وزارة الداخلية تطلق ختماً خاصاً بمؤتمر مستقبل الطيران    الذهب يرتفع لمستوى قياسي مع تزايد آمال خفض "الفائدة"    نائب أمير جازان يكرم 1238 متفوقاً ومتفوقة بتعليم جازان    من هو الرئيس المؤقت لإيران؟    غرفة الشرقية تعقد "لقاء رياديون" لطلبة جامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل    أمير الرياض يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية المتقاعدين بالمنطقة    الوحدة يضع أنظاره على أحمد حجازي    أرامكو توقع اتفاقية مع "باسكال" لاستخدام أول حاسوب كمي بالسعودية    وفاة الرئيس الإيراني والوفد المرافق له في حادث تحطم الطائرة المروحية    بلديةالبكيرية تنفذ 2754 جولة رقابية في شهر أبريل الماضي    "سلمان للإغاثة" يختتم مشروع جراحة وقسطرة القلب في عدن    تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    بعد مصرع عبد اللهيان.. «كني» يتقلد حقيبة الخارجية الإيرانية    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب منطقة "شينجيانج" شمال غرب الصين    تعليم البكيرية يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    إيران تعلن رسمياً مصرع الرئيس ووزير الخارجية    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    مرضى جازان للتجمع الصحي: ارتقوا بالخدمات الطبية    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    المملكة تؤكد استعدادها مساعدة الأجهزة الإيرانية    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    الديوان الملكي: تقرر أن يجري خادم الحرمين فحوصات طبية في العيادات الملكية    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    الانتخابات بين النزاهة والفساد    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الى سجل المفاوضات السورية - الإسرائيلية لمناسبة المساعي التركية : قمة كلينتون - الأسد في جنيف فرصة أخيرة أضاعتها مناورة إسرائيلية رفضتها سورية
نشر في الحياة يوم 08 - 05 - 2008

لم يكن مفاجئاً الكلام على وجود اتصالات بسورية وإسرائيل لاستئناف مفاوضات السلام بينهما، لكن الجديد إعلان الرئيس بشار الأسد ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان تبلغ من نظيره الإسرائيلي ايهود باراك الاستعداد ل"الانسحاب"من الجولان في مقابل السلام مع دمشق.
بعدها، قالت وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان ان اولمرت مستعد ل?"اعادة الجولان كاملة الى السيادة السورية"، في حين كان الموقف الإسرائيلي ان حكومة اولمرت تريد السلام مع سورية وأنها"تعرف ما تريد دمشق"او"الثمن المطلوب"للسلام.
لم يدخل الجانب الإسرائيلي في الشق الموجود بين عبارتي"الانسحاب"و?"الانسحاب الكامل". كما انه لم ينف التصريحات السورية، ما يشكل مؤشراً كبيراً على ان الاتصالات التركية مستمرة لتوفير الأرضية المناسبة لاستئناف مفاوضات علنية في حال توافرت الإرادة السياسية لدى الإدارة الأميركية الجديدة.
وبإقرار عدد من المتابعين والخبراء، فإن المفاوضات التي أجريت لتسع سنوات في عقد التسعينات كانت على وشك إنجاز اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل وأن"فرصاً ضائعة"مرت بين أيدي المفاوضين. وبتأكيد المسؤولين السوريين، تحقق اكثر من 85 في المئة من عناصر اتفاق السلام وان توفر الإرادة السياسية في إسرائيل والرعاية النزيهة في واشنطن يحول الفرصة الى واقع خلال بضعة اشهر.
ووسط عودة التفاؤل الى المسار التفاوضي السوري - الإسرائيلي بعد غياب استمر منذ انهيار القمة بين الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في جنيف في 26 آذار مارس 2000، يبدو مفيداً استرجاع سيرة عقد من المفاوضات، شهدت الكثير من الشد والجذب من التفاؤل والتشاؤم وتعاقب على"رعايتها"خمسة رؤساء حكومات إسرائيلية من حزبي"ليكود"و?"العمل".
كانت جولات التفاوض الأولى، بعد عقد مؤتمر مدريد في 30 تشرين الأول أكتوبر عام 1991، بمثابة"حوار طرشان". إذ ترجم رئيس الوفد الإسرائيلي يوسي بن اهارون موقف رئيس الوزراء اسحق شامير من انه"يريد إطالة المفاوضات عشر سنوات"على أساس مبدأ"التفاوض لمجرد التفاوض"، بإبلاغ الوفد السوري:"لن تسمعوا منا كلمة"انسحاب"على الأقل ليس قبل عشر سنوات من التفاوض". فكانت جلسات التفاوض منصة لاسترجاع العداوة التاريخية.
لكن فوز اسحق رابين في الانتخابات الإسرائيلية في 23 حزيران يونيو 1992، أثار موجة من التفاؤل. وتم التعبير عن ذلك بتكليف السفير ايتامار رابينوفيتش رئاسة الوفد المفاوض الى الجولة السادسة من المفاوضات التي ترأسها من الجانب السوري السفير الراحل موفق العلاف.
وكان"الاختراق"الأساسي في تلك الجولة التي عقدت في واشنطن في 24 آب أغسطس من العام نفسه ان الوفد السوري قدم"ورقة الأهداف والمبادئ"المتضمنة اهتمامات الطرفين: الانسحاب بالنسبة الى الجانب السوري. حدود وطبيعة السلام بالنسبة الى إسرائيل، وترتيبات الأمن.
كانت تلك"الوثيقة الأولى"التي تقدمها دمشق لتأكيد جدية التفاوض. ومع أنها تناولت المسارات الفلسطيني والأردني واللبناني و?"الحل الشامل"، فإن النقاش تمحور حول البند الأول من الفقرة الخامسة المتعلقة ب?"الانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان السوري المحتلة العام 1967".
ثم جرت الجولة السابعة في دفعتين بين 12 و29 تشرين الأول اكتوبر وبين 9 و19 تشرين الثاني نوفمبر من العام 1992. ويجمع خبراء، ان المفاوض السوري اتبع مذاك استراتيجية تقوم على ربط أي تقدم بسماع عبارة"الانسحاب الكامل"، فبقيت المفاوضات تراوح مكانها باستثناء تقدم بسيط تمثل في اعتبار الإسرائيليين ان القرار 242"ينطبق على المسار السوري". وسُجل اختراق آخر، تمثل ببدء الإسرائيليين الحديث عن انسحاب"في"مرتفعات الجولان مقابل تمسك السوريين بالانسحاب"من"الجولان.
يقول المستشار القانوني في وزارة الخارجية السورية رياض الداودي في نص وزع عن"مؤتمر مدريد +15"الذي عقد العام الماضي، انه خلال جولات التفاوض السبع التي استمرت لنحو سنة"لم نسمع كلمة"انسحاب"من الجانب الإسرائيلي الذي كان يستخدم مناورات معينة مثل"انسحاب من الجولان". ولم يستخدم"الانسحاب"من الجولان. او كان يربط عمق الانسحاب بعمق السلام وطبيعته. إجمالاً، لم يحصل اي تقدم خلال 12 جولة تفاوضية، ولكن، نجحنا في تحديد طبيعة المشاكل وحدود هذه التعقيدات".
حاول الطرفان ان تقتصر المفاوضات على رئيسي الوفدين عسى أن يساعد ذلك في تحقيق"اختراق". ثم كلف السفيران في واشنطن السوري وليد المعلم والإسرائيلي رابينوفيتش التفاوض. ويوضح الداودي:"أجريت مفاوضات بين المعلم ورابينوفيتش. وبعد التوصل الى"التزام إسرائيل الانسحاب الكامل من الجولان"، انتقلت المفاوضات بعدها الى مناقشة الترتيبات الأمنية. غير ان الطرفين اقتنعا بعد ذلك انه لا يمكن ان يناقشا ترتيبات الأمن من دون معرفة الحد الدقيق للانسحاب الذي يجري الحديث عنه."الانسحاب الكامل"أمر جيد، لكن الى أي حد؟".
مناورة...لأجل اوسلو
?وبعد مجزرة الحرم الابراهيمي في شباط فبراير وقيام إسرائيل في تموز يوليو 1993 بعملية سمتها"تصفية الحساب"في جنوب لبنان، كلف الرئيس كلينتون الذي كانت إدارته"مهتمة جداً بعملية السلام وناشطة فيها"وزير الخارجية الأسبق وارن كريستوفر القيام بجولات مكوكية بين الطرفين في آب أغسطس من العام نفسه، حيث التقى رابين في الثالث من آب في حضور رابينوفيتش والمنسق الأميركي لعملية السلام دينس روس لاعتقاده ان"أي اتفاق سلام مع سورية سيؤدي الى حل أردني - فلسطيني".
في هذا الاجتماع الشهير، طرح رابين على كريستوفر أسئلة افتراضية أسفرت عما يعرف ب?"وديعة رابين"التي تتضمن تعهد الانسحاب من الجولان الى خط 4 حزيران يونيو 1967. انتقل كريستوفر من إسرائيل الى دمشق للقاء الاسد في 4 آب وابلغ الجانب السوري ذلك.
وفي اللقاء الثاني بين كريستوفر ورابين اعتبر الأخير رد الأسد"مخيباً للآمال"وانه"شعر بخدعة"بحسب رابينوفيتش. لكن ما حصل ان السوريين اثبتوا مهارة تفاوضية: اخذوا التعهد بالانسحاب الكامل ثم بدأوا التفاوض على الجدول الزمني للانسحاب لخفضه من خمس سنوات الى ستة شهور. ونقل عن ايتار حاير مدير مكتب رابين قول ان الأخير"كان يصرخ بصوت عال لأنه اعتبر تصرف كريستوفر اخرق ولأنه قدم العرض للسوريين كاقتراح إسرائيلي وليس كاستدلال أميركي"، فأعطى بعدها رابين"الضوء الأخضر"لتوقيع أوسلو.
ويعتقد ان"مرونة"رابين نحو دمشق استهدفت"خداعها"وفي إطار اللعب بين المسارات السوري والأردني والفلسطيني، لأن تركيزه الأساسي كان على المسار الفلسطيني الذي شهد تطوراً كبيراً بتوقيع اتفاق أوسلو في أيلول سبتمبر 1993. وكان لافتاً، ان تزامناً حصل، اذ ان بداية آب شهدت تقديم رابين"الوديعة"الى كريستوفر الذي سمع في نهاية الشهر من وزير الخارجية شمعون بيريز"ايجازاً"عن الاختراق الذي حصل على المسار الفلسطيني بما عرف اتفاق أوسلو.
بعدها عقدت قمة سورية - أميركية في جنيف في 14 كانون الثاني يناير 1994، وتعهدت سورية"عدم تعطيل"اتفاق أوسلو و?"علاقات سلم عادية"مع إسرائيل. وفي هذا اللقاء ابلغ الرئيس الأميركي السوريين :"لا يزال لدينا تعهد رابين بالانسحاب الى خط 4 حزيران".
وفيما تعهد كلينتون ان"لا يكون أمن طرف على حساب الطرف الآخر"وان يتحقق الأمن ل?"جميع الأطراف"في الشرق الأوسط لطمأنة السوريين ومطالبهم في تفاصيل الترتيبات الأمنية، تحدث الأسد للمرة الأولى عن"علاقات السلم العادية بين سورية وإسرائيل"وان"السلام خيار استراتيجي".
ثم أجريت محاولة أخرى لتفعيل المسار السوري. وبحسب الخارجية السورية، فان كريستوفر ابلغ الأسد في تموز 1994"موافقة رابين على الانسحاب من الجولان الى خط الرابع من حزيران كالتزام لا بد منه للانطلاق الى معالجة بقية عناصر اتفاق سلام كامل". وسمح للمعلم بلقاء رئيس الأركان الإسرائيلي ايهود باراك والمستشار العسكري لرئيس الوزراء داني ياتوم يومي 2 و3 تشرين الثاني نوفمبر. وقال المعلم في حديث الى"مجلة الدراسات الفلسطينية"ان اللقاء كان"إيجابياً وتناول موضوع ترتيبات الأمن"، إذ ناقش باراك"الأمور وترتيبات الأمن بجدية".
وناقش السفيران المعلم ورابينوفيتش في 25 آب في لقاء عقد في منزل السفير روس ورقة"أهداف ومبادئ الترتيبات الأمنية"وعقد لاحقاً لقاء بين رئيس الأركان السوري العماد حكمت الشهابي ونظيره الإسرائيلي ايهود باراك وفق الصيغة الآتية: الشهابي - رابينوفيتش في 19 كانون الأول ديسمبر والشهابي - باراك في 21 كانون الأول.
لكن المفاجئ ان باراك تصرف في اللقاء الأخير بطريقة مختلفة لأنه تحدث عن"الرسم وكيفية اختياره الألوان الى حد ان الشهابي سأل المعلم ما إذا كان هذا الشخص باراك هو الشخص نفسه الذي التقاه"قبل أسابيع. ونتيجة خيبة دمشق الكبيرة، لم تستجب دمشق لاستئناف المفاوضات إلا بعد وصول رسالتين خطيتين من كلينتون للأسد، فعادت اجتماعات السفراء وصولاً الى الاتفاق على ورقة"أهداف ومبادئ ترتيبات الأمن"او ال?"لا ورقة"بحسب الإسرائيليين التي أعلنت في أيار مايو 1995.
لم يجر توقيع هذه الورقة وعنونتها، لكن بدا واضحاً ان الطرفين اتفقا على مبادئ محددة هي: أمن طرف يجب ألا يكون على حساب الطرف الآخر. ان تكون ترتبيات الأمن متكافئة ومتساوية. وعرفت ب?"اللاورقة". ويوضح الداودي:"من الآن فصاعداً، لدينا أمران: التزام رابين بالانسحاب الى خط 4 حزيران 1967. ورقة أهداف ومبادئ ترتيبات الأمن".
بعدها اغتيل رابين في تشرين الثاني 1995. وخلال جنازة رابين نهاية 1995، سأل الرئيس كلينتون رئيس الوزراء شمعون بيريز عن"وديعة رابين". غير ان بيريز لم يكن عارفاً بها، لكنه قال انه مستعد للقبول بها. ثم أبلغ كريستوفر الجانب السوري ان بيريز"جاهز للمضي قدماً وانه يريد الذهاب الى الانتخابات واتفاق السلام مع سورية في يده". وبناء على ذلك، استؤنفت مفاوضات السلام في"واي بلانتيشين".
وأجريت جولتان من المفاوضات في 24 كانون الثاني و28 شباط من 1996. ويروي الداودي:"خلال هذه المفاوضات، ترأس الوفد الإسرائيلي اوري ساغي، وبحثنا في جميع المسائل مثل: عناصر علاقات السلام العادية بين الدولتين. واتفقنا على إقامة علاقات ديبلوماسية واتفاقات تعزز علاقات السلم العادية. وبحث أيضاً موضوع"الجدولة"وكيف يمكن ان نضع جميع العناصر مع بعضها بعضاً. كانت النقاشات تفصيلية وجدية".
وكانت المفاجأة، ان الجانب السوري تبلغ من كريستوفر خلال زيارته دمشق في شباط 1996 ان بيريز"لن يذهب الى الانتخابات واتفاق السلام مع سورية في يده، فانخفضت ديناميكية المفاوضات لدى الإسرائيليين. وفي هذه الأثناء، حصلت انفجارات انتحارية في القدس وتل ابيب وعسقلان بين 25 شباط و4 آذار أدت الى توقف المفاوضات"، ما مهد لفوز اليميني بنيامين نتانياهو بالفوز في الانتخابات ذلك العام.
خلال سنتي حكم نتانياهو أجريت بعض"الاتصالات"والمساعي الأوروبية التي قام بها المبعوث الأوروبي السابق ميغيل انخيل موراتينوس ورجل الأعمال اليهودي رون لاودر ولم تتجاوز إظهار الرغبة في تحقيق السلام مع انها أسفرت عن"تصورات مكتوبة".
يقول الداودي في نص المداخلة التي حصلت عليه"الحياة":"عندما وصلنا الى الانسحاب الى خط 4 حزيران لم يكن هناك اي جواب من الجانب الإسرائيلي. نوقشت عناصر كثيرة من اتفاق السلام وفي شكل غير مباشر، بما في ذلك الانسحاب وترتيبات الأمن وعلاقات السلم العادية والجدول الزمني. لكن، عندما كنا نسأل: هل هناك التزام إسرائيلي بالانسحاب الى خط 4 حزيران 1967، كان هناك صمت إسرائيلي".
?زخم باراك
?بعد الانتخابات في 17 أيار مايو عام 1999، اصبح ايهود باراك رئيساً للوزراء. وفي لقائها الأول بالرئيس الأسد منذ انتخاب باراك، بدا ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت"تريد ترك"انطباع قوي"لدى الأسد الذي ركز على ان رابين"تعهد"إعادة كل مرتفعات الجولان إذا جرى الاتفاق على موضوعي الأمن والمياه. ونقلت اولبرايت في مذكراتها عن الأسد قوله:"لا يمكن ان اقبل أي شيء اقل من ذلك. لا أحد ولا أي طفل في سورية سيوافق على السلام مع أي طرف يحتفظ حتى لو بشبر واحد من أراضينا. في أي مكان في العالم، يُنظر إلى أي شخص يتنازل عن أرضه كخائن".
عليه، حاول روس امتحان مدى التمسك السوري ب?"خط 4 حزيران"، فقدم ما سماه"حلاً وسطاً". ويوضح الداودي ان روس فتح خريطة أمامه وقال:"أريدك ان تنظر إليها، فقط انظر إليها وما إذا كان بإمكاني الذهاب بها الى الجانب السوري. نظرت الى الخريطة بطرف عيني وان هذا كان بالضبط ما اقترحه الإسرائيليون على انه خط 4 حزيران 1967. قلت لروس:"لم أره، لكن نصيحتي هي: من الأفضل ألا تقدم اقتراحاً كهذا الى القيادة السورية لأنها لن تقبل به ويمكن ان يؤثر سلباً في موقفك كوسيط نزيه بين الطرفين". قال:"حسناً، دعنا ننساه".
بعدها عقدت مفاوضات في بلدة شيبردزتاون في ولاية فرجينيا الغربية بين 3 و10 كانون الثاني 2000. حيث شكلت أربع لجان: الحدود، ترتيبات الأمن، علاقات السلم العادية، والمياه. سمى كل طرف أعضاء الوفد لكل لجنة. وتسلم الجانب السوري من الإسرائيليين أسماء خبراء كل اللجان عدا لجنة الحدود. ويروي الداودي ان السفير مارتن انديك صعد الى طائرة باراك بناء على رغبة الأخير لدى وصوله الى قاعدة اندروز للمشاركة في مفاوضات شيبردزتاون حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي:"لا أستطيع الوفاء بما وعدت به. ان الوضع الإسرائيلي الداخلي لا يسمح لي بالمضي قدماً في المفاوضات ولن نقوم بذلك. لا أستطيع القيام بذلك".
نزل في كل الأحوال من طائرته. واستمرت المفاوضات من دون الوصول الى اتفاق. وفي ختام الفترة طلب باراك من مستشاره ان يقدم تفسيره للقرار 242. يقول الداودي:"كان التفسير ذاته من الشخص ذاته الذي قدم في بداية 1991. كانت إشارة بأننا عدنا الى نقطة البداية بعد نحو ثماني سنوات"، في حين تقول اولبرايت:"أحرز تقدم حول الحواشي، لكن القضايا الجوهرية بقيت من دون حل. وعندما قدم كلينتون مسودة الاتفاق التي قمنا بإعدادها، سعى باراك الذي اصبح متردداً على نحو متزايد إلى التعطيل. ولإبطاء سير العملية اقترح ان يُمنح الوفدان بضعة أيام لدراسة الوثيقة، والإدلاء ببعض التعليقات الأولية، ثم تعليق المفاوضات قبل العودة الى جولة ثانية".
ويقول الداودي:"في ختام مفاوضات شيبردزتاون، طلبنا كلينتون للقاء به. كان في اللقاء الشرع وأنا. أسف كلينتون لما حصل ولتضييع وقتنا ثلاثة أسابيع، خصوصاً ان باراك قال ان لديه التزامات في إسرائيل وعليه العودة. عليه، قررنا العودة. وخلال اللقاء قال كلينتون للشرع حرفياً:"لو عرفت ان باراك سيتصرف بالطريقة التي تصرف بها في شيبردزتاون، لما كنت طلبت من الرئيس الأسد ان يرسل ممثله الشخصي الى هذا المكان". وهذا دليل واضح الى ان سورية كانت مستعدة لتحقيق السلام وإسرائيل لم تكن ذلك، بحسب دمشق.
?قمة جنيف: فرصة اخيرة
?في بداية عام 2000، راحت إسرائيل"الباراكية"تستعد للانسحاب من جنوب لبنان. ثم اتصل كلينتون بالأسد طالباً لقاءه في جنيف، قائلاً ان لديه"خبراً جيداً يتعلق بحاجات ومطالب سورية. لم يكشف كلينتون عن هذا"الخبر الجيد". جرى الاتفاق على اللقاء في جنيف في 26 آذار مارس 2000.
كان باراك يعتقد بقوة ان الأسد سيقبل الاتفاق الذي كان يعدّ له: إعادة كل مرتفعات الجولان الى سورية باستثناء شريط عرضه 500 متر في محاذاة بحيرة طبريا وشريط عرضه ثمانون ياردة في محاذاة الضفة الشرقية لنهر الأردن. وسيقدم الإسرائيليون في المقابل، تعويضاً عن ذلك، قطعة من أراضيهم لم تكن سابقاً في أيدي السوريين. كانت فكرة باراك ان يرفق هذه الخريطة المقترحة مع مواقف إسرائيلية تفصيلية في شأن قضايا أخرى، وان يقوم الرئيس كلينتون بتقديمها في لقاء منفرد مع الأسد. كان يرى، بحسب اعتقاده، انه يعرض على الأسد الفرصة لاستعادة 99 في المئة من الجولان، وهو عرض لن يمكن لأي رجل ان يرفضه، بحسب اعتقاد الأميركيين، غير آخذين في الاعتبار صدى ذلك سورياً لأسباب كثيرة بينها الانتقادات الكثيرة التي وجهتها دمشق للأردن بسبب"تبادل"الأراضي او ما عرف ب?"تنازلات جغرافية متبادلة". وكشفت اولبرايت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي"قدم نصاً مكتوباً كاملاً كي يستخدمه الرئيس كلينتون في حديثه مع الأسد. وبطريقة اعتقد بأنها كانت تنطوي على استعلاء. قال باراك انه سيكون مقبولاً ان يرتجل الرئيس العبارات العمومية التي يستهل بها كلامه، لكن وصف احتياجات إسرائيل ينبغي ان يُتلى حرفياً".
ورضوخ كلينتون ل?"املاءات"باراك قوبل بانتقاد باحثين أميركيين ورد في كتاب عن"الدروس المستفادة لعشر سنوات من التفاوض"أصدره المعهد الأميركي للسلام، لاعتقادهم بأن"الاقتراحات يجب ان تكتب في واشنطن وليس في تل أبيب".
في المقابل، يروي الداودي:"كانت لدينا توقعات متناقضة. ورسمنا احتمالات عدة للأسباب الكامنة وراء الدعوة الى القمة: اذا كان"الخبر الجيد"يتعلق بقبول خط 4 حزيران 1967 لم يكن هناك من داع لإحاطته بالسرية والكتمان، فسيكون جيداً بالنسبة الى السوريين ومشجعاً على أي لقاء. لذلك، كانت لدينا شكوك من ان هناك شيئاً غير واضح في هذه المناورة. وعندما ناقشنا السيناريوات المحتملة، وصلنا الى انه ربما تكون الورقة التي كان روس أراد تقديمها الى القيادة السورية ونصحته بعدم فعل ذلك".
ذهب الأسد ووفده الى جنيف. وما حصل هو الآتي، بحسب مصادر عدة: بدأ كلينتون بتقديم الشكر للأسد لمجيئه ومقدّراً الصعوبات الجسدية التي واجهها الزعيم الذي بدا المرض عليه بوضوح. أجاب الأسد:"لا أتعب أبداً من رؤيتك". كما أعرب كلينتون عن"السرور لأنه تمكن من كسب ثقة سورية من دون فقدان ثقة إسرائيل". وعندما قال انه سيقدم"عرضاً رسمياً لما كان الإسرائيليون مستعدين للقيام به. أجاب الأسد"جيّد. لن أرد حتى تنتهي، لكن ماذا في شأن الأراضي؟".
وعندما قال كلينتون:"الإسرائيليون مستعدون للانسحاب كلياً إلى حدود متفق عليها بصورة مشتركة"، رد الأسد:"ماذا تعني ب?"متفق عليها بصورة مشتركة"؟". بدأ الرئيس كلينتون يشرح وأخرج روس خريطة تستند إلى أفكار باراك، وكانت تبيّن خطاً يمتد على طول الضفة الشرقية لنهر الأردن وبحيرة طبريا، مع تحديد واضح لشريط الأرض"الذي يريد باراك الاحتفاظ به. قال الأسد"إذاً هو لا يريد السلام"، من دون حتى أن ينظر الى الخريطة وقال:"انتهى الأمر".
ويروي الداودي ما حصل:"طلب الأميركيون خفض عدد أعضاء الوفدين ليقتصر الحضور على الرئيسين ووزيري الخارجية السوري فاروق الشرع والأميركية مادلين اولبرايت ومترجمين. وعندما كنا على وشك المغادرة قال كلينتون ان لدى روس"شيئاً كي يريك إياه لذلك، هو سيبقى". كان الأسد غاضباً:"حسناً، يمكنه البقاء ليريني إياه ثم يغادر".
وعندما تدخلت اولبرايت قائلة:"كلينتون لم يأت إلى هذا اللقاء إلا بسبب التزامه السلام ومن المستبعد أن تحصل سورية على عرض إسرائيلي افضل"وانها حضته"على ألا يفرّط بالفرصة لاستعادة 99 في المئة من مرتفعات الجولان في خلاف على شريط ضيق من الأرض"، قاطعها الوزير الشرع قائلاً:"المشكلة ليست مسألة كيلومترات. أنها مسألة كرامة وشرف. الإسرائيليون لا يخسرون إذا أعادوا أرضنا. لا يمكن لأحد أن يفعل اكثر من الرئيس الأسد لضمان أن تُقبل إسرائيل في المنطقة حالما يتم التوصل إلى اتفاق".
ما طوى صفحة قمة جنيف كفرصة أخيرة للسلام قبل توجه كلينتون الى المسار الفلسطيني وانهياره في كامب ديفيد نهاية العام ورحيل الأسد، هو ان روس فتح الخريطة التي كان قد أراها للداودي سابقاً في واشنطن. الموقف -المناورة بالوصول الى الرفض السوري. كي يأتي الفشل من دمشق وليس من تل أبيب. اذاً، إغلاق ملف المفاوضات. تحميل المسؤولية الى دمشق.
السباحة في طبريا
يشير رياض الداودي الى ان"تبادلاً للرسائل"حصل بين دمشق وتل أبيب عبر الأميركيين، ذلك ان الأميركيين"اصبحوا نشطين مرة ثانية لاستئناف مفاوضات السلام. وحصل تمهيد لجمع الجانبين السوري والإسرائيلي في واشنطن"بعقد جولة من المحادثات يومي 15 و16 كانون الأول ديسمبر 1999 بمشاركة باراك والشرع، في ارفع مستوى للقاءات بين الجانبين. وتروي اولبرايت:"الأسد، الذي لم يكل أبداً عن إبلاغنا بأنه اعتاد السباحة في بحيرة طبريا عندما كان شاباً، أصر على ان الأراضي السورية تمتد إلى الشواطئ الشرقية للبحيرة وكذلك نهر الأردن. وبالنسبة إليه، كان رفض المساومة على الأرض مسألة شرف". في المقابل، سعى باراك إلى الاحتفاظ بما يكفي من الأرض لضمان"سيادة كاملة وآمنة"على البحيرة. وكان الجانب السوري يشكو من امتناع باراك عن تكرار التزام رابين بانسحاب كامل إذا لُبّيت حاجات إسرائيل الأمنية.
ويوضح الداودي:"كان أحد الشروط السورية هو تأكيد"وديعة رابين". وما سمعنا من باراك انه: سمع بها. لا يستطيع تأكيدها لكن لن يسحبها". كان هذا موقفاً غامضاً. لا يريد ان يقبل بها على أنها في متناول اليد، غير انها هناك. لن يمسها. لن يسحبها ولن يتجاهلها". ويضيف:"رحنا للمرة الأولى نبحث في أين تقع حدود 4 حزيران 1967 بالضبط. وسمعنا من الإسرائيليين وقتذاك:"انتم تسألون عن حول خط 4 حزيران، انه الخط الذي لا نعرف أين هو ولا أحد ابداً يعرف أين هو". لكن، نعرف نحن اي هو والإسرائيليون يعرفون أين هو. وكذلك الأميركيون".
وبحسب خبراء سوريين، ان"خط 4 حزيران"هو جزء من المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان وفق اتفاق الهدنة بين البلدين. وفي مواقع معينة انه خط"دي فاكتو"لأنه جزء من المنطقة المنزوعة السلاح حيث يجب ألا تكون القوات العسكرية. في الواقع حاول الإسرائيليون ان يدفعوا مرات عدة للدخول الى المنطقة المنزوعة السلاح. وقاوم السوريون ذلك ما أدى الى اشتباكات والى تدخل مراقبي الأمم المتحدة لرسم الخط. وهو واضح في تلك اللحظة، اي قبل حرب عام 1967. هذا الخط هو الذي لا يستطيع الإسرائيليون عبوره الى الشرق ولا السوريون الى الغرب. وهو خط محدد وموثق في خرائط مراقبي الأمم المتحدة خلال السنوات الفاصلة بين عامي 1949 و1967.
وما سمعه المفاوض السوري وقتذاك من الجانب الإسرائيلي كان:"حسناً، انتم تتحدثون عن هذا الخط. لكن نحن نقول انه يمكننا ان نرسم أي خط ونقول عنه: خطوط 4 حزيران 1967 وبإمكانكم ان تسوقوه الى شعبكم على هذا الأساس". غير ان هذا لم يكن منسجماً مع"وديعة"رابين، فكان تكتيكاً لم تقبل به دمشق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.