بارتفاع طفيف.. قطاع البنوك يدعم تعاملات سوق الأسهم السعودية    دول الخليج تدعو لتحرك دولي عاجل لفك الحصار عن غزة    انوفست العقارية تحصل على تصنيف ائتماني بدرجة (BBB-) من وكالة "تصنيف" مع نظرة مستقبلية مستقرة    118 % نمو الشركات الناشئة الأجنبية في السعودية    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    الربيعة: استقرار حالة يارا ولارا    أمير الشرقية يستقبل رئيس الهيئة العامة للموانئ ويطلع على مشاريعهم المستقبلية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير دولة الإمارات لدى المملكة    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل تنفيد مناشطه الدعوية ضمن برنامج الأمن الفكري في المملكة العربية السعودية    مفردات من قلب الجنوب 5    أمير جازان يستقبل مدير فرع إدارة المجاهدين بالمنطقة    تخصصي الملك فهد في بريدة ينجح في اجراء عملية معقّدة لتصحيح اعوجاج عمود فقري    دمج 267 منصة حكومية ضمن "الحكومة الشاملة" لتحسين الخدمات الرقمية    السفارة السعودية في الفلبين تحث المواطنين على البقاء في مساكنهم خلال فترة هطول الأمطار    القيادة تهنئ ملك بلجيكا بذكرى اليوم الوطني لبلاده        جمعية نجوم السياحة وفريق "صواب التطوعي" يوقعان اتفاقية تعاون    مركز التنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "تعرف علينا"    جمعية عين لطب العيون تطلق مشروع "اعتلال الشبكية    توزيع أكثر من 1.3 مليون وجبة إفطار صائم في المسجد النبوي    فريق EVOS Divine الإندونيسي يفوز بلقب بطولة Free Fire    ارتفاع أسعار النفط    أنهار قديمة تحت الجليد    الذكاء الاصطناعي يخترق خصوصيتك    طريقتان سريعتان لتخفيف التوتر    الثقافة العلاجية: بين التمكين والمبالغة    خادم الحرمين يتلقى رسالة من ملك إسواتيني    قائد يصنع المستقبل    فرنسا: الإفراج عن اللبناني جورج عبدالله بعد 40 عاماً في السجن    الردّف.. عبق التاريخ وجمال التطور    "اتحاد القدم" يتلقى اعتذاراً رسمياً من الهلال عن المشاركة في كأس السوبر السعودي 2025    صفقتان فرنسيتان تعززان دفاع نيوم    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    فهد بن سلطان يشيد بأعمال "الأمر بالمعروف"    الأمن الداخلي ينتشر والمساعدات تتدفق.. عودة تدريجية للاستقرار في السويداء    مكافحة التعصب الرياضي    محمد بن عبدالعزيز يتسلم تقرير التعليم    ضبط 21058 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    المرور: 300 ريال غرامة قيادة الدراجة الآلية بدون رخصة    "قبول" تكشف مزايا الفرص الإضافية ل"تسكين الطلاب"    دراسة: الهواتف الذكية تساعد في الكشف عن الزلازل    إدانة نائبة أمريكية في قضية سرقة قطة    الإكوادور تسلّم الولايات المتحدة زعيم أخطر عصابة لتهريب المخدرات    رصد 18 مكتب استقدام مخالفاً في الربع الثاني    «قصبة المضمار»    نجوم الغناء العربي يشاركون في موسم جدة    أرملة محمد رحيم تتهم عمرو دياب بسرقة لحن    " الثقافة" تطلق منحة الأبحاث المرتبطة بالحرف اليدوية    تفقد مشروع صفوى- رأس تنورة.. وزير النقل يقف على مستوى تقدم المشاريع بالشرقية    جمعية "واعي جازان " ومركز مسارات يسلطان الضوء على ظاهرة الطلاق العاطفي    تقرير "911" على طاولة نائب أمير الرياض    بعد غيبوبة طويلة مؤثرة في المشاعر.. الأمير الوليد بن خالد بن طلال إلى رحمة الله    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الكابتن عمر الثاقب ل«الرياض» بعد فوزه بالذهبية: تنظيم بطولات البادل بالمملكة يرفع مستوى الوعي بها ويشجع على ممارستها    ريال مدريد لا يمانع رحيل روديغر للدوري السعودي    أمير تبوك يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    61 ألف مستفيد من الإرشاد بالمسجد النبوي    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجاذب لا بد أن يحسم بين "الديني" و "السياسي" في الإسلام
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2008

حان الوقت لمراجعة جذرية من داخل الإسلام وضمن مصدره القرآني والنبوي للمفاهيم السياسية المنسوبة الى الإسلام، خاصةً ما تطرحه قوى تسييس الدين في عصرنا. وهي مفاهيم من وضعها، ولصالحها، ولا تمت الى الإسلام بصلة. فنظراً الى أن الإسلام لم يلتزم بمعتقد سياسي محدد منذ البدء، خضع التطور السياسي لتجربة المسلمين في الدولة والسلطة لظروف التاريخ التي يتم إنكارها اليوم على رغم أن الخلافة مثلاً نظام تاريخي تجريبي واجتهادي خضع للتغيير والتعديل حسب نتاج التجارب التاريخية - فينسب نظامها للوحي الإلهي وهو منها براء براءته من غيرها من التنظيرات السياسية التي سادت الفكر السياسي للمسلمين سلطة ومعارضة، وتم الباسها لباس الدين والوحي.
وكما أشرنا في مواضع عدة من مؤلفات سابقة، فإن الحضارة الإسلامية كانت حضارة راقية ورائعة في العلم والفكر والعمران، لكنها كانت مصابة بفقر دم سياسي بدد الكثير من طاقاتها الحضارية. ولعلها إشارة تاريخية ذات مغزى وتستحق التأمل اليوم أن انتشار الإسلام قد ازداد زيادة لافتة في مناطقه بعد تراجع قوة الدولة الإسلامية واتضاح ضعفها، فلم يجد الناس إلا في الإسلام نفسه حامياً لهم ولهويتهم. ونعتقد أن هذا ما يحدث اليوم، وهو أبعد ما يكون عن انبعاث الدولة الدينية. فقد عجزت مختلف الصيغ التحديثية عن مواجهة التحدي الإسرائيلي والغربي كما اتضح ضعف مؤسسة الدولة الرسمية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. لذا لجأ الناس إلى التدين المفرط وهو"الغلو"الذي حذر منه القرآن الكريم: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم حماية لأنفسهم وهويتهم، وذلك ليس من جوهر الإسلام لكنه لرد التحدي. أما إقامة الدولة الدينية فليست ثمة مقومات أو برنامج سياسي مكتمل لدى دعاتها، وهم يستغلون الموجة الدينية السائدة لكنهم لا يملكون الكفاءة اللازمة لإقامة الدولة فإن هذا الغلو الذي يشجعونه يسد ولن يؤدي إلى قيامها. فالدول لا تقام بالأماني.
ومن أجل أن يتعظ المسلمون من تجاربهم السياسية المخفقة في الماضي، لا بد من إعادة النظر لاكتشاف حقيقة السياسة في دينهم وتجنب المغامرات العقيمة الماثلة والتي ليس لها من نتيجة غير الإساءة الى الإسلام وتشويه تاريخه. فاللافت أن ايدولوجيات تسييس الدين عملت في العقود الأخيرة على إعادة الاعتبار الى الخلافة العثمانية ما استدعى انبعاث العصبويات المناوئة لها تاريخياً. بينما الحركات الإسلامية التي واجهت المظالم العثمانية في حينه وناضلت، بل وثارت ضدها، كالدولة السعودية في الجزيرة العربية، والحركة السنوسية في ليبيا، والثورة العربية بقيادة الشريف حسين، كان لها في هذه الخلافة رأي آخر. وكذلك المفكرون الإسلاميون الذين عاصروها كمحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وسواهما، فكيف نسقط تجارب من عاشوا تلك الحقبة من المسلمين وننكر واقعهم التاريخي لصالح ميول ايديولوجية بعيدة زمناً عنها ولا تدعمها شهادة التاريخ، بل هي متورطة في عملية تزويره؟! وإذا كان ضعف العرب وانحطاطهم التاريخي قد جعلاهم فريسة سهلة للسلطنة العثمانية، فإن ضعفهم اليوم يعيد التاريخ نفسه ويعرضهم لمؤثرات من خارج وطنهم العربي. فمنطق الضعف والعجز له نتيجة واحدة في مختلف الأحوال.
وعوداً على بدء في استجلاء العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام وكما أجمع باحثون مسلمون من مختلف الاتجاهات والاجتهادات، فإن من أهم ما يلاحظ في الظاهرة الإسلامية، أن الإسلام - قرآناً وسنّة - قد أولى العقائد والعبادات والأخلاق اهتماماً مفصلاً ومحدداً إلى حد كبير، بينما في الجانب السياسي كان إيجازه شديداً إلى درجة تحديد مبادئ في منتهى العمومية كالشورى والعدل، بما يحتمل مختلف التأويلات ومختلف النظم السياسية التي أفرزتها التجارب الإنسانية. وقد أخذ المسلمون الحديث النبوي الكريم الموثّق:"أنتم أعلم بشؤون دنياكم"على محمل اتصاله بتأبير النخل فحسب، وهو فهم ضيّق الواسع من مقولته عليه الصلاة والسلام، وحصره في ظرف المناسبة اللحظية، فشؤون الدنيا تأتي في مقدمها شؤون السياسة. ولا بد من أخذ الحديث النبوي على هذا المحمل، فمن الطبيعي أن يكون الناس في كل زمان ومكان أعلم بشؤون سياستهم التي هي من شؤون دنياهم، وهي الأهم لمصائرهم من تأبير النخل.
وعندما كان النبي الكريم يكاتب زعماء الدول يدعوهم للإسلام، كان همه الأكبر والوحيد قبولهم بأساس العقيدة الإسلامية، مع بقاء الأمير في سلطته حسب نظام بلده من دون البحث في كيفيته، الأمر الذي يعني أن عقيدة الإيمان هي الأصل في الإسلام، وأن طبيعة النظام السياسي من اختيار أهل كل بلد. ففي رسالة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين نقرأ العبارة المبدئية التالية:"... فأني أدعوك إلى الإسلام. فاسلم تسلم يجعل الله لك ما تحت يديك...".
وإذا عدنا الى القرآن الكريم نجد أن مصطلح"حكم"المتداول اليوم في لغتنا المعاصرة بمعنى سلطة القرار السياسي لا يرد إطلاقاً بهذا المعنى وما اشتق منه مثل"حكومة"كان يعني عملية التحكيم - كما بين علي ومعاوية - ولا يعني السلطة التنفيذية ناهيك بما صاغه المودودي في عصرنا بالحاكمية، وهو لا يجيد العربية! ... وكان يعني مصطلح Sovereignty بمعنى السيادة المطلقة للدولة الحديثة د. محمد عمارة - أبو الأعلى المودودي - دار الوحدة، ص 193 وما بعدها.
فالحكم في المصطلح القرآني، والعربي الأصلي، هو الحكمة وهو البصيرة العادلة، وإذا اقتربنا بمعانيه من سلطات الحكم فهو سلطة القضاء وكان القاضي يسمى حاكماً، كما ورد في أحاديث نبوية متواترة وكما فسر المفسرون المصطلح القرآني في قوله تعالى وتدلوا بها إلى الحكام - سورة البقرة 188- بأن المقصود"القضاة"تفسير ابن كثير : 1/224 - 225. أما أصحاب السلطة السياسية فقد أطلق عليهم القرآن الكريم من منطلق المعنى العربي الأصلي:"الأمراء"، فقال"أولو الأمر"، وتضمنت السنة النبوية مصطلح"الأمير"في مواضع عدة بهذا المعنى وتعارف المسلمون على تسمية القائد السياسي ب"أمير المؤمنين"، وهو الفهم السائد عند العرب في حينه. وللإمام على بن أبي طالب في"نهج البلاغة"في رده على"الخوارج"الرافضين لمفهوم"الدولة"و"السلطة"تمييز حاسم بين معنى"حكم"ومعنى"أمر"حيث قال:"كلمة حق يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله. وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيه الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل..."- نهج البلاغة 1/87 - القاهرة المكتبة التجارية الكبرى.
وهذا يعني كما يشير الإمام علي إلى إن إقامة السلطة الراعية لأمن الناس - وإن تكن غير مثالية... أو"فاجر" مقدّمة على انتظار سلطة اليوتوبيا المنشودة... هذا إن جاءت.
وما أفقر الفكر السياسي الإسلامي، محاولة البعض تجاهل مصادره الأصلية الهامة وإغفالها كصحيفة المدينة التي وضعها النبي الكريم وتمثل فكره السياسي عندما واجه مسألة السياسة في المدينة المنورة. فهي أول دستور في الإسلام وأول تعاقد سياسي بين المسلمين وغيرهم في نطاق الدولة الجامعة، حيث نرى في الفكر السياسي النبوي تمييزاً واضحاً ومبدئياً بين"المجتمع الديني"الذي يضم المسلمين في دولة الرسول و"المجتمع السياسي"الذي يشمل، بالإضافة إلى المسلمين، اليهود وقبائلهم في المحيط المدني. وقد ذكرت"الصحيفة"بالاسم تلك القبائل واعتبرتها"أمة واحدة"مع الجماعة الإسلامية، لهم ما لها وعليهم ما عليها في شؤون الأمن والسياسة. ولم يزايد أحد في حينه على النبي عندما أصدر الصحيفة أو الدستور الأول في الإسلام، بالقول الذي نسمعه في مزايدات الحاضر القرآن دستورنا!! في وقت كان فيه القرآن يتنزل على الرسول ككتاب هداية للإنسانية جمعاء، وليس كدستور لهذه الدولة أو تلك! ... وعلينا أن نضيف أنه عندما خرقت تلك القبائل الدستور كان للنبي منها موقف آخر، كأي خرق دستوري في أي زمان ومكان.
إن دراسة صحيفة المدينة وإبرازها في الوعي الإسلامي المعاصر كوثيقة تاريخية مسألة حيوية لتجديد شباب الفكر السياسي عند المسلمين. كما أن إغفال هذا التعاقد السياسي من شأنه أن يضع الأمور في غير نصابها ويؤدي إلى تصورات خاطئة بشأن الصلة بين الديني والسياسي في الإسلام. فالدولة في الإسلام دولة مدنية - كما أكد المفكر الإسلامي د. أبو المجد من منطلق فكر إمام النهضة الشيخ محمد عبده - تهتدي بقيم الدين ومبادئه وهي ليست حكومة رجال الدين، حيث لا رجال دين في الإسلام، فالمسلمون كلهم يحملون هذه الصفة. والفرق يكمن بين عالم في الدين ومن هو أقل علماً. فلا دولة كهنوتية أو ثيوقراطية في الإسلام وقد أسهمت أطروحة المفكر الإماراتي د. حسين غباش عن التجربة العمانية الأباضية وتطورها السياسي في تقديم نموذج تاريخي إسلامي وعربي يؤكد ذلك، ويعتبر أن"منصب الخليفة ليس إلهياً"- عُمان: الديموقراطية الإسلامية، ترجمة د. أنطون حمصي، ط 3، دار الفارابي، ص 16 - 29. وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يوجه قائد الجند الذي يرسله في أية مهمة"إذا سألك أهل حصن أن تنزل إلى حكم الله فلا تنزل بهم إلا إلى حكمك، فأنت لا تدري أتخطئ أم تصيب"... وهذا يعني أن السياسة مسألة تجريب فيها الخطأ وفيها الصواب، أي أنها مسألة اجتهادية ظنية لا مسألة قطعية من مسائل الدين. ويرى د. محمد عمارة أن هذا التوجيه النبوي في حد ذاته يكفي لحسم الجدل بهذا الشأن.
وختاماً: فإن هذه النظرة نظرة إسلامية تتقيد بالكتاب والسنة، وليست"علمانية"تغريبية كما يعشعش في بعض الأذهان... والله المستعان.
* مفكر وكاتب من البحرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.