المخرج السوري، حاتم علي الذي قدّم للتلفزيون بعض أفضل الأعمال الدرامية العربية في السنوات الأخيرة يقدم اليوم على "تجربة خطرة"مع بدء التحضيرات لأفلمة المسرحية الرحبانية الذائعة الصيت"هالة والملك"، العمل الجديد سيحمل عنوان"سيلينا"وپ"سيلينا"لن يكون اسم الفيلم فقط او اسم المدينة المفروضة التي ستدور فيها أحداث المغناة"، بل سيكون ميداناً لمغامرة من نوع خاص. فحاتم علي وإن قدّم فيلماً سينمائياً من قبل بعنوان"العشاق"، سيظل يذكر بمسلسله التلفزيوني"أحلام كبيرة"، لأنه اشتق منه في الواقع ، وحتى فيلمه السينمائي القصير"شغف"لا يحمل بالتأكيد طعم المغامرة الجديدة ، ذلك أن"سيلينا"هو الميدان السينمائي الحقيقي الذي يختبر فيه حاتم علي أدواته. "سيلينا"سيضم نخبة من النجوم السوريين واللبنانيين مثل دريد لحام ، وأيمن زيدان وباسل خياط وميريام فارس وايلي شويري وأنطوان كرباج، وأعاد كتابة المسرحية سينمائياً منصور الرحباني، والفيلم من انتاج السوري نادر الأتاسي الذي قرر أن يقدم مع"حلمه الفيروزي الرابع"مجمعاً سينمائياً حديثاً يقع في قلب العاصمة السورية حيث من المتوقع أن يفتتحه بفيلم"سيلينا"المنتظر نهاية العام الجاري. ومن المتوقع أن تدور كاميرا المخرج حاتم علي في أيلول المقبل. وعلى هامش الاستعدادات الخاصة بالفيلم كان ل"الحياة"هذا اللقاء مع المخرج السوري: مرت ثلاثة عقود على ظهور مسرحية"هالة والملك". ما هي الصورة الجديدة التي ستنشأ في"سيلينا"بعد انقضاء كل هذه السنوات ، وبعد مجمل التغيرات التي أصابت المنطقة والناس والشخصيات... مالذي تقترحه للعمل بعد كل هذا؟ المشروع قديم، وفكرته موجودة بالفعل منذ 25 سنة، وقد تمت كتابة السيناريو من قبل أكثر من كاتب. بعض هؤلاء أكمل كتابته، والبعض الآخر لم يكمل لأسباب مختلفة. ومن بين السيناريوات التي أنجزت عن"هالة و الملك"سيناريوان اثنان كتبهما رياض عصمت على سبيل المثال، وثمة مشروع غير مكتمل لدريد لحام نفسه. والذي حدث في النهاية أن تباينات في وجهات النظر ظهرت بين صاحب المشروع منصور الرحباني، والكتاب الذين عملوا عليه. وهذا جعل المشروع لا يرى النور، إلى أن قرر منصور الرحباني في النهاية أن يكتب المعالجة السينمائية بنفسه بمشاركة غدي الرحباني. على هذه النسخة تحديداً سيبنى فيلم"سيلينا"، وأكثر ما أثار اهتمامي في هذه الكتابة السينمائية وهذا أمر يحسب للأستاذ منصور الرحباني هو قدرته على الخروج من البنية الأساسية للعمل، والتي هي بمجملها بنية مسرحية وغنائية ، باتجاه كتابة سينمائية في غاية الرشاقة، وفيها حضور كبير للصورة والتفاصيل. والاشكالية الأهم برأيي هي كيف يمكن لنا أن نحول هذه"المغناة"الرحبانية إلى عمل معاصر من ناحيتي الفكرة أو البنية الموسيقية، ولا أظن أن هذا هو الاختبار الحقيقي الذي ينتظرنا، بخاصة في ظل غياب هكذا نوعاً عن المكتبة السينمائية العربية، وبالتالي عدم التسليم أساساً بأن هكذا نوعاً سيلقى قبول المشاهد العربي. من هذه الناحية يعتبر المشروع كله مغامرة، ناهيك عن المقارنة التي ستطرح نفسها مباشرة ما بين النسخة السينمائية والنسخة المسرحية بكل مكوناتها الموسيقية والتمثيلية والغنائية بدءاً من السيدة فيروز ومروراً بنصري شمس الدين وكل هؤلاء العمالقة، وبعضهم قد اعتزل، وبعضهم الآخر لم يعد موجوداً بيننا. مشروع مواز لماذا قررت أن تتفادى الاسم الأصلي للمسرحية"هالة والملك"، وذهبت باتجاه"سيلينا"، المدينة المفترضة التي سيحمل الفيلم اسمها. هل هو هروب من شهرة المسرحية أو شهرة الاسم، أم أن هذه موجبات لها علاقة بالشيء المتخيل الذي تعمل عليه؟ - أولاً هذا هو اقتراح الكاتب نفسه، وأنا استلمت السيناريو بهذا العنوان، وأنا رأيي أنه تكمن وراء ذلك بالفعل رغبة في صناعة فيلم سينمائي له مكوناته الخاصة. نسبه إلى المسرحية لا يمكن إخفاؤه بطبيعة الحال، لكن هناك محاولة سواء بالكتابة، أو في ما بعد بالخطة الإخراجية لصناعة مشروع مواز أكثر منه مستنسخاً عن الأصل المسرحي. سوف تستعين بفرق استعراضية، وعلى رغم كل الحديث الذي سبق عن كتابة عاصي الرحباني السينمائية للفيلم المنتظر، فإنك سوف تحافظ على الجسم الاستعراضي للعمل؟ - البنية الموسيقية ستظل على حالها، لكن بطبيعة الحال لابد من إجراء تحديث ? ولا أعرف ما إذا كانت الكلمة المناسبة -، ولكن ما لاشك فيه أن الارث الرحباني هو إرث عظيم وشكل جزءاً أساسياً من الذاكرة الموسيقية والغنائية العربية، ولكن ضمن صياغة سينمائية معاصرة أظن أن هذه الألحان سيتم إعادة توزيعها لتخليصها أساساً من عيوب الموسيقا العربية التي تكاد تبدو للوهلة الأولى عصية على الإيقاع السينمائي، وهذه المعالجة بالتأكيد ستتم بإشراف الأستاذ منصور الرحباني بقدر مايسعفه وضعه الصحي بمساعدة الرحابنة الشباب وعلى رأسهم بالطبع غدي الرحباني. المغنية ميريام فارس هل ستستطيع حمل شيء من هذا الارث الرحباني"الضخم والثقيل"؟! - بدءاً من الاسم ومروراً بالكتابة الجديدة، وانتهاء بالتنفيذ ستكون هناك محاولة لصناعة بنية موازية وليست استنساخاً للمسرحية، وبالتالي أنا أظن أن المقارنة سترد إلى الذهن مباشرة في شكل أوتوماتيكي، لكن في ما بعد في التفاصيل فهناك محاولة للاستفادة من امكانات الممثلين بالحدود التي يستطيعونها. في المسرحية الأصلية هناك حضور طاغ للسيدة فيروز نابع أساساً من قامتها الكبيرة، وللاستفادة من حضورها تم ايجاد مساحات منفردة لصوتها كان يجيء أحياناً من خارج السياق الدرامي ، ولكنه كان مطلوبا آنذاك ، بغية الاستفادة من وجودها ، وهذا كان مقبولاً تماماً، لأن فيروز كانت قادرة على تحويل هذه الاستطالات غير الدرامية إلى أمر ممتع وجذاب ومدهش . في الفيلم هناك حضور أكبر للتمثيل ، وللشخصيات الدرامية ، ولأهل المدينة ، وللمجاميع ، وللحركة ، وللتقطيع السريع . وأنا أظن أنه على رغم وجود هذه المقارنة ، فإن ميريام فارس كمغنية موجودة على الساحة الفنية ،ولها جمهورها بين الشباب ، وتتمتع بقدرة حركية وحس جيد أظن أنه يمكن الاستفادة من كل هذه العناصر لتقديم الشخصية في شكل مقنع. اسقاطات "سيلينا"تبدو بهذا المعنى أكثر من مدينة مفترضة، ولكنها ليست موجودة بيننا. هل ستستدعي اسقاطات لا بد من أنها موجودة في ذهنك وستعمل عليها في إطار المدينة المفترضة أم أن هناك حلولاً درامية أخرى؟! - تكاد تكون المسرحية حلماً تختلط فيه الألوان، بالكرنفالية، بالرقص، بالسياسة، بالتاريخ. صحيح أنني وغازي قهوجي الذي سيشرف على الديكور والملابس حاولنا معاً أن نرد هذا الحلم إلى زمان محدد يقع في ثلاثينات القرن الماضي، لأن هذه الفترة شهدت فسحة من الحرية، وفسحة من البحث عن هوية وشخصية محددة، والتي تكاد في شكل أو آخر تشبه الحلم في تاريخ الدولة العربية المعاصرة، بكل ما شهدته من تجارب ديموقراطية لم يكتب لها النجاح فيما بعد لأسباب كثيرة ،وبالتالي يمكننا أن نطلق اسم فترة الحلم على هذه المرحلة القصيرة من تاريخ منطقتنا، وبالتأكيد ستكون صبغة الحلم حاضرة، لأنها الأساس الذي بنيت عليه"المغناة"الرحبانية. هل يحمل هذا التعاون الفني السوري -? اللبناني، رسائل سياسية في أي اتجاه، أم أنه حلم خاص بالمنتج السوري نادر الأتاسي، ومنصور الرحباني، وحاتم علي؟ - الروح اللبنانية ، أو روح الرحابنة حاضرة بقوة سواء في أغاني فيروز، أو في المسرحيات الغنائية الرحبانية التي تحولت في شكل أو آخر إلى مدرسة لها سماتها الواضحة، وبالطبع تأثيرها الفني التاريخي على هذا النوع من المسرح، ومثل هذه الروح الطاغية من الصعب تجاوزها أو تجاهلها، وبالتالي هذا التعاون اللبناني السوري قائم كأحد أشكال التعبير عن هذه الروح بغض النظر عما طرأ على هذه العلاقة الفنية أو السياسية من تطورات في الآونة الأخيرة. بعض هذه الأسماء المطروحة وتحديداً الأسماء اللبنانية هي أيضا كانت موجودة في"المغناة"المسرحية مثل ايلي شويري وأنطوان كرباج، وهناك عناصر جديدة مثل دريد لحام وأيمن زيدان وباسل خياط، كل هذا بهدف تقديم عمل يعتمد على الخبرات من الجانبين. يقظة هل يشكل فيلم"سيلينا"بما يخص الجانب السوري"استيقاظاً"للقطاع الخاص في سورية على صعيد الإنتاج السينمائي؟ - أظن ذلك بخاصة إذا أخذنا هذه التجربة ضمن سياق تجارب أخرى ، ربما تختلف في التوجه وأليات العمل مثل تجربة هيثم حقي التي ينفذها الآن لمصلحة محطة أوربت من خلال أفلام الديجيتال . نادر الأتاسي هو منتج ينتمي فعلاً إلى القطاع الخاص، وقدّم الكثير من التجارب ضمن هذا الإطار وكانت جزءاً من عمله أيضا أفلام الرحابنة بدءاً من فيلم يوسف شاهين"بياع الخواتم"مروراً بفيلمي بركات"بنت الحارس"وپ"سفر برلك"، وهذا المشروع الرابع كان مطروحاً منذ تلك الفترة، لكن لظروف شخصية وأخرى عامة لم يستطع أن ينجز هذا المشروع وتحول بالفعل إلى حلم. الآن بعد التطورات الجديدة في سورية ومنها تشجيع القطاع الخاص عاد المشروع إلى الواجهة مجدداً مضافاً إليه سعي الأتاسي الى افتتاح دار عرض في دمشق ستكون جاهزة مع نهاية العام. اسمك في عالم الإخراج التلفزيوني أصبح"علامة مسجلة"وأنت تغامر الآن سينمائياً. ألا تخاف على منجزك التلفزيوني من هذه المغامرة؟! - هذا الحضور التلفزيوني هو الذي يشجع منتجي السينما لإسناد مهمة الإخراج السينمائي لي، وبالتالي إن استمرار هذه التجربة خاضع للنتائج التي يمكن الوصول إليها في هذا الفن المختلف اختلافاً كبيراً عن الدراما التلفزيونية. بالتأكيد هناك رهبة وتحسب وربما تردد لأن القدوم إلى عالم السينما بمنجز تلفزيوني، قد يكون عبئاً ثقيلاً، فلا أحد يدري ما إذا كانت النتائج في التجربة السينمائية ستكون على قدر النتائج التي تمّ انجازها في المشروع التلفزيوني الذي يمتد سنوات طويلة.