محافظ جدة يحضر حفل قنصلية فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    Bitcoin تسجل أعلى مستوياتها في 2025    أسعار النفط تتأهب لمزيد من التراجع الأسبوع المقبل    160.8 ألف قطعة سكنية لمخططات الأراضي المعتمدة    "سدايا" تتسلّم شهادات التميز في الابتكار    الذهب يغلق الأسبوع مرتفعاً 1 % مع قوة الطلب والرسوم الجمركية الجديدة    ختام مشروع "كي أكون" في نسخته السادسة بجمعية التنمية الأهلية بأبها    رئيسة المكسيك: واثقة من التوصل لاتفاق مع أمريكا بشأن الرسوم الجمركية    خطة تمنع 700 ألف فلسطيني من العودة إلى بيوتهم    المدخلي رأس خصوم الإخوان    جدة تستضيف الجولة الرابعة من بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة F1H2O    الفارس"المبطي"يحقق المركز الثاني في بطولة ڤالكينزڤارد بهولندا    ديمبلي عين على اللقب وأخرى على الكرة الذهبية    بيرغوين: أستمتع بوقتي في السعودية    "أخضر السلة"تحت 16 عاماً يتأهل إلى كأس آسيا 2025    "إغاثي الملك سلمان" .. تخفيف معاناة المحتاجين والمتضررين    العام الدراسي المُطوّل    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    موهوبون يخوضون تجارب علمية في "الملك سعود"    «الثقافة» تطلق فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي في أوساكا    بحضور عشرة آلاف متفرج.. عمرو دياب يدهش جمهور موسم جدة    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    نائب أمير الرياض يشرف حفل السفارة الفرنسية.. ويطّلع على جهود "الأمر بالمعروف"    خطيب المسجد الحرام: تلطفوا بعباد الله وأحسنوا إليهم    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    شراكة استراتيجية لتعزيز رعاية مرضى القلب    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يشغل مركزاً متخصصاً في علاج القدم السكرية والجروح المزمنة    البغض قيد في الروح وظلام في القلب    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    الفريق البريطاني"Team Redline" يحرز اللقب الأول ضمن بطولات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    أبرز مناطق ومصادر تكوُّن الغبار في المملكة    تهنئة كيريباتي بذكرى الاستقلال        27 ألف زائر لبيت حائل    ضبط 37 متورطا في مساعدة المخالفين    موسكو تحذر واشنطن وسول وطوكيو من تشكيل تحالف أمني ضد كوريا الشمالية    القبض على هندي ومواطن لترويجهما «الإمفيتامين» في المدينة المنورة    "معهد الابتكار بجامعة أم القرى يستقبل طلاب "موهبة من مدارس الفلاح" في جولة علمية تعريفية"    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    "ختام ملتقى خريجي البلقان في تيرانا بتأكيد الشراكة التعليمية والثقافية مع الجامعات السعودية"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن صالح الشثري    تدريب طلاب موهبة على DNA في المختبرات بتجارب واقعية    "السياحة" تضبط 10 مكاتب خدمات سفر وسياحة مخالفة في الرياض    بعد رحيله عن النصر.. بيولي إلى فيورنتينا    الأرصاد: عوالق ترابية في جازان والرؤية الأفقية تتدنى إلى 1 كم    اكتشاف أربعة أنواع فرعية من التوحد مرتبطة بمتغيرات جينية وسمات متقاربة    تايلاند تسجّل 40 إصابة بجدري القرود    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    مشاري بن جلاله عريساً    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    وفاة بزه بنت سعود وعبدالله بن سعود    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجليات "الآخر" والقراءة التأويلية . من سلطة الموروث إلى سلطة المؤسسة
نشر في الحياة يوم 06 - 11 - 2007

لا تزعم هذه الورقة أنها تقدم نقداً فنياً احترافياً حول الرواية المحلية، ولا كاتبها يدعي ذلك. إنها تؤسس لنفسها مفهوماً خاصاً حول"الآخر"، ثم تذهب لتتأمله تحليلاً وتطبيقاً عبر انتخابها النص الأدبي المحلي، وهي تدرك تماماً مأزق المسافة الفاصلة بين ما تؤصل له وبين ما تطبقه، وهذه طبيعة العلاقة بالمعرفة بامتياز. ويمكن طرح السؤال الافتراضي التالي كمقترح نتوخى منه طريقة للدخول إلى الموضوع.
هل هناك صلة ما بين جغرافية المكان للوطن من جهة، وبين الخبرة القرائية الأدبية التي يكتسبها الفرد داخل الوطن نفسه من جهة أخرى؟ وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً، فأين مكمن تلك الصلة، وكذلك نطاق تأثيرها؟ وما سماتها التي تؤثر بصورة أو بأخرى في شكل التلقي للعمل الإبداعي بوجه عام؟
أولاً ماذا نعنيه بجغرافية المكان للوطن؟ هناك ما يشبه التداخل أو اللبس بين مفهومنا عن الجغرافيا من جهة، ومفهومنا عن المكان من جهة أخرى. هذا التداخل مصدره عاملان اثنان، الأول يتعلق بالمصطلح اللغوي، والثاني بثقافة المخيلة. ولأسباب لسنا في صدد الحديث عنها هنا، ولا الاستشهاد بها، فقد أعلت النظرية العلمية والبحوث والدراسات المتفرعة منها من شأن مصطلح"الجغرافيا"مقارنة بمصطلح"المكان"، وفي بعض الدراسات الأخرى جعلت المصطلحين مترادفين يؤديان المعنى نفسه والوظيفة ذاتها. لكن في معظم الحالات كان ينظر إلى المكان بوصفه العمق الغرائبي والأسطوري للمخيلة البشرية عبر التاريخ. لذلك يستحيل على النظريات المعرفية أن تنظر إلى المكان بمعزل عن روح وعادات وتقاليد الجماعة التي تسكنه، أياً كانت سمات هذه التقاليد وعاداتها. بخلاف"مصطلح الجغرافيا"الذي هو وليد النظريات العلمية، وليس مثقلاً بحمولات إيديولوجية كما هي حال"المكان". وإذا كانت الجغرافيا تعني في ما تعنيه الأرض والحدود والمناخ والتوزيع السكاني في الأقاليم والمساحات، فإن إضافة المكان بالاعتبار الذي ذكرناه سابقاً على هذا المعنى هو ما نقصده بالتحديد من مصطلح"جغرافية المكان".
أما الوطن المضاف إليه، فهو في هذه الدراسة يشير إلى مجمل التصورات والرغبات والإدراكات التي يحملها الواحد منا، تلك التي تقف في المنتصف بين الإيديولوجيا واليوتوبيا، بين الحلم والواقع، بين ما هو عليه في خطاباته الرسمية: الثقافية والاجتماعية والسياسية، وبين المشاعر الرومانسية والحنين الذي يشد الإنسان بذاكرته، وفي حياته اليومية إلى المكان الذي يعيش فيه. بالتأكيد هناك معانٍ متعددة للوطن منها ما يتصل بمفهوم المواطنة، ومنها أيضاً ما يتصل بالحقوق والحريات، وكذلك سياسة الاعتراف ب"الآخر". لكن تعدد تلك المعاني وارتباطها بالوطن ليس محل اهتمامنا في المسار الذي قصدناه في هذا التحليل.
أما الشق الآخر المتعلق بالسؤال الذي يدور حول الخبرة القرائية الأدبية فهو وثيق الصلة من جهة أولى بالموروث الجمالي المتحدر إلينا من التقاليد والطقوس، والأشكال البدائية في تلقي النصوص. يتمثل هذا الموروث في القيمة الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية التي اكتسبتها القراءة المتصلة بالأدب العربي عبر تاريخه، وأعطتها سماتها الخاصة، والتي يرى معظم الباحثين المختصين بنظرية القراءة أنها تكمن في أشياء ثلاثة: المضامين الثابتة، المقصدية، وسلطة المؤلف. وهي سمات شديدة التداخل مع سمات أخرى لسياقات مختلفة من القراءات كقراءة النص الديني، والفلسفي، والفقهي. لكن هل يعني ذلك أن هناك تقليداً قرائياً نمطياً ومستنسخاً ينسحب على جميع هذه النصوص بما فيه النص الأدبي؟ نحن لا نؤكد هذا القول ولا ننفيه، لأن السمات ذاتها - كما يخبرنا التاريخ - متحولة وفق ظروف العصر وتحولاته الثقافية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي المعايير ليست ثابتة، ولا هي حتمية بالتأكيد.
لكن ما نهدف الإشارة إليه وتوضيحه من خلال هذه الإلماحة الموجزة هو تقرير الفرضية الآتية: كل التقاليد والنظم الموروثة المتصلة بعملية القراءة حينما ترسخت كسمات طبعت شخصيتنا الثقافية لم تنتج مفهوماً ديناميكياً متحولاً عن"الآخر". وما أعنيه هنا بالآخر هو الذي يتولد من خلال العملية التأويلية التفاعلية التي تنتجها القراءة من طرف، والكتابة من طرفها الآخر، بحيث تصبح اللغة هي منبع الدلالات، والتجربة الذاتية مداها المتحرك وإنما أنتجت خلاف ذلك، أنتجت مفهوماً عن"الآخر"يمكن أن نتعرف على ملامحه وصفاته في جميع النصوص سالفة الذكر من دون أدنى تمايز أو فروق. صحيح أن مثل هذه الفرضية قد توحي بالأحكام القبلية إذا كنا نقصد بكلامنا عن"الآخر"ذلك المختلف في الدين والعرق والعقائد والجنوسة والإثنيات فقط. لكن الاهتمام ينصّب بالدرجة الأولى على"الآخر"الذي هو نتاج مغامرة تأويلية أطرافها النص والسياق والمؤلف والقارئ، سواء جاء هذا"الآخر"على شكل خطاب أم فكرة، أم قيمة ثقافية أم اجتماعية أم سياسية. قد نوسع هنا من نظرتنا إلى هذا المفهوم حد التمييع. لكننا في الوقت نفسه ندرك تماماً أن لعبة المغامرة في التأويل تتطلب هذا القدر من الاجتراح والجرأة.
بالمقابل يمكن اختبار هذا المفهوم تطبيقياً على نصوص تراثية ومعاصرة في أي جنس كتابي يصادفنا أثناء البحث. ويمكن الإشارة لماماً إلى بعض التقاليد التي ترسخت في نظام القراءة من قبيل المتون والهوامش، أو الشروح والتفاسير، وشرح الشروح أو تفسير التفاسير. وهكذا إلى آخر التقاليد الموجودة في هذا النظام. وليس من أهدافنا في هذه الدراسة التوسع كثيراً في هذه النقطة إلا بما يخدم ما نرمي إليه من توضيح لفكرة"الآخر"المرتبطة أساساً بالنظم والقوانين القرائية التي أنتجتها ثقافتنا المحلية. أما الجهة الأخرى التي هي وثيقة الصلة بالخبرة القرائية الأدبية فهي تكمن في الدرس التربوي والتعليمي المتعلق بالأدب. وإذا كان تدريس الأدب مشروطاً بتصوراتنا عنه، فالمؤسسات التعليمية التي تضطلع بتدريس الأدب لأبنائنا وبناتنا بجميع الأنظمة والقوانين التي تحكم هذا التدريس، سوف تفضي انطلاقاً من تصوراته تلك إلى موت الأدب، لأنه يسعى من خلال هذا التدريس للحفاظ على حياة النصوص فقط."إن الناقد رولان بارت هو الذي اكتشف في البداية من خلال تأملات في كتاب مدرسي، اكتشف بنيات العلاقة الإشكالية بين المدرسة والأدب، معتبراً هذا الأخير مجرد ذكرى منبثقة عن المؤلفات المدرسية، وأنه بالتالي موضوع دراسة ليس إلا. من هذا المنظور يستقيم التدريس الأدبي شكلاً لسانياً، ينهض بوظيفة تبليغ وتنسيب القيم والأنساق الاجتماعية البانية للذاكرة الجماعية بمختلف تفاريقها الرمزية والتخييلية."1. إن تجربة القراءة والتلقي داخل تلك المؤسسات"لا تساعد المتعلم القارئ للنصوص الأدبية على تشخيص الجدلية الاجتماعية . ومن ثّم إدراك صورته في واقع الحياة اليومية عبر آليات التماهي والإسقاط والتسامي. ناهيك عن الإسهام في تشكيل البُنى الأسطورية، بحيث تحول النصوص الأدبية بفعل قوتها المعرفية وسلطتها التخييلية إلى سنن ثقافي يفسر بعضاً من علامات الحياة، كي يسترشد المتعلم بها قصد تعديل سلوكه وتصويب مواقفه بشكل يحول المتخيل الأدبي في الوعي القرائي إلى واقع محسوس يرشح بصور الحقيقة الاجتماعية".
وهو ما يفضي هذا الوعي في سلوكه القرائي"إلى تفتيح القراءات الإبداعية لدى المتلقي أو المتعلم من خلال تحريك خياله وحفزه على تشغيل ذكائه وحساسيته وحدسه وذاكرته، لأجل توليد دلالات النصوص وخبراتها بالمعنى الذي يجعله أمام احتمالات حياة وتأويل متعددة تدعوه لممارسة الاختيار".
لكن للأسف ظل هذا الوعي مشروخاً، وما ضاعفه هو ضياع الذات إزاء سلطة الذاكرة الجماعية بفعل سلطة المؤسسة، وبالتالي ضياع مفهوم مغاير ل"الآخر"، كان بإمكان الفرد منا منذ الصغر أن يعيد صياغة ذاته من خلال اختبار مثل هذا المفهوم ل"الآخر"على محك التفاصيل الدقيقة للحياة والعالم.
إن الخلاصة النظرية التي قمنا بتركيبها في الفقرات السابقة من خلال تفكيك السؤال الذي صدرنا به حديثنا هي كالآتي: لا يمكن الحديث عن مفهوم ل"الآخر"بعمومية مطلقة، لا في السسيولوجيا ولا في الانتروبولوجيا ولا في التحليل الأدبي، ولا في العلوم الإنسانية والفلسفية والتاريخية. مشروطية الوعي به، ومن ثم اكتشافه في ظني يتوقف على مقدار فهم العلاقة التي نمر بها كقراء بين تجربتنا الذاتية في المكان الذي تربينا فيه، وحملنا ذاكرته من جهة، وبين سلطة التربية الأخلاقية والروحية للأسرة والمدرسة والمؤسسة باعتبارها نظاماً للقراءة والتلقي صارمين.
وبين خطاب السلطة والتجربة الذاتية هناك فضاء من الدلالات والمعاني ل"الآخر"طبقاً لأبعاد اللحظة الكتابية وشروطها تارة، ولأبعاد الأنساق الثقافية من قبلية ومناطقية وعقائدية وسياسية، تلك المؤثرة في نظام التفكير لتجربتنا الحياتية تارة أخرى. لذلك ثمة صلة تنعقد بين الاثنين - كما طرحناها في السؤال السابق - وهذه الصلة هي التي تعمل من العمق على إنتاج مفهومنا عن"الآخر"على رغم مرونة المصطلح الذي قاربنا به هذا المفهوم وسعته في تقبل المزيد من المعاني والدلالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.