مع بداية موسم السياحة الخارجية للسعوديين تعود للذهن التساؤلات المتكررة حول صورة السائح السعودي في بلاد الغرب والشرق، هل هي صورة الواعي في نفقاته وتنقلاته؟ أم صورة المعتدل في محاوراته ولقاءاته مع الآخرين؟ أم صورة المهذب في تعاملاته مع المجتمع الخارجي"أفراداً كانوا أو مؤسسات؟ أم صورة العفيف المبتعد عن الصخب والسوءات؟ أم المثقف الباحث عن المعرفة وكسب التجارب والخبرات؟ أم صورة الجميل في نظافته وحسن هندامه؟ ?أسئلة عديدة وكثيرة، تتفرع كلما تكررت رؤية السائح السعودي في بلاد الله الواسعة، واعتقد بأنها أسئلة مشروعة وضرورية أن نثيرها في أذهان الجميع المقيم والمسافر، لأن صورتنا النمطية ترسّخت في أذهان العالم من خلال ما يشاهدونه من تصرفات حيّة أمامهم لمواطن لم يعد مسؤولاً عن تصرفاته فحسب، بل أصبح مرآة للواقع الذي يبحث عنه الجميع من أجل مطابقة الصورة الإعلامية مع الصورة الحقيقية لمجتمعنا السعودي، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، فالمواطن السعودي يحمل رسالة مؤثرة لنظيره في أي مجتمع يزوره، من خلال التعاملات الحياتية والاحتكاك اليومي، تبرز من خلال هذا التعامل أفكار وثقافة هذا السائح وسلوكياته وعلاقته بقيمه الاجتماعية والوطنية"شعر بذلك مواطننا السائح أو لم يشعر، والسقطة والزلة تحفظ في رصيد الغرائب في تلك المجتمعات، خصوصاً الإسلامية، لأنهم يقررون سلفاً أن المواطن السعودي قادم من الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، وهم أصحاب التوحيد الخالص، ومن غير اللائق أن تخالف حاله الماثلة شعاره المرفوع في بلده، وهذا قدرنا كسعوديين. والحقيقة أن جهود الحكومة في علاقاتها مع شعوب العالم تُرسّخ حقيقة هذه الرغبة في تكوين هذه الصورة النمطية عن السعوديين، من خلال دعم المشاريع والبرامج الإسلامية، والتصريحات المتكررة لعدد من المسؤولين بأننا دولة الإسلام والشريعة السمحة، ولكن هل يعلم السعوديون أنهم أصبحوا جزءاً من هذه العلاقة وضمن هذه الصورة الدينية؟ لأن لها ضريبتها التي لا تخفى على أحد. لهذا هناك هروب من الهوية السعودية يختفي البعض منها أملاً بتخفيف الضغط على المتطلبات القيمية التي تفرضها الصورة السعودية على أبنائها السائحين، ولا أذهب بعيداً إذا توقعت أن هناك ازدواجية قد تحصل عند البعض بسبب هذه الصورة، وبالتالي محاولة التخفي والصدود من مقابلة أخيه المواطن في الخارج، والرغبة في الظهور بشخصية بعض الشعوب القريبة، مع أن التمييز ليس بالأمر الصعب على من خبر وعرف أنماط التفكير والسلوك السياحي للمواطن السعودي، هذه الظاهرة اللاشعورية التي تمارس بعيداً من التحليل النفسي والاجتماعي لها تحتاج إلى المراجعة والتقويم، وبحث هذا الأمر بشفافية وصراحة له أثره الكبير في تحسين الصورة الذهنية للسعودي في الخارج، التي تبذل لها الدولة الكثير من الأموال، لكن أهداف هذه الحملة مازالت غائبة عن الكثير من المستهدفين من هذا العمل. واعتقد حتى نفهم واقعنا المراد تغييره فإن هناك الكثير من الأمور الملحّة التي يجب أن نبدأ بها، وهي تثقيف السائح السعودي بمهارات وآداب وفنون السفر والتعامل مع الشعوب والثقافات الأخرى، من خلال القنوات الفضائية والمنابر التعليمية والإعلامية المختلفة، كما ينبغي أن تبذل سفاراتنا في الخارج دوراً وقائياً وإيجابياً في نشر الوعي لدى الزائر لبلدانهم وعدم الصدود واللامبالاة ببعده وعدم اكتراثه بهم، فهو يقوم إما بأداء أهداف السفارة أو على النقيض منها، فتنظيم اللقاء والاتصال ودعمهم بالمعلومات اللازمة لهم ضروري للسائح والسفارة حتى قبل أن يسافر من بلده، والطرق في ذلك كثيرة جداً. بقي أن أقول إن الذي دفعني للكتابة حول هذا الموضوع أن العائلة السعودية هي الأولى في العالم من حيث الإنفاق السياحي، وعدد السيّاح السعوديين يصل إلى قرابة ثلاثة ملايين سائح سنوياً. ومن هنا كان السائح السعودي هو العملة الصعبة في اقتصاديات الكثير من الدول، فهل نستطيع أن نجعله الصورة السمحة الواعية في ثقافات هذه الدول؟ * أكاديمي وكاتب سعودي [email protected]