لا يضبط الحجاج المفترشون في منى منبهاتهم للاستيقاظ في ساعات محددة. فهؤلاء يعلمون أنهم سيجبرون على الاستيقاظ في أية لحظة على يد رجال الأمن. المشهد عند الساعة الثالثة فجراً في شوارع منى أمس:"رجال يرتدون بزات عسكرية ينتشرون في الشوارع، وهم يرددون"قم استيقظ يا حاج". يتعب رجال الأمن مع المفترشين أو المفترشات من أصحاب"النوم الثقيل"، فهؤلاء يحتاجون إلى من يتردد عليهم أكثر من مرة ليستيقظوا من سباتهم العميق، وبعضهم"من الرجال"يحتاج إلى من يهز جسده قليلاً ليفتح عينيه. رجال أمن يلعبون هذا الدور غير التقليدي"إيقاظ الآخرين"، أبدوا ل"الحياة"أمس، تذمرهم من ظاهرة"الافتراش"الأزلية التي صارت سمة لموسم الحج، على رغم الجهود الحكومية الكبيرة للحد منها. يقول أحدهم:"المفترشون يشكلون خطورة كبيرة على أنفسهم وعلى الحجاج، فهم يعطلون عمل الجهات الحكومية، خصوصاً في الحالات الطارئة". ويضيف:"يشتد خطر هؤلاء في يوم النحر وخلال أيام التشريق، إذ يعطلون عمليات التفويج إلى جسر الجمرات، ويسببون تزاحماً كبيراً". المفترشون من جنسيات مختلفة، فبعضهم سعوديون ومن دول خليجية وأوروبية وآسيوية، ومشاهدتهم وهو نائمون تدفع إلى الأسى، خصوصاً النساء منهم، اللائي تتكشف أجزاء من أجسادهن خلال نومهن. يقول صالح المطيري، الذي يفترش رصيفاً في منى مع ثلاثة من رفاقه:"نأتي هنا قبل الفجر بساعة أو أقل، وما إن تشرق الشمس حتى نغادر إلى شقة استأجرناها في حي الشرائع شرق مكةالمكرمة، وهكذا نفعل طوال أيام التشريق". وعما دفعه إلى الافتراش يقول:"نحن شباب ونكره أن نتقيد مع أحد، فالحملات تلتزم بمواعيد محددة سواء للذهاب إلى مشعري منى أو مزدلفة، أو إلى الحرم المكي، وحتى التنقل في حافلاتها من موقع إلى آخر قد يستغرق بعض الأحيان أكثر من عشر ساعات". خلافاً للمطيري، هناك من أجبروا على الافتراش، ويقضون نهارهم وليلهم في منى، حيث ينامون ويأكلون طوال أربعة أيام، وهم ضحايا الحملات"الوهمية"، الذين فوجئوا بعد وصولهم إلى المشاعر المقدسة، أن المكاتب التي دفعوا لها مقابل الحج من طريقها لا مقار لها هنا، وأنهم ضحايا عمليات نصب. وكانت"الحياة"نشرت قبل يومين قصة 900 حاج كانوا ضحايا"حملة وهمية"، إذ لم يعثروا بعد وصولهم إلى منى على مقار سكن لهم، واكتشفوا أنهم ضحية عملية نصب.