أمير المدينة المنورة: الخطاب الملكي يجسّد النهج الراسخ للدولة    2.47 تريليون ريال عقود التمويل الإسلامي    59% يفضلون تحويل الأموال عبر التطبيقات الرقمية    تداول يواصل الانخفاض    أمير المدينة يشدد على ضرورة الالتزام بالجداول الزمنية للمشروعات    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يلقي الخطاب الملكي في مجلس الشورى    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    اتفاق نووي جديد يعيد فتح أبواب التفتيش في إيران    وزير الثقافة ينوّه بمضامين الخطاب الملكي في مجلس الشورى    ضبط شخص بمنطقة الجوف لترويجه الحشيش و(6,911) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    المملكة توزّع 456 سلة غذائية في مدينة زحلة بلبنان    المكملات بين الاستخدام الواعي والانزلاق الخفي    رئيس مجلس الشورى: دعم القيادة الحكيمة للمجلس امتداد لرؤيتها في تعزيز مسيرة التنمية    أمير تبوك الخطاب الملكي تأكيد للنهج القويم للمملكة داخليًا وخارجيًا    المرور: التمهل قبل الدخول إلى الطرق الرئيسية يحد من الحوادث المرورية    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    حرس الحدود في حقل تضبط مواطن مخالف للائحة الأمن والسلامة لمزاولي الأنشطة البحرية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة "أمان"    أمير القصيم يتسلم تقرير جمعية طهور    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    افتتاح المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في الشارقة    صقار المستقبل برنامج موجه للصغار    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    المفتي: الخطاب الملكي يحمل رسائل سامية لخدمة الوطن والإنسانية    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    وسط حضور جماهيري كبير .. الأخضر السعودي تحت 20 يتوّج بكأس الخليج    رئيس وزراء قطر يعلن تشكيل فريق قانوني للرد على الاعتداء الإسرائيلي    "Grand Arrival"تجمع كانيلو وكروفورد في لاس فيغاس استعدادًا للأمسية التاريخية    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    الدولار يحافظ على استقراره وسط ترقب الأسواق بيانات التضخم الحاسمة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    السعودية ترحب بتوقيع اتفاق استئناف التعاون المشترك بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    المواقيت ومساجد الحل.. خدمات متجددة وتجربة ميسرة للحجاج    جلسة طارئة لمجلس الأمن اليوم    خطة إسرائيلية نحو فرض واقع ديموغرافي جديد    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    "الملك سعود الطبية" تطلق خدمة تخطيط القلب لمرضى الرعاية المنزلية    عيادة متنقلة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية الناتج عن السكري    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. سمو ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى غدًا الأربعاء    السعودية: ندعم الحكومة السورية في إجراءات تحقيق الاستقرار.. قصف إسرائيلي لمواقع في حمص واللاذقية ودمشق    «حقيبة الرفاة».. جريمة هزت العالم    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    رقابة مشددة على نقل السكراب    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    1712 مليار ريال احتياطيات بالخارج    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين بناء على ما رفعه ولي العهد.. نائب أمير الرياض يسلم وسام الملك عبدالعزيز للدلبحي    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    الاتفاق يجهز ديبملي    تاريخ وتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن حقوق الإنسان التي لم تعد حقوقا
نشر في الحياة يوم 22 - 11 - 2013

تقدم المأساة السورية المتواصلة منذ ثلاث سنوات أبشع الصور عن انتهاكات حقوق الإنسان، لم يشهد التاريخ الحديث نظيراً لها. في انتفاضة شعبية ضد نظام استبدادي يجثو على رقاب الشعب السوري منذ أربعة عقود، وفي مواجهة حراك سلمي للمتظاهرين، عمد النظام السوري إلى استخدام أقسى أنواع العنف والقمع في مواجهة شعبه. ها هي سورية اليوم، تقف أمام أكثر من مئية وخمس وعشرين ألف قتيل، وأكثر من نصف مليون جريح، وما لا يقل عن مئتي الف معتقل، وتشريد حوالى عشرة ملايين سوري إلى الخارج. إضافة إلى ذلك تتجلى المأساة أكثر في المجاعات والافتقار الى الحد الأدنى من مقومات الحياة، مما جعل مئات الآلاف في حالات صحية حرجة. أما الأكثر بشاعة فهو ما يتعرض له المعتقلون السوريون من تعذيب في أقبية سجون النظام، ومن تعرّض الآلاف الى الموت في هذه السجون، ناهيك عن الأخبار المرعبة عن الاغتصاب واستغلال النساء والأطفال والمتاجرة بالبشر. وقد جرى تتويج كل هذه الفظاعات باستخدام النظام للسلاح الكيماوي أربع عشرة مرة أباد فيها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.
منذ لجوء النظام إلى استخدام أقصى وسائل العنف والتدمير ووضع الترسانة العسكرية السورية في خدمة قتل الشعب السوري وتدمير بنى البلد في جميع المناطق، ارتفعت أصوات، خصوصاً في المجتمعات الغربية وبعض الإقليمي منها، محذرة من"خطوط حمر"ضد انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، مهددة بالتدخل لمنع حصولها استناداً إلى القرارات المنصوص عليها في المواثيق الدولية، واستناداً الى منظومة قيم أخلاقية وإنسانية تلتزم بها هذه الدول في علاقتها بسائر شعوب العالم. بدأ الحاكم التركي منذ الأشهر الأولى محذراً من أنّ بلاده لن تسمح ب"حماة"ثانية، في إشارة إلى مجزرة حماة التي ارتكبها والد الرئيس السوري الحالي عام 1982 وذهب ضحيتها حوالى ثلاثين ألف سوري، ولا يزال تهديد الرئيس أردوغان متوالياً على رغم حصول عشرات المجازر المشابهة لمجزرة حماة. ولم تتوقف تصريحات القادة الغربيين عن التحذير من ارتكاب المجازر والمس بحقوق الإنسان أو انتهاكها، ولم تسكت حنجرة الرئيس الأميركي عن الصياح بالتدخل العسكري لحماية لمعاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. وعلى رغم الإنتهاك المتواصل، وتحذيرات المنظمات الدولية والإنسانية من الفظائع المرتكبة، فقد ظل الكلام"نظرياً"ولم يلامس مرة اتخاذ خطوات عملية لوضع حد لهذه الانتهاكات. ولعلّ الفضيحة الكبرى التي كشفت كذب وزيف ادعاءات قيادات المجتمع الغربي حول حقوق الإنسان، كانت في العملية الكبرى التي استخدم فيها النظام السلاح الكيماوي خلال شهر آب أغسطس الماضي، والتي ذهب ضحيتها أكثر من الف مواطن سوري دفعة واحدة. ارتفعت أصوات منددة بالجريمة الكيماوية، ترافقت مع خطوات عملية في حشد الأساطيل وتهيئة الجيوش لمعاقبة النظام السوري على فعلته. وإذا بالنتيجة تنكشف عن"همروجة إعلامية"نجم بموجبها إجبار النظام السوري على تسليم سلاحه الكيماوي و"العفو"عنه ومنع معاقبته جزاء هذه الهدية التي قدمها، وابتلاع الألسن واختفاء الكلام عن معاقبة المجرم.
أثارت المأساة السورية، ولا تزال، أسئلة عن حقوق الإنسان، وهل هي حقيقة أم كذبة، أم شعارات موظفة في خدمة هيمنة استعمارية ضد شعوب تنتسب إلى مجتمعات نامية. لقد وصل الأمر بالبعض الى اعتبار حقوق الإنسان المنصوص عليها في الشرائع الدولية قيماً غربية استعمارية، وبذلك جرى خلط خاطئ بين هذه الحقوق الأخلاقية والانسانية، وبين سوء الاستخدام لها. لا شك في أنّ النص على الحقوق الإنسانية، منذ إعلانها في القرن الثامن عشر بعد الثورتين الأميركية والفرنسية، وتطويرها خلال القرن العشرين وشمولها كل مناحي الحياة، وإقامة منظمات لمراقبة تنفيذها، هذه الحقوق هي من أهم مكتسبات البشرية، وقد تحققت بفضل نضالات مجتمعات دفعت مئات الآلالف من الضحايا في صراعها ضد الاستبدادين السياسي والديني منذ القرون الوسطى حتى القرن العشرين، كما تشكل هذه الحقوق ذروة ما انتجه الفكر السياسي الحديث خلال القرنين التاسع والعشرين، وما أفرزته الحروب العالمية والإقليمية في هذين القرنين من ردود فعل تجاه التدمير للبشر والحجر.
هذه الحقوق الإنسانية مكتسبات للبشرية جمعاء، وخصوصاً للدول التي لا تزال ترزح تحت حكم أنظمة استبدادية، على غرار ما هو سائد في العالم العربي، مما يدعو الى التشدد في رفع لواء التمسك بها وتطبيقها على هذه الشعوب. لكن وقائع التاريخ، الحديث منه والبعيد، تشير إلى أنّ أول المنتهكين لحقوق الإنسان كانت السلطات السياسية التي نادت شعوبها وناضلت للوصول الى هذه المبادئ. باسم تحقيق الحقوق الإنسانية، خاض الغرب حروباً استعمارية وقهر شعوباً واضطهدها من أجل السيطرة على مواردها وثرواتها. لعلّ أكذب الشعارات كانت تلك التي أطلقتها الإدارة الأميركية بعد هجمات أيلول سبتمبر في العام 2011، حيث وضع الرئيس بوش شعار حقوق الإنسان ضمن برنامجه الإحتلالي للعراق وأفغانستان، فيما شكل معتقلا أبو غريب وغوانتانامو أسوأ انتهاك لهذه الحقوق التي باتت في الممارسة تعذيباً وقتلاً واغتصاباً.
ليس مبالغة اتهام قيادات الغرب بأنّ مفهومها لحقوق الإنسان لا يتعدى ما يجري داخل مجتمعاتها. أما الشعوب الاخرى، فالتطبيق العملي لحقوق الانسان، بالنسبة إليها، هو القهر والاستعباد والسماح بارتكاب المجازر. يحق للمرء ان يتهم هذه القوى الغربية بأنها لا تزال أسيرة نظرات عنصرية تجاه سائر الشعوب، وأسيرة عقد"الإنسان المتفوق"الذي يوجد فقط في أوروبا واميركا، فيما سائر الشعوب، وعلى الأخص منها شعوبنا العربية، شعوب لم تصل الى مستوى الإنسان الذي يستحق معاملته بالمثل، لأننا شعوب همجية وقاتلة لبعضها، بما لا يستحق التدخل لمساعدتها وخسارة الجنود لإنقاذها.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.