ما كان أحلاني أيام كنت أعتقد أنني فاهمة ومتعلمة،"ويا أرض اشتدي ما حدا قدي". وكان كلما أطل أحدهم من شاشة فضية أو زاوية صحيفة مهملة وشتم الأمة وجهلها، تكبرت وفرحت وأصلحت من جلستي، فهو يتكلم عنكم ولكم ولا يعنيني أنا. أنتم من في حاجة إلى التعليم ونشر الوعي والثقافة، أما أنا وحدي بخير وأم العرّيف. كان ذلك، حتى دخلت في يوم لا أنساه، دافعة بأموالي إلى سوق الأسهم فخسرت ما خسرت، وعندها تأكدت أنني الجاهلة في علوم الاقتصاد والتجارة والتداول والصناديق"المفخوتة"، المفتوحة على مصراعيها، وأنني في حاجة لأن أفهم وأتعلم قبل أن أندفع كنعجة منساقة إلى مذبحها. لكن بعد إيه؟ أبكي عليه وأشتاق إليه أنا؟ شوقي وشوكي للتداول المحرومة منه، لكن اكتشافي على رغم أنفي مدى جهلي بالاقتصاد والتجارة جعلني أعي أنني في حاجة إلى برامج توعية خاصة بي وفي كل مجال، حتى الطبخ والتغذية. فمثلاً أنا لا أفهم معنى تنمية مستدامة، ويطلبون مشاركتي وأنا في حاجة لمن ينميني، ولا أفهم حينما أسمعهم يرددون أهمية المحافظة على المياه الجوفية والمياه العادية والمحافظة على النظافة والشجرة، وأنا في حاجة لمن يحافظ عليّ، ثم يتكلمون عن يوم للمرور ويوم للطفل ويوم للمرأة ويوم للحب، وأنا محتاجة إلى قرون حتى أفهم. فحبذا لو كرَّسون لي سنة الشجرة وسنين للبيئة وقروناً للمرور وتاريخاً للتنمية والتخطيط. ولو طلبت اليوم من رسام الكاريكاتير أن يرسمني، لطلبت منه شخصياً أن يضع لي آذاناً طويلة فوق رأسي. صدقوني هكذا بت أرى نفسي، ولا تتكبر عليّ فكلنا سواسية. وعلى رغم هذا الواقع إلا أنني والجميع أيضاً نشتكي من الجهل وعدم التوعية، فأين المتعلم فينا؟ لو وجدته سأطلب منه أن يعيد تربيتي ويعلمني ويفهمني ويؤويني، وأرجوه أن يعيد الأخلاقيات والقناعات ويدربني على المشاركة، فمشاركتي لنفسي فقط. أنا بمنتهى الأنانية ولا أؤمن بالعمل الجماعي، ولو طلبوا مني أن أنجز عملاً ما، سأطرق على صدري وسألبي وأقدم ثم أعطيه مناقصة من الباطن، فلو نجح العمل وهذا شيء نادر في عالمي، أقطف وردة نجاحه، ولو فشل لا مشكلة، سأضع اللوم عليهم جميعاً من دون استثناء، ولو اقتضى الأمر أن أضع اللوم على جورج بوش سأضعه. و?"مالو"! فكل مشكلاتنا ومصائبنا نضع اللوم فيها على أحد ما، أو مؤامرة ما، وإن لم نجد فعين الحسود فيها العود. يا حلاوة! وكم من حاسد، وكيف لا نحسد ونحن قد غرقنا في الحياة المادية، وأنا أريد شراء أسهم في"سابك"و"الراجحي"و"بيشة"معهما، وأريد أن أملأ ثلاجتي بالكوكاكولا والبيبسي والفانتا كمان، وبطني بالهامبورغر والبطاطا والطازج معهما، علي أن أبدو بكامل أناقتي من شنطة وساعة وحذاء وطرحة وعباءة كانت سترة فأصبحت وجاهة. ولذا أنا في حاجة إلى سيارة وطائرة وموبايل ودفتر شيكات، فأي موازنة تلك التي سأرصدها لرفاهيتي؟ وأي قروض سأسددها؟ وأي خطط خمسية سأبرمجها قبل أن أنفذها بعد عشر سنوات؟ ويقولون لك تنمية بشرية! يعني أنا يا جماعة أنا البشر، فمن سيعثر عليّ وينميني ويمارس عليّ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والتعليمية والتجميلية أيضاً، لأن البيضة اليوم قبل أن تفقس في حاجة إلى حقن إبر وشفط وتجميل أنف وتكبير فم. لاحظ أنني أوردت كل الإصلاحات الضرورية ما عدا طبعاً الإصلاحات الثقافية، فالبنوك لا تعترف بالثقافة، ونحن نحب أرصدتنا وننحني لمن يملك رصيداً، وأنا مثلكم أحب وأحترم من عنده مال، وهذا الذي سأسمع له وأستقي منه ثقافتي، فأي دروس سأتلقاها؟ ومن سيعلمني منكم حرفاً، سأضربه ضرباً. خلف الزاوية أدخلت على قلبي التعب نوراً للحب بلا لهب فهدأت وكنت مشاكسة ما عدت أميل إلى الغضب في الحب دروسك رائعة من غير دفاتر أو كتب أحسست بقيمة أيامي فلماذا رحلت بلا سبب؟ [email protected]