يوم الثلثاء الماضي، كتب رئيس تحرير جريدة"الرياض"تركي عبدالله السديري مقالاً بعنوان"المقاول السعودي هو الأحق في غزة"، اقترح فيه"أن تُعهد مهمة التنفيذ بإعادة إعمار غزة إلى المقاولين السعوديين حتى يؤدي المال السعودي دوره النزيه الذي وجِّه إليه". الفكرة ممتازة، وتكليف شركات سعودية سيحمي مشروع اعمار قطاع غزة الذي اعلن عنه الملك عبدالله في قمة الكويت، من اشكاليات التراشق بتهم الفساد بين الاطراف الفلسطينية، ويضمن عدم ربط المشروع بقضية المصالحة الفلسطينية التي يبدو انها بعيدة المنال، فضلاً عن ان وجود شركات سعودية على الارض الفلسطينية له دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة. لكن المشكلة ان عدد الشركات السعودية القادرة لا يلبي هذه الفكرة. هذا الكلام يبدو غريباً او مبالغاً فيه، في بلد شهد تنمية جبارة في بنيته الاساسية، لكن هذا هو الواقع بكل أسف. ومن يتابع تنفيذ مشاريع المقاولات الانشائية التي طرحتها الحكومة خلال السنوات القليلة الماضية لن يجد سوى شركتين لا ثالث لهما،"سعودي اوجيه"، و"مجموعة بن لادن". اما بقية الشركات التي نشأت وتطورت خلال مرحلة السبعينات، واستفادت من الإعفاءات والدعم، فتراجع حجمها او لم تعد موجودة. والمفارقة المثيرة للدهشة هنا، ان الذي ساهم في قيام ودعم تلك الشركات هو الذي تسبب في إضعافها وخروجها من السوق. خلال مرحلة الثمانينات، ومع تراجع اسعار النفط، تسببت البيروقراطية الحكومية في تعطيل صرف حقوق شركات المقاولات، وتخلت البنوك السعودية عن الوقوف مع هؤلاء المقاولين الذين لم يستطيعوا مواجهة التزاماتهم المالية. فخرج بعضهم من السوق، وتحول بعض آخر مقاولاً صغيراً ينفذ مشروعات من الباطن لا تتناسب مع خبرته، فضلاً عن ان نظام الاستثمار الجديد فتح الباب على مصراعيه، وبلا ضوابط، امام شركات مقاولات اجنبية صغيرة ومبتدئة، وعديمه الخبرة، فقلل هذا النظام من فرص نمو وعودة بعض المقاولين السعوديين الى مواقعهم السابقة. ولعل الحديث عن مشروع اعمار غزة يصبح مناسبة لمعاودة النظر في اساليب تشجيع المقاولين السعوديين، من خلال مراجعة نظام الاستثمار، وتغيير شروط قبول الشركات الاجنبية، وربط دخولها الى السوق السعودي بمقاييس عالمية تسهم في رفع كفاءة هذا القطاع المهم، ونقل خبرات غير موجودة، وخلق منافسة ايجابية تدعم شركات المقاولات الوطنية التي لا يتناسب وضعها الراهن مع حجم السعودية الاقتصادي. نشر في العدد: 16743 ت.م: 05-02-2009 ص: 3 ط: الرياض