاريخ الطوافة يعود إلى عهد الحكم العثماني، وتحديداً مع دخول البواخر إلى مدينة جدة واعتماد بعض الحجاج على الوصول إلى مكة من طريق البحر عبر المنفذ البحري بميناء جدة. ويوضح صدقة أن بداية العهد الحقيقي للطوافة كانت مع وصول مجموعة من الحجاج الشراكسة، ممن لا يجيد اللغة العربية، فكان من الضروري توفير من يسهل عليهم أداء نسكهم ويعرفهم بالمشاعر المقدسة وطرق الوصول إليها. ويضيف"الطوافة آنذاك كانت حكراً على القضاة وأهل الدين في مكة ثم انتقلت بعد فترة من الزمن إلى أعيانها من التجار وأصحاب المال ممن يستطيعون توفير المنازل والدور السكنية للحجاج أثناء موسم الحج, ومع بداية الحكم السعودي أصبحت الطوافة في متناول شرائح المجتمع المكي كافة". يسافرون مع حجاجهم كان المطوفون القدماء يسافرون مع الحجاج إلى بلدانهم، ولا يعودون إلا في موسم حج جديد. هذا ما يؤكده رئيس مجلس مطوفي دول جنوب شرق آسيا زهير سدايو. يقول"كان جدي يقضي عاماً كاملاً في بلدان شرق آسيا، يسافر مع الحجاج، ويظل طوال هذا الوقت يجمع حجاجاً آخرين عبر المساجد والمؤسسات الإسلامية، وذلك ليعود بهم مرة أخرى إلى الحج". ويلمح إلى أهمية ذلك، في تفهم ثقافة الحجيج ولغاتهم، والاقتراب منهم، ومن ثم تقديم الخدمة المطلوبة لهم على الوجه الأكمل. مهنة لا تمتهن إلا بالوراثة بدوره يقول المطوف عبدالرحمن غزاوي إن درجة الطوافة لا تمنح عادة إلا من طريق الوراثة، ولكن يمكن أن تمنح لأي شخص خدم لدى أحد المطوفين فترة لا تقل عن خمسة عشر عاماً، وعلى أن يتم منحه هذا الشرف من قبل شيخ الطائفين، ويرفع أمره إلى أمير مكة للموافقة وإدراج اسمه في زمرة المطوفين حتى ولو كان من غير أبناء المهنة أو ممن لم يخدموا فيها من قبل