انتخب السيد عون شوكت الخصاونة الأردن عضواً في محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وهو بذلك أصغر القضاة سناً في الهيئة التي تضم 15 عضواً. وفي حديث أجرته معه "الحياة" شدد الخصاونة على اهمية وجود قاضٍ من منطقة الشرق الاوسط في المحكمة الدولية نظراً "لأهمية وجود تمثيل للنظام القانوني العربي والاسلامي". واعتبر الخصاونة ان عدم وجود تنافس داخل المجموعة العربية والاسلامية على المقعد ساهم في نجاح حملته الانتخابية، بينما اسفر التنافس العربي على رئاسة "يونيسكو"، عن خسارة المرشحين العربيين المقعد. وكان السؤال الاول عن اسباب فوز الخصاونة في الانتخابات التي جرت الاسبوع الماضي، فأجاب: "اولاً عدم وجود تنافس داخل المجموعة العربية والاسلامية، وهذا ما كان يعوّل عليه البعض، وتمتعي بالتأييد التام من قبل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي. وثانياً: الحملة الجيدة المنظمة التي قامت بها الحكومة الأردنية وخصوصاً البعثة الدائمة في نيويورك. ثالثاً: الأردن بحمد الله يتمتع بسمعة جيدة جداً بُنيت على مدى العقود الأربعة الاخيرة. ورابعاً: كون المنافس الأساسي من سيريلانكا ينتمي الى بلد خاض في ثلاثة ترشيحات في السنة نفسها، ووجدنا كثيراً من التعاطف باعطاء دور للدول التي لم يكن لها تمثيل سابق في محكمة العدل الدولية. اما نقاط الضعف التي تلافاها الوفد الأردني، فهي اولاً كون المنافس قاض حالياً ونائباً لرئيس المحكمة، وكون باقي المرشحين يطالبون بإعادة الانتخاب. وثانياًً، استعماله، في الحملة، للفكرة القائلة بأنه سيكون هناك عرب ومسلمون كثيرون في المحكمة. وهو لم يستطع ان يحقق كثيراً من هذه الفكرة. اما في اليونسكو، كان هناك تنافس عربي. المرشحان على رغم كفائتهم لم يعرفا نظام اليونسكو. ما الذي دفعك برغبة الخدمة في محكمة العدل الدولية، ماذا فيها لك؟ - منذ كنت طالباً في كامبردج وانا اعلم ان محكمة العدل الدولية أعلى سلطة قضائية في العالم، والعمل بها كقاضٍ هو اقصى ما يتمناه اي قانوني دولي. وشعوري انه من المهم ان يكون هناك تمثيل لمنطقتنا العربية. هناك الآن قاضيان عربيان في المحكمة، هل هذه المرة الاولى؟ - لا. هناك سوابق، المرحوم عبدالله العريان من مصر والطرزي من سورية، الى ان اعيد تأهيل اليابان حيث استطاعت بما لها من قدرة في حملاتها الانتخابية. وهذه المرة الاولى التي تعود الى المنطقة منذ بداية الثمانينات. وخدم بها من العرب المرحوم بدوي باشا من مصر في بداية الخمسينات، ثانياً المرحوم فؤاد عمّون من لبنان في الخمسينات، وعبدالله العريان من مصر، والطرزي من سورية، والخاني ايضاً من سورية ثم محمد البجاوي الذي ما زال قاضياً فيها. ذكرت اهمية انعكاس وجود قضاة من المنطقة العربية، هل لأن قضايا المنطقة تستلزم تدخل المحكمة. وما هي اهم الملفات التي يمكن عرضها على المحكمة الى جانب ملف ليبيا وملف البحرين وقطر؟ - اهمية وجود قاضٍ من المنطقة لا يتعلق بوجود قضايا حول نزاعات المنطقة. فالنظرة يجب ان تكون عالمية عن هذا الموضوع. لكن في الحقيقة هناك الكثير من النزاعات الحدودية في المنطقة التي يمكن ان تُحال الى المحكمة اذا لم يتم فضّها بالطرق الاخرى، اهمية وجود قاض من المنطقة عائد لأهمية وجود تمثيل للنظام القانوني العربي والاسلامي. كمطلع على ملفات محكمة العدل الدولية، أي من القضايا لفت نظرك واستحوذ على تقديرك للمحكمة؟ - كمن يسأل ما هو اجمل بيت غزل في الشعر العربي وكل بيت غزل جميل في الشعر العربي. وما هي في تقديرك اكبر التحديات امام المحكمة الآن؟ - اكبرها ينبع من ان طبيعة القانون الدولي شهدت تطورات كثيرة بالابتعاد عن مفهوم الثنائية والاتجاه نحو وجود ما يسمى بمصالح جماعية للدول. التطور الثاني هو ازدياد تسييس القضايا امام المحكمة، بمعنى ان بعض هذه القضايا يمس المصالح الأساسية للدول وسياستها، وأهمها القضايا التي اقامتها صربيا ضد الناتو والمتعلقة بقيام حلف الناتو بحملة لاخراج صربيا من اقليم كوسوفو رغم عدم وجود غطاء من مجلس الأمن. ففكرة حفظ الأمن والسلم الدوليين تذهب للمحكمة بشكل غير مسبوق وربما كان لإنتهاء الحرب الباردة اثر كبير في ذلك. كيف سيؤثر ذلك على كون مجلس الأمن المسؤول الاول عن حفظ السلم والأمن الدوليين والعلاقة المستقبلية بين مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية؟ - هناك تناقض كبير بين فكرة السلام من جهة وفكرة العدل من جهة اخرى، وفي الوقت نفسه هناك علاقة جدلية بين الفكرتين. فالسلم الذي لا يقوم على مبادئ العدل لا يمكن ان نتوقع له الديمومة، ولكن هذا لا يخفي حقيقة ان العدل يستند الى سلسلة من المقومات والنتائج المنطقية مثل اعادة الشيء على ما كان عليه وازالة الضرر. وهذه الأمور ممكن ان تخل بالسلم الذي يقوم على ايجاد حلول وسط، ولمجلس الأمن المسؤولية الأساسية وليس المسؤولية الوحيدة بحفظ السلم والأمن الدوليين. وقد برز اتجاه لزيادة استعمال قوة المجلس بموجب الفصل السابع من الميثاق، ويتزامن هذا مع اتجاه في المحكمة للنظر في الأمور السياسية بدءاً بالقضية التي اقامتها نيكاراغوا ضد الولاياتالمتحدة. وبالتالي ستكون هناك تفاعلات بين المجلس والمحكمة سيكون لها اثر كبير في تقرير العلاقات الدولية في القرن المقبل. ستكون اصغر القضاة سناً؟ فهل تعتقد انك ستأتي الى المحكمة بدم جديد علماً ان الأكثرية الساحقة من المدرسة القديمة؟ وهل سيكون هناك خلاف على اساس الاجيال؟ - لا اعتقد ان خلاف الاجيال مُحدد للمواقف التي يتخذها القضاة. فالكثير من القضاة الحاليين هم من زملائي القدامى في لجنة القانون الدولي وتربطني بهم صداقات حميمة. بدأ بعض الاهتمام في المنطقة العربية بحقوق الانسان وبدأ الانتقاد العلني لوضع حقوق الانسان في المنطقة، هل لمحكمة العدل الدولية قول في هذه المسائل ام انها تنتظر ان تأتي اليها شكوى معينة؟ - اعتقد ان فكرة السيادة بمفهومها الكلاسيكي تتعرض لضغوط كثيرة، ومع انه في عام 1946 وقف وزير خارجية اوروغواي امام الجمعية العامة ليقول ان فكرة السيادة يجب ان لا تستغل من الدول لتقوم بانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في اراضيها الا ان العقود الثلاثة التي مضت رأت تثبيتاً لمفهوم السيادة على حساب مفهوم حقوق الانسان بما في ذلك حق تقرير المصير. ولكنني اعتقد، بدخول الألفية الثالثة، ان فكرة السيادة في المعنى الذي تتنافى فيه باحترام المعاني الدولية لحقوق الانسان مرشحة للضعف لتصبح اضعف مما كانت عليها، ليس بسبب التدخل الانساني وانما بسبب الثورة الكبيرة في عالم الاتصالات وتداخل الدول في التجارة والمعاملات المالية الدولية. هذا سينعكس على جميع المحاكم الدولية، وانشاء محكمتي يوغسلافيا ورواندا انما هو تعبير عن هذا الاتجاه، وحتى في المحكمة المعنية أساساً بالنزاعات بين الدول وليس بين الافراد، فان هذه النزاعات ستجد طريقها لهذه المحكمة ان عاجلاً او آجلاً. هل يحق للمنظمات غير الحكومية بالتوجه الى محكمة العدل الدولية تحت أي ظرف كان حتى لو كانت ضحية استخدام دولة ما لمفهوم السيادة؟ - القانون الدولي لا يسمح الا للدول أو المنظمات الحكومية الدولية بالتوجه للمحكمة للنظر في القضايا أو اصدار آراء استشارية. ولكن يمكن للمنظمات غير الحكومية التوجه الى منظمات أخرى داخل الأممالمتحدة مثل اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات ولجنة حقوق الانسان. كما يمكن للدول ان تقوم نيابة عن منظمات غير حكومية أو أفراد ضمن حدود معينة، منها استنفاد الشروط المحلية للتقاضي. لكن النقطة المهمة ان القانون الدولي هو تماماً عكس القانون الداخلي اذ أن أساس التقاضي أمام محكمة العدل الدولية هو القبول المسبق للدولة بأن يفصح عنه مباشرة للمحكمة أو ضمن معاهدة دولية تشير الى امكانية إحالة النزاع الى المحكمة. وماذا عن الدول التي تقبل بالولاية الالزامية للمحكمة؟ هل تشكل الأكثرية؟ وكم عددها؟ وما الفرق بين الولاية الالزامية والوسائل الأخرى للجوء للمحكمة؟ - تنص المادة 36 فقرة 2 من النظام الأساس للمحكمة على امكان ان تقوم الدول بإيداع نص لدى المحكمة يقوم بموجبه قبول إحالة كل نزاع هي طرف فيه الى المحكمة. وهناك عدد قليل من الدول قبلت بإيداع نص كهذا ولكن مع اضافة كثير من التحفظات التي تلغي مضمونه كأن يخرج من اطاره النزاعات المتعلقة بالشؤون الداخلية أو النزاعات ذات الطبيعة السياسية وتحدد الدولة نفسها طبيعة هذه النزاعات السياسية. وهناك كذلك اسلوبان آخران، أولهما ان تكون دولة ما طرفاً في اتفاقية دولية تنص احدى موادها على احالة النزاع حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية الى المحكمة. وبالتالي يمكن للدولة الأخرى الطرف في النزاع ان تستند الى هذا النص وهذا ما حصل بين ايرانوالولاياتالمتحدة بشأن اسقاط الطائرة الايرانية وقضية الرهائن الأميركيين. وهذه الاتفاقات ممكن أن تكون ثنائية أو متعددة الأطراف. وكذلك ليبيا في قضية لوكربي حيث ان ليبيا والولاياتالمتحدة طرفان في احدى الاتفاقيات المتعلقة بسلامة الملاحة الجوية. الأسلوب الثالث ان يقبل الطرفان في نزاع معين اللجوء للمحكمة من دون وجود اتفاق مسبق. وعادة ما يحدث ذلك بين الدول التي تشارك في حضارة معينة. هل من مصلحة الدول القبول بالولاية الالزامية للمحكمة؟ - من ناحية القانون الدولي فذلك مرحب به من ناحية تطبيق العدالة لكن الواقع السياسي خلاف ذلك. هل هناك تضارب أو تنسيق بين محكمة العدل الدولية والمحاكم الجنائية الدولية، أو المحكمتين الخاصتين بيوغوسلافيا ورواندا ومحاكمة الأفراد كمجرمي الحرب؟ - المحاكم الخاصة ليست فكرة جديدة إذ سبق أن حوكم مجرموا الحرب أمام محكمتي نورنبيرغ وطوكيو، وربما حالت الظروف السائدة إبان الحرب الباردة من دون قيام محاكم جنائية تعتمد مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية، ولكن بانتهاء هذه الحرب وظهور نزاعات ذات طابع عرقي لا تهدد عموماً السلم والأمن الدوليين وانما هي أشبه بالقبلية الجديدة تهيأت الظروف لانشاء هذه المحاكم التي ما زال البعض يطعن في شرعيتها لأنها محاكم خاصة. وبالتالي كانت هناك فكرة طورت أساساً في لجنة القانون الدولي بانشاء محكمة جنائية دولية وقد تم في مؤتمر روما عام 1998 الاتفاق على ميثاق المحكمة وما زالت لم تدخل حيز التنفيذ.