لا يتوقع زائر مستشفى أو مركز صحي أن تقول ممرضة في مهنتها "إنها أصبحت عيباً". فالممرضة المقتنعة تماماً بأن مهنتها لا تخلو من رسالة"إنسانية"، لم تبدل رأيها لو لم تتعرض خلال تأديتها عملها لمواقف"أخجل من ذكرها". وهذه المواقف لا تكمن في صعوبة العمل والدوام الطويل، بل في"تحرشات"و"مضايقات"تصدر عن مرضى وزائرين. وتروي ممرضة رفضت ذكر اسمها أنها كانت مع زميلتين لها، ذاهبات إلى المستشفى الذي يعملن فيه، فإذا بسيارة فيها أربعة شبان تلحق بهن. وتقول"لم نكترث بهم ولم نخف منهم، لأننا ثلاث، ولن يستطيعوا أن يفعلوا لنا شيئاً". لكن ظن الممرضات الثلاث خاب تماماً، إذ اقتربت السيارة من الممرضات، وحاول أحد الشبان الإمساك بواحدة منهن ، ما أصابها بانهيار عصبي، نُقلت على أثره إلى المستشفى الذي تعمل فيه، ولم تعد تستطع الكلام حتى خضعت لعلاج على يدي أخصائية نفسية يومين، فشفيت وتحدثت وبكت. أما زميلتاها فلم يكن وضعهما أفضل كثيراً بل أصيبتا أيضاً بانهيار عصبي، ونقلتا إلى المستشفى وخضعتا أيضاً للعلاج. هذا بعض مما تتعرض له الممرضات خارج المستشفيات، أما ما يحصل داخلها فهو"أفظع". ولم تخف ممرضات كثيرات تذمرهن من"عالم الإزعاج والمعاكسات"داخل أروقة المستشفيات والمراكز الصحية، ناهيك بالنظرة إلى مهنتهن"التي أصبحت عقبة أمام الزواج والعمل أحياناً". وتحدثت ممرضات عن المهمة الوظيفية التي"تتحول إلى مشاعر ملتهبة"في قلوب المرضى لتعلقهم بالممرضات، وتفوههم بكلمات غزلية منها"صوتك حلو"و"أنت مثل القمر"و"يدك حنونة"و"ممكن نتعرف". وتتحدث ممرضة أخرى عن تصرفات بعض المرضى عند خروجهم من المستشفى، إذ يلقون نظرات الوداع والهدايا التذكارية. وتقول إنها تفاجأت بعد خروج مريض من غرفته بتقديمه باقة الورد إليها وزجاجة عطر"يزينها"رقم جواله وبطاقة شكر على ما قدمته له وعبارات حب"أضحكتني". لكن الأمر لا يقتصر على ما يبدو على الكلام"الجميل"وباقات الورد، بل يتعداه إلى الفعل. فالاتصالات الهاتفية التي أصبحت"عادة"وتحمل مضامين لا يمكن ذكرها، إضافة إلى أسلوب اتبعه المرضى عند مرورهم قرب الممرضة، إذ يضعون رقم الجوال ويتابعون السير ب"أدب". وتقول ممرضة إنها استقلت المصعد مرة، فإذا برجل يدخل خلفها ويضغط على زر الطابق السابع، ويرغمها على أخذ رقم جواله وهددها بكلمات"أشعرتني أنني في فيلم مطاردة". وتشير ممرضة إلى حادث لا تستطيع مسحه من ذاكرتها. وتقول إنها كانت تستخدم الصراف الآلي وإذا :"بأحد المراجعين يدنو مني، وكأنه يترصدني، فيخطف حقيبتي من يدي ويلقي بي أرضاً، ما تسبب باصابتي برضوض، وتمكن من الحصول على جوالي". ولم تتوقع مجموعة من الممرضات أن يسمعن عبارات غير لائقة وخصوصاً من المرضى المنومين وضيوفهم. وتقول احداهن انها دخلت إلى غرفة مريض لقياس ضغطه، فوجدت عنده زواراً يتحدثون ويقهقون، وعندما"دخلت الغرفة فوجئت بأحدهم يحاول الإمساك بيدي، ويطلب مني أن أكشف عن رأسي ليرى شعري، فخرجت مسرعة باكية بصوت لفت انتباه الأطباء والمرضى. وتبدي الممرضات استياءهن من تساؤل الشبان عن أخلاقياتهن للتقدم لخطبتهن"ما هي تصرفاتها؟ وكيف أخلاقها؟". وتقول احداهن"أثناء خروجنا إلى مكان عام غالباً ما نكون مراقبات من بعض المرضى بقولهم أنت أي واحدة فيهن؟" وتذكر إحدى الممرضات ما حصل داخل مكتبها عندما أغلق أحد المراجعين الباب، وأصر عليها أن تأخذ رقم جواله، وهو يتمتم بعبارات بذيئة،"خفت من منظره، وأجبرني على أخذ رقمه، وعندما استطعت الإمساك بيد الباب، صرخت في وجهه وحذرته باستدعاء الأمن، لكنه لم يكترث، وخرج وهو يبتسم". وترى أخصائية نفسية أن"المستشفيات تحولت من خدمة اجتماعية وإحساس بالمسؤولية إلى مراكز ترفيهية وتعارف". وتشير إلى"آثار سلبية أصبحت خراباً على المجتمع، بازدياد النظرة السيئة إلى الممرضة، وبخاصة أن رؤية الممرضة داخل المستشفى أسهل بالنسبة إلى بعض المعاكسين، مما يحصل معهم داخل المجمعات التجارية". وتشير إلى أن"معظم الممرضات تعودن على هذا النمط من التعامل والمواقف السلبية، وعليهن ألا يتحن الفرصة للمعاكسين، لأنهن في الوقت نفسه، لا يستطعن البوح بكل ما يتعرضن له، لأنهن قد يجبرن على المكوث في المنزل، ويرين أن الحل أن يسكتن عما يحصل لهن". وتوضح أن"بعض الشكاوى يرفع إلى المسؤولين باسم قسم التمريض تفادياً للحرج"، مشيرة إلى أن"بعض الممرضات قد تدفعهن ظروفهن المادية إلى السكوت عما يحصل لهن، بهدف تحسين أوضاعهن المادية ويتحملن في مقابل ذلك ضغوطاً نفسية تنعكس بسلبيات داخلية". لكن لا يقتصر على ما تتعرض له الممرضات، بل يشمل الممرضين أيضاً الذين يتعرضون لمعاكسات من مراجعات. ويهمس إبراهيم ممرض في العقد الثالث من عمره بالقول:"تعرضت لي إحدى المريضات أثناء ممارسة عملي بقولها إنني زوجها، ولا أحد يقربها واتهمتني باطلاً". لم يستطع إبراهيم الرد عليها خوفاً من تقديمها شكوى ضده، تؤدي به إلى لجنة التحقيق، ومنها إلى لجنة الفصل"انقلب وجهي إلى اللون الأزرق واضطررت إلى السكوت". أما زميله فتعرض إلى"إزعاج"من إحدى المريضات عندما قالت له"أنا معجبة". وحيال هذه القضايا الكثيرة، أوضحت مصادر مطلعة في الشؤون الصحية في المنطقة الشرقية أنها سجلت"حالات تحرش للممرضات من بعض المراجعين، وتم تسجيل تلك الوقائع وتسليمها إلى الشرطة لمتابعة تلك القضايا، كما تم ضبط حالات تحرش من بعض الرجال في الكادرين الطبي والتمريضي ببعض الممرضات، ما دعا إدارة المتابعة التابعة للشؤون الصحية في الشرقية إلى التحقيق مع أحد الموظفين وتوجيه إنذار رسمي إليه، ونقله من موقع عمله كأقل إجراء يمكن اتخاذه". وأضاف أنه"لم يتم تسجيل أي حالة فصل، لأن حالات التحرش التي تم ضبطها في مراحلها الأولية، ولم تتطور لتستحق الفصل، ووصف المصدر هذه الحالات بالقليلة، وتحدث غالباً في المستشفيات العامة، وتكثر في المراكز الصحية، لأنها موزعة في الأحياء.