أكدت مصادر قضائية في الأممالمتحدة أن فرصة انتخاب القاضي الأردني عون شوكت خصاونة رئيساً لمحكمة العدل الدولية في شباط فبراير المقبل، شبه مؤكدة خصوصاً بعد إعادة انتخابه قاضياً فيها، فترة ثانية على التوالي في الانتخابات التي جرت أخيراً في مجلس الأمن، حيث حصل على 13 صوتاً من أصل 15 وكذلك في الجمعية العامة حين حصل على 151 صوتاً، أي الأكثرية المطلقة. وللقاضي خصاونة، وهو اليوم نائب الرئيس في محكمة العدل الدولية، تجربة عريقة في عالم القانون والديبلوماسية والسياسة. وهو بعد تخرجه من جامعة كامبريدج البريطانية عمل في السلك الديبلوماسي، ومستشاراً للراحل الملك حسين بن طلال، ثم رئيساً للديوان الملكي. كما ترأس لجنة المفاوضات مع اسرائيل، ولجانا قانونية دولية. وله مؤلفات سياسية وقانونية عديدة. القاضي عون شوكت خصاونة، تحدث الى"الحياة"في مكتبه داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي، مؤكداً أن هذه المحكمة أعلى سلطة قضائية في العالم، مشدداً على أنها تتمتع بقدر عال جداً من النزاهة والصدقية، ولا تخضع للضغوط السياسية. واعتبر وصول عربي الى رئاستها انتصاراً معنوياً كبيراً لبلد صغير مثل الأردن، وكذلك للعرب أجمعين. ورأى ان من الصعب جداً على محكمة العدل الدولية النظر في قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران، لأن طهران لا تقبل بالولاية الالزامية للمحكمة، وقال إن العلاقة بين السلام والعدل من جهة متضاربة ومن جهة اخرى مكملة. هل شغل عربي منصب رئيس محكمة العدل الدولية من قبل؟. - نعم، لقد شغل الرئاسة في الثمانينات الوزير والقاضي الجزائري الاستاذ محمد البجاوي. ووصل القانوني اللبناني فؤاد عمون الى منصب نائب الرئيس. وتترأس المحكمة اليوم وللمرة الأولى في تاريخها امرأة بريطانية هي القاضية روزالين هيغييز. من ينتخب الرئيس ونائب الرئيس؟ - ينتخبان من قبل 15 قاضياً الأعضاء في المحكمة في 6 شباط المقبل، بعد نهاية ولاية الرئيسة الحالية. هل يمكننا القول إن هذه المحكمة تمثل أعلى سلطة قضائية في العالم؟ - من دون شك، ان هذه المحكمة التي تأسست في العام 1945 هي أعلى سلطة قضائية في العالم. وكل دولة عضوة في الأممالمتحدة عضوة في هذه المحكمة. ولكن هذا لا يعني أن للمحكمة اختصاصا في الكامل على هذه الدول. ولا بد من الاشارة الى الفرق بين الاختصاص العدلي الوطني الداخلي، أي القانون الذي يبسط سلطانه على كل مواطن في هذه الدولة أو تلك، وبين القضاء الدولي المبني على أساس رضا وقبول الأطراف المتقاضية، حتى لا يمس بسيادة هذه الدول. وهذا يعني أننا لا نستطيع النظر في أي قضية بين دولتين من دون رضاهما. اعتماداً على تاريخ عمل هذه المحكمة، هل تنفذ أحكامها؟ وهل تتمتع بالصدقية الدولية؟ - حصلت هذه المحكمة على احترام العالم. ومن ناحية احصائية فإن الغالبية العظمى من أحكامها نُفذت، ولمجلس الأمن الحق في أن يتدخل لمصلحة تنفيذ هذه الأحكام. ولكن من دون شك فإن هذا التدخل سيكون صعباً بالنسبة الى دولة عضوة في مجلس الأمن، لأنها قادرة على نقض تنفيذ هذا الحكم. ولكن هذا هو أساس نظام المجتمع الدولي القائم أساساً على التميّز للاعضاء الدائمين، وهذا يلقي بظلاله على النظام الدولي بأشمله. ولهذه المحكمة ايضاً وزن خلقي كبير جداً. وهل تستطيع المحكمة فرض عقوبات على الدول التي لا تنفذ أحكامها؟ - لا، ليست لدينا أدوات كهذه. ولكن، ألا يحد هذا من قوة أحكامكم وصدقيتها؟ - نعم، هذا صحيح، ولكن كما قلت فإن غالبية أحكامنا تنفذ. هل تتعرض المحكمة لتدخلات سياسية؟ - لا، ليس هناك تدخل سياسي مباشر في عمل المحكمة أو قراراتها من قبل اي دولة. والوصول الى الحكم في أي قضية أمر معقد وطويل الى حد ما، لأن هدفها دوماً العدالة والنزاهة والابتعاد عن أي تأثير. ونظام عمل المحكمة الشفاف يعني أن أي حكم يمر بمراحل متعددة، يشارك فيها جميع القضاة الأعضاء. ولا بد من الاشارة الى أن العدالة في طبيعتها تتطلب وقتاً لتحقيقها. هل ستنظرون في قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها ايران؟ - لا اعتقد بأننا نستطيع القيام بذلك، لأن ايران لا تقبل الولاية الالزامية للمحكمة. وإذا لم يحصل اتفاق بين دولة الاماراتوايران لتوكيل المحكمة النظر في هذه القضية، فإننا لا نستطيع النظر فيها. بعض المراقبين يعتقد أن الساحة القانونية الدولية أصبحت مزدحمة بالمحاكم الموجودة والعاملة في لاهاي الى جانب محكمتكم، فهناك واحدة ليوغوسلافيا السابقة وأخرى ستؤلف للنظر في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الى جانب محاكم أخرى، فلماذا لا تكون محكمة هناك واحدة؟ - هذا غير ممكن، فلكل من هذه المحاكم اختصاصها. بل ان هذا الكلام عن تقسيم القانون الدولي وتحطيمه لم يكن صحيحاً. والفارق الأساس بين محكمة العدل الدولية والمحاكم الأخرى هو انها انشئت بموجب ميثاق الأممالمتحدة، أي انها جزء منه. وللتذكير فإن هذا الميثاق ينص على وجود ثلاث ركائز للأمم المتحدة هي: مجلس الأمن، الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية. وهذه الركائز متساوية في الأهمية والسلطة وكل شيء. أما محكمة يوغوسلافيا السابقة فهي محكمة جنائية وموقتة، والمحكمة الجنائية الدولية لا تتبع الأممالمتحدة، بل انها نتيجة اتفاق دولي يعرف باتفاق روما. كيف ترى مستقبل هذه المحكمة؟ - على ضوء ما ذكرت يبدو أن مستقبلها مزدهر، ومنذ وصولي الى المحكمة نظرنا في 33 قضية. بعد بروز قضية الرئيس السوداني عمر حسن البشير والعدالة الدولية، طرحت مسألة ان العدل يعرقل السلام بل ويعيقه، فما رأيك؟ - هذه عملية معقدة، ولكنني أجد أنه لا يمكن لأي سلام أن يستمر إذا لم يكن مستنداً الى قدر كبير من العدالة. ولكن في الوقت نفسه فإن العدالة فكرة منطقية، والسلام في المقابل هو في واقعه الوصول الى حل وسط يرضي الجميع، وأحياناً الاصرار على المنطق يشكل سبباً لاستمرار النزاعات، والعلاقة من جهة متضاربة ومن جهة أخرى كاملة، مهمة المحكمة والعدل ستكون عمياء إذا لم تكن في خدمة الحفاظ على السلام الذي هو أحد المقاصد الأساسية لميثاق الأممالمتحدة. نشر في العدد: 16666 ت.م: 20-11-2008 ص: 12 ط: الرياض