لن يستغرب سائق التاكسي في مكةالمكرمة، حين تسأله أن يوصلك إلى"دوقن قيدا". يتطلب ذلك، أن يكون سائق التاكسي، من أبناء مكة العارفين بشعابها والقادرين على فك رموزها. مكة اليوم، تفتح ذراعيها لكل طالب رزق من خارجها، خصوصاً في أعمال النقل والتاكسي. "دوقن قيدا"، عبارة أفريقية تعني باللغة الهوساوية،"المبنى الطويل". كان الأفارقة يستخدمونها للوصول إلى شارع المنصور الشهير في مكةالمكرمة، الذي كان يضم واحدة من أطول العمارات السكنية قبل نحو 30 عاماً، قبل أن تتطاول ناطحات السحاب مع جبال مكة. في شارع المنصور أو"دوقن قيدا"، يتمركز وجود الجنس الأفريقي بشكل مكثف. يتعارف أهل مكة على ذلك. الأطفال ذوو السحنات السود الذين يمشطون الشارع بملابسهم ذات الألوان الفاقعة، وجلسات كبار السن في أزقة حارات"الزبرما"و"الفلاليت"، والشبان اليافعون الذين يمشون في جماعات، بزي موحد، كفريق كرة القدم. كل هذا سيختصر لك الحكاية.شارع المنصور، استقى اسمه من قصر الأمير منصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي في السبعينات الميلادية، وما زال القصر قائماً على الشارع حتى هذا اليوم. يقطع الشارع أحياء الحفاير، جرول الطندباوي، وحارات يمن، العبادلة، سوق المجانين، المغاربة، المواركة، جبل الخزان، جبل غراب وحوش بكر . يشتهر الشارع بوجود الأفارقة. منهم من حصل على الجنسية السعودية ومنهم من يعيش بالكفالة، وعدد لا بأس به من مخالفي أنظمة الإقامة والعمل. بدأ دخول الأفاقة إلى مكةالمكرمة مع أفواج الحجيج منذ زمن بعيد. غير أنهم استوطنوا شارع المنصور منذ نحو 50 عاماً. توافدوا تدريجياً، على المكان، حتى باتوا يمثلون النسبة الطاغية من سكان شارع المنصور. نسبة كبيرة من سكان شارع المنصور من الأفارقة، من صغار السن أو ما اصطلح أهالي مكة على تسميتهم ب"المواليد"، تعبيراً عن ولادتهم في مكةالمكرمة وتحديداً في شارع المنصور. هؤلاء يتحدثون العربية بطلاقة. منهم من يدرس في المدارس الحكومية، خلافاً لوجود مدارس خاصة بهم، تعتمد اللغة العربية والمناهج السعودية. يشعرون بالرضا لوجودهم في أطهر بقاع الأرض، وهو ما يؤكده الشاب الأسمر حسن أحمد 25 عاماً. رغم أنه يرتدي اللبس الأفريقي ذا الألوان الصارخة، إلا أنه لا يجيد الحديث بأي لغة أفريقية. يعتبر نفسه من أهل مكة، خصوصاً أنه ولد في شارع المنصور ويعرف عنه أكثر من أي مكان آخر. يقول إنه يعمل في إحدى الشركات، ولم يحصل على الجنسية السعودية. وفي مكان آخر من الشارع، يجلس أربعة من كبار السن الأفارقة على"مركاز"، حاولنا التحدث إليهم، غير أنهم اكتفوا بالاعتذار عن خوض أي حديث. أحدهم عرض علينا سؤالهم في الرياضة وأحوال كرة القدم، يقول"كبار السن مغرمون بكرة القدم كثيراً". على طرف شارع المنصور من جهة الغرب ، يتجمع الأفارقة في سوق شعبية صغيرة على مدخل شارع ضيق. المحلات الواقعة عليها تحمل أسماء أجنبية، والبسطات أكثر من المحلات. يباع في هذه السوق كل شئ. الملابس والمأكولات وغيرهما، غير أنه تخصصت أخيراً في حراج الجوالات واكسسواراتها. تعرف هذه السوق عند أهل مكة ب"سوق الحرامية". وحين حاولنا السؤال عن سبب التسمية، لم نجد الإجابة الكافية. هناك من يرد على السؤال بابتسامة، وهناك من يؤكد أنه لا يعرف أي شيء عن سبب التسمية، غير أنه اكتفى بالقول"أي جوال مسروق في مكة ستجده هنا". زبائن السوق ليسوا حكراً على الأفارقة. يرتاده سعوديون ومقيمون من أبناء الجاليات الأخرى. وفي يوم الجمعة يقام فيه أكبر حراج للجوالات"بحسب تأكيد أحد الباعة"، غير أن السوق لا تسلم من مداهمة فرق الجوازات التي تلاحق المتخلفين بين الفينة والأخرى. هذه السوق مفتوحة للرجال والنساء على حد سواء. تجد رجلا يبيع الثياب السعودية الجاهزة، وإلى جواره سيدة تبيع المأكولات الأحذية أو المفارش. إلى جوار السوق هناك مسجد، ومع إقامة الصلاة، يفترش الباعة في البسطات أماكنهم، رجالاً ونساء لأداء الصلاة.