تصادف اليوم الذكرى ال 15 للاجتياح العراقي لدولة الكويت، الذي كان في 2 آب أغسطس عام 1990، الموافق 11 من محرم 1411ه. وشهد ذلك التاريخ بعمق مآسيه، شرخاً في العلاقات العربية - العربية من جهة الكويتوالعراق، إلا انه كان شاهداً جديداً على"نبل وأصالة"التلاحم في العلاقات العربية - العربية من جهة أخرى الكويت والسعودية. وتذكر سطور تاريخ تلك المأساة، مواقف المغفور له - بإذن الله - خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، من الغزو العراقي للكويت ومحاولته إطفاء الشرارة الأول من فتيل النزاع الذي تزعمته العراق في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين ضد الكويت. وكلف خادم الحرمين الشريفين ولي عهده آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، بتهدئة الجو بين الطرفين، فعقد اجتماعاً في 31 تموز يوليو 1990 في جدة. وشهد الاجتماع تعنتاً من الجانب العراقي الذي كان يمثله المندوب العراقي عن النظام السابق عزت إبراهيم، الذي وصف الاجتماع ب"البرتوكولي"و"غير المجدي لحل النزاع"، مطالباً الكويت ب"تنفيذ المطالبات العراقية". ومثل الجانب الكويتي رئيس الوزراء وولي عهد دولة الكويت الشيخ عبدالله الصباح. وبعد الاجتماع بيومين، اجتاحت القوات العراقيةالكويت، زاعمة أن هناك"ثورة وتريد إخمادها، وتنصيب حكومة كويتية حرة وموقتة". فيما أعلن مصدر كويتي مسؤول عن خروج أمير الكويت سالماً إلى مكان آمن وهو المنطقة الشرقية من السعودية، حيث استقبله رسمياً أمير المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد، بتكليف من الملك فهد. وتوالت بعدها الاستنكارات العالمية حول الحدث، حيث أصدرت الأممالمتحدة القرار رقم 660، والجامعة العربية قراراتها المتمثلة بالانسحاب العراقي من الكويت من دون قيد أو شرط. أما خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله، فكان موقفه واضحاً وحازماً"إذ أعلن في خطاب ألقاه في 9 آب عام 1990،"فشل جميع المحاولات في تطويق الخلاف بين البلدين". وقال:"غير أن الأمور سارت مع الأسف الشديد عكس الاتجاه الذي كنا نسعى إليه بل وعكس تطلعات شعوب الأمة الإسلامية والأمة العربية، وجميع دول العالم المحبة للسلام". وأضاف:"إن المملكة العربية السعودية، إذ تعرب عن عميق استيائها للعدوان الذي تعرضت إليه دولة الكويت الجارة الشقيقة، فإنها تعلن رفضها القاطع لكل ما أعقب هذا الاعتداء من إجراءات وإعلانات، لوضع رفضته جميع البيانات الصادرة عن القيادات العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورفضته جميع الهيئات والمنظمات العربية والدولية". وأعرب الملك فهد عن أسفه لحشد القوات العراقية جيشها على الحدود السعودية، وأطلق قراره الأخير الذي جاء من حرصه على أراضيها وسلامتها وحمايتها حيث قال:"أعربت المملكة العربية السعودية عن رغبتها في اشتراك قوات عربية وشقيقة، وأخرى صديقة حيث بادرت حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما بادرت الحكومة البريطانية ودول أخرى، بحكم علاقات الصداقة التي تربط بيننا وبين هذه الدول، إلى إرسال قوات جوية وبرية، لمساندة القوات المسلحة السعودية في أداء واجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين، ضد أي اعتداء، مع التأكيد التام على أن هذا الإجراء ليس موجهاً ضد أحد، وإنما هو لأغراض دفاعية محضة، تفرضها الظروف الراهنة التي تواجهها المملكة العربية السعودية". وأشار الملك فهد"يرحمه الله"إلى أن هذه القوات سيكون وجودها موقتاً وليس دائماً، بحسب ما ترغب السعودية. وصدرت بيانات عديدة مؤيدة لبيان الملك فهد"يرحمه الله"، منها بيان مفتي السعودية آنذاك سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز"يرحمه الله"وهيئة كبار العلماء، ومجلس القضاء الأعلى، ورابطة العالم الإسلامي وعدد من الجهات الرسمية والدينية، التي أفتت بجواز دخول هذه القوات البلاد لما تقتضيه هذه المحنة. وفوراً عقد مؤتمر القمة العربية الطارئة التي استمرت في بيانات الشجب ومطالبة العراق بسحب قواته من على الحدود السعودية ومن الأراضي الكويتية من دون قيد أو شرط. وكان للملك فهد"يرحمه الله"تصريح شامل للمواطنين في يوم 13 من آب أغسطس 1990. وقال:"نرجو أن يثق المواطنون بأن الدولة تتوخى، دائماً وأبداً، مصالحهم، ومن ثم فنحن لن نمكن المعتدي أو من تسول له نفسه الاعتداء، من أن يجني ولو ذرة واحدة من رمال بلادنا، وسيكون الثمن الذي يدفعه المعتدي غالياً أغلى مما يتصور". وأكد في حديثه"أن المواطن السعودي ولد حراً، وسيظل كذلك وفقاً للعقيدة الإسلامية التي تحفظ له حقوقه". وطمأن المواطنين كافة بقوله:"لا يمكن أن أسمح لأحد أو لنفسي بالتدخل في الشؤون العامة أو الخاصة للمواطنين بما في ذلك حريتهم التي كفلها لهم الإسلام". وبعد أن دارت أحداث الحرب المريرة، التي انتهت بهزيمة النظام العراقي وانسحابه من دولة الكويت ألقى الملك فهد كلمة تحدث فيها عن هذه النصر العظيم حيث أوضح بأنه كان يعلم"بفكر صدام المتسلط". وقال:"كان يقال لنا، ما بين الوقت والآخر، أن لديه أهدافاً أخرى، وأنا سمعت بأذني من بضع سنوات، قول صدام في أحد أحاديثه لمجتمعه، وفي الإذاعة إنه لا يطمئن أبداً إلا أن يحكم البعث جميع البلدان العربية". وشدد الفهد في كلمته على أن"النصر لا يأتي إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وليس من الارتباط بأحزاب". وتحدث أيضاً عن أن طبيعة هذه البلاد وواجبات أهلها عليها تختلف عن أي بلد آخر، وقال:"ولهذا الأساس لن نستقبل أي مبدأ كان من المبادئ التي يعتبرونها تنظيمية لحياتهم الاجتماعية إلا ما جد في الأمور المفيدة للإسلام والمسلمين، بشرط ألا تخالف ما وضحه رب العزة والجلال في كتابه العزيز، ورسوله النبي الكريم". وعاهد الله أن تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس والقاعدة والمنطلق، وأشار"وما خالفها لن نهتم به، ولن نتبعه، ولا يهمنا من أراد أن يقول كبيراً كان أو صغيراً، نحن أقوى بالله عز وجل، ومن أراد أن يحاججنا فسنتغلب عليه، لأننا نعتمد على قدرة العزيز القدير". وقال يرحمه الله عن انتصار الحق في الكويت:"الآن نرى ما حدث وما حصل، من انتصار للحق وردع للباطل، وهذه نعمة من الله".