وزير الاستثمار يدشن مشروع مصنع للأسمنت في عدرا بسوريا    جراحة للجميعة بمعسكر الذئاب    إحباط تهريب (189) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في عسير    وجاؤوا يركضون مهلا يا دعاة الضلالة    انخفاض مخزونات النفط الخام الأميركية    "بر الشرقية" تفتتح مكتبًا خدميًا جديدًا في بقيق لتعزيز الوصول المجتمعي ورفع كفاءة الخدمات    أمير جازان يتسلّم التقرير السنوي لفرع هيئة الهلال الأحمر    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    جميل لرياضة المحركات تحتفي بتعاونها مع مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية    هيئة الربط الكهربائي الخليجي تقيم ورشة عمل في مجال الذكاء الاصطناعي لدمجه في العمليات    رئيس بلدية صبيا يطّلع على مشاريع التدخلات الحضرية لتحسين المشهد العام في المحافظة    الشؤون الإسلامية في جازان تنظم عدد من المناشط الدعوية في محافظات المنطقة    اللجنة التنفيذية للتعاون الإسلامي تؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة    المملكة تُشارك تجربتها في إدارة الموارد المائية    الطيران المدني تصدر تقرير التزام المطارات والناقلات الوطنية بأوقات الرحلات لشهر يونيو 2025م    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مصر العربية بذكرى اليوم الوطني لبلاده    جامعة جازان تعلن مواعيد التسجيل الذاتي للفصل الدراسي الأول 1447ه    الصين تعلن تقديم "احتجاجات رسمية" للاتحاد الأوروبي    سوري يشتري عملات ويسلمها للمتحف    نجم يكشف أسرار منكب الجوزاء    مجسات ذكية لراحة مرضى السكري دون ألم    أسباب وعواقب إدمان الحلويات    لماذا غسل الدجاج غير مستحب    فريق التنسيق الآسيوي يبدأ زيارته الرسمية إلى الرياض لمتابعة التحضيرات القارية    ترحيب سعودي ببيان الشركاء الدوليين المطالب بإنهاء الحرب على غزة    أكد وجود انتهاكات جسيمة.. لجنة تقصي الحقائق تسلم تقريرها للرئيس السوري    رئيس الوزراء يدعو لتعزيز التواجد في عدن.. تحذير يمني من وجود المقرات الأممية بمناطق الحوثي    تصاعد الضغوط لإنجاز اتفاق وقف النار بغزة    إطلاق كود"البنية التحتية" بمنطقة الرياض بعد 15 يوماً    ربط التعليم التقني باحتياجات السوق.. أمير المدينة: معامل ابتكارات الحرف نموذج للاستثمار في رأس المال البشري    أكد دعم سوريا لضمان أمنها واستقرارها.. مجلس الوزراء: السعودية تدعو لاتخاذ قرارات عملية أمام التعنت الإسرائيلي    "البيئة": تمديد مهلة رخص مياه الآبار لمدة عام    جذور العدالة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة عبدالرحمن بن فرحان    المنتخب السعودي يشارك في أولمبياد الأحياء الدولي    وزير الداخلية يلتقي منسوبي الوزارة المبتعثين في بريطانيا    اختتام تدريب الخطباء بتبوك    منسوبات واعي يطلعن على مركز التراث وبيت الحرفيين بجازان    منع الفنان راغب علامة من الغناء في مصر    عزز صفوفه بالخيبري.. الأهلي يشارك في السوبر بديلاً للهلال    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    دينية الحرمين توقع اتفاقية تعاون لبرامج نوعية    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    أندية سعودية تتنافس على فيليكس    النصر يتراجع عن صفقة هانكو.. ويخسر الجابر    رغم إعلان تعاقده مع الروماني كونترا.. الخلود يتفق مع المدرب باكينغهام    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    الإسناد نموذج تشاركي يعزز جودة الخدمات    نبض العُلا    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    تقنية تحسن عمى الألوان    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    أمير جازان يستقبل مدير فرع إدارة المجاهدين بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النسيان عندما يصبح رفيقاً
نشر في الحياة يوم 03 - 07 - 2007

كنت في سنوات خلت، عندما يحدثني أحد عن معاناته المفاجئة مع النسيان ومن الصعوبات التي يواجهها في التكيف مع هذا الأمر، لم أكن استطيع أن أتخيل عما كان يتحدث، لذلك كنت أحاول إدارة دفة الحديث إلى مواضيع أخرى استطيع فهمها، ولكن وكما هو مصير كل إنسان بدأت أعاني من تكرار حوادث النسيان والسرحان بشكل لم يعد بإمكاني تجاهله. بدأت الآن أفهم عما كانوا يتحدثون، ليست المشكلة في أن تنسى بطاقتك المصرفية في جهاز الصرف، أو نسيان حضور موعد، لكن المشكلة الحقيقية هي عندما تسير وأنت تحاول تذكر أمر لا تعرف ما هو، أن يسيطر عليك شعور بأن مصيبة ما في مراحلها الأولية، وأن خيوطها الأولى بدأت تشتبك، وعليك تذكر أمر ما لإجهاضها.
هذه هي المشكلة الحقيقية التي كانوا يتحدثون عنها، ويبدو الأمر أحياناً مضحكاً حينما تستغرق في التفكير، ويظن من حولك أنك مشغول بأمر بالغ العمق والأهمية، بينما أنت تحاول تذكر أمر تعتقد أنك نسيته، والمشكلة أنك لا تستطيع حتى تذكر إذا كان هذا الأمر مهماً أم أنه أمر تافه، وفي الغالب بعد جهد مضنٍ، وأحياناً إذا كانت محاولات التذكر تتم أثناء قيادة السيارة، فإنه بعد محاولات عدة تتذكر الموضوع، وتكتشف أنه تافه جداً ولا يستحق كل هذا العناء.
الآن فقط فهمت لماذا كان كبار السن في الماضي يعمدون إلى صنع عقد في غترهم أو أغطية رؤوسهم، كعلامة فارقة وملموسة تساعدهم في تذكر أمر ما يتوجب عليهم القيام به، ولم يكن حرصهم على تشويه وإفساد أطراف ملابسهم، بسبب أهمية الأمور التي يرغبون في تذكرها، ولكن فقط من أجل تفادي الدخول في دوامة تذكر أمر لا يعرفونه، ومشاعر الضيق المصاحبة لهذا النوع من عمليات التفكير.
كما هي العادة عندما أواجه مشكلة لا أستطيع التعامل معها، فألجأ إلى الفلسفة ومحاولة تبسيط الموضوع، فالفلسفة تمنحنا القدرة على أن نكون تعساء بطريقة ذكية... أول فكرة إيجابية خطرت لي هي أن مشكلة النسيان تتطلب حداً معقولاً من الذكاء، وحداً أكبر من الأهمية لنشعر بمشكلة النسيان، لذلك عندما يشعر الإنسان بأن لديه مشكلة ارتباك في الذاكرة، فهذا دليل ذكاء وأهمية، هذه الفكرة ضرورية من أجل رفع الروح المعنوية على طريقة التعبئة النفسية للجنود قبل إرسالهم للجبهة، وما يضفي صدقية على هذه الفكرة أنهم يقولون إن الفيل لا ينسى مطلقاً! وأضيف إلى ذلك ماذا لدى الفيل ليتذكره أصلاً، لا أظن أن لدى الفيل برنامج مواعيد مزدحماً، ولا أعتقد أنه يتسلم قائمة طويلة من الطلبات عبر الجوال وعليه إحضارها في كل يوم.
لاحظت أن النسيان لا يهبط علينا بشكل فجائي، ولكن بشكل تدريجي، ولكننا لا ننتبه لذلك، فنحن نلاحظ التغيرات في النشاط الجسدي ونشعر بها وهي تبدأ في الانحدار، وهذا يتيح لنا القيام بالتعديلات المناسبة لتلافي الوقوع في الحرج أمام أنفسنا، فنبدأ بزيادة جرعات الحذر أثناء الحركة وعند صعود السلالم وعند الاستحمام، لأننا نعرف أن أي اختلال في التوازن لن تكون عواقبه حميدة، وليس لدينا الرغبة في التأكد من ذلك. وكذلك عندما يستفزنا أحد في الشارع فإننا نصر على إعطاء الحوار فرصته الكاملة، ليس فقط لعدم ثقتنا في قوانا الجسدية ولكن لنضجنا وحكمتنا، أما بالنسبة لعمليات الذاكرة فنحن لا ننتبه لامتلاء مساحات التخزين إلا في وقت متأخر، وبعد حدوث بعض الفوضى نكتشف فجأة بأنه ليس بمقدورنا بعد الآن إلقاء كل ما يمر علينا في هذه الذاكرة، وتوقع استرجاعه في الوقت المناسب، ثم ندرك وقد يكون للمرة الأولى أنه يتوجب علينا ترشيد استخدام الذاكرة والتركيز على الأهم فالمهم.
أمر إيجابي آخر استطعت الخروج به من النظر إلى مشكلة النسيان بطريقة فلسفية، هو أن الإنسان عندما يدخل مرحلة النضج العقلي تبدأ عمليات التفكير لديه تتوجه نحو العمق، أي أن الأولويات للكيف وليست للكم، وهذه الفكرة بالذات راقت لي كثيراً وأجدها مشجعة لأنها تمنحني قدراً من التفاؤل أجدني في أمس الحاجة إليه.
إذاً مشكلة النسيان التي هبطت فجأة ليست سوى تحولات بيولوجية طبيعية تأخرت في اكتشافها، بالطبع لا أستطيع الترحيب بها، ولكن لأني سأضطر لاستضافتها لفترة طويلة، كما يبدو يتوجب علي إجراء بعض التعديلات ومحاولة التكيف معها.
أخبرني أحد الأصدقاء ممن لهم خبرة في هذا المجال بأنه ليس هناك حاجة للقلق من نسيان الأشياء عندما تكبر، لأنك ستنسى أنك نسيت أصلاً، من الأمور المشجعة أيضاً أن معظم كبار السن لا ينسون الأشياء المهمة، فهم على سبيل المثال عندما يقرضونك مالاً أو حتى يسدون إليك معروفاً، فإنهم لا يكفون عن تذكيرك بذلك في كل فرصة، وقد يكون التفسير غير العلمي لهذه الظاهرة هو أن ذاكرتنا تتحسن كثيراً عندما يقترض منا أحد الأصدقاء مبلغاً من المال، ولعل أفضل رياضة لتنشيط الذاكرة هي التوسع في إقراض الأصدقاء والمعارف، لأنها الرياضة الوحيدة التي أستطيع تذكرها لإعادة النشاط والحيوية لخلايا الذاكرة.
هناك فوائد مباشرة لضعف الذاكرة، فهي في أحيان كثيرة تضفي لمسة رومانسية على الذكريات، فنحن عادة نَحِن لتلك الأمسية الشتوية كلما جلسنا أمام المدفأة، وننسى أننا اضطررنا لجمع وتقطيع الحطب الذي استخدمناه كذلك، فضعف الذاكرة يفيد كثيراً عند كتابة المذكرات، لأن هذا النوع من الأدب لا يكشف عن أية عيوب في الكاتب سوى ضعف ذاكرته... أيضاً عندما يكون الإنسان صادقاً ومستقيماً في حياته، فالفائدة الكبيرة التي يجنيها أنه لا يقلق كثيراً عندما تبدأ ذاكرته في الضمور. والأمر الجميل في النسيان هو أنه لا يفرق بين الرجل والمرأة، فالجميع يتعرضون له بالدرجة نفسها، وقد يكون الاختلاف الوحيد أن المرأة تتذكر دائماً أين ومتى تزوجت، أما الرجل فينسى أحياناً لماذا تزوج.
وأخيراً مع كثرة المصائب والفواجع من حولنا لم يعد التفاؤل مهما أسرفنا فيه كافياً، فنحن في حاجة لذاكرة ضعيفة أكثر من أي وقت مضى!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.