يتساءل المراقب العربي عن ردّة فعل العالم الغربي وإعلامه والمجموعات الداعمة لإسرائيل لو ان جنوداً عرباً ارتكبوا الجرائم التي أقر بها جنود اسرائيليون خلال الحرب على غزة. فالروايات التي نقلها هؤلاء الجنود عن كيفية اطلاق قناص اسرائيلي النار على أم فلسطينية وولديها لدى خروجها من منزلها، لأنها اخطأت الطريق، وشهادات مبعوثة الأممالمتحدة لحماية الأطفال خلال الحروب، ومنها ان الجنود الاسرائيليين استخدموا طفلاً فلسطينياً في الحادية عشرة من العمر درعاً بشرياً خلال الهجوم على غزة، واتهامات منظمة أطباء اسرائيليين ناشطين من أجل حقوق الانسان، للقوات الاسرائيلية بانتهاك القواعد الاخلاقية الطبية خلال العمليات العسكرية في غزة، كلها فضائح انسانية تقوم بها اسرائيل ويسكت عنها العالم. فشهادات الجنود الاسرائيليين والأفلام الاسرائيلية مثل فيلم"رقصة مع بشير"كلها أنواع من الاعتراف بارتكاب اسرائيل المجازر، من غزة الى صبرا وشاتيلا مع تواطؤ لبناني محلي في الحالة الأخيرة. وعلى رغم كل ذلك، فإن من يترأس حكومة اسرائيل المنبثقة عن انتخابات"ديموقراطية"هو بنيامين نتانياهو المتشدد الذي لا يؤمل منه أي تغيير في التعامل الاسرائيلي مع الفلسطينيين. وعلى رغم كل الشهادات حول انتهاكات الجيش الاسرائيلي في غزةولبنان، سواء في الماضي أو أخيراً خلال حرب تموز 2006، لم تتغير العقلية الاسرائيلية حيال الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه وفي العيش الكريم والأمن والاستقرار على أرض انتزع جزء كبير منها من أجل إراحة ضمير شعوب أوروبا بسبب جرائم هتلر بحق اليهود. ويبقى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تدفع ثمناً باهظاً لجرائم الغرب حيال اليهود وكأنها مسؤولة عنها. ويقام بعد غد في منظمة"اليونيسكو"في باريس حفل كبير لإطلاق مشروع علاء الدين، بحضور رؤساء سابقين، والقائم على الحوار بين اليهودية والاسلام وترجمة كتب حول المحرقة اليهودية الى العربية والفارسية. ولا شك ان المحرقة جريمة بحق الانسانية، مرفوضة ومنبوذة من كل إنسان عاقل ومدرك لوحشية هتلر، لكن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة وفي لبنان هي أيضاً جرائم بحق الإنسانية! فقانا وصبرا وشاتيلا وغزو لبنان سنة 1982 ثم سنة 2006، ثم الهجوم على غزة، لا تغفر ولا يترتب عليها سوى المزيد من الكراهية وفقدان الأمل في أي سلام وفي قيام الدولة الفلسطينية. فأي دولة فلسطينية هذه التي ستكون على حدود دولة عبرية تنتهك كل يوم حقوق الشعب الفلسطيني ولا تريد على حدودها دولة فلسطينية؟ لقد غزت إسرائيل لبنان في صيف 2006 بحجة أنها تريد انهاء"حزب الله"، لكنها حققت انجازاً مناقضاً، فتحول الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله إلى زعيم في الشارع العربي. ثم قالت إنها تحارب غزة لوقف هجمات"حماس"عليها، ولكن بعد حربها على غزة أصبحت"حماس"محور تفاوض من قبل الجميع من أجل الوصول إلى حل. وها هي اسرائيل تفاوض"حماس"عبر مصر وتركيا وقطر وسورية لمبادلة الجندي غلعاد شاليت بمئات المعتقلين الفلسطينيين في سجونها. وهناك مبادرة وضعها على الطاولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأقرتها قمة بيروت العربية. وهذه المبادرة، كما قال العاهل السعودي، لن تبقى قائمة إلى الأبد، وإذا كان الشعب الإسرائيلي يريد السلام مع العرب والفلسطينيين، عليه أن يدفع قيادته للاستفادة من هذه الفرصة. وعلى ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مسؤولية كبرى في الضغط على إسرائيل لقبول هذه المبادرة. فحان الوقت لأن تتوقف الحروب والانتهاكات، لأنها ليست الحل، بل إنها تفاقم الكراهية والتطرف والإرهاب في المنطقة. ولكن السؤال هو هل ذلك ممكن مع نتانياهو؟ نشر في العدد: 16791 ت.م: 25-03-2009 ص: 15 ط: الرياض