10.7% نمو تحويلات السعوديين من النقد الأجنبي للخارج    7.9 مليارات قيمة سوق سياحة الأحساء    مكاسب محدودة وتراجع جماعي لأسواق الخليج    التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران في الأيام الثلاثة الأولى    مجزرة تعطل توزيع مساعدات رفح    البث.. حقل تجارب    مونديال أميركا اختبار لقدرات تشلسي    وزير الحرس الوطني يستقبل قادة الوزارة وكبار مسؤوليها    حاج سوداني.. أول القادمين وآخر المغادرين    سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية تلتقي بعثة الهلال في أمريكا    ترمب حضر احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأميركي وسط تظاهرات تتهمه ب«الديكتاتورية»    الدانة تعسكر في هولندا استعدادًا للموسم الجديد    الأخضر السعودي يخسر نهائي بطولة تولون أمام منتخب فرنسا    بوتين لترمب: مستعدون لمفاوضات جديدة مع كييف    أدبي حائل يستعرض حياة عنترة في النعي التاريخية    زلزال بقوة 6,1 درجات يضرب مدينة كاياو في البيرو    أمير قطر يبحث مع رئيسة وزراء إيطاليا المستجدات الإقليمية والدولية    أخضر اليد يدشن مشاركته في بطولة العالم للشباب بمواجهة المنتخب المصري    أمير تبوك يواسي الشيخ عبدالله الضيوفي في وفاة شقيقه    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير عام جوازات المملكة    الأمير سعود بن نهار يستقبل أهالي الطائف المهنّئين بعيد الأضحى    بإشراف ومتابعة أمير منطقة تبوك مدينة الحجاج بحالة عمار تواكب وداع ضيوف الرحمن العائدين إلى أوطانهم    وزير الحج والعمرة يطمئن رئيس بعثة الحج الإيرانية    هلال المدينة المنورة تواصل جهودها الميدانية    الشؤون الإسلامية في جازان تعايد منسوبيها بمناسبة عيد الأضحى المبارك    بدعم سعودي.. ماليزيا تحتفي ب"إتقان" لحفظ القرآن        إعلام إيراني: ورشة لتصنيع المسيرات الانتحارية تعمل لحساب "الموساد"    لفتة أمير المكارم تركي بن طلال    أمير حائل يستقبل وكلاء ومديري العموم في الإمارة المهنئين بعيد الأضحى    نائب أمير جازان يستقبل قائد حرس الحدود بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل الوكلاء ومنسوبي الإمارة    أمير حائل يطلع على مشاريع الأمانة    الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تثمّن التوجيه الكريم بتيسير احتياجات الحجاج الإيرانيين    محمد بن عبدالرحمن يستقبل مدير عام التعليم بمنطقة الرياض    نائب أمير جازان يستقبل مفوض الإفتاء ومدير فرع الرئاسة بالمنطقة    الإصابة تبعد إمام عاشور نجم الأهلي المصري عن مونديال الأندية    انعقاد فعاليات القمة الدولية الخامسة لطب الأعصاب لدول الشرق الأوسط وإفريقيا وروسيا في دبي    توقيع 11 اتفاقية لانضمام شركات ومراكز بحوث هولندية للتحالف السعودي لتقنيات الزراعة والغذاء    أجواء شديدة الحرارة ورياح مثيرة للغبار على عدة مناطق بالمملكة    استقرار التضخم في المملكة عند 2.2% ضمن أدنى المعدلات في G20    إيران تحذر الغرب من التدخل وتهدد بتوسيع الهجمات ضد إسرائيل    ولي العهد يُعزي رئيس وزراء الهند في ضحايا تحطم الطائرة    ربط ميناءَي الدمام والجبيل ب 12 ميناءً    فنون الطهي السعودي ترسو في معرض تذوق بلندن    الخوف والحظر ايام لا تنسي    هيئة الأفلام تشارك في مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي    الاحتفاظ ب820 ألف أضحية بتقنيات التجميد الصناعي    "التخصصي " يستضيف اجتماع مستشفيات العيون العالمية    الإطاحة ب4 متورطين في سلب حقيبة امرأة    1.3 مليار عملية استعراض للبطاقات الرقمية ب"توكلنا"    تقديم تجربة مريحة للقاصدين وتسهيل حركة المصلين.. 1.2 مليون مستفيد من الفرق الراجلة بالمسجد الحرام    وزير الخارجية العماني: محادثات واشنطن وطهران لن تعقد    طبيبة تحذر من جفاف الجسم في الطقس الحار    أنفاسك تحدد هويتك بدقة    مفارقة صحيّة لافتة    بالصور مدينة الأخدود الأثرية بمنطقة نجران تاريخ من الآثار والتراث العريق    التوتر اضطراب طبيعي واستمراره لفترة طويلة دون تدخل يكون ضارًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيتان أو ثلاث ... وديموقراطية تقترب من النضج
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2009

لم تسفر نتائج الانتخابات المحلية في تركيا عن مفاجآت كبيرة، وقد تمكنت إحدى شركات سبر اتجاهات الرأي العام من توقع النتائج بدقة عالية، في آخر مسح أجرته قبل يومين من موعد الانتخابات. وإذا كان الخبر الأبرز يتمثل في تراجع نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بمعدل 3 نقاط عن الانتخابات المحلية في 2004، و8 نقاط عن الانتخابات العامة في صيف 2007، فقد كان الحزب نفسه يخشى من الأسوأ، خاصة بعدما بدأت آثار الأزمة المالية العالمية بالظهور في الاقتصاد التركي، انكماشاً اقتصادياً وارتفاعاً في معدلات البطالة، الأمر الذي من شأنه أن يخفض من مستوى شعبية أي حزب حاكم. في المقابل أظهرت النتائج أن الحزب الحاكم قد "تنافس مع نفسه"، على حد تعبير رئيسه رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، في غياب معارضة فاعلة ذات مصداقية.
والحال أن المفاجأة الحقيقية تمثلت في تقدم حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري بقيادة دنيز بايكال، نقطتين بالقياس إلى الانتخابات العامة قبل عامين. ورأى المحللون السياسيون أن مرد هذا التقدم هو تراجع تمركز خطاب الحزب حول العلمانية، وتقدم اهتمامه بملفات الفساد والشأن الاقتصادي، الأمر الذي يعني تقدم السياسة على حساب الإيديولوجيا، فضلاً عن انفتاح الحزب على البيئات المحافظة وقبوله بالنساء المحجبات في صفوفه.
لكن المتأمل لتوزع شعبية الأحزاب وفقاً للمناطق الجغرافية، سيصدمه انقسام جغرافي ? سياسي لافت. وإذا كان الفوز الكاسح لحزب المجتمع الديموقراطي في جنوب شرقي الأناضول ذي الكثافة السكانية الكردية أمراً مفهوماً، فإن الفوز المماثل لمرشحي حزب الشعب الجمهوري في المناطق الساحلية، قد لا يكون مفهوماً بالدرجة نفسها. ففي الوقت الذي استولى فيه الحزب العلماني على بلديات إزمير جميعا بفارق كبير عن أقرب منافسيه، تمكن مرشحوه من استعادة رئاسة البلدية في أنطاليا، المدينة السياحية على ساحل المتوسط، من حزب العدالة والتنمية. وعموماً فاز مرشحو الحزب ذي الإرث الكمالي في معظم المناطق الساحلية، كما نافسوا الحزب الحاكم بجدية في أنقرة واسطنبول، الأمر الذي يرده محللون إلى حسن اختياره لمرشحيه من أصحاب الشعبية الواسعة في العاصمتين. أما حزب الحركة القومية بقيادة دنيز بهتشلي فقد فاز عموماً في مناطق نفوذه التقليدية، على ساحل البحر الأسود وبعض بلدات وسط الأناضول.
حزب العدالة والتنمية وحده أثبت أنه "حزب تركيا". وإذا كان قد خسر 11 بلدية في المناطق ذات الكثافة الكردية لصالح حزب المجتمع الديموقراطي، وأخفق في تحقيق حلم أردوغان بالاستيلاء على "قلعة ديار بكر"، كما يسميها الحزبان المتنافسان معاً، فقد حافظ على شعبية واسعة بين الأكراد، وظل المنافس الوحيد للحزب الكردي. فإذا أضفنا توزع الهويات الصغرى على الأحزاب السياسية، انكشفت أمامنا لوحة من الانقسام الجغرافي - الأهلي - السياسي - الإيديولوجي، تحت قشرة الدولة - الأمة الأحادية الصارمة التي قام بتصميمها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. في مقالة لكاتب هذه السطور نشرت في "الحياة"، صيف 2007، وصف تفصيلي لتوزع الهويات الجزئية بين الأحزاب السياسية المتنافسة. سأذكّر هنا بأبرز ما فيها:
يصوّت القسم الأكبر من العلويين، تقليدياً، لحزب الشعب الجمهوري، مدفوعين بمخاوفهم من هيمنة الأغلبية السنية، الأمر الذي ازداد حدة منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية إلى الحكم في 2002، برغم أن الحزب العلماني لم يحقق لهم أي شيء مما يصبون إليه كجماعة مذهبية، في الفترات القليلة التي حكم فيها، كما أنهم مهمشون في بنية الحزب كما الأحزاب الأخرى، وإن كانت هذه جميعاً "تضطر" إلى ترشيح عدد من العلويين على لوائحها كلما جرت انتخابات، رغبة منها في كسب أصوات هذه الأقلية الكبيرة التي تميل عموماً إلى التصويت كجماعة واحدة.
الأتراك من ذوي الأصول الخارجية من بلغاريا والقفقاس وتركمان العراق وغيرها، وعددهم غير معروف بدقة لكنه كبير يميلون عموماً إلى التشدد القومي، ويصوتون لحزب الحركة القومية وأحزاب صغيرة أخرى يمينية قومية. ولن نضيف جديداً بقولنا إن الأكراد يصوتون بأغلبية كبيرة للأحزاب الكردية، ينافسهم حزب العدالة والتنمية، ويصوت قسم من الأكراد العلويين لحزب الشعب الجمهوري منطقة ديرسم بخاصة. وبصورة مفارقة يصوت قسم كبير من الجماعة الأرمنية لحزب العدالة والتنمية، وهي جماعة صغيرة لا يبلغ تعدادها مئة ألف.
الظاهرة اللافتة الأخرى تتمثل في غياب تام لليسار الذي كان طموحاً جداً في الستينات والسبعينات. حزب الشعب الجمهوري العضو في الاشتراكية الدولية، هو الممثل الوحيد لليسار، فيما يقتصر استقطابه الأفقي على الطبقة الوسطى المتعلمة ذات نمط الحياة العصرية، الأمر الذي يفسر شعبيته في المدن الساحلية والعاصمتين. أما اليسار الحقيقي، إذا فهمنا بالصفة هذه الخطاب الماركسي بتنويعاته، فيتمثل أساساً في حزب العمال التركي الذي سيطرت على خطابه، في العقدين الأخيرين، النزعة القومية المتشددة في غلاف استقلالي معاد للإمبريالية، الأمر الذي ينتقده اليسار الليبرالي بوصفه مفارقة تاريخية.
كذلك امّحت من الخريطة السياسية أحزاب اليمين التقليدي، كالطريق القويم والوطن الأم، وهي التي احتكرت تقريباً تشكيل الحكومات، منذ الخمسينات حين تم الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، فلم تعد قادرة على بلوغ حاجز ال 10 في المئة الضروري لدخول البرلمان. ومثل ذلك ينطبق على حزب السعادة الذي يدين بالولاء لنجم الدين أربكان، الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا منذ أواخر الستينات، برغم تحقيقه تقدماً ملموساً بالقياس إلى الانتخابات العامة في 2007.
ما يعدّل من هذه الصورة السلبية المتمثلة في الانقسامات المذكورة، الإقبال الكبير من الناخبين، وقد بلغ في الانتخابات الحالية معدلاً قياسياً بلغ 83 في المئة ممن يحق لهم الاقتراع، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع سوية الوعي الديموقراطي لدى المجتمع التركي، وانكفاء الحالمين بالانقلابات العسكرية إلى مواقع الدفاع، يمثلهم المتهمون القابعون خلف القضبان في قضية شبكة أرغنكون الإرهابية.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.