يبدو الموقف الإسرائيلي معقداً أو مرتبكاً تجاه المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية باراك أوباما، إذ تتداخل فيه رؤية اللوبي الصهيوني للسياسة الأميركية وللمرشحين للرئاسة، كما تتداخل بصورة جزئية التباينات الإسرائيلية الداخلية التي باتت غير جدية في الفترة الأخيرة بعد هيمنة ثلاثة أحزاب يمينية أو شبه يمينية"كديما"وپ"العمل"بزعامة إيهود باراك في يمين الوسط وپ"الليكود"في أقصى اليمين. للوهلة الأولى يبدو الموقف من باراك أوباما تهويلياً غير مبرر، إذ يفترض بإسرائيل ومؤيدوها الكثر داخل الولاياتالمتحدة أن يكونوا على اطلاع جدي على مواقف باراك أوباما الأيديولوجية والثقافية السياسية القريبة بل القريبة جداً ليس فقط من مواقف اسرائيل وإنما من جذورها الصهيونية. نشرت مجلة"اتلانتيك"بتاريخ 12 أيار مايو الماضي مقابلة مع أوباما أجراها الصحافي والكاتب اليهودي الأميركي جيفري غولدبرغ الذي هاجر من الولاياتالمتحدة الى اسرائيل لكي يخدم في جيشها قبل أن يقرر العودة طارحاً عدداً من علامات الاستفهام حول السياسات الاسرائيلية وحتى حول وجود الدولة العبرية نفسها، الأمر الذي تبدى في التحقيق الذي كتبه ونشرته المجلة نفسها لمناسبة الذكرى الستين لتأسيس اسرائيل. في بداية المقابلة بادر أوباما الى تعزية الأديب الإسرائيلي ديفيد غروسمان الذي فقد ولده في حرب لبنان الثانية، منوهاً بأنه معجب بكتابه"الزمن الأصفر"وكذلك بأعمال أدباء آخرين مثل ليون يوريس صاحب المواقف الصهيونية التقليدية. وهذا الإعجاب كان منطلق أوباما للتعبير عن نظرته للصهيونية، فقال إن مواقفه الإيجابية تجاهها تبلورت للمرة الأولى عندما كان في مخيم صيفي في الصف السادس الابتدائي وكان أحد المرشدين شاباً يهودياً قضى فترة في إسرائيل، فشرح لأوباما الصغير الذي كان يشعر أنه مقتلع من جذره يصارع على تعريف هويته التجربة الصهيونية من خلال العودة الى الموطن، ومعنى ذلك بالنسبة الى الشعب اليهودي بعد الهولوكوست وبعد أجيال حافظ خلالها على ثقافته وروابطه في الشتات. وأشارت"اتلانتيك"الى العلاقات الحميمة بين السيناتور أوباما والجالية اليهودية خصوصاً في شيكاغو وان هذه العلاقة لعبت دوراً في بلورة وعيه الى درجة أن أوساطاً في الجالية الافريقية - الأميركية رأت فيه عميلاً لمصالح يهودية. أوباما شرح هذه الجزئية بالقول بوجود إعجاب عميق بين الافريقيين الأميركيين بأفكار مثل العودة الى الوطن"فما أحببته في اسرائيل عندما زرتها هو أن الأرض نفسها ترمز لولادة جديدة". بعد المدخل الأيديولوجي تقتبس المجلة مما قال أوباما لطلاب فلسطينيين في رام الله:"أنتم متوهمون ان توقعتم أن تفصل الولاياتالمتحدة نفسها عن إسرائيل". وهو قال كلاماً مشابهاً أثناء زيارة لجنوب أفريقيا في خضم حرب لبنان صيف العام 2006. ويشير أوباما الى أن مواقفه من"حماس"ليست مختلفة في الجوهر عن تلك التي تحملها هيلاري كلينتون وجون ماكين:"قلت انها منظمة إرهابية ونددت بهم مرة تلو الأخرى. يحظر علينا مفاوضتهم حتى يعترفوا بإسرائيل وينبذوا الإرهاب وينصاعوا للاتفاقات القائمة". أما إعجاب بعض مسؤولي"حماس"والقادة العرب في شكل عام بأوباما فلا يثير لديه انطباعاً وإنما يجده بحسب تعبير المجلة الأميركية دليلاً آخر على أنه يعتبر في أنحاء العالم بما في ذلك الشرق الأوسط شخصية مختلفة عن بوش، منفتحاً أكثر للحوار بالمقارنة مع ديبلوماسية الكاوبوي للإدارة الحالية. وأمام منظمة إيباك أقوى منظمات اللوبي الصهيوني في تبني أوباما ثوابت الإجماع الصهيوني أو الخطوط الحمر الاسرائيلية تجاه المفاوضات وحل الصراع مع الفلسطينيين والعرب. إسرائيل دولة يهودية: ما ينفى بالتأكيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين. أمن إسرائيل مقدس ويعلو فوق كل اعتبار: ما يعني عدم الانسحاب الى حدود 1967 التي تعتبرها إسرائيل غير آمنة ولا يمكن الدفاع عنها. أما القدس فهي موحدة عاصمة أبدية للدولة اليهودية، وحتى عندما قام بالتوضيح بأن الأمر خاضع للتفاوض مع الفلسيطينيين، استدرك قائلاً:"ولكن وفق الحق الاسرائيلي اليهودي التاريخي بالمدينة". الكاتب الاسرائيلي عيران ليمان لاحظ ان توضيح أوباما ان اسمه الأول هو صيغة للاسم العبري باروخ كان ينبغي أن يمنحه تأييداً واسعاً لدى الجمهور اليهودي - الأميركي وكذلك في صفوف الاسرائيليين في شكل عام، غير أن هذا الأمر لم يحدث في ظل الاصطفاف الواسع للنخبة الاسرائيلية وكذلك اليهودية الأميركية وراء سياسات جورج بوش والتأييد غير الخفي للمرشح الجمهوري جون ماكين. هذا الأمر المعقد والمركب وغير المنطقي ربما يمكن قراءته وفهمه على النحو الآتي: - إسرائيل ومعها الجمهور اليهودي الأميركي ربما كانوا يخشون من البشرة السوداء لأوباما ومن أصوله الأفريقية، في ظل التنافر خلال العقود الماضية بين اليهود والسود أو الملونين في أميركا، وهم يخشون أن ينعكس هذا الأمر سلباً على العلاقة مع اليهود وإسرائيل في شكل عام. - ثمة خشية من الأصول الإسلامية لأوباما على رغم تأكيداته المستمرة على جذوره المسيحية، وأن اسمه الأوسط حسين لا يلغي حقيقة أن اسمه الأول مشتق من الاسم العبري باروخ. - الى ذلك ينظر اليهود والاسرائيليون بعين التوجس والريبة الى مستشاري أوباما وكبار داعميه من رموز الحزب الديموقراطي، أمثال جيمي كارتر وزيبغنيو بريجنسكي وروبرت مالي وآخرين، حيث لا تعجب مواقف هؤلاء اللوبي الصهيوني المتطرف، على رغم تشديدهم على أمن إسرائيل والتحالف الأميركي ? الاسرائيلي مع رفض السياسات الكارثية لبوش والجمهوريين التي ارتدت سلباً على المصالح الأميركية وكذلك على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة. - اللوبي اليهودي المتطرف يتوجس أيضاً من ارتباط أوباما بمجموعة جي ستريت التي تسعى الى إنشاء لوبي يهودي للسلام في الشرق الأوسط في مواجهة تطرف"إيباك"ونزوعها المتشدد نحو اليمين، علماً أن من أهم رموز المجموعة السفير الأميركي السابق في إسرائيل ومصر اليهودي الأرثوذكسي دانيال كيرتسر ? أحد كبار مستشاري أوباما أيضاً ? وهو مثل أوباما من رافضي إملاء أي حل على إسرائيل أو استخدام المساعدات الأمنية لممارسة الضغط على إسرائيل لإجبارها على تغيير مواقفها. - وعموماً، بتبني أوباما مقاربة مشابهة لجوهر تقرير بيكر - هاملتون الذي يلحظ ضرورة التحدث مع الأعداء واستخدام روافع مختلفة سياسية وديبلوماسية وعسكرية للضغط على الخصوم، وكل ذلك على قاعدة الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الحيوية لأميركا في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل قوية آمنة، كما هو متداول في الخطابات والأدبيات السياسية الأميركية، بغض النظر عن الانتماء الحزبي. يمكن الاستنتاج أيضاً ان ثمة قلقاً إسرائيلياً ويهودياً من مصطلح التغيير الذي يرفعه أوباما شعاراً لحملته الانتخابية بحيث يطاول الأمر السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل والتي أدت الى تأجيج العداء لأميركا في صفوف العرب والمسلمين. إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة يعرفان حقيقة مواقف أوباما وكونها جيدة لإسرائيل، إلا أنهما يمارسان نوعاً من الابتزاز ورفع السقف لإبقائه دائماً تحت الضغط ووضعه بصورة متواصلة في موقع المطالب ببراءته، أو بالأحرى صدق وحسن نياته تجاه إسرائيل واليهود في شكل عام. * كاتب فلسطيني، مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والإعلام