تكريم 8 شخصيات وقطاعات سعودية متميزة    بيشكتاش يطلب ضم لابورت    ‫شقيق الزميل الراشد في ذمة الله    تياغو بيزيرا.. مسيرة "مهندس الصعود" في الملاعب السعودية    أمانة القصيم توفر 290 منفذ بيع لتمكين الباعة الجائلين والأسر المنتجة    بالدمام إحالة مقيم إلى النيابة لبيعه مستحضرات غير مسجلة    أربعة تخصصات فرعية جديدة بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    نواف العقيدي يكتفي بالتمارين الخاصة مع الجهاز الطبي    السعودية تفرض قيوداً على لعبة روبلوكس لتعزيز الأمان الرقمي    غرفة الرس تستعرض منجزاتها في الدورتين الثالثة والرابعة    إطلاق حملة قرية العليا الأجمل لتحسين المشهد الحضري للمدينة    بنك التنمية الاجتماعية والثقافة والفنون بالرياض يستعرضان نجاحات "بنك الفن"    نمو ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالمملكة    استخدام الإنترنت في السعودية يقفز ل 3 أضعاف المعدل العالمي    الطريق البري بين المملكة وعُمان إنجاز هندسي في قلب الربع الخالي    سعر أوقية الذهب يصل الى "3561.97" دولار    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    كبار أوروبا يبدؤون مشوارهم في تصفيات كأس العالم    استعرضا سبل تعزيز العلاقات الثنائية.. ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطورات الأوضاع الإقليمية    بسبب أزمة كأس السوبر.. «اتحاد القدم» يقيل القاسم والمحمادي أميناً    العميد ومشوار اللقب    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    لا أمل بالعثور على ناجين بعد زلزال أفغانستان    ضبط 73 حالة اشتباه بالتستر في أغسطس    الواحدي والدغاري يحتفلان بزفاف محمد    «منارة العلا» ترصد الخسوف الأحد المقبل    كشافة شباب مكة يطمئنون على الهوساوي    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    أسماء جلال تنتهي من فيلم «إن غاب القط»    «مدل بيست» تفتح طريق العالمية للموهوبين    نجاح علاج أول مريضة بالخلايا التائية المصنّعة محليًا    إنجاز سعودي.. أريج العطوي تحصل على براءة الاختراع الأميركية في تحسين التوازن النفسي    100 % امتثال تجمع جدة الصحي الثاني    أمانة الشرقية تناقش تحسين المشهد الحضري    لبنان: مسيرات إسرائيلية تسقط قنابل قرب قوات «اليونيفيل»    مناشدات للمساعدة في انتشال قتلى انزلاق دارفور    عالم بشع    واحة إستراتيجية ناعمة بتأثير عميق    الأديب جبير المليحان.. نصف قرن من العطاء    "ملاحم الدولة السعودية" يوثق ثلاثة قرون من البطولة والتوحيد..    ركن الوراق    السينما لا تعرف الصفر    حُسنُ الختام    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    تذكر النصر العظيم، وبناء مستقبل مشرق معًا    الريان القطري يتوصل لاتفاق لضم ميتروفيتش مهاجم الهلال    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينقذ حياة «صيني» مصاب بعيب خلقي أدى إلى انسداد الأمعاء    تقرير «الأرصاد» على طاولة أمير الجوف    منع تجاوز الحواجز التنظيمية في الحرمين    المملكة توزع 2.000 سلة غذائية للمتضررين من السيول في مدينة قيسان بولاية النيل الأزرق في السودان    فضيلة المستشار الشرعي بجازان "التماسك سياج الأوطان، وحصن المجتمعات"    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    نص لِص!!    « البابايا» تعالج أعراض حمى الضنك    خطبة الجمعة.. حقوق كبار السن وواجب المجتمع تجاههم    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    المملكة تعزي السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عند البيت العتيق
نشر في الحياة يوم 24 - 01 - 2005

كم يبدو البيت العتيق شجرة لا حجراً. شجرة لا تشبهها شجرة، إذ تحس بظلال الإيمان وتأنس بوارفها تحت الشمس القاسية. تطوف من حول الكعبة كمن يؤكد محور التوحيد ونقطته الجامعة، والمؤمنون يلبون النداء: لبيك اللهم لبيك.
وفي مناسكهم طوافاً حول البيت وسعياً بين الصفا والمروة يمارس المسلمون ما كانت السيدة الكبرى هاجر تمارسه ومعها ابنها الطفل النبي إسماعيل تحت هاجرة القيظ، فإذا الله تعالى يلبيها بماء زمزم يتفجر في واد بلا زرع إلى الآن.
من أنحاء العالم يأتون ليؤكدوا إيمانهم، وكنا في عداد حجاج زادوا عن المليونين، قاطعين بالسيارة المسافة بين الرياض ومكة المكرمة، على مرمى بصرنا صحراء النفود بلونها البرتقالي الممزوج بصفرة شاحبة، وتزين المدى الأصفر بقع خضراء داكنة، مشيرة إلى سكنى بشر مزودين خبرة قرون من العيش الصعب، ونعمة الحضارة الحديثة ترسم دلالاتها في أعمدة الطاقة الكهربائية.
يؤدي مناسك الحج من يدفعه الإيمان والاستطاعة. هنا في وادي مكة وفي منى والمزدلفة ومن قبلهما جبل عرفات، ترى الحجيج بلون إحرامهم الأبيض، وصوت واحد يعلو من الحناجر بقدر ما يغوص في النفس: لبيك اللهم لبيك.
لون أبيض يتحرك ببطء على قاعدة الأرض السمراء، وفي الخلفية حجارة الجبال السود.
بياض الإيمان وفرح المحبة ويقين التوحيد، ولابسو الأبيض هؤلاء أسلموا أمرهم إلى الله رب العالمين لا رب المسلمين وحدهم.
إننا أمام أكبر حشد سنوي تشهده البشرية، مرة كل عام في ذي الحجة، إذ تهفو نفوس عشرات الملايين إلى المكان المقدس ويأتي إليه ما يزيد على المليونين من المستطيعين.
ويوالي لابسو الإحرام البيض أقدم المناسك المستمرة على وجه الأرض، إذ ابتدأ الحج مع النبيين إبراهيم الأب وإسماعيل الإبن، واستمرت مناسكه تقرباً إلى الله، ثم جفت ينابيع الإيمان فتحولت المناسك شكلاً وثنياً، إلى أن أتى نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم فجدد الإيمان وأعاد للحج صورته الأولى.
يشعر الحجيج في كل عام بأنهم عباد الله والمصدقون بأنبيائه جميعاً, وأنهم أتوا ملبين نداء الله تعالى لا لأي شأن آخر. قال الشاعر الجاهلي:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وقوله علامة أن مكة طوت جاهليتها إلى معرفة الله والإيمان به واحتضان رسالاته عبر الأنبياء، بدءاً بإبراهيم.
وكمثل يوم حشر حركة المليونين في البقاع المقدسة. موج أبيض رهيف، ومؤمنون يتخففون من أعراض الدنيا ليتشابهوا في المشترك البشري. موج أبيض يعلي رسالة الإيمان البيضاء، أو كأنه يقول: نعيش حياتنا إيماناً وسلاماً ومحبة حتى إذا ألبسنا الأكفان البيضاء نلقى ربنا راضين مرضيين.
ولم تخل مناسك الحج في تاريخها الوسيط والمعاصر من محاولات لدمج العبادة بالشأن السياسي العابر، لكن الأرجح أن الحج كركن عبادي إسلامي يبقى الهدف الغالب والدائم للحجيج، ومن أراد إطلاق رأي سياسي عابر فهناك أمكنة كثيرة يمكن اختيارها للجدل لا هذا المكان الذي أراده الله آمناً للمتعبدين.
بل إن هناك من يرى أن الإسلام كدين يجتاز في زمننا الحاضر مأزق تشويه بيد من استخدموا كلمة"إسلام"و"إسلامي"كنعت لآراء سياسية يتحملون هم مسؤوليتها إيجاباً أو سلباً، ولا يجوز أن تنسب هذه الآراء الشخصية أو الحزبية أو الفئوية إلى الإسلام كدين. وحين ترى هؤلاء الحجاج الذين يزيد عددهم على المليونين بثيابهم البيضاء ومناسكهم البيضاء، تحس بقدر الظلم الذي يقع عليهم حين يتجرأ رجل أو جماعة على قول شخصي أو فعل شخصي وينسبه إلى الأتقياء الذين أتوا إلى مكة المكرمة ملبين نداء ربهم ومؤكدين إسلامهم: لبيك اللهم لبيك وليس أبداً لبيك يا فلان من قادة الجماعات المسماة إسلامية.
* * *
ومما لا يغيب عن ذاكرة ملايين الحجاج في العالم، فضلاً عن تجربة الحج نفسها كفعل إيمان، ما يرونه ويلمسونه من عناية المملكة العربية السعودية. فهذه الدولة التي سمّى مليكها نفسه"خادم الحرمين الشريفين"تنتقل كلها إلى مكة المكرمة في أيام الحج، وترى الوزراء والمديرين إلى جانب رجال الأمن والمسؤولين عن التغذية والصحة، تراهم جميعاً يتابعون دقائق وضع الحجيج. وثمة لجان تمضي العام في درس أنجع الوسائل لخدمة مؤدي المناسك في قدومهم وحجهم ونفرتهم. وهناك مشاهد تراها فلا تستطيع أبداً تخيل الجهد المبذول في عمليات لوجستية غير مسبوقة، كأن يأتي إلى المزدلفة أكثر من مليوني حاج لمدة لا تزيد على عشرين ساعة، فتجد من يؤدي لهم الخدمات في هذه الساعات المعدودات، ثم تعود المزدلفة خلال 364 يوماً من السنة مكاناً لا يسكنه أحد أو يسكنه قليلون. بل إن أهل مكة والسعوديين الآتين إليها يعبرون يومياً عن تراث في خدمة الحجيج توارثوه عبر مئات السنين، لذلك، ليس فقط من باب آداب الإعلام ما يصرح به الحجاج والمسؤولون في بلادهم الأصلية من مشاعر الشكر للمملكة حكماً وشعباً على ما قدموا ويقدمون لتسهيل حج المؤمنين الذين يتزايد عددهم، ما يتطلب جهداً على غير صعيد، ومن ذلك فتاوى تستند إلى يسر أباحه الشرع عند الضرورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.