باريس سان جيرمان يتخطى ريال مدريد برباعية ويضرب موعداً مع تشيلسي في نهائي مونديال الاندية    الشيخ أمين الحيدر يشكر القيادة الرشيدة بمناسبة ترقيته للمرتبة الرابعة عشرة    رحلة شفاء استثنائية.. إنهاء معاناة مريضة باضطراب نادر بزراعة كبد فريدة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    السعودية الأولى عالميًا في مؤشر ترابط الطرق    رياح مثيرة للأتربة والغبار على معظم مناطق المملكة    ارتفاع عدد ضحايا فيضانات تكساس إلى 120 قتيلا    أستراليا تطالب روسيا بدفع تعويضات    قتيلان في كييف في هجوم روسي    وزير الاتصالات وتقنية المعلومات: المملكة تقدم مجموعة من المبادرات تسهم في تشكيل عصر للذكاء الاصطناعي    اختتام أعمال توزيع هدية خادم الحرمين الشريفين    رئيس فريق فالكونز: مستعدون لخوض كأس العالم للرياضات الإلكترونية ب 60 لاعبًا في 5 ألعاب للمرة الأولى    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    إطلاق جائزة "أداء الصحة"    ليش مستغربين!    إدارة الأهلي تتجاهل الإعلام في حفل تدشين شعار النادي    أنديتنا.. التقييم أولاً    4 برامج لتأهيل الكوادر الوطنية في التخصصات الصحية    موجز    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    شدد على تسريع مشروعات الطاقة والتوسع في التدريب التقني.. "الشورى" يطالب بتحديث مخططات المدن    آل باخذلق وآل باعبدالله يحتفلون بزواج عبدالعزيز    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    جسرنا الحضاري    "درويش" في الخليج نهاية أغسطس    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    وفاة بزه بنت سعود وعبدالله بن سعود    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    المملكة توزّع (2.617) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    منتخبات الأحساء وعسير والجوف والمدينة تكمل قائمة المتأهلين لبطولة المنتخبات الإقليمية تحت 13 عاماً    بيتكوين تسجل أعلى مستوى لها مقتربة من 112 ألف دولار    مشاركة سعودية في تطوير التحكيم الآسيوي .. اختتام برنامج شهادة مقيمي الحكام 2025    "الثقافة" تنظّم الأسبوع الثقافي السعودي في أوساكا    القيادة تهنئ رئيس الأرجنتين بذكرى بلاده    «الديوان الملكي»: وفاة بزه بنت سعود..ووالدة عبدالله بن سعود بن سعد    300 طالب في «موهبة الإثرائي» بالقصيم    "القصيم الصحي" يكرم المتميزين في مبادرة "إنسانيون الصحة"    وزير الدفاع يستقبل وزير دفاع المجر    معالي أمين الشرقية يزور معرض سكني بالخبر    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الخريصي في منزله    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء في ديوان الامارة    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالمدينة المنورة ينظم ورشة " الأخبار العاجلة بين السبق والمصداقية"    أمير تبوك يطلع على التقرير الشامل لأداء إدارة التعليم بالمنطقة        أمير منطقة جازان يرعى حفل افتتاح ملتقى "جسور التواصل 2025"    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    "الذوق العام" تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة    دراسات حديثة: الكركديه ليس آمناً للجميع    إطلاق مبادرة "إثراء قاصدينا عِزُّ لمنسوبينا"    مستشفى الملك فهد الجامعي يدشّن "صوت المستفيد"    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقوبة الإعدام صلاحية ولاية سيادية تتآكل وتتجدد
نشر في الحياة يوم 20 - 10 - 2010

أظهرت الأرقام التي نشرت في صيف 2010 أن عدد أعمال القتل في فرنسا في 2009 بلغ 682، أي 1،1 عمل قتل واحد ل100 ألف شخص. وهذه النسبة أقل 5 أضعاف قياساً الى الحال في الولايات المتحدة. ففي هذه وقعت 16 ألف جريمة قتل في 2008، أي 5،2 ل 100 ألف شخص. ويدعو هذا الى النظر في العلاقة بين القتل وبين العقوبة التي تقتص من القاتل، وعلى الأخص عقوبة الإعدام نفسها.
وغالباً ما يحتج أنصار عقوبة الإعدام بالقول أنها تؤدي الى تقييد العنف وردع القتلة المحتملين. وينبغي لأنصار عقوبة الإعدام جزاء القتل أن يتذكروا اقدام عدد من الولايات الأميركية انفاذ أحكام بالموت في 50 أو 60 مجرماً قاتلاً في السنة. والعقوبة القصوى هذه لا توقع، فعلاً، الا في عدد قليل من آلاف المجرمين القتلة الذين يحاكمون. فليست العقوبة، والحال هذه، نظير الجريمة أو جزاءها الدقيق، على خلاف زعم رائج. وإنما هي إجراء من صنف آخر.
ويدعو تقويم الإصابات والخسائر، على مثال"العين بالعين والسن بالسن"، الى البحث عن تعويض عن الإهانة والانتقاص من الخصم يرضاها الخصم ويقبل بها، ولو أدى الانتقاص أو العدوان الى القتل. ويسعى التقويم في انهاء الثارات، وكسر دورتها، والحؤول دون عودتها. ولاحظت إحدى المؤرخات أن أعمال القتل في القرنين الرابع عشر والخامس عشر بفرنسا، كان بعضها يؤدي الى اتفاقات خاصة، بمعزل عن المحاكم، بين أقارب الضحية وبين المذنب، وكان ثلثا جرائم القتل يعفو الملك عنها بعد"كفارة"تعذيب، وقلما ينتهي القصاص الى انفاذ الإعدام.
وتجريم القتل تجريماً جنائياً نجم عن حماية حرمة الحياة البشرية، أولاً، ولكنه نجم كذلك عن فرض دور الدولة أو الأمير باسم المنفعة العامة. وقام هذا الدور على التوجه الى الأمير ومناشدته العفو على قدر ما قام على إعمال ساعد الجلاد. ولا شك في أن العقوبة بالإعدام استثنائية. وندرتها ليست مصدر دلالتها ومعناها. ولعل مصدر دلالتها هو إمكان الحكم بها استثنائياً في ختام اجراءات يتولى القاضي في أثنائها سلطات استثنائية وطارئة. وفي روما، على سبيل المثل، ازدهرت عقوبة القتل في عهد الأوتوقراطية الأمبراطورية بين القرن الأول م والقرن الرابع، ولم تستثن العقوبة طبقة من المواطنين، ولا حتى الأشراف.
وفي معظم الدول الغربية، الى منتصف القرن السابع عشر، تكاثرت عمليات الإعدام ? وهي بقيت استثنائية - في وقت اتسعت فيه الإجراءات القضائية الطارئة وغير العادية. فكيف يُفهم انحسار الإعدامات في فرنسا، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ثم زيادتها في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وانحسارها من جديد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتلاشيها تدريجاً في القرن العشرين، خصوصاً في فرنسا، في ضوء الأسباب والأعذار التخفيفية وحظر تنفيذها العلني في 1939، وفي نهاية المطاف إلغاؤها في 1981؟
الأرجح أن الزيادة والنقصان لا يتعلقان بتواتر العنف ولا بقمعه. وهما لا يعودان الى قدرة الدولة على"احتكار العنف المشروع"ومكافحة الجريمة. فهما قرينتان على رابطة سياسية خاصة ترتكز دستورياً، إذا صح القول، الى العقوبة الاستثنائية هذه أو الى الرابطة الاستثنائية الناشئة عن"الحق في الحياة والموت". فالولاية أو السيادة هي الصفة التي يتمتع بها من يحق له انزال الموت من غير ارتكاب جريمة القتل، ومن غير احتفال بتضحية، على قول الإيطالي جورجيو أغامبين. وتاريخ العقوبة القصوى يُسلط الضوء على الرابطة الوثيقة بين الحق الاستثنائي في الحياة والموت وبين انشاء الولاية أو السلطة العليا.
وسبق ليان توما، وهو أحد الدارسين البارزين للمؤسسات والحقوق الرومانية، أن برهن على أن سلطة الأب العائلي أو شيخ الأسرة في "مدينة الآباء"روما الجمهورية، لم تكن ثمرة مكانة"خاصة"، بل كانت صفة سلطان أبوي ونظير سلطان الوالي، وتتمتع، على هذا، بصلاحية انزال الموت، وتشارك سلطان الوالي في تعريف السيادة والولاية. ويتخطى جواز الحكم بالموت في التاريخ الغربي، معادلة"العين بالعين"أو قضاء دين"خاص"فردي أو عائلي أو عشائري يقتصر على مرتكب الجرم وضحيته. فالحكم بالموت يقتص من إخلال بنظام عمومي يُحرَّم انتهاكه، وتتولى الولاية حراسته والسهر عليه. ويُندد بالمنتهكين، ويلعنون، ويوصمون بوصمة الخروج على المواطنين العاديين والأسوياء.
وينبغي الانتباه الى أن عقوبة الإعدام لم تقتصر على قتل النفس. فهي تجازي الخيانات، والتجديف على"الذات"في البدع، وانتهاك الطبيعة الجرائم الجنسية، وتهديد أمن الطرق العامة، والقتل العمد، والعدوان على من يتولون وظائف ومهمات عامة. وتدعو فداحة الجرم، وانتهاكه ركناً من الأركان، إلى فداحة القصاص والعقوبة الاستثنائية. والعفو الجائز، على الدوام، هو كذلك مرآة قوة السلطان القادر على إنزال الموت على نحو ما هو قادر على حفظ الحياة. والوجهان متصلان ومتضافران.
وإلغاء عقوبة الإعدام، في 1981 بفرنسا، ليس إجراءً جنائياً عادياً، بل هو تعبير عن نهج بناء السيادة أو الولاية. والإلغاء هو في مثابة اعلان عن تخلي المشرِّع الفرنسي عن الولاية المطلقة. وفي شباط فبراير 2007، نبّه المجلس الدستوري الفرنسي الهيئة الوطنية التشريعية الى أن المصادقة على البروتوكول الثاني للتعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي أقرته الأمم المتحدة في 15 كانون الأول ديسمبر 1989، وينص البروتوكول هذا على إلغاء عقوبة الإعدام الغاء تاماً ويستثني من الإلغاء حال الحرب - نبّه الى أن المصادقة تقتضي تعديل الدستور، والنص في ديباجته على إلغاء عقوبة الإعدام. وعلى هذا، تنص المادة 16 من الدستور الفرنسي، الفقرة الأولى، على بطلان الحكم بالإعدام في أي كان بطلاناً تاماً.
واضطرت الهيئة التشريعية الى تعديل 2007 سبل وطرق الى الغاء عقوبة الإعدام السياسية والسيادية. والسيادة الجديدة في أعقاب الإلغاء، إذا هي تخلت عن"سلطان الحياة والموت"، انصرفت تدريجاً وأكثر فأكثر الى"سلطان الحياة"، والحق في الولادة". وتخليها عن تهديد الحياة والتصرف فيها، دعاها الى تبني أشكال من الحكم تحيل الحياة الى شيء قليل، أو الى"حياة عارية"، على قول جورجيو أغامبين.
فبعد إلغاء العقوبة بالإعدام زاد عدد المسجونين زيادة ملموسة، وأصبحت مدد عقوبات الحبس أطول. ولحظت الأحكام الجزائية الجديدة مُدداً غير قابلة للتخفيض أو التقليص. وتجعل المدد الطويلة دمج المحكومين في الحياة الاجتماعية بعد قضاء العقوبة، عسيراً ومستحيلاً. وتصم الموصومين الجدد بالعار. ويؤدي الإطار المتخلف عن الغاء عقوبة الإعدام الى اضعاف الوضع القانوني للأجانب والمهاجرين والمتسللين وذوي الهويات المضطربة والمتعثرة. فالسلطة التي تخففت شيئاً فشيئاً من عقوبة الموت، وخيراً فعلت، تنزع نزوعاً جامحاً الى اقصاء المتمادين والمتمردين على"الإصلاح"والمرضى العقليين من مجتمع المواطنين. وهذا الإقصاء بدوره، هو وجه من وجوه الاستثناء الذي كان يتمتع به صاحب"الحق في الحياة والموت".
* مؤرخ ومدير بحوث، عن "ليستوار" الفرنسية، 10/2010، اعداد م. ن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.