في فضاء تتجاور فيه الأزمنة وتتشابك الحكايات، بدا جناح الصين ضيف الشرف في الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية «بنان» كأنه بوابة مفتوحة على عمق حضارة راسخة؛ حيث تمتزج رائحة الخشب القديم بألوان الصباغات التقليدية، وتنساب خيوط القماش لتروي قصصًا صيغت عبر آلاف السنين. هنا لا تحضر الحرفة بوصفها منتجًا فنيًا فحسب، بل كذاكرة تصاغ بالأصابع، وتحمل في تفاصيلها روح الإنسان الصيني ومخيلة أجداده.ص وعلى امتداد الجناح، يشارك عدد من الحرفيين والحرفيات الذين يمثلون مدارس فنية متعددة من أنحاء الصين، مقدمين عروضًا حية تستعرض المهارات المتوارثة عبر الأجيال، وتكشف تنوع الفنون التقليدية من نحت رؤوس الدمى والرسم بالقماش إلى صباغة الشمع والتطريز والخزف والمراوح وفنون الورق. هذا وسلطت «الرياض» على ثلاث فنانات يمثلن جزءاً من مشهد حرفي واسع موجود في المعرض، إذ قدمن عروضًا تفاعلية لثلاث مدارس تراثية دقيقة، chacune تشكل جزء من الهوية الثقافية للصين. «زيان هوانغ» نحت الرؤوس.. وتمثل الفنانة زيان هوانغ إحدى الوريثات الممثلات لفن نحت رؤوس دمى «جيانغ جيازُو»، وهو فن شعبي عريق يعود تاريخه إلى الجنوب الصيني. وتُظهر هوانغ للزوار مراحل تشكيل رأس الدمية من قطعة الخشب الأولى، مرورًا بنحت العظام الدقيقة وتفاصيل العيون والحاجبين والفم، وصولًا إلى تلوين الوجه لتكتمل الدمية. وتعد صناعتها من أكثر الحرف التي تتطلب دقة وصبرًا، إذ تمتد مهاراتها عبر أجيال من الحرفيين. «يي بينغ زانغ» صباغة الشمع.. وقدمت الفنانة يي بينغ زانغ، الوريثة الممثلة على مستوى المقاطعة لفن صباغة الشمع (الباتيك)، عروضًا تكشف مراحل هذا الفن المعتمد على الشمع والأصباغ الطبيعية. وتبدأ العملية بوضع النقوش بالشمع، ثم صباغة القماش بالألوان المستخلصة من النباتات، ثم إزالة الشمع لتظهر التصاميم التقليدية. ويُعد هذا الفن أحد أهم الرموز الثقافية في مقاطعة قويتشو، حيث يرتبط بالهوية الشعبية والعادات القديمة. «لي لين لو» الرسم بالقماش.. وفي زاوية أخرى، قدمت الفنانة لي لين لو فن الرسم بالقماش، وهو أسلوب بصري يعتمد على دمج أقمشة وخيوط متعددة في لوحة واحدة. وتمتد مراحل العمل عبر أكثر من تسع خطوات تشمل الرسم والقص واللصق والتجميع والتشكيل النهائي. وتبرز أعمال لو في تفاصيلها الدقيقة وقدرتها على تحويل الأقمشة إلى طبقات لونية وزخرفية تُحاكي لوحات الرسم الكلاسيكية. جناح يصوغ لغة الثقافات.. تكتسب مشاركة الصين في «بنان» أهمية ثقافية خاصة، إذ يقدم الجناح تجربة تفاعلية تتيح للزوار الاقتراب من جوهر الفنون الصينية: حرفة تمارس كطقس، وتاريخ يعاد تشكيله أمام العين، وجمالية تستمد حضورها من احترام التفاصيل. وفي هذا الحضور المتنوع، يكتشف الزائر كيف تتحول الحرف اليدوية إلى جسر ثقافي بين المملكة والصين، وإلى لغة فنية تتجاوز الزمن والحدود.