توسع عسكري إسرائيلي جنوب سوريا يعمق الأزمة ويهدد بالتوتر الإقليمي    جمعية مشاة الزلفي تنفذ برنامج المشي على الرمال بمشاركة 14 مدينة    بلدية محافظة الشماسية تنهي معالجة آثار الحالة المطرية التي شهدتها المحافظة    أكثر من 8 ملايين زائر لموسم الرياض 2025    القيادة السعودية تعزي ملك المغرب في وفاة 37 شخصا بسبب فيضانات آسفي    أمير الكويت يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    المغرب تتغلّب على الإمارات بثلاثية وتتأهل لنهائي كأس العرب    مطار الملك عبد العزيز.. 50 مليون مسافر في 2025    ارتفاع الطلب العالمي على النفط ب 860 ألف برميل يوميا خلال 2026    القادسية في مفترق طرق.. غونزاليس يغادر ورودجرز قريب من الإشراف الفني    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلّف    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل منتخب جامعة جازان    سهم كابيتال تستضيف قمتها العالمية الأولى للاستثمار في الرياض    حين تُستبدل القلوب بالعدسات    "إثراء" يحتفي بيوم اللغة العربية على مدار ثلاث أيام    فيصل بن مشعل يتسلّم التقرير الختامي لمبادرة "إرث ينطق"    المرأة العاملة بين وظيفتها الأسرية والمهنية    "سعود الطبية" تنجح في إجراء قسطرة علاجية نادرة لطفلة بعمر خمسة أشهر    تقييم الحوادث يعلن نتائج تحقيقاته في عدد من الادعاءات المنسوبة لقوات التحالف    غداً .. "كبدك" تُطلق برنامج الطبيب الزائر «عيادة ترحال» ومعرضًا توعويًا شاملًا في عرعر    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مبرة دار الخير    شفيعًا تشارك في فعاليات جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة لليوم العالمي لذوي الإعاقة بجامعة الفيصل    الدولار يستقر قرب أدنى مستوى له    أمير منطقة جازان يستقبل إمام المسجد النبوي    الكرملين يعتبر بقاء كييف خارج الناتو نقطة أساسية في المفاوضات    دور إدارة المنح في الأوقاف    لقاء تاريخي حافل لأبناء عنيزة القاطنين بمكة المكرمة    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات بحق 40 سفينة من " أسطول الظل"    التضخم في المملكة يتراجع إلى 1.9% في نوفمبر مسجّلًا أدنى مستوى في 9 أشهر    وفد أعضاء مجلس الشورى يطّلع على أدوار الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة    مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالحزام الناري، ما الأسباب وطرق الوقاية لمن هم فوق الخمسين عاما    قبيلة الجعافرة تكرّم الدكتور سعود يحيى حمد جعفري في حفل علمي وثقافي مهيب    ثلاث جولات في مختلف مناطق المملكة ، وبمشاركة أبطال السباقات الصحراوية    طلاب ابتدائية مصعب بن عمير يواصلون رحلتهم التعليمية عن بُعد بكل جدّ    صينية تعالج قلقها بجمع بقايا طعام الأعراس    براك يزور تل أبيب لمنع التصعيد بالمنطقة    ديبورتيفو الكوستاريكي يتوّج ببطولة مهد الدولية للقارات لكرة القدم    نجوم القارة السمراء يستعدون لترك أنديتهم.. «صلاح وحكيمي وأوسيمين» تحت المجهر في كأس أمم أفريقيا    "أمِّ القُرى" تعقد لقاءً تعريفيًّا مع التَّقويم والاعتماد الأكاديمي    الخريجي: الحوار البناء أداة تفاهم بين الشعوب    القراءة الورقية.. الحنين إلى العمق والرزانة    من القمة.. يبدأ السرد السعودي    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الإرهابي بمدينة سيدني الأسترالية    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    دعت جميع الشركاء في المنظومة لتفعيل البرنامج.. «الموارد»: 5 مجالات لتعزيز التنمية الشبابة    مواجهات مع مستوطنين مسلحين.. اقتحامات إسرائيلية متواصلة في الضفة الغربية    بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.. ولي العهد ووزير خارجية الصين يستعرضان العلاقات الثنائية    أمير نجران يُشيد بإنجازات "الصحة" في جوائز تجربة العميل    دراسة: دواء جديد يتفوق على «أوزمبيك» و«ويغوفي»    في ورشة عمل ب"كتاب جدة" خطوات لتحفيز الطفل على الكتابة    أمانة الرياض تطلق فعالية «بسطة» في حديقة الشهداء بحي غرناطة    الأحمدي يكتب.. وابتسمت الجماهير الوحداوية    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    اختتام المؤتمر الدولي لخالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    الغرور العدو المتخفي    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصف بليون دولار نفقاته وتقارير عن أوسع عمليات فساد 2 من 2 . دراجة هوائية للبرلمان العراقي ب 10 آلاف دولار ... وهدية عقارية لكل نائب
نشر في الحياة يوم 21 - 09 - 2013

على رغم كل المطالبات الشعبية والتهديد بالتظاهر احتجاجاً على تقاعد البرلمان وامتيازاته العالية، أقر البرلمان العراقي في تموز الماضي موازنته للعام 2014 وهو ما اعتبر في حينه، استهانة برغبات الشعب العراقي. فالبرلمان رفع موازنته من 387 بليون دينار 330 مليون دولار عام 2013، الى 528 بليون دينار 450 مليون دولار في موازنة 2014.
الزيادة التي اقرها البرلمان بمقدار 38 في المئة، فاقت في شكل كبير مقدار الزيادة المتوقعة في عدد النواب خلال الدورة المقبلة 4 في المئة، ومعدل التضخم في العراق 5 في المئة الى 6 في المئة. ولم يقدم البرلمان تبريرات كافية لهذه الزيادة واكتفى بالرد على منتقديه بأن الموازنة التي اقرها"هي أقل بكثير من موازنتي رئاستي الجمهورية والوزراء"، تضم مؤسسة البرلمان قرابة 1400 موظف اضافة الى 325 نائباً فقط.
تشرح النائب عالية نصيف تفاصيل الزيادات في الموازنة، وتقارنها بموازنة العام 2012، فقد ارتفعت كلف التنظيف بمقدار 636 مليون دينار 540 الف دولار اضافة الى بدلات عمل ب 318 الف دولار. وارتفعت كلفة الحواجز الامنية من 8500 دولار الى 425 الف دولار، وكلفة الأجهزة والمكائن من 580 الف دولار الى 10 مليون دولار. و2.45 مليون دولار كمخصصات ملابس، و8.5 مليون دولار للصيانة و24 مليون دولار كمنح وإعانات، و19 مليون دولار نفقات استثنائية لا تعرف طبيعتها.
تضمنت الموازنة ايضاً مبالغ"لشراء دراجات هوائية". وهذه الفقرة ذكّرت العراقيين بقضية إيفاد موظف برلماني الى مدينة اربيل لشراء دراجة هوائية ألمانية الصنع قالت الصحف في حينه ان ثمنها هو 10 آلاف دولار، فيما رد البرلمان بأن سعرها الحقيقي لا يتعدى مليونين و318 ألف دينار عراقي ألفي دولار من دون ذكر كلفة الإيفاد نفسه.
الارض مقابل"السلام"
يعتقد الباحث والاكاديمي موسى العبيدي، ان محاولة اعضاء البرلمان الحفاظ على الامتيازات التي حصلوا عليها،"سهلت على الحكومة مهمة الإفلات من المساءلة". ويذكر العبيدي هنا كيف أن رئيس الوزراء وافق على منح النواب قطع اراض على نهر دجلة وبواقع 600 متر مربع لكل نائب، في الوقت ذاته الذي كان فيه البرلمان يخوض جدلاً حول امكانية إقالة الحكومة.
العبيدي يعتقد ان الارض كانت بمثابة"رشوة"، قياساً الى ان الاراضي المرصودة تبلغ قيمة المتر المربع الواحد منها اكثر من 3 آلاف دولار 1.8 مليون دولار لقطعة الارض الواحدة.
الامر ذاته كان حاضراً خلال بدء الدورة الحالية عملها، كما يقول الإعلامي أياد طارق، فوفقاً لكتاب مجلس الوزراء الرقم 29349 في 23/8/2010 الفترة التي كان فيها رئيس الوزراء يخوض مفاوضات صعبة للبقاء في منصبه لدورة ثانية، اعلنت رئاسة الوزراء عن تحويل"حي البساتين"في منطقة الأعظمية الراقية الواقعة على نهر دجلة، من ملكية وزارة المالية الى ملكية مجلس النواب.
بعد تسلم رئيس الوزراء ولايته الثانية، بأقل من شهر واحد، وافقت وزارة المالية رسمياً على تحويل الارض الى مجلس النواب وفق كتابيها 85 في 2/1/2011 و779 في10/1/2011، وسجلت القطعة باسم مجلس النواب بالقيد 4/ك2/2011/701.
لم تكن الارض المرصودة خالية من السكان، فهناك ما يقرب من 6 آلاف عائلة كانت تعيش بصفة غير قانونية على هذه الارض، لأنها لم تمتلك مأوى وسط ازمة سكن خانقة عجزت الحكومة عن حلّها على مدى سنوات.
يتساءل الباحث العبيدي الذي يعيش في مدينة الكاظمية المطلة على نهر دجلة، كيف يمكن برلماناً يتعامل بطريقة الأخذ والعطاء أن يحاسب رئيس الوزراء نوري المالكي، ونائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، ونائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، على تملكهم قطعة أرض من اغلى اراضي الكاظمية، وبمساحة تناهز ألفي متر مربع كانت مخصصة اصلاً لإقامة متنزه لأهالي الكاظمية.
شلل برلماني
يستشهد الباحث اسعد الفاضلي، على ضعف الجهاز الرقابي للبرلمان المنصوص عليه في المادة 32 من الدستور، بأن الاخير"كان عاجزاً تماماً عن تجريم المتورطين في صفقة الاسلحة الروسية التي كان عرّابها المتحدث السابق باسم الحكومة علي الدباغ"، مذكراً بأن الصراع الاعلامي بين الحكومة وكتل نافذة في البرلمان"انتهى بالاتفاق على اغلاق ملف الاسلحة الروسية التي قيل ان المتورطين فيها من المقربين من رئيس الوزراء نفسه، مقابل إغلاق ملف تورط نواب نافذين في ابتزاز البنك المركزي للحصول على ارباح طائلة من طريق التلاعب بأسعار صرف العملة".
ويضيف الفاضلي الى قائمة"العجز البرلماني"كما يسميه،"الفشل في محاسبة المتورطين بقضايا فساد تقدر قيمتها ب25 بليون دولار، وفق هيئة النزاهة البرلمانية". ويذكّر الفاضلي هنا بفضيحة توقيع وزير الكهرباء السابق رعد شلال عقدين ضخمين في تموز 2011، مع شركتين، احداهما كندية capgent والأخرى ألمانية mbh، بما مجموعه 1.7 بليون دولار.
الفضيحة لم يكشفها الجهاز الرقابي للبرلمان، بل وزير التخطيط العراقي السابق جواد هاشم الذي اثبت لرئيس الوزراء بالأدلة ان الشركة الكندية عقدها ببليون دولار كانت عبارة عن شركة وهمية وموجودة فقط، على الورق. فيما كانت الشركة الالمانية عقدها ب700 مليون دولار قد اعلنت افلاسها قبل توقيعها العقد بستة اشهر.
القضية انتهت بإقالة وزير الكهرباء من منصبه من جانب رئيس الوزراء نفسه، فيما تدارك البرلمان موقفه الحرج بإعلان القائمة التي ينتمي اليها وزير الكهرباء بأنها لن تسكت عن حق الشعب العراقي وستحاسب الوزير المتورط بنفسها. ثم اغلق ملف القضية حتى هذه اللحظة.
يضيف الفاضلي الى القائمة، فشل البرلمان حتى في استجواب او استضافة المتسببين بالتردي الامني في العراق، خصوصاً مع تصاعد أعداد الضحايا عام 2013 الى اعلى مستوياته منذ عام 2008.
حين ارتفعت مطالبات البرلمانين باستجواب رئيس الوزراء لمحاسبته على التردي الامني، كما يقول الفاضلي، توعد الاخير بكشف ملفات النواب المتورطين بدعم الارهاب اذا ما أُجبر على المثول أمام البرلمان.
منذئذ، خفتت الاصوات المطالبة بالاستجواب سوى بعض المطالبات الخجولة التي كانت تنطلق عقب كل موجة من موجات السيارات المفخخة، والتي باتت تضرب العاصمة بغداد مرة كل اسبوع، وبمعدل 20 سيارة مفخخة يختار تنظيم"القاعدة"موعد تفجيرها ومكانه.
لم يتمكن البرلمان ايضاً، كما يقول احمد الشمري وهو المتحدث باسم حركة تطالب باعتبار التفجيرات في العراق جرائم إبادة جماعية، من محاسبة الحكومة على استخدام الاجهزة الامنية على مدى سنوات أجهزة مغشوشة لكشف المتفجرات، على رغم اعتراف الحكومة لاحقاً بأن هذه الاجهزة"رديئة".
لم يستطع البرلمان ايضاً، كما يعتقد الكاتب احمد المهنا، وقف هيمنة رئيس الوزراء على المؤسسات الامنية وتشكيله مؤسسات أمنية غير دستورية مرتبطة به حصراً. وأيضاً، استحواذه على وزارتي الدفاع والداخلية يخلو الطاقم الحكومي من وزيري الدفاع والداخلية منذ تشكيل الحكومة قبل 3 سنوات، فضلاً عن سيطرته على الجيش وقوى الامن الداخلي وجهاز المخابرات.
اسباب الإخفاق
يعتقد باحثون وإعلاميون، ان اسباب إخفاق البرلمان لا يمكن حصرها في اتجاه واحد، فعلى رغم انه"برلمان يمتلك حق انتاج ومراقبة واستبدال السلطة التنفيذية"، كما يقول الكاتب مشرق عباس، لكنه عجز حتى الآن عن السيطرة على الجهاز التنفيذي برمّته.
بخلاف النظم البرلمانية التي يكون فيها انتخاب الرئيس والبرلمان بعمليتي تصويت منفصلتين قد تفضيان الى صراع بين المؤسسة الرئاسية المنتخبة والبرلمانية المنتخبة ايضاً، بخلاف هذه النظم، يمتلك العراق نظاماً برلمانياً يقوم على انتخاب مباشر للبرلمان الذي يختار هو وحده، وبإرادته كما يفترض، كل اعضاء السلطة التنفيذية.
هذا يعني كما يقول الكاتب احمد المهنا، ان فشل البرلمان في اختيار الحكومة يعود بالانتقاد على البرلمان نفسه. يعتقد المهنا ان العام 2010 الذي التأم فيه هذا البرلمان، كان"لحظة صعود"تحولت الى"لحظة سقوط"، لأنها أنتجت"برلماناً عاجزاً وحكومة فاسدة بقرار غير عراقي على الاطلاق". فيما يعتقد الكاتب هافال زاخويي أن الحكومة في النهاية هي نتاج البرلمان نفسه، وعجزه عن محاسبتها"يضاعف مسؤوليته عن الازمة التي تشهدها البلاد".
الاكاديمي فراس الياسي يعترض على تحميل البرلمان وحده مسؤولية الفشل، فلو كانت الحكومة تسعى فعلاً لتثبيت اسس عمل سياسي صحيح، لما اتهم البرلمان بأنه سبب كل ما يحصل الآن. لكن يجادل بأن برلماناً لا يمتلك كتلة معارضة، من غير الممكن وصفه بأنه برلمان حقيقي، وهو متيقن بأن الازمة بدأت منذ استقلت القوائم المنافسة لرئيس الوزراء كي تأخذ حصتها من الكابينة الوزارية، ثم بدأت تلعب لعبة رجل في الحكومة ورجل في المعارضة".
يفتقد البرلمان العراقي جبهة معارضة، فكل الكتل الفائزة تشارك في الحكومة الحالية، ويتم احتساب النصاب المطلوب لنيل وزارة سيادية او غير سيادية، وفقاً لعدد مقاعد كل كتلة. والكتلة التي لا تؤهلها مقاعدها لأخذ منصب وزاري، تتم غالباً ترضيتها بعدد من وكالات الوزارات، او المديريات العامة.
الباحث الصميدعي يكشف ان الوزارات والمناصب الحكومية في العراق"تدر موارد مالية ضخمة للأحزاب تسمح لها بكسب مؤيدين جدد وتمويل دعاياتها الانتخابية، لهذا غالباً ما تتخلى الاحزاب والتيارات عن مقاعد المعارضة الحقيقية، لتشارك في غنائم السلطة وتلعب دور المعارضة أمام الإعلام فقط".
لا يتفاءل الكاتب مشرق عباس بأن من الممكن ان يؤدي البرلمان دوره التشريعي والرقابي خلال الفترة القليلة المتبقية من عمر البرلمان، وهو يفسر فشل البرلمان في تشريع اهم القوانين التي تحتاجها البلاد مثل قانون النفط والغاز وقانون الاحزاب وعشرات من القوانين المجمدة حتى إشعار آخر، بانفراد مجموعة من الزعماء السياسيين باتخاذ القرارات في ما يتعلق بتشريعات البرلمان"على رغم ان اغلب هؤلاء الزعماء لم يخوضوا مناقشات برلمانية ولو مرة واحدة في حياتهم".
هذا يعني، وفق ما يراه الكاتب عباس، ان آلية اتخاذ القرار بعد فحص القوانين ومناقشتها تفصيلياً وبمقدار عال من المرونة، وهو ما يجري في برلمانات العالم، غير متوافرة في الحالة العراقية. إذ إن لقاءات الزعماء النافذين مع بعضهم بعضاً نادرة، وأحياناً تشهد العلاقات قطيعة بينهم تمتد لسنوات يعيش خلالها البرلمان شللاً مزمناً.
يذكّر الكاتب زاخويي هنا، بالقطيعة التي وقعت بين رئيس الوزراء ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني وتسببت في تأزيم الخلافات بين بغداد وأربيل، الى حد إقامة سواتر بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية حتى كادت الامور بينهما تصل الى المواجهة العسكرية.
ايضاً، كما يضيف زاخويي، استغرقت القطيعة بين رئيس الوزراء وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ورئيس البرلمان اسامة النجيفي وزعماء آخرين، زمناً طويلاً وتطلب الامر تدخل اطراف متعددة للتخفيف من حدته.
زاخويي يشير الى ان الغالبية العظمى من النواب وصلوا الى قبة البرلمان بفضل زعماء الاحزاب والتيارات لم يحصل قرابة 300 نائب من اصل 325 وصلوا الى البرلمان، على اصوات العتبة الانتخابية، وهو ما فرض عليهم ان يكونوا"مثل البيادق تماماً"، يخضعون بالكامل لإرادة الزعماء. يشير الكاتب الصميدعي هنا، الى ما قاله له رئيس كتلة نافذة حين سأله الصميدعي عن سر اختياره لأحد البرلمانيين من ذوي الخبرة المتواضعة، رئيس الكتلة ابلغه بأنه يحتاج الى نواب يتراكضون خلفه ولا يسألونه عن تفاصيل قراراته، وليس مجبراً على ترشيح اشخاص"يوجعون الرأس"بمناقشة كل قرار يريد اتخاذه.
يعتقد الصميدعي ان طريقة اختيار البرلمان نفسها"فاشلة"، ولن يحدث اي تغيير اذا بقيت القوانين الانتخابية على حالها، فالقانون الحالي يسمح حتى لأنصاف المتعلمين وقليلي الخبرة بالوصول الى مجلس النواب، حتى اذا كانوا غير معروفين من جانب ناخبيهم. وهو ما يجعل البرلماني يدين بالولاء لصاحب الفضل عليه زعيم الحزب، وليس الناخب الذي يصوت للزعيم ولا علاقة له بباقي أسماء القائمة.
في انتخابات آذار 2010 حصل رئيس الوزراء على 622 ألف صوت في العاصمة بغداد، فيما حصل ثلاثة من قادة القائمة العراقية على 881 ألف صوت.
الغالبية العظمى من النواب كما يرى الصميدعي، لم يدخلوا في مرحلة العمل الحزبي والسياسي قبل وصولهم الى البرلمان، وأغلبهم كانوا يعملون في مهن لا علاقة لها بالسياسة مثل التدريس والتجارة والزراعة والمقاولات وحتى بيع وشراء العقارات. ويتساءل هنا عن الكيفية التي يمكن فيها هؤلاء دخول مناقشات عالية المستوى، غالبيتها ذات طابع قانوني وسياسي، تمهيداً لاتخاذ قرار يتوقف عليه مصير العراق الذي يعاني أصلاً من صراعات قد تحتاج الى اعتى ساسة العالم ومفكريه لإيجاد حلول تناسبها. يتحدث الكاتب حسن عبدالحميد، كيف انه التقى برلمانيين في ورشة في العاصمة اللبنانية بيروت، لم يكن بعضهم يجيد حتى مناقشة الامور السياسية بمعرفة وخبرة طالب في الدراسة المتوسطة.
عبدالحميد لا يبدو متفاجئاً بأن البرلمان يقيم دورات متواصلة لتأهيل البرلمانيين، بما فيها كيفية التحدث وارتداء الملابس والوقوف امام الكاميرات، يعقّب عبدالحميد:"لنتخيل كم نائباً وصل الى قبة البرلمان من دون حتى ان يناقش فكرة داخل قاعة دراسة جامعية".
يتطلب الدخول في عضوية البرلمان، وفقاً لقوانين الانتخابات العراقية، أن يكون المرشح حاصلاً على شهادة الثانوية العامة أو اكثر.
فشل البرلمان تماماً، كما يعتقد الكاتب العبيدي، في التعامل مع مشاكل كبرى واجهت البلاد، وربما سيعجز عن مواجهة مشاكل في الطريق، ابرزها امكانية خلو منصب رئيس الجمهورية. وفراغ المؤسسة الرئاسية التي من المفروض ان توازن سلطة رئيس الوزراء. يشير العبيدي هنا الى ان البرلمان لم يتمكن حتى اللحظة من حل الازمة الرئاسية.
في البداية، كما يقول العبيدي، كان لدينا رئيس جمهورية وثلاثة نواب للرئيس، لكن الآن ليس هناك سوى نائب رئيس في كل المؤسسة الرئاسية. بدأ الأمر باستقالة النائب الاول للرئيس، عادل عبد المهدي، والذي أثرت في مستقبله السياسي حادثة سرقة حراسه لثمانية بلايين دينار 6.5 مليون دولار من مصرف الزوية وسط بغداد، بعد قتلهم ثمانية من حراس المصرف. لاحقاً، أصبح منصب النائب الثاني شاغراً بقرار إعدام نائب الرئيس طارق الهاشمي الذي فر الى الخارج. ومنذ نهاية العام الماضي يرقد الرئيس جلال الطالباني في مستشفى في المانيا وتفرض عليه عزلة تامة يعتقد ان سببها وفاة الرئيس سريرياً.
لم يتبق، وفق العبيدي، إلا نائب الرئيس خضير الخزاعي الذي ينتمي الى حزب رئيس الوزراء. على رغم كل ذلك، لم يجرؤ البرلمان حتى الآن على كسر القواعد والاتفاق على بدلاء للرئيس ونائبيه.
بانتظار انتخابات 2014
حرمت تركيبة البرلمان، كما يرى الكاتب احمد المهنا، ومعه الصميدعي ومشرق عباس وهافال زاخويي والدكتور العبيدي والكاتب عبدالحميد والبروفيسور العامري، ومعهم مراقبون، مثقفون وساسة، حرمت العراق من سلطة تشريعية فاعلة يمكنها الحد من الفساد، او السيطرة على أداء السلطة التنفيذية.
حرمت البلاد ايضاً، من تشريع قوانين يتوقف عليها مستقبل العراق كدولة، مثل قانون النفط والغاز، قانون الاحزاب، قانون متكامل وثابت للانتخابات، والعشرات من القوانين التي تقرر كيف يمكن تسيير الامور في البلاد وتقاسم السلطة والثروة تجنباً لدخول البلاد في نفق التقسيم، او الصراعات الاهلية.
بانتظار انتخابات ربيع العام 2014، كما يعتقد هؤلاء، سيظل كل شيء معطلاً، ولن يتراجع العراق عن موقعه كواحد من اكثر البلدان فساداً في العالم.
* أُنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية نيريج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.