نشرت"الحياة"بتاريخ 15 ? 6 - 2007 1 ? 6 - 1428ه لقاءً مع عضو مجلس الشورى، الدكتور حاتم عارف الشريف، أثار فيه قضية الآثار والعناية بها في بلادنا، والتي يحتدم حولها الجدل، ولابد أن تعيد جميع الأطراف النظر في مواقفهم منها، إذ جاء في هذا اللقاء إجابة لسؤال لم يذكر فيه عن مكان مولد النبي"صلى الله عليه وسلم"وهذا نص الإجابة:"هناك آثار يجب ان تبقى وهي الثابتة التي تتعلق بالعبادات الشرعية، مثل المسجد النبوي والمشاعر، فهذه لا خلاف فيها، وهي من الآثار النبوية، ومسجد قباء وغيرها، ولابد من الحفاظ عليها. وهناك قسم آخر من الآثار، وهي التي لا يوجد ما يكفي لإثبات أنها آثار نبوية، فهذه لابد أن تزال، لأن من يرى التبرك بالآثار النبوية يشترط أن تكون نبوية، فإذا غلب على الظن أنها ليست كذلك ينبغي إزالتها، مثل القبر المنسوب إلى أم النبي، عليه الصلاة والسلام، وأما موضع المولد النبوي فهي مسألة مختلف فيها، وليس هناك ما يقطع بصحة ذلك، وأقدم ما يحتج به مثبتوه عبارة ابن إسحاق ت 150: وقيل انه ولد"صلى الله عليه وسلم"في الدار التي تُعرف بدار ابن يوسف، وهذه العبارة فوق كونها بعد مولد النبي بقرنين من الزمان، فهي تدل على ضعف ثقة ابن إسحاق بالمعلومة الواردة فيها، فإن اتفق الباحثون على عدم صحة نسبة هذا الأثر إلى النبي"صلى الله عليه وسلم"وجب على الجميع ألا يعطيه أي قدسية، ويجب إزالته". ودعونا نتتبع العبارة على منطق العقل ومقصد الشرع وحكمه، فوجوب بقاء ما تتعلق به العبادة من الآثار كالمسجد النبوي ومسجد قباء والمشاعر في أرض الحرم بمكة، بل وكل مسجد أسس ليعبد الله فيه، هذا الوجوب لا يتنازع فيه مسلم، فالآثار تحكي تاريخ الأمم، والله عز وجل أرشدنا في العديد من الآيات إلى تتبع آثار من سلف من الأمم، تأكيداً لما أخبرنا به عز وجل عن تعرضها لعذابه عندما كذبوا رسله وعصوه. والمسلمون الأوائل من صحابته وتابعيهم عندما فتحوا البلدان لم يزيلوا أثراً، إلا ما كان يُعبد حينئذً من صنم وغيره، وهي شاهدة على حس هذه الأمة الحضاري، فلا تزال هذه الآثار باقية في مصر والشام وفارس وبلاد الأفغان والسند في بلاد الهند. الآثار الإسلامية بقاؤها ضروري لتشهد الدنيا كلها حضارة الإسلام ورقيها، والقول بوجوب إزالة شيء منها إفتئات على الشرع، أما كيف تثبت الآثار منسوبة للرسول، فلا يحتاج إلى نص شرعي. فالمعلوم أن تدوين التاريخ والحديث، ما تم إلا في نهاية القرن الثاني الهجري، ولا يعني ذلك عدم صحة الروايات التاريخية عن الغزوات، وعن أحداث بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهجرته وأحاديثه التي هي عمدة الأحكام غير صحيحة، لأنها لم تدون إلا بعد وفاته بزمن ليس بيسير، فهي كانت محفوظة في الصدور، معلومة للناس يتناقلونها بينهم، بل أؤكد أن كل ما أزيل من الآثار موثق مواضعها في كتب وخرائط موجودة بين أيدي الباحثين في شتى أرجاء الدنيا، ثم إن فضيلة الدكتور حاتم يطلق عبارات لا تعتمد على منهج علمي صحيح، وهل اتفق الباحثون على أن موضع مولد النبي غير معروف، وقد سبق للدكتور أن ذكر أن الاختلاف واقع حول تحديد موضعه، أما القدسية التي يواجهنا بها من يشكك في المواضع الأثرية، فقدسية بمعنى عبادة المكان، فلا أحد يقول بها، أما احترام المكان وتنزيهه عما لا يليق بمن ينسب إليه، فهو أمر معتبر عند العقلاء، أما وجوب الإزالة فهو حكم لا رأي، ولا حكم شرعي إلا بنص، وإن لم يكن حكماً شرعياً، فالإبقاء على المكان خير من إزالته. والحقيقة أن معالم المدينتين المقدستين مكة والمدينة التاريخية كادت تطمس كلها تحت ذرائع مختلفة، منها التوسع العمراني والتحديث، ومنها أن فئة منا رأت أن بقاء أي معلم اثري تاريخي فيهما سيكون سبباً لانحراف ساكنيها وزوارها عن العقيدة الصحيحة، ولدينا منذ زمن بعيد في بلادنا جهة رسمية للعناية بالآثار، كانت وكالة لوزارة التربية والتعليم المعارف سابقاً ثم انتقلت للهيئة العليا للسياحة، والتي عليها اليوم الحفاظ على تلك المعالم، ولعل أول الأماكن للتنقيب عن الآثار هما المدينتان المقدستان، ففيهما آثار النبوة واهم معالم تاريخ الأمة، واستعادة ما طمر منها تحت التراب بفعل الإهمال أو العمد أو بقصد الإزالة، إن كل من ادعى انه لا يعرف من آثار النبوة، ظل على مدى الزمان من عهد الصحابة والتابعين وحتى عهد قريب تحت أنظار الأمة، لم ير احد فيه خطراً على المعتقد، ولم يشكك فيه احد إلا في عصرنا هذا. نحن اليوم في أمس الحاجة الى منهج معتدل نفك به الاشتباك بين قضية الآثار والعناية بها، وبين ثقافة سادت تعادي الآثار وتعتبر العناية بها والحفاظ عليها من البدع المغيرة لمعالم الدين، وفي المجامع العلمية الإسلامية في شتى أرجاء عالمنا الإسلامي، ما يساعدنا على بحث المسألة بحثاً معمقاً فقهياً وعقدياً، لنصل الى حكم شرعي، حتى لا نبقى الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعتني بآثارها، بسبب ثقافة تسود تعتبر الآثار خطراً على العقيدة، وقد حان الوقت الذي نعيد فيه النظر في هذه الثقافة، التي اكتشفنا أنها لا تلائم العصر الذي تعيش فيه، وتعطل حركة النهوض بالحياة في وطننا، وإني لعلى ثقة أننا لفاعلون. - جدة [email protected]