الشرق الأوسط مرة أخرى في "كان"، ولكن من حيث لم يكن أحد يتوقع: من كندا، وتحديداً من المخرج آتوم ايغويان، الذي كان، ومن دون ان يُعرف عنه الكثير، واحداً من الأفلام المنتظرة في هذه الدورة من المهرجان. لكن احداً لم يكن ينتظر ان تكون للفيلم علاقة ما بمنطقة العواصف، منطقتنا. ومع هذا ليست العلاقة بمثل هذا الوضوح. بل إن كل شيء في هذا الفيلم لا يتسم بكثير من الوضوح. ففيلم"عبادة"بدءاً من عنوانه فيلم يشتغل على الظاهر والباطن، على ذاتية الحقيقة، مثل كل الأفلام المميزة التي حققها هذا المخرج الكندي من أصل أرمني والمولود في مصر"يوم افتتح السد العالي"، كما يقول هو محدداً مفسراً اسمه"آتوم"ذرة بأنه من بنات أفكار أبيه المصري - الأرمني الذي كان من المعجبين بعبدالناصر ووقف مؤيداً ما رآه يومها من ان افتتاح السد العالي طريق لولادة مصر في العصر الذري. من هذا التاريخ بقي لآتوم ايغويان ارتباط قوي بالمنطقة العربية وقضاياها. ولئن بدت هذه القضايا غائبة في أفلامه السابقة، فإنها هنا قفزت الى الواجهة... ولكن ليس تماماً. ويستطرد: انه فيلم عن الإرهاب ولكن ليس تماماً، وعن العنصرية وليس تماماً، وعن التسامح ثم هو دراما عائلية إنما مشغولة في ذهن بطل الفيلم الفتى المراهق سيمون الذي يعيش في تورنتو اليوم، تحت وطأة فقدانه أمه وأباه. ولأن سيمون ابن عصر التكنولوجيا والإنترنت، وابن الزمن الراهن نراه يخترع لنفسه تاريخاً خاصاً، فحواه ان أباه، الفلسطيني من بيت لحم، أرسل أمه الكندية عازفة الكمان الى فلسطين على متن طائرة إسرائيلية ومعها حقيبة ملأى بمتفجرات يفترض ان تنفجر في الجو وتقتل ركاب الطائرة، ومعهم طبعاً الأم وسيمون نفسه في أحشائها. هذه الحكاية يرويها سيمون في الصف بتشجيع من مدرِّسة اللغة الفرنسية التي سنعرف لاحقاً انها آتية من بيروت حيث ذُبح أفراد عائلتها. ومن يعرف التاريخ المعاصر، يتذكر ان ثمة أردنياً كان العام 1986، أرسل خطيبته الإرلندية الى إسرائيل ومعها حقيبة مفخخة. لكن العملية انكشفت، وها هو سيمون يروي ما هو مماثل لها. بيد اننا بعد ثلث اول من الفيلم تنطلي الحكاية فيه علينا، نبدأ بإدراك ان سيمون إنما اخترع الحكاية أو عرف بها وأعاد توظيفها انطلاقاً مما كان جده يرويه له وهو على فراش الموت. لاحقاً سندرك ان الواقع هو غير هذا تماماً، وأن السيناريو الذي بدا أول الأمر كالمتاهة، إنما رسم في شكل مقصود كي يغير لاحقاً من وظيفة كل شخصية وعلاقتها بجوهر الفيلم. وهنا في هذا الإطار، المفاجآت كثيرة ومدهشة تضع سيناريو"عبادة"والفيلم الناتج منه في مقدم ما عُرض في"المسابقة الرسمية"في"كان"حتى الآن. لكنها، في طريقها تضع اموراً كثيرة في واجهة عالم الأفكار المسبقة، والتعصب والعنصرية، الذي نعيش فيه اليوم. وكذلك في صلب التكنولوجيا وإيديولوجيتها اللتين كثيراً ما شغلتا سينما ايغويان منذ بداياتها. لنا عودة ? طبعاً ? الى هذا الفيلم الغني والذي شكل مفاجأة كبيرة بمعنى ما، وفي انتظار ذلك قد يكون في إمكاننا ان نقول ان الحديث عن هذا الفيلم، في"كان"وفي ما بعد"كان"لن يتوقف هنا أو عند هذا المستوى، إذ ان الفيلم، كما الأسلوب التدريجي للسيناريو الرائع الذي بُني عليه، يدخل الى الأذهان والقلوب تدريجاً... أوليست هذه سمة أساسية من سمات الفن الكبير؟ الى ذلك ا ف ب، حصل الفنان اللبناني خالد مزنر، في اطار جناح"سينما الجنوب"على جائزة افضل موسيقى تصويرية للافلام عن فيلم"سكر بنات". وتمنح هذه الجائزة جمعية مؤلفي الافلام في اوروبا المكونة من نحو 300 عضو صوتوا للموسيقى التصويرية لفيلم"سكر بنات"الذي اخرجته نادين لبكي وعرض العام الماضي في تظاهرة"خمسة عشر يوما للمخرجين"ولقي نجاحا شعبيا كبيرا ونال العديد من الجوائز.