30 مليار ريال مبيعات التجارة الإلكترونية في أكتوبر الماضي    بأمر الملك.. تقليد سفير الإمارات السابق وشاح المؤسس    وزير الداخلية يواسي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    موعد إصدار أول فوترة للرسوم على الأراضي البيضاء    أمير القصيم يرعى مذكرة تفاهم مجتمعية ويستقبل وزير الاستثمار    نائب أمير المنطقة الشرقية يشيد بدعم القيادة لمشاريع الطرق بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل وفداً من أهالي محافظة رأس تنورة    مدارس رؤية المجتمع العالمية تفتح باب التسجيل للعام الدراسي 2025–2026    كرسي اليونسكو لترجمة الثقافات يستضيف دورة تدريبية ومحاضرة حول حفظ التراث غير المادي    برعاية وزير الثقافة.. "مجمع الملك سلمان العالمي" و"التعاون الإسلامي" يحتفيان باليوم العالمي للغة العربية    "أفاتار: النار والرماد" يتصدر صالات السينما السعودية    فيصل بن بندر يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية "مكنون" لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض    كلية الطب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تحتفي ب50 عامًا من العطاء في يوبيلها الذهبي    القبض على شخص لترويجه 18 كيلو جرامًا من نبات القات بجازان    "الجوازات" تصدر 17.767 قرارًا إداريًا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    المملكة تدين هجومًا استهدف أفرادًا من الشرطة الباكستانية    م. الحيدري: إلغاء "المقابل المالي" يعيد معادلة كلفة الصناعة السعودية    عودة سلمان الفرج وأحمد حجازي وجاهزيتهم للمشاركة أمام النجمة    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    مدينة جدة تتوج كأفضل منظم جديد في تاريخ سباقات الزوارق السريعة للفورمولا 1    فرنسا تندد بقرار أمريكا حظر منح تأشيرات دخول لمفوض أوروبي سابق    إدارة التغيير… حين يصبح الوعي مدخلًا للتحول    «قصاصات المطر»… الشعر بوصفه ذاكرة مفتوحة على التأمل    تعليم جازان يودِع مكافآت الطلاب والطالبات لشهر ديسمبر 2025م    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    نائب أمير تبوك يؤدي صلاة الميت على الشيخ أحمد الخريصي    جمع 31 نوعاً من النباتات البرية المحلية.. السعودية تسجل رقماً قياساً في «غينيس» ب «مخزون البذور»    مصرع رئيس الأركان العامة للجيش الليبي في حادث تحطم طائرة بتركيا    الإدارة الذاتية: استمرار التوتر تهديد لاتفاق الشرع وعبدي.. ارتفاع قتلى قصف «قسد» في حلب    تحت رقابة دولية وإقليمية وسط استمرار المعارك.. الحكومة السودانية تطرح وقفاً شاملاً لإطلاق النار    فلكية جدة: النجوم أكثر لمعاناً في فصل الشتاء    أقر القواعد الموحدة لتمكين ذوي الإعاقة بالخليج.. مجلس الوزراء: الموافقة على قواعد ومعايير أسماء المرافق العامة    اطلع على سير العمل في محكمة التنفيذ.. رئيس ديوان المظالم: تفعيل المبادرات الابتكارية في مفاصل «التنفيذ الإداري»    نائب أمير الشرقية يهنئ مدير تعليم الأحساء    موجز    ترسية مركز بيانات الذكاء الاصطناعي    سلطان عُمان يستعرض مع ابن فرحان المستجدات الإقليمية والدولية    نخبة آسيا.. بن زيما يقود الاتحاد لتجاوز ناساف    روح وريان    خربشات فكر    بين الكتب والخبز    الجولة 13 بدوري يلو.. الأنوار يستقبل الباطن والبكيرية يواجه العربي    مسجد القبلتين.. شاهد على التاريخ    «الشؤون الدينية» تعزز رسالة الحرمين    «فايزر» تعلن وفاة مريض بعد تلقيه دواء لعلاج سيولة الدم في تجربة    المنظار الأنفي.. تطور علاجي في استئصال الأورام    الجولة 13 بدوري يلو.. الأنوار يستقبل الباطن والبكيرية يواجه العربي    كرات ثلج تحطم رقم Guinness    ساخا أبرد بقعة على الأرض    جدة تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة 2026    الضحك يعزز صحة القلب والمناعة    المشروبات الساخنة خطر صامت    نجاح أول عملية للعمود الفقري بتقنية OLIF    فلتعل التحية إجلالا وإكبارا لرجال الأمن البواسل    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    الكلام    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظام "بن علي وآل طرابلسي" تعثر باستثنائه التعليمي وطبقاته الوسطى ... فأسقط
نشر في الحياة يوم 13 - 04 - 2011

مراحل الثورة التونسية صارت معروفة. فالثورة لم تنطلق من مدن الساحل الكبيرة بل من الداخل. ودعاتها الأوائل وأصحابها هم"الحفاة المتعلمون"وليس طلاب الجامعات والأساتذة وأهل المدن الحرة. وكان حرق محمد البوعزيزي نفسه في 17 كانون الأول ديسمبر 2010، الإيذان المدوي والحاد بانتشار دعوة صريحة وبليغة إلى الكرامة والاحترام في أوساط شبيبة هي كثرة السكان عدداً وتمثيلاً. وسدد نظام بن علي المافيوي ثمن استثناء تونسي مزدوج. والاستثناء الأول هو محو الأمية وعموم التربية غير المنفصلين عن البورقيبية. وتقدر إحصاءات الأعوام 2000 - 2004 الذين يحسنون القراءة والكتابة وبلغوا 15 سنةً الى 24 سنةً من الذكور 97.7 في المئة، ومن البنات والنساء 90.6 في المئة. وتذرع النظام بجدارة سياسته التعليمية، وبإقراره بمكانة النساء وبحركة نسوية، الى الإدلال بإنجازاته، وحمل الخارج، أي الغرب، على الاعتراف بميزته.
والوجه الآخر من الاستثناء هو نموذج اقتصادي توالى بعض كبار موظفي الهيئات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، على مدحه وتزكيته. وعلى خلاف"الدولة الريعية"، ومثالها القريب من تونس هو الجزائر وليبيا، كان سائق السياسة التونسية بلورة طبقات متوسطة ترعى موارد الاقتصاد التونسي وتتقاسم العوائد من غير إجحاف كبير بالضعفاء وذوي الدخل المتواضع.
وسرعان ما تعثّر النظام التونسي بالاستثناء المزدوج. فما السبيل إلى رعاية التعليم، من جهة، وتحفيز النمو، من جهة أخرى، إذا قصَّر النمو عن توفير الأعمال والوظائف التي تستجيب حاجات المتعلمين وعددهم؟ والحق أن النمو"المعولم"هذا وثيق الصلة بالسياحة. وهو انقلب بقرة حلوباً وقفها النظام على الحاشية المؤلفة من عائلتي بن علي وطرابلسي، فتسلطت عائلة طرابلسي، وهي أسرة زوجة بن علي، على تونس العاصمة، وتركت مدن الساحل نهباً لأسرة بن علي. وإذا أفلح النمو في تقليص الفقر عموماً، فإنما أدى هذا لقاء توسيع الشقة بين الفقراء وبين الميسورين والأثرياء. وسرت انتفاضة التونسيين، في هذا الإطار المتنافر، من الداخل، حيث سيدي بو زيد والقصرين، إلى مدن الساحل وتونس العاصمة.
ولا تستوفي انتفاضة مستضعفي الداخل، على رغم عمقها ومهابتها وقوة أثرها وخلوها من الأيديولوجية والملتحين، تفسير الانتصار الذي أحرزته أو تعليل هذا الانتصار. ولعل من بواعث الانتفاضة الإحساس بأن"العالم"لا يقتصر على البلدة، ولا على المدينة أو تونس أو الأراضي الوطنية، وأن الإحباطات التونسية يشترك فيها التونسيون مع آخرين، ويشاركهم هؤلاء في تشخيصها ونقدها. وثمة من غير شك"مفعول ويكيليكس". وهذا بلَّغ التونسيين أن وزارة الخارجية الأميركية نفسها تشاطرهم الرأي، من طريق سفيرها في تونس، في النظام واستوائه عصابة"مافيا". وعممت الهواتف النقالة الخليوية صورة محمد البوعزيزي شهيداً مشتركاً، على نحو ما أظهرت أن الجيش التونسي ليس في خدمة البوليس والميليشيات التي تناصر حاشية بن علي وبطانته.
فالانتفاضة التونسية جزء من ظاهرة كونية عامة تتخطى تونس والمغرب والعالم العربي ? الإسلامي. وهي قرينة على أن ناشطي حقوق الإنسان ومناضليها ليسوا وحدهم في مقابل السلطة، على ماهي حالهم في معظم البلدان والمجتمعات، بل إن مجتمعاً بأكمله، بقضه وقضيضه، يريد أن يُسمع من طريق تكنولوجيا الاتصال الجديدة.
وساندت الحركة هيئات ومؤسسات قديمة، راسخة الجذور في النسيج الاجتماعي التونسي، في صدارتها الاتحاد العام للعمال الشغيلة التونسيين. ولا مبالغة في القول إن دور النقابات المتحدرة من الاستقلال، وهذا استثناء في شمال أفريقيا، إلى دور حركة المحامين وجماعات المثقفين، مثل 15/21، وجمعيات حقوق الإنسان، كان حاسماً. وذكرى بعض الحوادث القريبة، مثل الانتفاضة في منطقة قفصة المنجمية في 2008 التي قمعتها السلطات قمعاً عنيفاً ودانت قياداتها النقابية، لا تزال حية. وهذه الثورة غير المتوقعة هي ثمرة تاريخ ومراحل متعاقبة ومتماسكة. ومصدر المفاجأة هو أصحابها، والمتظاهرون الذين خرجوا الى الطرقات والساحات، ولم يخافوا أو يهابوا الميليشيات واستدراجها المتظاهرين الى الفوضى، قبل الإعلان عن سفر الرئيس وبعد الإعلان.
واشترك من ساندوا بن علي، من اليمين واليسار، في اليقين بأنَّ لا بد من دولة قوية تمسك بزمام الأمور في بلد يتهدده الخطر"الجهادي"بالإرهاب والفوضى، وتتولى حمايته وتحصينه. ويستجيب هذا الموقف الشائع سياسة مخادعة تتستر على الجمع بين التصدي للإسلاميين الجهاديين وبين التسليم بانتشار أيديولوجيتهم ومثالاتهم في المجتمع كله، على شاكلة السياسة التي انتهجها الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وتناقض الاستثناء التونسي، وعجزه عن التأليف بين التعليم والبطالة، دليل على أن معظم التونسيين، وعلى الأخص الشباب، غير مندمجين في المجتمع. والانتفاضة، من وجوه كثيرة، هي رد على ضعف الاندماج وقصوره. وعوَّل بن علي على تفوق عديد الشرطة، 120 ألفاً الى 12 ألفاً يعدها الحرس الوطني، على عديد الجيش، 22 ألف متطوع، وهو ينتظر الردّ على ضعف الاندماج، عاجلاً أم آجلاً.
وفي هذا السياق، لا محلّ للشك في أن إدانة باراك أوباما القمع بعبارات قاطعة وصارمة وقعت في آذان صاغية ومتنبهة. وكان أوباما دافع عن"الحق في الاتصال"بإزاء الصين وعلى خلاف سياستها. وحين زارت هيلاري كلينتون تونس أصرّت على لقاء محامية حقوق الإنسان راضية نصراوي. فالسياسة الأميركية، على الضد من السياسة الفرنسية التي كان يرعاها كلود غييان من الإليزيه ولا يزال يرفع لواءها جان ? دافيد ليفيت مستشار الرئيس الفرنسي، تستنكف عن استرضاء أنظمة قمعية حين لا تتورع هذه عن تفجير حكومات دستورية، وحبسها في سجن يرعاها حزب متسلط ومسلح يحوطه النظام القمعي بعنايته ووصايته. ويحاول أوباما إخراج سياسة حقوق الإنسان من دائرتها المربعة أو استحالتها: فكيف تكون هذه السياسة موضع ثقة حين يُعهد بالدفاع عنها الى القوة المسلحة؟ والترجح بين الحدين سبق انعطاف 11 أيلول سبتمبر 2001، وصبغه الانعطاف بصبغة فاقمت حدة الترجح.
ولا بأس، في معرض المقارنات، من التنبيه الى أن العالم العربي ? الإسلامي اليوم لا يشبه شرق أوروبا عشية نهاية الشيوعية، وفي أثناء خطو بلدان الشرق الأوروبي خطواتها الأولى على طريق طي النظام المستبد الذي تسلّط عليها عقوداً. ولا بأس من تذكير الأوروبيين، أي من تذكير أنفسنا، بأن الجمهورية والديموقراطية ليسا ضدين أو نقيضين، على ما توهم مناقشة فرنسية مفتعلة تتناول المهاجرين والمسلمين ومحلهم من"الهوية"الوطنية. فالدولة قد لا تكون جمهورية، من غير أن يلغي هذا دورها السياسي. والجمهورية لا تقتصر مهمتها أو وظيفتها على حصر الشأن الديني داخل حدود لا يتعداها. وعليه، لا يجوز معارضة الدولة بحقوق الإنسان، وتفريق الواحدة عن الأخرى. فيوكل الى الدولة تعقب الإرهاب من غير قيد حقوق الإنسان واحترامها. ويوكل الى جمعيات حقوق الإنسان وإلى شخصيات معنوية مسموعة، التذكير الأدبي والمبدئي بحقوق الإنسان، من غير نتيجة عملية.
والحق أن الانتفاضة التونسية خرجت من حال الترجح هذه، وهي تدعو السياسات الخارجية الغربية والعربية ? الإسلامية الى الخروج منها. فالمسألة السياسية والديموقراطية على النحو الذي صاغها عليه التونسيون، تتناول السلطة والمثال الاقتصادي النافذ في البلد. واستثمرت تونس في انتفاضتها إيجابياتها المكتسبة منذ بورقيبة، وهي التربية والتعليم وتأهيل النخب من الأصناف كلها وتعزيز تكنولوجيات المعرفة تعويضاً عن الافتقار الى الصناعة والريع النفطي. وثمة إيجابية مكتسبة جوهرية هي العلاقة بالضفة الأخرى الأوروبية من المتوسط. فتونس لم تتخلَّ عن العلاقة هذه، وحضنتها في صورها المتفرقة مثل الإقبال على الاستهلاك، وقبول النزعات الفردية، وتمييز الخاص أو الخصوص من العموم أو العمومي. ويقرّ التونسيون لشخصيات وطنية موثوقة، شأن المرزوقي وبن عاشور، بالتمثيل على هذه المعاني وتجسيدها.
ولعل المهمة الأولى هي إرساء الديموقراطية في مرحلة انتقالية تقتضي تعديل الدستور، وهو إلى اليوم ينص على المعتقد، وإجراء انتخابات تعددية، وتطوير اقتصاد المعرفة على نحو يجمع توفير العمل وانتشار التعليم معاً، وإحياء زراعة غذائية تعوّض الاستيراد المفرط والتبعية لعوائد السياحة الجماهيرية. واستعادة الاعتزاز بالنفس جزء لا يتجزأ من إرساء الديموقراطية. وتعديل الدستور القديم أقرّ في 1957، على نحو يميز ما يعود إلى دائرة الخصوصية من الشعائر ومن الهيئات السياسية تمييزاً واضحاً، ويشق الطريق من غير خوف ولا خشية الى الإقرار للإسلام بمحله ومكانته ركناً ثقافياً من أركان البلد. وعلى قدامى التجمع الدستوري الديموقراطي، حزب بن علي، إعلان قطيعتهم الصريحة من الحزب الحاكم السابق شرطاً للانخراط في منافسة برلمانية متعددة المنافسين. فإذا أفلح التونسيون في قيادة المرحلة الانتقالية، على هذه الأركان وهديها، دمجوا في سياسة مشتركة التخلص من ديكتاتورية الحزب - الدولة والمافيا، ودمج الإسلاميين في الأبنية السياسية، واحتسبوا إرث البورقيبية، ورعوا مثالاً اقتصادياً ونمواً داخليين في إطار العولمة والديموقراطية المدنية معاً.
* مدير تحرير المجلة، عن"إسبري"الفرنسية، 2/2011، إعداد م. ن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.