على الرغم من استحالته للوهلة الأولى، وربما قسوة نتائجه المباشرة على البعض، لا يبدو أن هناك بديلاً عن منح انتصار لحركة حماس. انتصار لا يتأتى من إيقاف العدوان على قطاع غزة وإجلاء الآلة العسكرية الإسرائيلية عنه، بقدر ما ينتج عن اعتراف بالحركة كشريك سياسي في الساحة الفلسطينية، وفي منظمة التحرير أولاً. فالحركة التي لم تحظ سلطتها بعد انتخابات ديموقراطية في فلسطين باعتراف دولي، هي بأمس الحاجة إليه، ستبقى خارجة عن الشرعية الدولية ما لم تعترف بها المنظمة شريكاً في الساحة السياسية الفلسطينية. ولا يقتصر خروجها هذا بآثاره السلبية على وضع حماس وحدها. فيما تمثله من ثقل سياسي في الحركة الوطنية الفلسطينية تلقي الحركة بظلال لا شرعيتها على الوضع الفلسطيني عموماً، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن حالة من الاضطراب خطيرة ستستمر بالسيطرة على الأداء السياسي للسلطة الفلسطينية المضطربة منذ تأسست. هذا فوق أن حالة اللاشرعية تبقى مبرراً دائماً ومرغوبا لمن وجهة النظر الإسرائيلية، يسوغ فرض الحصار على الشعب الفلسطيني وشن العدوان عليه وقت تشاء، إن لتقوية مركز النخب السياسية الإسرائيلية، داخلياً أو لإضعاف الموقف التفاوضي للفلسطينيين. بل لأن اكتساب الحركة لمثل هذه الشرعية يساعد في تحولها إلى شريك إيجابي في بناء الدولة الفلسطينية وإنتاج صيغة تعامل مع إسرائيل تبدو أكثر توازناً وربما ديمومة بوجود حماس منها في غيابها. لذا يمكننا القول إن الجميع، بما فيهم الإسرائيليون، بحاجة لشرعنة الوجود الحمساوي طريقاً نحو تطبيعه. يقتضي ذلك، في ما يقتضيه، استمرار حماس في تسييس نفسها على حساب عسكريتها، بغية تقوية احتمال حصولها على الشرعية وتعزيز شرعية السلطة الفلسطينية التي ستكون شريكة فيها. وينبغي أن يتلازم ذلك مع الحد من هيمنة منظمة التحرير تمهيداً لإعادة الاعتبار للدولة، إعادة اعتبار لا تكون مجرد حافز لحماس على التعاطي الإيجابي مع شركائها السياسيين، بل تشكل ضمانة مستقبلية لعدم تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية على نحو ما جرى في حزيران يونيو 2006. لذا فإن حماس وفتح مطالبتان بدعم صيغة الدولة الفلسطينية كمرجع وطني لهما أولاً ولسائر الفصائل تالياً. قد يلقى ذلك رفضاً إسرائيلياً وتحفظاً دولياً سيكونان عقبة أمام استقرار السلطة الوطنية الفلسطينية. وهو ما قد يؤخر الاعتراف الدولي والإسرائيلي بالدولة الفلسطينية، لكنه سيضمن استقراراً داخلياً فلسطينياً سيفرض نفسه ولزمن مديد على الأرجح في تعاطي جميع الأطراف مع الشأن الفلسطيني، والأهم في تعاطي الفلسطينيين مع شأنهم. * كاتب سوري. نشر في العدد: 16736 ت.م: 29-01-2009 ص: 14 ط: الرياض