يعتبر الفنان التونسي إبراهيم البهلول، حالة خاصة في المشهد الموسيقي التونسي والعربي عموماً، فعمله الفنّي يرتكز على تقنيات حديثة وإيقاعات تشكل الوجه الإنساني والحضاري لشعوب شمال القارة الأفريقية، وأعماله تحاكي العصر من دون الذوبان فيه. قدم البهلول أخيراً عملاً بعنوان"طَرق"، وحول العرض والتسمية يقول البهلول أن هذه الكلمة تعني الطرق على الشيء، أو طرق الشيء، كما تعني أيضاً في بعض معانيها الصوت الطرق المصوّت وهي تقنيات بربريّة إذ تحمل المرأة طرف ردائها لتغنّي وهي تمسكه وكأنّه صدى لما تغنّي. ويؤكد البهلول أنّ المسألة مرتبطة أساساً بالإحساس، واختار هذه التسمية للعرض لتكون أقرب الى التراث القديم الضارب في عمق التاريخ. وحول بداياته واختياره للإيقاع من دون غيره يقول:"أحب الإيقاع كثيراً، واختياراتي اعتمدت الموسيقى الإيقاعية أيضاً، وهو ليس اختياراً ذوقياً أو سفسطائياً بل مدروس ومبني على منهجية علمية". ويتحدث البهلول عن أصول الإيقاعات التي تعود غالبيتها الى القارة السمراء فيقول:"القارة الأفريقية من أقدم القارات، وهي قارة ترابيّة مما أثّر في طبع وسلوك سكانها، فالكائن الترابي حيويّ وديناميكي يسعى الى التخلص من الأرض وتعيده الجاذبيّة إليها، فتتأسس بذلك العلاقة من خلال الصراع التي تجسدها القفزات المتتالية، مهتزّة وحادة لتكوّن الإيقاع، وهي عوامل لا تتوافر في آسيا مثلاًَ التي هي نصف نغميّة نصف إيقاعيّة، أو أوروبا التي تعتمد اللحن ميلودي فقط ولا وجود للإيقاع فيها". وعن فرقته الموسيقية"أفريقا"يقول البهلول أنها تمثّل منظومة خاصة ورؤية موسيقية متكاملة انطلاقاً من الموروث والمخزون المحلّي، وهي امتداد لمجموعة"رقش"أول فرقة أسسها عام 1986". و"أفريقا"التي تأسست عام 1999 تهدف الى تأسيس كتابة موسيقية وإيقاعية مغايرة..."، ويشير البهلول الى أنّ تجميع هذه التركيبة في مجموعة واحدة تطلّب جهداً كبيراً وبحثاً كثيفاً ومتواصلاً في عدة فضاءات موسيقية. ومن الأعمال التي قدمتها الفرقة"أفريقمبرا"الذي أراد البهلول من خلاله أن يصنع المفارقة، إذ اعتمد على آلات موسيقية بعضها في طريقه الى الاندثار لدمج موسيقى السود في تونس والموسيقى ذات الخصوصية البربريّة التي تتميز بالمحور الخماسي. وكان هذا العرض هو أول عرض في تاريخ الثقافة التونسية، يظهر نقاط التكامل والتواصل بين النمطين الموسيقيين، اللذين يمثلان ثقافتين تتعايشان معاً ولم تندمجا أبداً من قبل. وقدم العمل بعد بحث ميداني، وعلى أثره أسس البهلول أول مهرجان لموسيقى السود في تونس، جمع خلاله أربعة أنماط موسيقيّة هي"السطمبالي"و"البنقا"و"سيدي منصور"و"سيدي مرزوق"وكلّها أنماط تعيش في تونس لكنّ جذورها الأصليّة من داخل القارة السمراء. وفي مرحلة أخرى بدأ البهلول طرح فكرة الكتابة الموسيقية من خلال البحث في الموروث المحلّي التونسي، وعمل على مسح المخزون الغنائي الموسيقي والإيقاعي في تونس، وما زالت الرحلة مستمرة يعتمد فيها على التصوير الفوتوغرافي والفيديو والتسجيل الصوتي والتدوين. وحول قطعه مع السائد وتأسيسه لرؤية مشهدية خاصة يقول البهلول:"أسعى الى القطع مع النظرة السطحية المبتذلة والآنية الى الموروث الموسيقي والغنائي، وأهدف الى نقله من المشاهد اليوميّة البسيطة إلى الموسيقى الراقيّة، وأبحث في الموروث وفي قدرات العازف والمؤدي وأحاول أن أعيد الآلات الموسيقية التي فقدت أو اندثرت، كما إنني اعتمدت آلات موسيقيّة هي أساساً أدوات منزليّة ذات استعمال يوميّ قد يستهجنها المتلقّي لكن مع تقدم العرض سيفهم دورها وقيمتها الموسيقيّة". ويعتبر البهلول أن عرضه الأخير يحمل بين طياته نقلة نوعية، بل ويقدم بعداً إنسانيّاً، إذ عمل على تأسيس مفهوم موسيقي عالمي بتناول أنتروبولوجي يحافظ على الطقوس الشعبيّة التونسية وينفتح على العالم. ويبدأ العرض باعتماد الحجارة في الإيقاع ثم تتدرج إلى الخشب والمعدن... وصولاً إلى العصر الحديث. وعن عدم انتشار أعماله يبرر البهلول ذلك بقلّة الدعم ويقول:"لن أخفي سراً حين أقول إنني أقدم عروضاً شبه مجانيّة، أحياناً ما نتقاضاه أجراً لأحد العروض لا يكفي للتنقل، كما أنّ فرقتي الموسيقية وأعمالي لا تلقى أيّ دعم أو اهتمام من وزارة الثقافة". يذكر أن البهلول يقدم أعمالاً عدّة مع موسيقيين أوروبيين يمزج فيها أشكالاً عدّة من الإيقاعات، وللفنان التونسي اهتمامات بالفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والمسرح والسينما. الفرقة"افريقيا"في أحد عروضها